945 - لو كان للخطيئة لون
945 لو كان للخطيئة لون
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
اللَّهُم إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَن أَشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ
تَـــٰــرْجَــٰــمَــٰــة:
Arisu-san
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
.
.
“لو كان للخطيئة لون، فلا بُدّ أن يكون أسود. بعد أن سُلبت عيناي، كان ذلك اللون الوحيد الذي رأيته. الجُبن والخوف كانا المشاعر التي وُلدت بها. لم أستطع أن أكذب على نفسي، لم أستطع سوى أن أخفيهما وأتظاهر بأنني لا أبالي. لكن مع تقدّم العمر، لم يتلاشيا. بل تحوّلا إلى بذور نمت في روحي المظلمة والقذرة. جذورهما امتدّت عبر عروقي وقيدت قلبي. راودتني أفكار جديدة، كأن أستخدم الألم لمعاقبة ذاتي الجبانة، أو أن أؤذي الآخرين كي تدمر جذوري السامة سعادتهم.”
“حين انتزعتُ حياتهم، شعرتُ بحرية زائفة. كانت سرابًا يوهمني بأني قد تخلّصت من قيد القدر. في تلك اللحظة فقط، كانت أعصابي المشدودة تسترخي. لم يكن لدي دافع قوي للقتل. إنما مقارنةً بالأمور الأخرى، لم أكن أمانع القتل كثيرًا.”
ارتفع السكين الملطّخ بنقش الفراشة مُصوَّبًا إلى مؤخرة رأس شين لو. الرجل الواقف وسط واحد وثلاثين صندوقًا أسود كان على وشك أن يضرب، حين سمع وقع خطوات في الممر. استدار. فخرج من النور شاب، كان خَلقه الأروع والأسوأ على حدّ سواء.
“هان فاي.”
وفي اللحظة نفسها، تأكّد هان فاي من شيءٍ ما. الرجل الواقف بين الواحد وثلاثين صندوقًا أسود هو غاو شينغ الحقيقي. أزهار التوأم قد ذبلت، غاو تشينغ اختفى، والضحك المجنون ضحّى بكل شيء ليصبح “لامذكورًا”. لم يبقَ سوى غاو شينغ وهان فاي. ابتسم الرجل، إذ قُيِّض له أن يرى خَلقه الأسمى عند نهاية حياته. لوّح بسكينه وأمر جميع تابعيه المقنّعين: “اقتلوه”.
كان الأمر أشبه بأعظم القوانين في هذا العالم. انقضّ المجرمون جميعًا نحو الباب. وبسماع هان فاي لتلك الكلمات الثلاث، ارتجفت روحه. تسلّلت أفكار انتحارية إلى ذهنه، ولولا عزيمته الصلبة لطعن نفسه في الحال. في إقليم الأشباح، قلوب البشر ليست سوى ألعاب. عدا قلّة ضئيلة، لم يستطع معظم الناس مقاومة أمر غاو شينغ، وهذا بعدما فقد مذبحه.
“غادروا هذا الطابق فورًا.” كان هان فاي يخشى أن يُسيطر على العامل والمساعد تاو، فأمرهما بالمغادرة. أمام اللامذكور، لا قيمة للأعداد. الأسلحة الخطرة تتحول إلى أدوات لذبح الرفاق. وحدهم مَن يستطيعون مقاومة الفساد العقلي لهم الحق في البقاء.
“أخي هوانغ، عليك أن تركز على حماية نفسك.” استعدّ هان فاي. لم يسبق له أن واجه هذا العدد من الناس دفعة واحدة. لكن هدفه لم يكن قتل الجميع، بل الاستيلاء على التضحيات في الصناديق السوداء وإفساد الطقس.
“هل تستطيع فعل هذا وحدك؟” وقف هوانغ يين يحرس ظهره.
“أُؤمن بذلك.” اندفع هان فاي كما لو أنه يملك شخصية “المقدام” لا “الجشع”. وعلى الرغم من كثرة القتلة المقنّعين، فإن بُنيتهم أضعف من بُنيته. إضافة إلى أنهم مُلزمون بحماية الصناديق السوداء. لم يحمل هان فاي سلاحًا، لكن تدريبه في العالم الغامض جعل كل جزء من جسده سلاحًا قاتلًا. كل ضربة وجّهها كانت قاضية. المجرمون تشتّتوا إذ كان عليهم الحرص على ألا تُصاب التضحيات بأذى.
ظلّ الرجل يراقب هان فاي. في ذهنه، لم يكن سوى بديل عن “الضحك المجنون”، وعاء لحمل الصندوق الأسود. لكنه لم يتوقّع أن يغدو الوعاء بهذه القوة، محصّنًا ضد سلطة “اللامذكور”، وقادرًا على مواجهة هذا العدد وحده. بالمقارنة به، بدا الأعضاء الأساسيون ضعفاء للغاية. القتلة الذين اعتادوا اللعب بالأرواح صاروا فريسة. ولو استمرّ هذا، ستتفاقم الحوادث. عندها صرف الرجل بصره وركّز على الطقس. هبط سكين الفراشة على رأس شين لو. وبينما صرخ، بدأ النصل يخترق رأسه ببطء. تسيل الدماء على حافة السكين، وزخارف الفراشة تتفتح على جلد شين لو. لقد حمل فعلًا جزءًا من وعي “الحُلم”.
واصل السكين غرسه. فجأة تغيّرت ملامح شين لو. تمزقت شفتاه، وتحولت صرخاته إلى ضحكات!
عيناه تلتهبان حماسة. رفع يديه المقيّدتين ليقبض على ثوب الرجل. بدا كسادي مجنون. توقّف الرجل. لم يجد نمط الفراشة شيئًا غريبًا في دماغ شين لو. لقد كان تعيس الحظ، لكن متفائلًا. لم يعرف اليأس أبدًا.
“هل تخلى الحُلم عني؟ أم أنك خدعتني؟” حدّق الرجل في شين لو الضاحك. تذكّر تلك الليلة الدموية منذ سنوات. للانتقام من فُو شينغ، دمّرت “اللامذكورات” أمل فُو شينغ. الطفل الوحيد الذي نجا وقتها كان يضحك، تمامًا مثلما يفعل شين لو الآن. كان آخر “لامذكور” يغادر. لم يقتل ذلك الفتى، لأنه أراد له أن يعيش في يأس دائم.
“أتُحبّ الضحك إلى هذا الحد؟” قبض الرجل على عنق شين لو. كان فيما مضى يرى ضحكه المجنون أنغامًا عذبة، أما الآن فلم يجده سوى إزعاجًا. “لا يجوز حدوث أي خلل في هذا اليوم. التضحيات التي أعددتها كافية لفتح الصلة بذلك العالم.”
اشتعل نورٌ باهت. فتح الرجل بنفسه الباب السري المؤدي إلى الطابق التاسع عشر تحت الأرض. ظهر الصندوق الأسود الضخم الذي رآه هان فاي في عالم المذبح. لكنه هنا لم يكن أسودًا صرفًا، بل تزيّنت جدرانه ببقع زرقاء لامعة كبزوغ الفجر.
جرّ الرجل شين لو نحو الصندوق. انكمش إقليم الأشباح، واضطربت آلية الصندوق. والأدهى أن جسد الرجل نفسه أخذ يمتزج ببطء مع الصندوق. لم يكن من المفترض أن يوجد، لكن الناس استطاعوا رؤيته. وكل من رآه أصابته لعنة: شياطينه الداخلية انفجرت، وكوابيس تسلّلت من جسده. لم يعد هان فاي يميز إن كان ما يراه واقعًا أم وهمًا.
سكب الرجل كل ما لديه في الصندوق الأسود. امتزجت قوة “اللامذكور” بالصندوق الذي صُمّم على صورة الصندوق الأسود في رأس هان فاي. “سأحمل كل خطاياي لأستقبل حياة جديدة.”
انتشرت الآثام من جسده إلى الكابوس. وُضعت الصناديق الإحدى والثلاثون الصغيرة حول الصندوق الضخم. فُتحت تباعًا.
الأول احتوى على جثة “الفراشة”. سُحق الطفل البشع بسهولة واختفى داخل الصندوق. ثم جاء دور الصندوق الذي يضم دماغ الرقم ٢. لم يستطع هان فاي التخلي عنه. فمنذ البداية كان هذا هدفه، وها قد سنحت الفرصة.
جزء من وعي “الضحك المجنون” في شين لو كان يُراقب دماغ الرقم ٢. بينما يُسحب نحو الحلم الأسود، امتدت أيادٍ أطفال دامية من خلفه، لتجذبه نحو دماغ الرقم ٢.
أسرع المجرمون لإيقافه. كان شين لو تضحية، يُسمح بتعذيبه، لكن لا يمكن أن يموت قبل اكتمال الطقس.
شارك هوانغ يين أيضًا. لكنه، مقارنةً بالقتلة، كان قليل الخبرة. لم يتلق سوى بعض تدريب هان فاي في العالم الغامض. لم يستطع مجابهتهم مباشرة، لكن امتلك ما يفتقرون إليه: الكابوس الذي يُحاصر الصندوق لم يؤثر فيه، لأنه كان جزءًا منه.
دارت المعركة للسيطرة على دماغ الرقم ٢. أما بقية التضحيات فأُلقيت في الصندوق الأسود. تجمّعت هالة اليأس، تجذب العالم الآخر.
كل كائن داخل تلك الصناديق ذاق أقصى درجات اليأس. كل واحد منها رُبّي بعناية على يد “الحُلم”. جميعها كانت مؤهلة لوراثة الصندوق الأسود. امتزجت مشاعرها السلبية بالكابوس. تلاشت البقع الزرقاء السحرية. ورقص الكابوس مع اليأس ليشكّل “الحلم الأسود” الذي رآه هان فاي في عالم المذبح.
غطّى الحلم الأسود الأرض. تحوّل إلى مرآة مظلمة تعكس ليلًا بلا نهاية. رآه الكثير لأول مرة، فأيقنوا أن ذلك العالم حقيقي، لكنه بعيد جدًّا عن العالم الواقعي. حتى “اللامذكورات” لا تستطيع عبور تلك المسافة بسهولة.
تساقط يأس البشر في الحلم الأسود. بُني جسر يأس داخله. كلما ابتُلعَت روح مشبعة باليأس، امتد الجسر أكثر نحو العالم الغامض. لكن، على عكس عالم المذبح، لم يُكمل الجسر نصفه بعد. وبفضل جهد هان فاي، أُنقذ ١٣ صندوقًا.
كان مثخنًا بالجراح، لكن ذلك أطلق جنونه. ربما كانت موهبة “الجزار الليلي”، فقد تصرّف بجنون يفوق القتلة جميعًا. صار أعتى شياطين الأرض. لكنه، ليكون أشرس الشياطين، اختار أن يذبح الأشرار فقط. سقط أتباع الرجل واحدًا تلو الآخر. ظلّ يراقب كل شيء بصمت. يومه قد تدمّر، لكنه لم يُبدِ أي حزن.
“لم تَسِر الأقدار كما رغبت مجددًا. اعتدتُ على ذلك. لكنني لن أستسلم للقدر. سأستخدم أبشع الطرق لأردّ على كل ظلم.” تجمّعت قوى الخطيئة في الصندوق الأسود. ضحّى غاو شينغ بحياته ليغذّي الحلم الأسود.
“هان فاي، أَنَسِيتَ يأسي؟” نظر إلى زهرة التوأم الأخرى. “كنت أعلم أنك ستأتي لإيقافي. لكنني أود أن أخبرك: فُو شينغ انتهى بالدمار لأنه اختار الدمار. وأنت اخترت فُو شينغ، لذا ستنتهي بالدمار كذلك.”
اندفعت كل الآثام نحو الجسر. كان ينوي أن يستخدم روحه لبنائه. ذلك كان آخر ما سيفعله.
“بما أن فُو شينغ قد فشل، فستفشل أنت أيضًا. تظن أنك أوقفتني وأن المأساة لن تقع.” قال الرجل لهان فاي. “لقد دخلتَ عالمي في المذبح ورأيتَ أعظم مستقبل لي. أتظن أنني أريد للعالمين أن يتحدا، وللأشباح أن تحكم كل شيء؟”
“أليس كذلك؟” مسح هان فاي دماءه وحرس صندوق الرقم ٢.
“هل لاحظت شيئًا؟ في مستقبلي، لن تجد أي أثر لـ’الحُلم’.” أخذت صورة الرجل بالتلاشي. “في أبهى مستقبل لي، هو عالم بلا ‘حُلم’. لقد تخلّصت منه بالفعل.”
بدا أن وعي “الحُلم” لديه مخططات أخرى. لم يكن غاو شينغ سوى واحد منها. يأس “اللامذكورات” تحول إلى جسر، لكنه ظلّ عاجزًا عن لمس العالم الغامض. ومع ذلك لم ينوي الاستسلام. كان سيحرق كل روحه لمحاولة أخيرة. لكن، حين همّ بذلك، انفجر بضحك لم يعرف مثله في حياته.
في تلك اللحظة، ترنّحت خادمة الذكاء الاصطناعي نحو الحلم الأسود. لم تعتد على جسدها، وبفعل العجلة سقطت. راحت تزحف بيديها نحو الصندوق الأسود.
كان الرجل قد لاحظها منذ زمن. رآها تزحف ببطء نحوه مثل حشرة. اختفت ابتسامته وهو يحدّق بها. الكوابيس واليأس والألم لم توقفها.
“لا تنظري إليّ بالذنب.” بدا صوته غاضبًا. غاب فرحه السابق. لم يتوقف الوعي الكامن في الخادمة. زحفت بعناد نحو الرجل الذي هابه كل مجرمي شين لو.
اقترب الاثنان. وما إن كادت يدها تلمس الصندوق حتى صرخ الرجل: “لا تقتربي أكثر!”
دفعت الخطايا المرأة بعيدًا. استدار الرجل وسار على الجسر الغير مكتمل. لم يلتفت للخلف. أرادت الخادمة أن تتبعه، أن تساعده كما عجزت عن ذلك في حياته. لكن كل شيء فات أوانه. أحرق كل شيء ليُركّز القناة، ومع ذلك لم يستطع الجسر أن يتصل بالليل. وقف في نهايته ينظر إلى سماء الليل في العالم الغامض. كانت روحه تتلاشى. خسر مذبحه وقوته كلها. جاء إلى هذا العالم خالي الوفاض، وسيغادره كذلك. لم يعرف الندم، ولم يعتذر قط. كان وحشًا حقيقيًا، شريرًا وأنانيًا.
الموت بالنسبة له كان شيئًا سارًا. لذلك استقبل هذا اليوم بابتسامة. لكن، حين حاول الرحيل فعلًا، توقف فجأة. لم يحب هذا العالم، لكن كانت هناك من أحبته دائمًا. مهما آذاها، لم تتخلَّ عنه قط. “أعرف من أنت، لكن لا أستطيع قولها.”
لم يلتفت إلى المرأة. الجسر الذي بناه انهار بين العالمين. نظر إلى يديه الملطختين بالخطايا. حياته كلها كانت كراهية، لكن في أعماق قلبه، ظلّت بقايا حب خافتة.
“لأنني لا أستحق أن أكون ابنك.”
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
فصل رائع، انا احب غاو شينغ (╥﹏╥)
—