907 - الصبي
907 الصبي
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
اللَّهُم إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَن أَشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ
تَـــٰــرْجَــٰــمَــٰــة:
Arisu-san
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
.
.
.
تعثّر الصبي وتراجع ببطء إلى الخلف حتى اصطدم ظهره بالحائط. تدحرجت الشمعة المشتعلة على جانب الطاولة.
وحين أوشكت شمعها الذائب على ملامسة وجه الصبي، مدّ الرقم 3 يده ليصدّها.
“أجِبني.”
لم يشعر الرقم 3 بأيّ ألم. اقترب وجهه العاديّ من وجه الصبي.
ومهما حاول الصبي، لم يستطع الهروب من تدقيق الرقم 3.
تلعثم الصبي، ثم أشار إلى حلقه.
فتح الرقم 3 فم الصبي بالقوة، ليكتشف وجود قطعةٍ حديدية موصولة بخلف أسنانه.
لم يكن الصبي بحاجةٍ إلى عينين ولا إلى فم، حتى لا يفشي أسرار الزعيم.
بعد إزالة القطعة الحديدية، انهار الصبي على الأرض وهو يلهث لالتقاط أنفاسه.
وكان أوّل ما فعله بعد أن تعافى قليلًا هو التقاط السكين وغرسها في صدر الرجل في منتصف العمر.
وبعد أن أخذ بثأره، لمس الجرح كما لو كان يُعجب بعمله.
رمى الصبي السكين بعيدًا.
وقف أمام التميمة الطينية.
“اسمي هارت. أنا الوحيد الذي نجا من بين تسعة أطفال خُدِعوا وجِيءَ بهم إلى هنا.”
كان صوته متقطّعًا، لأنه لم يتكلّم منذ زمنٍ طويل.
“كان والداي وأخي الصغير من الناجين الذين وصلوا إلى مدينة الأمل.
ظننّا أنّ هذا المكان جنّة، لكننا سرعان ما أدركنا أنّه كذلك فقط لفئةٍ معينةٍ من الناس.
كان والداي يعيشان بحذرٍ شديد. وغالبًا ما كنتُ أحتقرهما.
الآن فقط أدركت كم كنت فظيعًا.
ولكي يُدخلانا أنا وأخي إلى المنطقة الوسطى، كانا يدخلان المباني المسكونة لسرقة العناصر الملعونة.
نجحا في ذلك مرة، لكن ذلك لم يكن كافيًا.
وفي أحد الصباحات، لم يعودا بعد أن غادرا.
اكتشفت الدوريات الأمر، وتكفّل نائب قائدٍ برعايتنا، بفضل ما قدمه والدانا من مساهمات.
لكن السعادة لم تأتِ.
فقد باعنا ذلك الرجل أنا وأخي إلى المتجر.
وحين فقدنا قيمتنا في المتجر، باعنا إلى الصيدلية.
فقدتُ عينيّ في الصيدلية.
وأنتما تعرفان ما حدث بعد ذلك.
أصبحتُ عاملًا هنا، أجهّز مراسم الطقوس.”
بدأ كلام الصبي يصبح أكثر انسيابية.
ورغم ما مرّ به، لم يتخلَّ عن الأمل.
“لكنّك لم تُجب بعد عن أحد أسئلتي.”
مسح الرقم 3 بقايا شمع الشمعة اليابس عن ظهر يده، ثم أمسك الصبي من عنقه.
“ما هو أكبر ندمٍ في حياتك؟”
“أكبر ندمٍ لي هو أنني لم أوقف والديَّ ذلك الصباح قبل سنوات.
لو كانا لا يزالان على قيد الحياة، لما حدثت المأساة لاحقًا.”
لم يحاول الصبي حتى أن يُقاوم.
“هل أنت متأكّد؟”
سأله الرقم 3 مجددًا، وكأنّ السؤال يحمل أهميةً قصوى.
“بالطبع.”
أومأ الصبي بصعوبة.
أخرج الرقم 3 دفتر الملاحظات من جيبه.
“تندم لأنّك لم توقف والديك، لكنك لا تندم لأنك سبّبت لهما الحزن؟
ولا تندم لأنك سلّمتَ أخاك الصغير للتاجر مع رجال الدوريات؟
ولا تندم لأنك ضحّيت بروحك للمتسامي الشرير في الصيدلية؟
ولا تندم لأنك قتلت بنفسك الأطفال الثمانية الآخرين هنا كي تبقى على قيد الحياة؟”
ومع كلّ كلمةٍ نطق بها الرقم 3، ازداد وجه الصبي شحوبًا.
كان يظنّ أنّه بعد موت الرجل، لن يعرف أحد بما فعله.
لكنّ الرقم 3 والرقم 2 قد تحرّيا عن كلّ شيء.
“كلما قاومت، ازداد سواد مصيرك.
أنت أتعس، وأحقر طفل، ولا تستحقّ أيّ شفقة.”
أغلق الرقم 3 دفتره، واستدار نحو الرقم 2.
“لقد وجدناه.”
“صحيح. لا يمكنني قراءة مصير هذا الطفل.
وفي هذا العالم، لا يحدث ذلك إلا مع الأشخاص المرتبطين بـ غاو شينغ.”
لمس الرقم 2 عيني الصبي.
فتكسّرت السلاسل غير المرئية التي كانت تقيده.
لقد غيّر الرقم 2 مصيره الأصلي.
“لا أفهم ما الذي تتحدثان عنه.
أعترف أنّني فعلتُ أشياء سيئة، لكن ذلك فقط لأنني كنتُ مضطرًا للبقاء!
كيف سيفهم أمثالكم، أنتم السادة، الذين تعيشون تحت الشمس، ألمنا؟”
بدأ الصبي ينفعل.
ابتسم كلٌّ من الرقم 3 والرقم 2.
“الشمس الاصطناعية في المختبر كانت ساطعةً فعلًا.
وقد أحرقت أعين معظم الأطفال.”
“أنا حقًا لا أفهم ما تتحدثون عنه!
ولا أفهم لماذا تستهدفونني.
أنا بلا قيمة. لقد سرقوا أعضائي، وجسدي تمّ تعديله.
لم أعد أستطيع العيش بالكاد.
لقد دفعتُ ثمنًا باهظًا.
أليس ذلك كافيًا؟”
“ربما حتى أنت لا تعرف قيمتك.”
كسر الرقم 3 ساقَي الصبي المعدّلتين، وسحب قدميه من السلاسل السوداء.
ثم أعاد إسكات الصبي، ووضعه داخل كيس خيش.
حمل الرقم 3 الرقم 2 بيد، والكيس باليد الأخرى، وخرج من الصيدلية.
لم يبدو أنّ أحدًا كان يراهم.
لم يمنعهم أحد.
ساروا عبر الأزقة المظلمة، ودخلوا سوق الليل الصاخب.
“اتّصل بالآخرين وأخبرهم أنّنا وجدنا روح غاو شينغ المجزّأة.
قل لهم أن يتجمّعوا في الموقع المحدّد.”
تمتم الرقم 2 وكأنّه يكلّم نفسه.
عندها، تغيّر تعبير أحد أعضاء الدوريات المارّين.
وبعد تردّدٍ قصير، استدار وركض.
وبعد بضع دقائق، بدأ عدد المارّين في الشوارع يقلّ.
جرّ الرقم 3 الكيس إلى تقاطع المنطقة الوسطى مع المنطقة الداخلية.
وحين أصبحوا على بُعد مئة متر من المنطقة الداخلية، فتح اثنان من رجال الدورية الباب الجانبيّ لهم.
بدت كلّ الأمور وكأنّها مرتّبة مسبقًا.
كانت وجوه رجال الدوريات على الطريق شاحبة، وكأنهم خضعوا للسيطرة.
وبعد أن أُغلق الباب، بدأوا يعودون تدريجيًا إلى طبيعتهم.
بحلول ذلك الوقت، كان الرقم 2 والرقم 3 قد دخلا المنطقة الداخلية.
“حسنًا. لم نعد بحاجةٍ إليكما.”
قال الرقم 2 لرجلي الدورية.
فاستلّ الاثنان سكاكينهما وطعن كلٌّ منهما صدره.
سعل الرقم 3، فتوقّف الاثنان عن الطعن، ثم استدارا وغادرا.
“الجميع سيموتون في النهاية.
فلماذا تُضيّع طاقتك؟”
قال الرقم 2 بلا عاطفة.
“لا سبب. فعلتُ ذلك بدافعٍ غريزي.”
ابتسم الرقم 3.
“في الحياة، هناك الكثير من اللحظات العشوائية.
وأعتقد أنّ هذه الأفعال الغريزية هي ما يُشكّل تدفّق القدر.”
“ذلك منطق الضعفاء.
دائمًا ما يُلقون اللوم على القدر في فشلهم.
لا أريدك أن تصبح واحدًا منهم.”
كان موقف الرقم 2 تجاه الرقم 3 مختلفًا.
في نظره، كان الرقم 1 والرقم 3 فقط في مستواه.
ولم يكن ذلك تمييزًا، بل فقط لأنّه لم يكن مضطرًا لحمايتهم، بل عليهم مساعدته في حماية بقية الأطفال.
“لا أرغب في السيطرة على القدر.
أنا فقط لا أريد أن أتغيّر مجددًا.”
توقّف الرقم 2 عن الكلام.
كان الرقم 3 يمتلك قوّةً خاصة جدًا.
كلماته كانت تحمل معانٍ خاصّة.
كانت المنطقة الداخلية أكثر حيوية من المنطقة الوسطى.
وكانت تشبه شين لو قبل المأساة.
كانت المنطقة الداخلية آخر أملٍ للبشرية، أو هكذا ظنّ من يعيش فيها.
ساروا عبر الشوارع النظيفة.
وفي هذا المكان، حيث كان كلّ شبرٍ يُعادل ثمنه ذهبًا، كان المنزل أمامهم يحتوي حتى على حديقةٍ كبيرة.
وفي نهاية الحديقة المزهرة، كانت لافتة المتجر الرئيسي لـ “صيدلية الخالد”.
“أنا أيضًا أريد إنقاذ الكثير من الناس…
لكن، هل يستحق الأمر؟”
دخل الرقم 3 المبنى.
وكان الأطفال الآخرون ينظّفون بقعة الدم.
غطّوا كلّ الأزهار المتفتّحة بالقماش الأسود، وأطفئوا كلّ الشموع في المتجر.
“نحن جاهزون. يمكننا البدء في أيّ وقت.”
أشار الرقم 4 إلى التميمة في منتصف المتجر.
“لقد بذلت جهدًا كبيرًا لإحضارها من القبو.”
“شكرًا لك.”
أومأ الرقم 2.
وأشار للرقم 3 ليُخرج الصبي.
انهار الصبي على الأرض.
وأصدر أنينًا يائسًا.
“هل هذا هو الصبي؟
يبدو بائسًا فعلًا.”
اقترب الرقم 4 من الصبي وقطّب حاجبيه.
“لكن لا أثر للموت عليه.
لو لم نتدخّل، لكان سيواصل حياته البائسة.”
“لقد غيّرتُ المصير.
نادِ الرقم 1 ليأتي.”
لم يكن لدى الرقم 2 مشاعر البشر العاديين.
كل ما يفعله كان من أجل السيطرة على المصير.
“ما الذي تفعلونه؟”
تكلّم الصبي فجأة.
وبصق قطعة الحديد وسِنّين.
لم يكن بريئًا كما بدا.
لم يتخلَّ أبدًا عن فكرة الهروب من الصيدلية.
وقد خلع منذ وقت طويل الأسنان التي كانت موصولة بالقطعة الحديدية.
“ما نريد فعله بسيطٌ جدًّا.
سنقتلك، ونجعل كلّ الكراهيات الخالصة تصاب بالجنون.
سنكسر طقس التضحية الدموية.”
“أنتم مجانين!
لا أعلم شيئًا عن الكراهية الخالصة أو طقس الدم!
ما علاقتي بذلك؟!”
لم يشعر الصبي بهذا القدر من اليأس من قبل.
“توقّف عن المقاومة، يا غاو شينغ.”
وحين نطق الرقم 2 بذلك الاسم، تحرّكت أنسجة اللحم الميت داخل تجاويف عيني الصبي.
وبينما سال الدم، غطّى عينيه.
“مستحيل! لم أفعل تلك الأمور!
أنا فقط أردتُ أن أعيش!”
انشقّت فجوة في اللحم الميت داخل محجري عينيه.
وضغط بكفّه على الأرض محاولًا الوقوف.
“لا بدّ أنّك عشت يومًا مشابهًا في الواقع،
يومًا تغلّب فيه الخوف والغضب على قلبك.
لم تكن تريد الاستسلام للقدر، حتى لو كان عليك أن تُصبح وحشًا.”
فتح الرقم 1 الباب وخرج من خلف التميمة.
كان ظهوره باعثًا للسكينة في قلوب جميع الأطفال.
حتى الرقم 2 تنفّس الصعداء.
“لم يكن لديّ شيء!
على عكسكم، أيّها المسوخ، لم يكن لديّ حتى شخصية!
أنا فقط أردتُ أن أعيش!
ما الذي فعلته من خطأ؟!”
تسرّب الدم من محجري عينيه.
وانفتح اللحم الميت تدريجيًا.
تدحرجت حدقتان متعفّنتان بداخلهما.
“وماذا عن الذين قتلتهم؟
ما الخطأ الذي ارتكبوه؟”
رفع الرقم 1 ذراعه.
وفي تلك اللحظة، ارتجفت كلّ التمائم عديمة الوجه المختبئة في مدينة الأمل.
قيّدَت سلاسل غير مرئية معصم الرقم 1.
كانت مشابهة لسلاسل المصير التي يستخدمها الرقم 2، وقد تكوّنت من أرواحٍ ميتة.
“حين يصبح مصير الأكثرية خاضعًا لقرار الأقليّة، فإنّ القدر يفقد معناه.
وجودي هو لكسر ذلك.”
جمع الرقم 1 كلّ الأرواح في قبضته اليمنى، وتقدّم للأمام.
“شخصية عديمة الخوف؟”
في تلك اللحظة، خرج صوتٌ آخر من فم الصبي.
تشنّجت سلاسل المصير حول ذراع الرقم 1.
وعلى الطرف الآخر، بدأت كلّ التمائم الطينية بالتشقّق!
“عديم الخوف… هو مجرد خطوةٍ نحو المعجزة.”
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
تَـــٰــرْجَــٰــمَــٰــة:
Arisu-san
—