496 - ملون
ملون
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
اللَّهُم إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَن ْ أَشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ
ترجمة: Arisu san
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
لو لم يدفعها اليأس، هل كانت ستصعد إلى السطح؟
كان الهواء يعبث بوشاح “قطة زجاج البحر” الملتفّ حول عنقها. لم يكن أحدٌ من الحاضرين يتوقع أن تستجيب الفتاة لـ”هان فاي”. غير أن مجرد وجود فرصة للحوار يعني أن الأمل لا يزال موجودًا.
كان الشرطي الشاب الراكض ليمسك بـ”هان فاي” قد أُوقف من قِبل الضابط العجوز. أما الشرطية الواقفة على السطح، فقد تراجعت لتُفسح له المجال.
قال “هان فاي” واقفًا وسط السطح، بنبرة يغلفها الصدق:
«رأيتِ مَن تُحبّين ليل أمس. لا بد أنك عرفتِ حينها أنني لا أكذب.
هي ليست بانتظارك في السماء، لأنني رأيتُها في ذاك المكان!»
كانت عينا “قطة زجاج البحر” لا تزالان خاليتين من الحياة. ربما كانت قد بلغت من الإرهاق مبلغًا عظيمًا. كانت كخزف ناعم المظهر، تملأه الشقوق الخفيّة. حياتها لم تكن سوى تجربة، والحبّ الذي آمنت به، لم يكن سوى مراقبة علمية باردة.
تابع “هان فاي”:
«لقد التقيتُ من أحبّكِ أكثر من أي أحد. فكّري قليلًا… أليس لأنها تعتبرك عائلتها، أخبرتك بذلك السرّ في آخر لحظات حياتها؟ لقد خرقت وعدها، وتخلّت عن تجربتها، وكانت على استعدادٍ لتدمير كل شيء من أجلك… فقط لتقولي الحقيقة. هي تحبك… ويمكننا الذهاب معًا للبحث عنها!»
رفعت “قطة زجاج البحر” عينيها الخاليتين ونظرت إليه. شكرت “هان فاي”، ولكنها هزّت رأسها.
كانت تلك أوّل مرة تُبدي فيها استجابة لأي أحد. كلمات “هان فاي” بدأت تُؤتي أُكلها، حتى الضباط الواقفُون خلفه كانوا متوترين يترقبون.
اشتدّت الرياح، وارتفع صخب الحشود في الأسفل، لكن “قطة زجاج البحر” كانت بعيدة عن كل ذلك. لم يتبقَ سوى دقيقة واحدة على الساعة 10:34 صباحًا.
أخرجت هاتفها المحمول ورفعته إلى أذنها. كان “هان فاي” قد لاحظ من قبل أنّها دأبت على الاتصال بجدّتها، رغم علمها أن المكالمة لن تُجيب أبدًا. ومع هذا، كانت نغمة الاتصال هي نفسها أغنيتها.
راحت النغمة المألوفة تهمس فوق السطح.
امتدّ اليأس كبحرٍ يبتلع قدميها.
فتحت “قطة زجاج البحر” شفتيها، تهمس بلحنٍ لن يُغنّى من جديد. لم يكن في عينيها خوفٌ من الموت. لقد واجهته كما هو.
وقبل أن يسقط جسدها، كانت روحها قد غاصت بالفعل في الهاوية.
كانت كقطة صغيرة، ملتفة عند حافة الهاوية، مبلّلة بفعل العاصفة.
توقفت عن المقاومة، وسمحت لليأس أن يتسرّب إلى جسدها.
تقدّمت خطوة إلى الأمام.
تساقط الحطام من حافة السطح.
حين أغمضت عينيها استعدادًا للسقوط، دوّى صوت أغنيتها من خلفها.
كانت تلك أغنيتها التي لم يحبّها أحد… تُعزف الآن بنغمة فريدة.
كل نغمة حملت وجعًا لا يُوصف، كأنما البحر الأسود يفيض بالألم.
استدارت “قطة زجاج البحر” بدهشة.
صوتها امتزج بصوت “هان فاي”.
القطة الصغيرة العالقة في الهاوية نظرت نحو الظلمة، فرأت شيطانًا قاسيًا.
كان الحقد يرقص من حوله، واليأس ثوبه.
مدّ يديه الملطختين بالدم، وأمسك القطة من مؤخرة عنقها.
لعب بها كما يشاء، والقطة لم تستطع حتى المقاومة.
ضعف الصوت… ثم ملّ الشيطان من اللعب.
نظر في عينيها الغارقتين باليأس، ثم رفعها ووضعها على كتفه.
قرر أن يصعد بها من الهاوية.
وبينما يجرّ خلفه ظلامًا لا نهاية له، تسلّق جدار الهاوية، ناظرًا إلى الأعلى.
عيناه السوداوان انعكست فيهما شمس السماء.
حين استفاقت “قطة زجاج البحر”، كان “هان فاي” واقفًا أمامها،
الشيطان في الأغنية كان قد أمسك بمعصمها،
وفي عينيه انعكس العالم كلّه.
قال لها:
«هيّا… لنعد إلى البيت.»
أمسك “هان فاي” بيدها وسحبها بعيدًا عن حافة السطح.
حينها فقط استيقظ الشرطيون من وقع صوته واندفعوا نحوهما.
بعد كل ذلك الوقوف في مهبّ الريح، كانت ساقا “قطة زجاج البحر” متيبستين من البرد.
فحملها “هان فاي” على ظهره وهرول بها إلى أسفل المبنى.
– «افتحوا الطريق!»
– «تحركوا!»
صرخ الضابط الشاب وهو يفسح الطريق لـ”هان فاي”.
تبعه الآخرون خلفه.
ركب “هان فاي” سيارة الدورية، ووضع “قطة زجاج البحر” في المقعد الخلفي، ثم صعد هو أيضًا.
دُهش الضباط الذين وصلوا تاليًا، فأسرع أحدهم إلى مقعد السائق، والآخر إلى المقعد المجاور.
قال الضابط العجوز، بلطفٍ ودفء:
«لنذهب إلى مركز الشرطة أولًا. سأدفئ السيارة قليلًا.»
اشتغل المحرك.
كان الناس في الخارج يصيحون، بعضهم يهلل للشرطة، وآخرون بدوا وكأنهم خاب أملهم.
احتضنت “قطة زجاج البحر” ساقيها المتجمدتين وجلست منكمشة داخل السيارة، تحدّق من النافذة.
كانت اليأس والألم لا يزالان في عينيها،
لكن أول ما فعلته حين دخلت السيارة هو الاعتذار للشرطة.
أرادت أن تموت بهدوء… لكنها أقلقت الجميع.
استغرب الشرطيان.
كيف لفتاة طيبة كهذه أن تصل إلى حافة الانتحار؟
انطلقت السيارة في طريقها.
أخرج “هان فاي” هاتفه بصمت وأرسل رسالة لـ”لي شيوي”،
وبعد أن تلقّى الرد، وضع حقيبة “قطة زجاج البحر” المدرسية وهاتفها على المقعد بينهما.
فجأة… أضاء الهاتف.
رسالة واردة.
رفعت “قطة زجاج البحر” هاتفها.
لم يتبقّ لها أيّ أقارب، والرقم الوحيد في قائمة جهات اتصالها لم يكن يصل لأي أحد.
أما رسائلها، فكانت تُصنّف كرسائل مزعجة.
قال “هان فاي” مبتسمًا وهو يحدق بهاتفه:
«لم أكذب عليكِ… سأجعلكِ تلتقين بها.»
رأت “قطة زجاج البحر” في ابتسامته دفئًا، لكن صوت الأغنية في ذهنها كان لا يزال يربطه بذلك “الشيطان”.
بإيماءة صغيرة، فتحت فيديوهاتها لتقوم بحذف آخر منشور لها.
غير أنها لاحظت تعليقًا أزرق:
«العالم ليس أسود وأبيض فقط، السماء زرقاء… وسأكون سماءكِ.»
نظرت “قطة زجاج البحر” إلى “هان فاي”، عينيها تركزان عليه:
«هل فعلت هذا؟»
– «فعلت ماذا؟»
أغلق “هان فاي” المنصة.
– «سوىك…»
قالت، وقبل أن تُكمل، ظهر تعليق أخضر:
«العشب أخضر… سأكون عشبتكِ، لتجدي في عالمي موطئًا لكِ.»
ثم بدأت تتوالى التعليقات الملوّنة على الفيديوهات ذات الأبيض والأسود:
«السماء زرقاء، التراب بني، الشمس ذهبية، الزهرة حمراء، قوس قزح ملوّن…»
«أختي الصغيرة، لا تستسلمي! نحن هنا لأجلك!»
«أنا من معجبيكِ منذ ثلاث سنوات… أغانيك أنقذتني في أحلك لحظاتي. أهديكِ وردة حمراء!»
«لا تستسلمي!»
«النهر أزرق!»
«أنا من أهدى قوس قزح. نعم، لديك قاعدة جماهيرية من مجتمعات متنوعة أيضًا!»
«أجل، أختي الصغيرة… أنتِ مدهشة!»
راحت التعليقات تفيض على الشاشة.
شاشة الألوان الزاهية أذابت الصقيع في عينيها.
ترقْرَقَت الدموع، وفاضت، وانفجر الحزن الذي كتمته منذ فقدت عائلتها الوحيدة.
تكوّرت في المقعد، وبكت… بكاءً خالصًا من القلب.
ربت “هان فاي” على ظهرها دون أن ينبس بكلمة.
كان قد واجه شيئًا شبيهًا حين صعد إلى المنصة في مؤتمر “الزهرة التوأم”، وهو الذي كان يعاني من رُهابٍ اجتماعيّ شديد.
حاول البعض حينها تشويه سمعته، فغمرت الشاشة تعليقات لاذعة كالسكاكين.
لكنه صمد، وجاء من آمنوا به ودعموه.
غمرت الهتافات القلوب… وساعدته على الشفاء.
وها هو يحاول استخدام ذات الطريقة… ليُشفي آخرين.
مضت السيارة في طريقها خلال المدينة.
وحين وصلت إلى مركز الشرطة، اقتاد الضباط “قطة زجاج البحر” لتسجيل بيانٍ بسيط،
بينما اتكأ “هان فاي” على طاولة أحد الضباط الشاغرين، يتفقد هاتفه.
وفجأة… رأى اسمه يتصدّر الموضوعات الرائجة.
—