483 - فيلمي الثالث
فيلمي الثالث
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ
َأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرك لِمَا لاَ أَعْلَمُ
ترجمة: Arisu san
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
ما إن غادر هان فاي حديقة الحيوان، حتى تلقّى اتصالًا جديدًا من لي شيوي. لم تعثر الشرطة على أي معلومات تخصّ صاحب المذبح، لكنها كشفت شيئًا عن “المدير غو”. لقد اختفى الرجل، لكن مؤسسته الخيرية بقيت واستمرت، حتى أصبحت من أشهر المؤسسات في “شين لو”.
طلب هان فاي مزيدًا من التفاصيل، ليُصدم بما علمه: بعد وفاة المدير غو، واجهت المؤسسة أزمة مالية كادت تعصف بها، لولا تدخل “فارما الخالدة” التي موّلتها، مما جعلها تؤول ملكيتها من المدير غو إلى الشركة. ومع مرور السنوات، ساعدت المؤسسة عددًا كبيرًا من الأيتام والأطفال المرضى، وركّزت بشكل خاص على الاضطرابات النفسية ومشاكل الدماغ لدى الصغار، ونُفّذ معظم مشاريعها داخل مستشفيات الشركة الخاصة.
لكن ما أثار ريبة هان فاي أكثر، هو أن المؤسسة كانت على صلة وثيقة بالمستشفى الخاص لجراحة التجميل، ذلك الذي أُغلق لاحقًا. فقد كان يُجري عمليات مجانية لكثير من الأيتام.
سأل هان فاي:
“لي شيوي، من هو المسؤول عن المؤسسة حاليًّا؟”
فجميع سجلات مستشفى التجميل قد أُعدِمت، ومن أراد كشف أسراره، وجب عليه أن يسلك طريقًا آخر.
قالت لي شيوي:
“وما الذي تنوي فعله؟”
– “أرغب بالتبرع لهم ومراقبة طريقة استخدامهم للمال.”
كان هان فاي على استعداد لصرف بعض المال في سبيل التحقيق. فإن كانت المؤسسة صادقة، ارتفعت كَرمته في الحياة الآخرة، وإن لم يحدث أي تغيّر، فذلك يعني أن بها ما يُريب.
أجابت لي شيوي بحذر:
“يدعى الرجل كونغ دونغليانغ، لكنّه مشغول جدًا. إن كان تبرعك صغيرًا، فربما لن يُقابلك أصلًا. ثم… لا أظن أن ما تفعلُه فكرة جيّدة.”
قال مطمئنًا:
“لا تقلقي، لستُ بالسذاجة التي تُستَغفل بسهولة.”
فبعدما اكتسب قدرة “تجارة الأرواح”، بات حسّه تجاه المعاملات التجارية أكثر حِدّة، وأراد اختبار قدرته الجديدة. ثم إن عليه رفع كَرمته على كل حال، فليجعل ذلك في شيء نافع.
بعد إنهاء المكالمة، غمره شيء من الحيرة. الشرطة لم تجد شيئًا عن صاحب المذبح، وحتى الآن، لم يعرف اسمه الحقيقي.
“هل صاحب المذبح في العالم المشفَّر بلا اسم أيضًا في هذا العالم؟”
فكر قليلًا، فتذكّر قصة “فو شنغ”. الناس يعرفون مدير “فارما الخالدة” السابق، لكن لا أحد يعلم أن له أخًا أكبر. وفجأة، أضاء النور في ذهنه.
وقبل أن يعود إلى منزله، وصله اتصال من المخرج تشانغ. التصوير قد انتهى، ولا سبب يدعوه للرد، لكنه تردّد قليلًا، فقد يلتقي الرجل مجددًا.
وحين أجاب، جاءه السؤال:
“هل حصل بينك وبين باي شيان خلاف مؤخرًا؟”
– “هاه؟ لا إطلاقًا!” أجاب مندهشًا.
– “إذًا، لماذا حجز تذكرة سفر فور معرفته أنه سيحضر فعالية معك؟”
– “علاقتي معه جيّدة، بل إنه أوصلني بسيارته قبل أيام بعد أن ألقينا القبض على مجرم!”
– “هل أنت واثق؟ لأنه غير رقم هاتفه ولم يعد يُجيب، حسبته مهاجرًا!”
كان الفيلم لم يُعرض بعد، وإن حدث خلاف بين البطل والشخصية المساندة الأولى، فقد يُؤثر ذلك على الأرباح.
فكر هان فاي لحظة، ثم قال:
“أعتقد أنني عرفت السبب!”
– “أخبرني، وسأتحدث إليه بنفسي، على الأقل من أجلي.”
– “في تلك الليلة، رافقني باي شيان إلى الريف لنطارد القاتل. وهناك، عثرنا على حقيبة سفر في مبنى مهجور. طلبت منه تصويري وأنا أفتحها، فضولي غلبني.”
– “ثم؟”
– “كان بداخلها جثة!”
عمّ الصمت الخط على الطرف الآخر.
وبعد برهة، تنهد المخرج تشانغ:
“أظنني بدأت أفهم باي شيان.”
ضحك هان فاي وقال:
“فكر فيها، إن لم أكن أشك أن بها جثة، فلماذا فتحتها أصلًا؟ وحين كنت مستعدًا نفسيًا، فلم أُصدم من رؤيتها!”
– “هان فاي، أنت ممثل رعب بارع، لكن ليس الجميع مثلك.”
تخيّل المخرج ما شعر به باي شيان، ثم قال:
“تعال الليلة إلى مطعم باي شيانغ غي. مدير شركة ستار إنترتينمنت وباي شيان سيكونان هناك. دعنا نسترخي قليلًا.”
– “لا وقت لديّ.”
– “العمل بلا ترفيه يُفسد المرء.” قالها مازحًا، ثم تابع:
“قلقي ليس أن تُهمل عملك، بل أن تُهمل نفسك. مدير ستار إنترتينمنت يود مقابلتك. ورغم أنها شركة من الدرجة الأولى، لا تملك نجومًا لامعين سوى شيا ييلان، وهناك نجم أكشن لم يلقَ نجاحًا.”
– “شيا ييلان؟”
رغم كل ما عاشه في عالم الذاكرة، لم ينسَ تلك المرأة. كانت قد خضعت لعلاج كامل في مستشفى التجميل الخاص بـ”فارما الخالدة”، وقد بدا أنها سرقت وجه امرأة أخرى. كانت فاتنة حينها، ووصلت للصف الأول بجمالها فحسب، لكن مع تقدّم العمر، تراجعت شهرتها. التقاها سابقًا في العرض الأول لفيلم “روائي الرعب”. وإن أراد التحقيق في المستشفى، فإن المرضى هم أقصر الطرق.
– “حسنًا، سآتي حالًا.”
غادر حديقة الحيوان متجهًا إلى المطعم، الواقع بين المدينة الذكية والقديمة. كان المطعم يجمع بين التقنية الحديثة وأجواء الزمن العتيق. أدلى باسمه، فقادَه النادل إلى جناح في الطابق الأعلى، حيث حجز المدير المكان الأغلى لأجل هذه المناسبة.
وما إن فُتح الباب، حتى انسابت أنغام الموسيقى والغناء. الجناح معزول صوتيًا بإتقان، فلا يسمع الخارجون شيئًا مما يحدث بالداخل.
“هان فاي وصل!” صاح المخرج تشانغ، ثم أشار إليه قائلاً:
“سيدي المدير، لا أبالغ إن قلت إن هذا الشاب أفضل ممثل جديد رأيته منذ عشر سنوات!”
كان المدير لي رجلاً ناضجًا، ملتحيًا، أنيق الملبس، وقصير القامة. وقف مصافحًا هان فاي، وكانت تلك بادرة نادرة بين رؤساء الوكالات، مما دلّ على أن وضع الشركة ليس جيدًا، وأنهم بحاجة ماسة لموهبة كهان فاي.
قال له:
“من ‘زهرتان توأم’ إلى ‘روائي الرعب’، لم أرَ من تطوّر بهذه السرعة مثلك.”
ابتسم هان فاي بلُطف، وجلس بجوار باي شيان.
قال مازحًا:
“هاتف جميل، أخي!”
ردّ باي شيان بنبرة مرهقة:
“أرجوك، اتركني بحالي. لا أستطيع النوم منذ تلك الليلة، صورتها لا تفارق عينيّ، حتى اللحم لم أعد آكله!”
– “لمَ؟ الجثة كانت سليمة نوعًا ما.”
– “انتظر، هل رأيت جثثًا غير سليمة؟”
– “كل شكل تتخيله، رأيته!”
ظلّ هان فاي مع باي شيان، إذ لم يكن يحبّ الزحام.
سأله:
“ما الذي يجري؟ لماذا جمعنا المخرج هنا؟”
– “شركة ستار إنترتينمنت تريد التعاون مع المخرج تشانغ. الشركة في مأزق وتريد استثمار كل ما بقي لديها في فيلم جديد. كانوا من عمالقة الصناعة، لكن…”
وأشار للجناح المجاور:
“أولئك الشباب؟ حاولت الشركة ترويجهم، لكنهم متعجرفون وضعفاء في التمثيل.”
ثم أردف:
“أظن أنهم يريدون توقيع عقد طويل الأمد معك. فقط تذكّر، هم من يحتاجك، لا العكس.”
ثم اقتربت شيا ييلان، وقد كانت تغني قبل قليل. كانت قد تجاوزت الثلاثين، لكنها لا تزال فاتنة جذّابة، غير أن رائحة “عفن الأرواح” كشفت لهان فاي وصولها.
قالت بميوعة:
“هان فاي، نلتقي مجددًا.”
ثم جلست بجانبه وقالت:
“استرخِ، قد نكون بطلي الفيلم القادم سويًا. أنا أحسدك. فيلمك ‘روائي الرعب’ كسر أرقامًا قياسية حتى قبل عرضه!”
ثم استبدلت الشاي بكأس خمر، وقالت:
“المدير لي يريد التعاون مع المخرج تشانغ لإنتاج فيلم رعب جديد.”
قال باي شيان بحذر:
“أفلام الرعب ليست سهلة. السيناريو مهم جدًا، وما ترونه من نجاح هو ثمرة جهد مضنٍ.”
ثم أرسل رسالة لهان فاي يحذّره من الإفراط في الشرب أو توقيع عقد مجحف.
في تلك الأثناء، اقترب المدير لي قائلًا:
“لا تقلقوا من النص. سنستلهمه من أحداث واقعية. قبل أعوام، خلال ذروة التقدم في التكنولوجيا الحيوية، كانت هناك موجة عمليات تجميل. كثير من الشركات غير القانونية ظهرت، وسُجّلت مآسٍ عديدة.”
رفع هان فاي رأسه باهتمام وسأل:
“الفيلم عن عمليات التجميل؟”
– “نعم. فالرعب الحقيقي لا يأتي من الأشباح، بل من داخل الإنسان. فالتجميل لا يغيّر الروح.”
سأله بنظرة حادة:
“وهل ستكون شيا ييلان البطلة؟”
– “لطالما كانت الممثلة الثانية، لكن نريد مساعدتها هذه المرّة. ما ينقصنا هو بطل يستطيع التمثيل معها.”
لم يكن المدير يدرك أن اهتمام هان فاي لم يكن فنّيًا.
قال هان فاي بابتسامة خفيفة:
“إن وافق المخرج تشانغ، فأنا مستعد.”
الفيلم لم يكن سوى غطاء. كان الهدف الحقيقي لهان فاي هو كشف الحقيقة. إن الانخراط في إنتاج الفيلم أتاح له مزيدًا من الوقت للتعمق في أسرار شيا يي لان.
—