طبيب البلاء - 125 - قوت
داخل الخزانة المليئة بالفورمالين، تم غمر أجزاء جثة مجزأة بالداخل. كانت هذه جثة نمطية لضحية قفز. من الضرر الذي لحق بالجسد، يجب أن تكون الضحية قد قفزت من ارتفاع عالٍ جدًا. كان بالكاد يمكن تمييز الهيئة البشرية. وبدا وكأن الضحية قد هبطت برأسها أولاً بما أن الجمجمة كانت مكسورة. كان شكل الجثة لا يمكن التعرف عليه عمليًا بفضل الجلد المنكمش الذي يجمعها معًا. منذ أن وقت الوفاة كان حديثًا وتم تشريح الجثة على عجل، لم يكن التعفن بذاك القدر. بخلاف المعدة المنتفخة، بدت الأجزاء الأخرى من الجسم حديثة نسبيًا. من جهة أخرى، زادت الحداثة من فظاعة الأمر برمته.
طفت مقلتا عين شفافتان على بغتة من داخل الجمجمة المتصدعة. بدا وكأنهم يحدقون في مجموعة الأطباء.
«أررغ…» على الرغم من أن كان زيكسوان قد عاد للتو من تشريح جثة، إلا أن التأثير البصري لهذه الجثة قد أثر عليه بعمق. عندها فقط أدرك سون يوهنغ وليو هونغ أنه تم إعطاؤهما جثثًا محفوظة نسبيًا للدراسة بينما تم تخزين أكثر من مئات من مثل تلك الجثث المتعفة داخل المشرحة.
فراغ، خواء, فارغ. كان غو جون ينظر إلى الجثة بتركيز شديد. أخيرًا، بدت بعض الأضواء الضعيفة تومض في زاوية بصره. لقد كانت مقدمة لإثارة الوهم…
«غو جون، كيف تشعر ؟» سألت وانغ روشيانغ بعبوس. لقد شعرت أيضًا بشيئاً مريباً بهذه الجثة رغم أنها لم تستطع فهمه تماماً.
«نحن بحاجة للنظر في مزيد من الضحايا». ترك غو جون مقبض الخزانة سائراً إلى الخزانة المجاورة. قام بفتحها مع وانغ روشيانغ، وكافأوا بكومة أخرى من اللحم والعظام راكدة فى فورمالين، كانت أنسجة أجزاء الجسم المختلفة متداخلة بشكل عشوائي. على عكس تشويه ضحايا مرض بانيان التشوهى، كانت الفوضى أمام عينيه تنافر لا يمكن فهمه. نما الشعور داخل قلب غو جون أقوى، وكان قلبه يتسارع. خفقت صوت نبضات قلبه في ذهنه…
«التالي!» أمر. تحركت وانغ روشيانغ معه لفتح الخزانة التالية. أصبحت رائحة الفورمالين داخل المشرحة نفاذة أكثر مع فتح المزيد من الخزانات، مما كشف عن المزيد والمزيد من الأجسام البشرية المهشمة مثل عرض بشع من نوع ما. لم يكن لدى المجموعة أي فكرة عما كان يفعله غو جون، لكن حتى هم قد شعروا بالأمر المناف للمنطق العالق في الهواء.
تذمر غو جون «فارغ، فارغ» وعيناه تكتسحان جثة تلو الأخرى. كان قلبه ينبض بسرعة كبيرة لدرجة شعوره بالأنزعاج. “هذه… كلها مجرد قشوراً فارغة “.
‘قشوراً فارغة ؟‘ ومضت فكرة في ذهنه، مبددة الضباب. لقد اكتسب فهمًا أعمق لهذا الفراغ…
لم يكن لهذه الأجساد روح، ولا حتى أثراً لساكنيها. هل كان ذلك بسبب ضمور الجهاز العصبي لجميع الضحايا ؟ هل ماتت جميع الخلايا العصبية، أم أن الجوهر الذي جعلهم بشرًا قد تحطم مثل الحلم بمجرد أن أصطداهم بالأرض من ارتفاع، تم طرقه بعيداً بواسطة الألم الهائل الذي جلب لهم الراحة ؟
على عكس الجثث العادية، التي سيكون بها شيء من الإنسانية بداخلها، كانت هذه الأجسام مجرد كتلة من اللحم والعظام الفاسدة. كان الأمر كما لو أن هذا كل ما كانوا عليه… أكياس فارغة متجولة.
«آه». بمجرد أن اكتشف غو جون الأمر، نبض دماغه بألم. تحول الشعور ببطء إلى وهم، وكان على بعد خطوة واحدة فقط من أثارته. لم تكن العلاقة بينه وبين ركيزة هذا الوهم قوية كفاية… قبل تدريبه، كان يعلم أنه لن يستطيع جعل هذه الظلال العائمة ساكنة. ولكن الآن، كان يجمع تركيزه ببطء واستخدم تقنية الإدراك فوق الحسى خاصته لحجب بقية حواسه بأفضل ما يمكن حيث ركز على تصفية «الأصوات» التي جاءت من الوهم. بدا وكأنه يسمع صوت… الرعد.
على الفور، شعر غو جون بروحه وهى تُسحب بعيدًا عن المشرحة، لقد دخل في وهم. كان الرعد القمعي يهدر كما لو كانت ستنقسم السماء في غضب. تسبب ذلك فى تقلص قلبه. كانت عاصفة عملاقة مندلعة حوله. جرف المطر الطين المتعفن الرخو. وحملوا بسيلان الماء إلى حفرة عميقة.
مع اقتراب غو جون، رأى نعشًا مدفونًا بعمق في قاع الحفرة. كان الطين والأوساخ يحاولان التستر عليه. كان تابوت قديم. وتعفنت الألواح الخشبية في العديد من الأماكن. تلاشى لون الخشب نفسه إلى لون بني غريب، وأمكن رؤية بعض المنحوتات الغريبة على سطح التابوت.
فجأة، برطمة، سقطت ذراع فوق التابوت من الأعلى.
كانت الذراع نحيفة كالعظام. كان للجلد المتجعد تكتلات متعفنة تنمو عليه. وكانت الأصابع المنكمشة متصلة بأظافر طويلة وحادة بشكل عجيب، مما أعطاها مظهر لمخلب ما. أمكن رؤية العديد من الشعيرات الدموية منتفخة من البقع المتعفنة. بدا وكأنهم دماء سوداء تتدفق عبر الأوردة.
‘أي نوع من المخلوقات هذا ؟ لا تمتلك الذراع أيه بشرة، لذا فهو ليس نوع المخلوق غير الطبيعي الذي قضى على الحضارة الأجنبية… ‘ أراد غو جون الميلان أقرب لإلقاء نظرة على بقية الجسم، ولكن بمجرد أن فعل ذلك، بدأ الوهم من حوله يرتعش.
وبخ نفسه ‘اهدأ، اثبت‘. تم تذكيره بمحاضرة الكبير تونع. لفهم الفوضى، يجب ألا يحاول فهمها من خلال تصنيفها ولكن من خلال احتضانها. هدأ غو جون سامحاً لأخضاعه من قبل الوهم.
هنغ!
ضرب خط آخر من البرق. ملأت بعض الصور البلا معنى عقله فجأة. لافتات طرق مائلة، غربان راقصة مميتة، اشكال ضبابية فوق شاهد قبر ما، أمطار غزيرة، سماء مظلمة، أشجار قديمة ذابلة، وشواهد قبور متداعية منهارة. كانت صورة لمقبرة…
استمر المطر بالرشق بلا هوادة. تم حفر أحد القبور. وتم رفع التابوت داخله. موضوعاً بجوار شاهد القبر، تم رمى غطاء التابوت بخشونة على الجانب. كانت العديد من الشخصيات المرتدية لملابس غريبة راكعبن حول التابوت. هل كانوا بشراً ؟ كان لديهم رأس وأربعة أطراف وجسم. ومع ذلك، عبر الوهم، استطاع غو جون أن يرى أمتلاكهم لأذرع مشابهة للذراع الغريبة التي رآها تسقط على التابوت في الحفرة في وقت سابق…
كانت أيديهم ورؤوسهم ممتدة داخل التابوت المظلم. الأصوات التى أتت من داخل الغور المظلم. بدا وكأنه كان… شئ يمضغ ويطحن…
تمت مهاجمة هقل غو جون نتيجة الألم الشديد. تم عرض مشهد مثير للاشمئزاز ومخيفاً بشدة أمام عينيه. ظهرت فجأة أمام عينيه إحدى وجوه هذه المخلوقات البشريّة القبيحة. كان يدفع اللحم المتحلل داخل فمه. والعصائر العفنة تتساقط من فكه…
داخل يده، كان هناك شيء صامت ولكنه فوضوي وجه نظره إلى غو جون. لقد كانت مقلة عين متعفنة. انفجر هذا المشهد في ذهن غو جون، وغمره الألم الشديد والغثيان على الفور. كاد أن يصيح من فرط حواسه!
فجأة أصبح لديه فهم واضح لهذه المخلوقات، بل فهماً زيادة أكثر مما أراد.
“غو جون؟! غو جون؟!”
“نحتاج مساعدة. أن شفتيه تتحول إلى اللون الأرجواني. تبدو هذه وكأنها سكتة قلبية! ”
تم تصفية الأصوات العاجلة تدريجياً داخل أذنيه، مخرجة عقل غو جون من هذا الوهم الكابوسي.
«آه…» أخذ غو جون نفسًا عميقًا مع وضوح الرؤية من حوله. لقد أدرك عندها أنه كان يرقد على حافة الخزانة. بضع بوصات أخرى وكان سيسقط في بركة الفورمالين. جزء من الجثة كان يطفو أمام عينيه. كان قريبًا جدًا منها لدرجة تمكنه من رؤية الأعصاب الجافة والأوعية الدموية عليها.
أثناء حمله، هتفت وانغ روشيانغ، «اطلب المساعدة الآن!»
تمامًا كما تحرك زيكسوان للعمل، نادى غو جون خلفه من بين أنفاسه اللاهثة. “لا بأس. ليس هناك حاجة لذلك… لهذا السبب أنا هنا على كل حال… ”
أجبر نفسه على الاعتدال موضحاً للمجموعة المرتبكة، “لا يمكنني الخوض في التفاصيل لأسباب سرية… ولكن فقط ثقوا بي “.
«هل أنت متأكد من أنك بخير ؟» كانت وانغ روشيانغ أكثر قلقًا على صحته. «من الأفضل أن تذهب وتجلس أولاً».
“لا، أحتاج إلى إبلاغ البروفيسور تشين بالنتائج التي توصلت إليها على الفور… رجاء إغلقوا كل هذه الخزائن لى”. أومأ غو جون بعد ذلك إليهم قبل الخروج من المشرحة. كان يمشى بترنح، إلا أنه كان يتحرك أسرع وأسرع. لقد استنزفه الوهم عقليًا، لكنه على الأقل حصل على بعض المعلومات المهمة. أصبحت جثث ضحايا المرض الكابوسى قشوراً فارغة بدون أي روح. لقد اشتبه في أن أرواحهم قد تم التضحية بها من أجل وجود آخر. لم يتم إزالتها بل استهلاكها. كانت أرواحهم أعلافا من نوع ما. لاستدعاؤهم، وكانت أرواحهم هي العناصر المستخدمة في طقوس الاستدعاء.
بوجه جاد، أسرع غو جون في الممر متجاهلاً التحية المرتبكة للمدير. التفت لإلقاء نظرة على المهمة الجحيمية التي ظهرت في صفحة مهام نظامه عدة مرات بالفعل، وهي مهمة لم تتح له الفرصة للتفاعل معها… قبل الآن.
“المهمة الجحيمية: أكمل تشريح جثة كاملة لزومبي واحد في غضون أسبوع. المكافأة: غير معروف “.
المخلوق الذي رآه في المقبرة في وقت سابق، لقد كان زومبي.