760 - العودة (1)
“لنذهب إلى الحداد ونرحل أثناء وجودنا هنا.”
اتخذت القرار فورًا بعدما قيّمت الموقف. مجرد أن الخاتم كان معي يعني أنني هدف في الوقت الحالي. كنت أعلم أنهم يعرفون هويتي ومن أنا.
“…إذا كان تخميني صحيحًا، فسوف يبدأون قريبًا في منع الناس من مغادرة الإمبراطورية. ليس لدينا خيار سوى المغادرة بسرعة.”
“ولكن،”
رِنّ رِن!
توقف ليون، وأخرج جهاز الاتصال. وعندما فعل ذلك، تقوَّس حاجباه بشدة وتحوّل وجهه إلى ملامح قاتمة.
لم أكن بحاجة أن أسأل لأعرف ما حصل.
‘من المحتمل أن والديه أخبراه أن الإمبراطورية رفضت عرضهم. وليس ذلك فحسب، وبالنظر إلى ملامح وجهه، فالموقف يبدو أكثر خطورة.’
قدرت الأمر كله من تعابير وجهه.
نظرت إلى لينوس الذي كان يحاول استيعاب ما يحدث.
“ما الأمر؟ هل حدث شيء…؟”
“نعم، حدث شيء.”
نظرت إلى الخاتم في أصبعي.
“نحن الآن أهداف رئيسية للإمبراطورية. وليس ذلك فحسب، بل لديهم أيضًا مبرر لذلك.”
…وبما أنهم على الأرجح كانوا على علم بهويتي من خلال الخاتم، ومع ما حدث قبل لحظات مع كايوس، صار لديهم المبرر المثالي لإيقافنا.
“علينا أن نغادر فورًا.”
ما زلت غير متأكد من هدف الإمبراطورية في جمع كل الاثار ، لكنني كنت واثقًا من أن الأمر لن يكون خيرًا.
من دون تفكير ثانٍ، بدأت أهرع نحو المكان الذي يوجد فيه الحداد.
والبقية تبعوني من خلفي.
لكن–
“اللعنة.”
ما إن وصلنا إلى هناك، حتى كان المكان محاطًا بالناس.
“ما الذي يحدث…؟”
“لماذا أنتم في هذا المكان؟”
“هذا مختلف عن المعتاد. عادةً يأتون ويغادرون، لكن الأمر يبدو خطيرًا جدًا هذه المرة.”
ردة فعل الحشد وحدها أخبرتني بكل ما كنت بحاجة لمعرفته. تكشفت ملامح الاشمئزاز على وجهي وأنا أحدق في المبنى. كان يقف بجانبه عدة أشخاص يرتدون دروعًا ثقيلة، وبينهم آخرون متشحون بعباءات داكنة.
وكأنهم شعروا بشيء ما، التفت أحد أصحاب العباءات ونظر في اتجاهي.
لم أضيع ثانية واحدة، ففعّلت الحجاب إلى أقصى حد وغطيت أجسادنا كلها.
توتر جسدي في تلك اللحظة القصيرة بينما كانت أعينهم لا تزال مثبتة في اتجاهنا العام.
ولحسن الحظ، لم يطل بصرهم كثيرًا.
بعد وقت قصير، خرجت عدة أشخاص من المبنى.
تعرفت على بعضهم، كانوا جميع الحدادين العاملين في المبنى.
لكن–
‘إنه ليس هنا.’
الحداد الذي كانوا يبحثون عنه لم يكن حاضرًا على ما يبدو.
رفعت حاجبي، خاصة عندما لاحظت الشخصيات ذات الرداء الداكن تتحدث مع الحراس، ويبدو عليهم الدهشة. ثم شاهدتهم وهم يستديرون إلى الحدادين الآخرين، محاولين انتزاع المعلومات منهم.
عندها أدركت أن الحداد قد غادر قبل أن يتمكنوا من الوصول إليه.
‘لكن هذا يجعل الأمور صعبة بالنسبة لي أيضًا. لا أستطيع أن أحدد…’
“…!؟”
فجأةً، أمسكَت يد بكتفي، فانتفض رأسي بدهشة.
ماذا؟ متى…!؟
في اللحظة التي استدرت فيها، لمحت شخصًا مألوفًا.
وضع إصبعه على شفتيه، يخبرني بصمت أن ألتزم الهدوء.
أطبقت فمي بعد لحظة وأنا أنظر إلى ليون.
وعلى عكسي، بدا أنه قد شعر بوجود العجوز.
من دون أن ينطق بكلمة، أومأ الحداد برأسه مشيرًا بذقنه نحو اتجاه آخر، وكانت نظرته تقول بوضوح: لنذهب إلى مكان مختلف.
أومأت برأسي قليلاً وتبعته، وفعل ليون ولينوس الشيء نفسه. شقنا طريقنا معًا إلى عمق قلب المدينة، توقفنا أمام مبنى مميز بباب صغير أخضر وستائر مطابقة على واجهته.
كلاك!
ظل توتر معين عالقًا في الجو بينما كنا نتحرك إلى الداخل.
وبحركة بسيطة من إصبعه، أضاءت شعلة صغيرة أمام الحداد وهو يتنقل في أرجاء المنزل.
وأخيرًا بدأ بالكلام: “أنتم فعلتم شيئًا، أليس كذلك؟”
لم يكن صوته غاضبًا ولا منزعجًا.
لم أخفِ عنه شيئًا، وكشفت له كل ما حدث.
“أحد الأشخاص الذين كانوا يضايقونك سابقًا كان شخصًا نعرفه. ذهبنا للتحقق من الوضع، ونتيجة لذلك لفتنا انتباههم. ما يحدث الآن على الأرجح بسبب ما فعلناه، وهم أيضًا يستهدفوننا غالبًا.”
“همم.”
أومأ الرجل برأسه متفهمًا، وتوقف أمام باب آخر وفتحه، كاشفًا عن شقة صغيرة.
تجولت بعيني في المكان.
لم يكن مكانًا مميزًا. كان صغيرًا نسبيًا أيضًا، حيث كانت المطبخ وغرفة المعيشة متصلين معًا. وبينما كنت أنظر من حولي، أدركت شيئًا.
“المكان مليء بالغبار.”
…بدا وكأن أحدًا لم يسكن هنا منذ وقت طويل.
تقلصت عيناي قليلًا وأنا أتأمل المكان.
ثم–
كرييييك!
توقف العجوز أمام الأريكة الصغيرة في غرفة المعيشة، دافعًا إياها جانبًا ليكشف عن باب سري.
انحنى إلى الأسفل ليفتحه.
“كنت أتوقع منذ زمن أنني سأُجبر على مغادرة هذا المكان يومًا ما. ولحسن الحظ، لقد أعددت العدة لذلك. إذا غادرنا من هنا، سنتمكن من مغادرة المدينة ونجد أنفسنا في الأسفل.”
ظهرت درج طويل لحظة فتح الباب السري.
دخل العجوز مباشرة بعد ذلك.
لم أتبعْه فورًا، بل امتدت يد لينوس إلى كتفي لتوقفني.
“جوليان…”
التفتُّ إليه.
“ماذا؟”
“هذا… هل أنت متأكد أننا نستطيع الوثوق به؟ ماذا لو كان هذا فخًا؟”
لم أجبْه.
بدلًا من ذلك، حولت انتباهي نحو ليون.
كنت قد فكرت في هذا الخيار منذ اللحظة التي تبعته فيها من الخلف. ومع ذلك، كان من الصحيح أيضًا أن وضع الحداد لم يكن جيدًا. كما أنه لم يكن يعلم أننا كنا نخطط للذهاب إلى الإمبراطورية. لهذا السبب، لم تكن هناك حاجة حقيقية للشك في أي شيء.
ومع ذلك، ما زلت أعرف أن هناك احتمالًا أن يكون هذا فخًا، ولهذا السبب نظرت إلى ليون.[** سوال بسيط سحر عاطفي فقط تستعمله عشان تخلي ناس تضحك على نكاتك ؟]
“ماذا تقول غرائزك؟”
“…لا شيء”
أجاب ليون وهو يحدق في الباب السري المفتوح.
” صحيح أن المهارة لا تعمل دائمًا عند الطلب، وليست موثوقة تمامًا، لكن كلما أصبحت أقوى، صارت أدق. كما أنني تعلمت التحكم بها بشكل أفضل، والآن… لا تحذرني من أي شيء. يجب أن يكون الأمر آمنًا.”
“أفهم.”
التفتُّ نحو لينوس.
“هل يكفيك هذا الجواب؟”
“…لا.”
أجاب لينوس دون تردد. ولكن بعد ذلك، تحول وجهه إلى مرارة طفيفة.
“لكن، ليس وكأن لدينا خيارًا آخر، أليس كذلك؟”
ابتسمت حينها.
“معك حق.”
ورغم أنني لم أُظهر ذلك، إلا أنني تمسكت بالأمل في أن يساعدني الحداد. أما ليون، فكان لا يزال يأمل بشدة أن يفي الحداد بعهده فيما يخص السيف.
لقد كانت مخاطرة مستعدين لأخذها معًا من أجل تحقيق أهدافنا.
وعليه–
“هيا ندخل. ابقوا متيقظين في كل الأوقات. إذا لاحظتم أي شيء غريب، أخبروني فورًا.”
“نعم.”
“…نعم.”
مع موافقة كل من ليون ولينوس، لم أتردد أكثر ونزلت درجات السلم المؤدي إلى الباب السري. وعندما نظرت أمامي، وجدت نفسي داخل نفق بدا وكأنه بُني على عجل وبطريقة بدائية.
‘يبدو أن هذا تم بناؤه في غضون أيام قليلة. بالنظر إلى مدى بدائيته، فمن المرجح أنه استخدم سحر الأرض في إنشائه.’
[النار] و[الأرض]…
يبدو أن هذا الحداد ساحر [عناصر] مزدوج.
“أخيرًا وصلتم.”
كان الحداد بانتظارنا عند نهاية الدرج، دائرة سحرية حمراء باهتة تحوم فوق كفه المفتوح.
“هل انتهيتم من النقاش؟ هل قررتم إن كنتم تثقون بي أم لا؟”
“…إلى حد ما.”
اللعنة، إنه شديد الملاحظة…
“همم.”
أصدر الحداد صوتًا قصيرًا، ثم استدار وسار داخل العتمة. وأثناء سيري في النفق، تمكنت من تأكيد شكوكي السابقة. هذا النفق بالفعل من صنع الحداد على عجل بغرض الهروب.
وهذا منحني بعض الاطمئنان.
على الأقل، بدا الأمر أقل شبهًا بالفخ.
بالطبع، لم أخفف من حذري بسبب هذا، بل بقيت يقظًا طوال الوقت، أتبع الحداد من الخلف بينما ظل جسدي مشدودًا.
سرنا بصمت طوال الساعة التالية.
لم ينطق أحد منا بكلمة، كلٌّ غارق في أفكاره، منتبهين بعناية إلى ما يحيط بنا.
لكن عندها–
“لقد وصلنا.”
توقف الحداد أمام مكان ما. ثم نظر حوله، ووضع يده على الجدار، لتتشكل بعد لحظات دائرة سحرية بنية.
أغلق عينيه بينما اجتاحت جسده موجة من المانا.
ارتفع حاجبي دهشة.
‘إنه قوي بالفعل!’
لقد بدا أقوى مما توقعت سابقًا. ومع ذلك، لم يكن الأمر شيئًا يدفعني للقلق.
رعـد! رعـد!
أعقبت أفعاله هزة عميقة بينما ارتجّت الأرض. انشق الجدار، لتتدفق أشعة الضوء عبر الفتحة المتسعة، كاشفة عن امتداد من الأشجار أمام أعيننا.
كان الحداد أول من خرج وهو يتفحص المكان بنظراته.
“لقد خرجنا. لا أستشعر وجود أحد.”
لم أثق به، فاستخدمت [استشعار المانا]. وفي الوقت نفسه، فعّلت المستوى الخامس من السحر العاطفي وحاولت أن أتحسس أي شخص يستخدم المشاعر. بعد ما حدث في الطقس، لم أعد أثق بحواسي.
فقط عندما تأكدت تمامًا من عدم وجود أحد، خطوت إلى الخارج أخيرًا.
“حقًا لا يوجد أحد.”
بينما خرجت، نظرت إلى ليون.
هو الآخر هز رأسه.
“لا شيء؟ حقًا…؟”
“نعم.”
ازداد عبوسي أكثر حين سمعت كلماته.
بدا الأمر سهلًا أكثر من اللازم.
كان لدي شعور بعدم الارتياح حيال الوضع، لكن بما أنني لم أستشعر وجود أحد، وغرائز ليون لم تكن تصرخ في وجهه، فقد كانت كل الدلائل تشير إلى أننا نستطيع العودة إلى الإمبراطورية من دون مشاكل.
لكن… هل كان الأمر حقًا بهذه السهولة؟
عضضت على شفتي ونظرت حولي. وفي النهاية، وبعد أن تأكدت مرة أخرى من أن لا أحد موجود، لم يسعني سوى أن أهز رأسي.
“لنعد. يبدو حقًا أنه لا يوجد أحد.”
وهكذا.
عدنا جميعًا إلى الإمبراطورية.
ومع ذلك–
لم يختفِ شعور القلق أبدًا.
بل ازداد قوةً أكثر.