شارلوك د. مانت - 4 - الموت من العدالة
الفصل4: الموت من العدالة
بعد مغادرة شارلوك لتلك الفيلا، توجه لمكتبه الخاص، ليحلل كل المعلومات التي حصل عليها، لم يرد العودة لمكتبه في مركز الشرطة لأنه كان مراقبا على الاغلب، ففضل مكتبه الخاص الذي لم يعرف بشأنه إلا اشخاص يعدون على أصابع اليد الواحدة.
عشرات الأسماء، عسكريون، سياسيون، قضاة، قضاء فدراليون، وأسماء كبرى في المباحث الفدرالية، والاستخبارات الخارجية.
تلقى شارلوك رسالة غامضة من شخص مجهول. في الرسالة، كان هناك صورة رئيس الأركان ” لويد ماكونفل ” وكلمة واحدة تحتها ” خائن “.
كان المرسل هو مدير مكتب رئيس الأركان. رجل يدعى ” أيسا مايكروفت “.
شارلوك كان من اكثر المحققين شهرة في نيويورك. كان قد حل عشرات القضايا الصعبة والمعقدة وحتى المغلقة مما جعله رمزا للعدالة في نيويورك وافضل من سيلجأ له اي شخص يريد الحقيقة.
قام بزيارة مايكروفت في مكتبه السري، كان في منطقة فقيرة. دق شارلوك الباب الرديء ليفتح له أيسا الباب.
شقة رديئة وبالية، مع إضاءة خافتة وحقيرة، لم تحتو على أي أثاث سوى بضع كراسي وطاولة خشبية متكومة عليها اكوام من الورق.
قبل ان ينطق بأي كلمة تفقد الشقة الصغيرة بأكملها وفتح كل الصنابير، لكن أيسا لم يعترض فقد كان يعرف ان شارلوك كان حذرا للغاية.
لقد كان شارلوك شديد الحذر لدرجة ان أيسا لم يتعرف عليه في البرهة الأولى بسبب تنكره وشعره المستعار الطويل وأسلوب الملابس المختلف تماما عن عادته.
أظهر أيسا مباشرة شارته، وبضع أدلة على خيانة ” لويد ماكونفل ” رغم انه كان يعرف ان شارلوك قد يملك الأدلة بالفعل.
– أنا أيسا مايكروفت، مدير مكتب رئيس الأركان وعضو في وكالة الامن القومي.
قدم أيسا نفسه لشالوك أولا، لأنه كان يعرف ان شارلوك كان يرفع مسدسين عليه تحت معطفه ذو اللون الغبي الاشبه بالمهرج. كان هذا اسلوب شارلوك في التنكر، كي لا يثير الشبهات عليه ان يبدوا غريبا او مجنونا.
– إن ماكونفل يخطط لانقلاب عسكري ضد الحكومة المؤقتة بعد ان يقوم بهجمات ارهابية، وهو يتعاون مع الصين. لدي أدلة قاطعة على ذلك، لكني لا أستطيع تقديمها للسلطات، خوفًا من تسريبها أو تزويرها. وانا أحتاج إلى مساعدتك لإثبات جريمة ماكونفل، وإيقافه قبل فوات الأوان.
أخد شارلوك الملفات بحذر ولم يخفض مسدسه وتفقدها، قبل ان يقارنها بما يملك ليجمع كل الأدلة والقطع الناقصة، لقد جمع كل القطع في لوحة واحدة.
– حسنا، انا موافق، لكن امنحني كل الأدلة التي تملكها في مقابل ذلك.
وافق شارلوك على مساعدة مايكروفت، وطلب منه أن يعطيه الأدلة التي لديه. وقد كانت الأدلة هي عبارة عن مجموعة من المستندات والصور والتسجيلات، تثبت تورط ماكونفل في المؤامرة.
– لقد خبأت هذه الأدلة في مكان آمن، وسأرسلها لك في أقرب وقت ممكن.
رجع شارلوك إلى شقته، حيث كانت تنتظره أَنَّا. أخبرها بما حدث، وطلب منها أن تساعده في هذه القضية.
كانت أنَّا تملك الكثير من المعلومات والعلاقات مع السوق السوداء، لذا كانت تعرف أشخاصا قد يساعدونهم.
مع بعض الاتصالات تمكنا معرفة بعض المعلومات عن تحركات ماكونفل الأخيرة.
اكتشفا أن ماكونفل يلتقي بشكل سري مع بعض الضباط الآخرين في الجيش، وبعض الأشخاص الغرباء في أماكن مختلفة.
كان ماكونفل يستخدم رموزًا عدة ضباط للتواصل مع حلفائه، وأنه يخفي خططه تحت غطاء مشاريع عسكرية وإنسانية.
رغم محاولات شارلوك وأنَّأ فك رموز ماكونفل، والحصول على معلومات عن خططه. استخدما كل صلاتهما من اجل معرفة خطط ماكونفل.
رغم تمكنهما من اختراق بعض نظم الاتصالات والحاسوب التي كان يستخدمه ماكونفل. الا انهما لم يتمكنا من الحصول على أدلة دامغة تدين ماكونفل.
ولكن كل هذه الجهود لم تكن كافية لإثبات خيانة ماكونفل. فشارلوك وجون لم يستطيعا الحصول على الأدلة القطعية التي كان يمتلكها ماكونفل.
فبالتأكيد رئيس الاركان كان حذرًا جدًّا، وذكيًّا جدًّا، وقويًّا جدًّا ليصل لهذا المنصب. كان يحمي نفسه وحلفاءه بشكل جيد، ولا يترك أثرًا أو شبهة.
لكن كان على احد التضحية بنفسه لكشف كل هذا، وكان أيسا مستعدا بهذا. حمل معه نسحا من الوثائق وتوجه لمكتب رئيس الاركان.
كان ماكونفل رئيس الأركان رجلا طموحا ومخادعا، يسعى للحصول على المال والسلطة بأي ثمن. كان يتخابر مع الصين، ويزودها بمعلومات حساسة عن الحكومة والجيش والأمن القومي.
كان يتلقى مقابل ذلك مبالغ ضخمة من الرشاوى غير المباشرة كأسهم في عدة شركات، ووعود بمنصب أعلى في حال نجحت الدولة العدوة في زعزعة الاستقرار في البلاد.
لكن خطته تسير كما كان يتوقع سرب معلومات عن فساد الحكومة والرئيس ومجلس الشيوخ وتسبب في فوضى شعبية وأسقط الحكومة.
لكن كان هناك من راقب تحركاته وسجل مكالماته وصور مستنداته. كان هذا الجاسوس عضوا في جهاز الأمن القومي، وكان يعمل تحت غطاء مكتب رئيس الأركان.
كان يدعى أيسا، وكان شجاعا ووطنيا وذكيا. كان يجمع الأدلة على خيانة الوزير، وينقلها إلى رئيسه في جهاز الامن القومي الذي كان متأكدا من وطنتيه.
بعد أشهر من التحقيق، تأكد أيسا من أن لديه ما يكفي من البراهين لإثبات خيانة رئيس الأركان ووزير الدفاع. قرر أن يضع حدا لهذه لانهيار الأمة.
لكنه لم يرد الكشف عن فسادهم للرأي العام كي لا يفقد الشعب ثقته في الجيش.
في إحدى الليالي، دخل أيسا إلى مكتب رئيس الأركان بعد ساعات العمل، حاملا مجلدا به جميع الأدلة التي جمعها. وجد رئيس الأركان جالسا على مكتبه، يتصفح بعض المستندات.
– أتيت لأخبرك شيئا مهما.
قال أيسا بصوت هادئ.
– أنت خائن، وأنا أعرف كل شيء عن تخابرك مع الصين!
– ماذا تقول؟
صرخ رئيس الأركان بغضب.
– أنت تتهمني بالخيانة؟ أنت تجرؤ على قول هذا لي؟ أنا الذي أحمي هاته الامة واحمل على كاهلي ثقلا لا يمكن لبشر حمله بعد كل هذه الفوضى؟
– لا تحاول أن تنكر.
قال أيسا بثبات.
– لدي جميع البراهين هنا.
ثم رفع المجلد في يده، وأظهر للوزير بعض المستندات والصور والتسجيلات.
– أنت كنت تزود الصين بمعلومات حساسة عن بلادنا، وتتلقى منها رشاوى باهظة. أنت كنت تخطط لإضعاف الحكومة والجيش والأمن القومي. أنت كنت تخون شعبك ووطنك وقسمك… أنا عميل من وكالة الامن القومي، وكنت أراقبك منذ زمن. أنا جمعت كل هذه الأدلة وهي بالفعل موجودة عند عدة اطراف حاليا.
– لا، لا يمكنكم ذلك! أنتم تخونون الدولة!
رد رئيس الأركان ببرود غريب وهو يشعل السيجار.
– أنت لا تفهم، أنا كنت أفعل هذا من أجل مصلحة البلاد. كنت أحاول التفاوض مع الصين، وإقناعها بالسلام، وأحاول إنقاذ البلاد من الحرب والدمار… لقد اصبحوا اقوى منا بكثير ولم نعد قادرين على محاربتهم!
– لا تكذب علي!
قال أيسا بحقد.
– أنت لم تفعل هذا من أجل السلام، بل من أجل المال والسلطة. أنت لم تحاول إنقاذ البلاد، بل إهلاكها. أنت لست رئيس أركان، بل رئيس الخيانة!
– افعل ما تريد وتحمل العواقب!
قال رئيس الأركان بهدوء.
– لا تختر تدمير مستقبل هاته الأمة.
– لا يوجد شيء يمكنك قوله لي يغير رأيي عنك
قال أيسا ببرود.
– أنت خائن، ولا تستحق الرحمة. سأخرج من هذا المكتب، وسأذهب إلى المحكم العليا، وسأعلن عن خيانتك لهم. سأجعلك تشهد انهيار حياتك بعينيك!
ثم انقلب أيسا ليغادر المكتب، لكن قبل أن يفعل ذلك، سحب رئيس الاركان المسدس من خصره، وأطلق النار على ظهر أيسا.
سقط أيسا على الأرض، مصابا بطلقة قاتلة في قلبه. نظر إلى رئيس الأركان بصدمة وخيبة.
– لماذا؟
همس أيسا بصوت ضعيف.
– أسف
قال رئيس الاركان ببرود.
– ولكن لا يمكنني السماح لكم بتدمير الأمة. كان عليَّ التخلص منكم قبل زمن وعدم الانتظار، لكن يبدوا ان لوبي الشركات اصبحوا اقوى من اللازم!
ثم رفع الوزير المسدس إلى رأسه، وسحب المطرقة.
– أهناك كلمة أخيرة؟
كان شارلوك يسمع كل شيء من الميكروفون، ورأى كل شيء من خلال كاميرا هاتف أيسا.
مسلحا ببندقية قنص. كان شارلوك يوجه فوهة بندقيته صوب ماكونفل. بمساعدة رئيس وكالة الامن القومي ” جوردان رادمز” تمكن من الوصول الى هذا المكان.
سحب شارلوك أقسام بندقيته نحو ماكونفل وضغط الزناد ناثرا أحشاء دماغ ماكونفل في الغرفة ومنقذا لحياة أيسا في اخر اللحظات.
– مرحبا بك يا شارلوك
قبل ان يستطيع شارلوك اخد أنفاسه، سمع صوت رجل غريب ضهر خلفه.
– أنا سعيد جدًّا برؤيتك.
– مرحبا بك أنت أيضا، لكن أنا غير سعيد برؤيتك
قال شارلوك تلك الكلمات قبل ان ينهض ويبتعد عن بندقيته ويرفع يديه الى الأعلى.
– لا تكن حزينًا يا شارلوك
قال الرجل وهو يوجه بندقيته الهجومية الى شارلوك.
– إن هذا اللقاء سيكون نعمة لك. فإنه سيخلصك من عذاباتك، وسيجعلك ترقد في سلام.
– لا تكن متغطرسًا يا هذا
قال شارلوك وهو يتمعن في وجهه قبل ان يتمكن من التعرف عليه، كان قائد حرس البيت الأبيض.
– إن هذا اللقاء سيكون نقمة عليك. من أجل العدالة.
– قيم العدالة؟ هذه مجرد كلمات فارغة، لا تعني شيئًا. الوحيدة الحقيقية في هذا العالم هي القوة. ونحن نمتلك القوة. نحن نمتلك الجيش، والأسلحة النووية، والمال، والنفوذ. نحن نمتلك البلاد، والعالم. نحن نمتلك كل شيء. وأنت لا تمتلك شيئًا. أنت مجرد حشرة ضعيفة، تحاول عبثًا مقاومة إرادتنا
– لا تكن مغرورًا يا فلاديمير
قال شارلوك.
– إنك لا تمتلك شيئًا حقا. أنت مجرد خائن جبان، يحاول بشكل يائس الهروب من مسؤولياته. أنت تخون بلدك، وشعبك، وضميرك. أنت تخون نفسك. وأنا أعرف سرك.
– سري؟
قال فلاديمير بدهشة.
– ماذا تقصد؟
– أقصد هذا
قال شارلوك، وأخرج من جيبه صورة صغيرة.
– هذه صورة لك ولزوجتك
قال شارلوك.
– زوجتك التي قُتِلَت قبل سنوات في حادث سيارة.
– ماذا؟ كيف حصلت على هذه الصورة؟
قال فلاديمير بغضب.
– حصلت عليها من مصدر موثوق
قال شارلوك.
– مصدر يعرف حقيقة موت زوجتك.
– حقيقة موت زوجتي؟ ما هي حقيقة موت زوجتي؟
قال فلاديمير بارتباك.
– حقيقة موت زوجتك هي أنه لم يكن حادثًا
قال شارلوك.
بل كان اغتيالًا.
– اغتيالًا؟ من قام باغتيال زوجتي؟ ولماذا؟
رد فلاديمير بفزع.
– من قام باغتيال زوجتك نفس الشخص الذي تعاون معكم في المؤامرة ضد الحكومة
قال شارلوك.
– نفس الشخص الذي تسلمتم منه المال والحقائب النووية والمعلومات. نفس الشخص الذي يخدعك ويلعب بك كدمية. نفس الشخص الذي يريد أن يستولى على كل شيء منك.
– من هو هذا الشخص؟ اسمه؟
قال فلاديمير بغضب.
– اسمه…
قال شارلوك، وأخرج من جيبه صورة أخرى.
– اسمه هذا
قال شارلوك، والقى كلمة.
– الساسة منافقون، قتلة، ولصوص لكنهم أيضا منقذوا الدولة… حتى وان أنقذوها لمصلحتهم!
– هذا؟
صرخ فلاديمير.
– هذه مقولة هاري بي بترسون الرئيس السابق؟
– نعم، هذه مقولته
قال شارلوك.
– ولكن ليس لك كما تعرفه. بل لك كما يعرفه الآخرون. كما تسميه الصين وروسيا وباقي القوى الأجنبية التي تعاون معها.
– ماذا تقول؟ انا ورئيس وكالة الامن القومي من فعلنا كل هذا
قال فلاديمير بحيرة.
– في الواقع اسمك الحقيقي هو فلاديمير كشيكوف، وليس فلاديمير روستن!
– كشيكوف؟ ما هذا الاسم؟ ما علاقته بي؟
قال فلاديمير بصدمة.
– كشيكوف هو اسمك العائلي الحقيقي
قال شارلوك.
– كشيكوف هو اسمك قبل أن يغيروه إلى روستن. كشيكوف هو اسمك عندما كنت جاسوسًا روسيا
– جاسوسًا روسيا؟ أنا لست جاسوسًا روسيا
قال فلاديمير بغضب.
– أنت جاسوس روسي، وأنا أثبت ذلك
قال شارلوك وهو يتحرك بعيدا عن سبطانة البندقية الموجهة له.
– أنت جاسوس ألماني، وأنا أعرف قصتك
– قصتي؟ ما هي قصتي
قال فلاديمير بفضول.
– قصتك هي أنك ولدت في روسيا، وتدربت في المخابرات الروسية. وتم إرسالك إلى هذه البلاد كعميل مزدوج، لتنغرس في الجيش والحكومة. وتزوجت من امرأة تدعى ديانا، وأحببتها حقًّا. وغيرت اسمك العائلي من كشيكوف إلى روستن، لتخفي هويتك الحقيقية. وحاولت الانسحاب من المهمة، والعودة إلى زوجتك. لكن الروس علموا بذلك، وقاموا باغتيال زوجتك. وبعدها انهرت نفسيًّا وعقليًّا، وأصبحت عدوًّا للجميع.
– هذه ليست قصتي! هذه كذبة! هذه خرافة!
صرخ فلاديمير.
– هذه حقيقة! مثلك مثل هاري بي بترسون، ولويد ماكونفل. اولكم يريد بناء مملكة، الثاني خائن عميل للصين، وانت قد جننت.
قال شارلوك.
– انظر إلى صورة جواز سفرك الروسي. انظر إلى صورة شهادة زواجك من ديانا. انظر إلى صورة جثة زوجتك بعد الاغتيال. استمع إلى التسجيل الصوتي لمحادثتك مع رئيس الاستخبارات الروسية. انظر إلى المستندات التي تثبت تورطك في المؤامرة ضد الحكومة. انظر إلى كل هذه الأدلة، واعترف بالحقيقة.
– لا! لا! لا!
قال فلاديمير بإنكار.
– أنت خائن يا فلاديمير. أنت خائن لبلدك، وشعبك، وضميرك. أنت خائن لزوجتك، ولنفسك. أنت خائن للحياة.
قال شارلوك بإصرار.
– لا! أنا لست خائنًا! أنا بطل! أنا قائد! أنا حاكم!
قال فلاديمير بجنون.
– أنا أفضل منك يا شارلوك. أنا أذكى منك يا شارلوك. أنا أقوى منك يا شارلوك
سحبا مسدسيهما من جيوبهما، وأطلقا النار على بعضهما البعض في نفس اللحظة.
الرصاصات اصطدمت في الهواء، وسقطت على الأرض.
شارلوك وفلاديمير نظرا إلى بعضهما البعض، وابتسما بسخرية.
ثم سقطا على الأرض، وأغلقا عيونهم. سحب شارلوك زناد التفجير في اخر انفاسه ليفجر القنابل المزروعة في مقر إقامة هاري بي بترسون لينسفه هو وعشرات المساعدين.
…
كان الشعب يحتشد في الساحة الرئيسية للاستماع إلى كلمة الرئيس الجديد، الذي وعد بإصلاحات جذرية ومكافحة الفساد. كانت أنَّا تقف في أحد المباني المجاورة، تحمل بندقية قنص مزودة بكاتم صوت.
كانت تنتظر اللحظة المناسبة لتنفيذ مهمتها لسنوات لتنتقم لشارلوك، هاته التي طال انتظارها. كانت تكره الرئيس جوردان رادمز بكل قوتها، فهو من تسبب في مقتل شارلوك.
لم تستطع أنا أن تنسى وجه شارلوك الملطخ بالدماء، ولا رسالة التهديد التي وجدتها مع جثته. لم تستطع أن تجد عدالة في المحاكم، فكانت مرتبطة بالرئيس وأتباعه. لذلك قررت أن تأخذ العدالة بيدها، وتنتقم من الرئيس بنفسه.
بدأ الرئيس خطابه بكلمات معسولة ووعود كاذبة. رفع صوته ليصل إلى آذان الحشود المغفلة، التي هتفت باسمه وصفقت له.
لم تستطع أنَّا أن تصبر أكثر. استهدفت رأس الرئيس بالمنظار، وضغطت على الزناد. سمعت صوت طفيف، ورأت رأس الرئيس ينفجر من الخلف. سقط جثة هامدة على المنصة، واندلع الفزع والهلع في الساحة. لم تشعر أنا بأي ندم أو رحمة. شعرت بارتياح عميق، وابتسمت بثأر. ثم غادرت المكان بسرعة، ودوي الرصاص يلاحقها ويخترق جسدها.
شعرت أنَّا بالألم والدماء تغمر جسدها، لكنها لم تستسلم. استخدمت آخر قوتها للفرار من المكان وقيادة دراجتها النارية، والوصول إلى قبر شارلوك، في الضواحي.
هناك، سقطت على قبر شارلوك، وضمت صورته إلى صدرها. نظرت إلى سماء غائمة، وابتسمت بحزن.
– أرجوك اغفر لي على مغادرتك. سألتقي بك قريبا وستجتمع عائلتنا.
أغلقت عينيها المبلولة بالدموع تحت ضوء القمر ونتفات الثلج والألعاب النارية… فارقت أنَّا الحياة ليلة رأس السنة لتلحق بمحبوبها.
– لقد ماتت مثل ما مات.
قال رجل عجوز يحمل بين اصبعيه سيجارا كوبي.
– لم اتوقع ان تقتل ابنك يا سيد مانت وتلحق به حيبته التي في بطنها حفيدك.
اجابه مساعده بهدوء وهو يفرد المضلة ليغطيه من الثلج الذي بدأ في التساقط.
– كل البشر مجرد قطع شطرنج… سيبقون على قيد الحياة طالما يقومون بأدوارهم فقط، لكنه اعتقد نفسه عبقريا لمجرد تجاوزه القانون واقتحام منزلي.
أجاب ببطء وهو يزفر الدخان الكثيف من بين براثنه.