سبب رغبة الشرير في امتلكِ - 85
──────────────────────────
🌷 الفصل الخامس والثمانون –
──────────────────────────
لقد كان ثيودور يتحدث بشكل غير رسمي.
وهذا موقف لا يُخفي فيه حتى ازدراءه تجاه هوغو.
نظرًا لأن الاثنين كانا في نفس العمر، فقد كانا يُظهران في كثير من الأحيان كراهيتهما تجاه بعضهما البعض عبر التحدث بطريقة غير رسمية وكان ينظر أحدهما إلى الآخر بازدراء خلال طفولتهما.
لكن ذلك لم يكن ممكناً إلا في الأوقات التي كانوا ما يزالون فيها مجرد أطفال بريئين.
لقد كانت هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها ثيودور بهذه الطريقة منذ أن أصبح الاثنين بالغين وأدركا أي نوع من الأشخاص هم.
بعد أن أصبحا بالغين وتعلّما كيفية إخفاء مشاعرهما، اختار كلاهما إهانة أحدهما الآخر دون رفع أصواتهما على بعضهما البعض في الملأ.
ورغم أن الإهانات كانت واضحة أمام الناس، إلا أنها كانت تتم بذكاء حتى لا يتم انتقادها كتصرفات مشينة من طرف المجتمع.
ولذلك قام هوغو بتحريك أدولف لصالحه بينما كان يتحكم بكل شيء خلف الكواليس.
إلا أن ثيودور كان يُعبّر عن غضبه بحرية الآن، لدرجة أنه استعاد عاداته القديمة في إهانة هوغو علانية.
“هناك أشياء لا يجب أن تلمسها وخطوط لا يجب أن تتجاوزها. ألا تتوقع من المرء أن يغضب بعدما كسرتَ هذه القاعدة؟”
“هل أنتَ منزعج إلى هذه الدرجة من خسارة منجم ميمينجن للذهب؟”
“أنا لا أهتم لا بالمنجم ولا بأي شيء من هذا القبيل. إذا كنتُ بحاجة إلى الذهب، فيُمكنني استخراجه من أماكن أخرى. لذلك أنصحكَ بأن تقوم بالمثل يا ابن أخي.”
“لن يكون من الجيد بالنسبة لكَ أن تُعاملني بهذه الطريقة المُهينة. أنا أملك في قبضتي حارس أرض الصيد والذي قد يُقدِّم شهادة قاتلة تجاهكَ أمام الملأ. ما يخرج من فمه متروك لي تماماً.”
حارس أرض الصيد الخاصة بثيودور، والذي أخفاه ديغريل كسلاح سري، وقع الآن في أيدي هوغو.
بناءً على كلماته، خمّن هوغو أن هناك سرًا بين ثيودور وآنيت، وأدرك أنه سيكون نقطة ضعف لهما.
“هل تعتقد أنني تركتُ حارس أرض الصيد وشأنه لأنني لم أتمكن من العثور على مكان اختبائه؟ لقد تركته وشأنه لأجعلك تُصدّق بأن لديك شيئًا يُمكنك لوي ذراعي به. لكن عندما تقوم بشيء فاسق كهذا تجاه زوجتي، فأنا لا أستطيع الجلوس ساكناً ومشاهدتكَ بهدوء دون أن أقوم بشيء لردعك.”
“ماذا لو أنني فعلتُ شيئاً أكثر لزوجتكَ؟ماذا يمكن للقيط مثلك أن يفعله بينما أنتَ لا تُعتبر سوى عبد وضيع تحت قدمي؟”
“إن العبد يعرف عن الأزقة المظلمة وعالم الإجرام أكثر من الإمبراطور الذي يتربّع فوق عرشه الفاخر في قصره. ألا ينبغي أن تعرف العائلة المالكة النبيلة عن هذه الحقيقة البديهية بالفعل؟ لدي طرق عديدة لإيقاعكَ يا ابن أخي في المشاكل. ليس هناك شيء أسهل من تشويه هذا الوجه النبيل أمام الناس.”
لقد ذكر هوغو وصمة العار التي خَلَّفَت صدمة نفسية وعاطفية كبيرة لدى ثيودور في طفولته عمدًا، لكن ثيودور لم يُعِره أدنى اهتمام واستمر بمهاجتمه دون أن يَرِفّ له جفن.
لقد بدا كما لو أنه قد نسي صدمته العاطفية منذ فترة طويلة للغاية.
كان السبب الحقيقي وراء قدوم ثيودور لزيارة هوغو اليوم هو آنيت، وليس دوافعه الخاصة.
“إذا ارتكبنا نفس الخطأ أمام الناس، فمن سيُعاني منا أكثر، أنا أو أنتَ يا ابن أخي؟ هل سوف أعاني أنا الذي كنتُ معروفاً بأنني لقيط ووحش شيطاني منذ البداية، أم ولي العهد المثالي والنبيل والمؤدب والمُحسن وطيب القلب؟ إنني أحظى بالثناء حتى عندما أكون جامحًا وقاسياً، لكن يجب أن تعلم أنكَ لستَ كذلك.”
كما قال ثيودور، إذا ارتكب هوغو ولو خطأ صغيراً واحدًا، فسوف يتم انتقاده ولن يتمكن من العودة الى صورته المثالية الأصلية أبداً.
عادة يُمكن أن يتم تدمير الصورة المثالية بطبيعتها من خلال عيب واحد صغير فقط.
في الواقع، ألم يُوَبِّخه والده الإمبراطور لأنه فَقَد لوحة واحدة فقط؟
قد يفعل مواطنوا الإمبراطورية المزيد إذا ارتكب خطأ ما على الملأ.
في الواقع، حتى المتظاهرون الذين أُرسلوا لمهاجمة ثيودور أصبحوا إلى جانبه بعد معاملته الجيدة لهم على الرغم من أنهم لم يتلقوا أي اعتذار من الكاتدرائية حتى الآن.
حتى أنه أصبحت هناك شائعات سخيفة تدور بين العامة عن أن الدوق الأكبر، المعروف بالوحش الشيطان، كان أكثر إنسانية مما كان متوقعًا.
لو حدث نفس الموقف لهوغو، لكان قد تم تقييمه على أنه غير كفء، بل وحتى أنه كان ليُصبح مكروهًا بين الناس لأنه لم يفعل ما كان ينبغي عليه أن يفعله وقد يتم إقصاؤه من منصبه حتى.
يستغرق الأمر ثانية واحدة فقط لتغيير الرأي العام.
ثغرة واحدة فقط سوف تدمر حياة هوغو للأبد.
لم يعرف هوغو ما إذا كان هذا عيباً خلقه لنفسه أم مشكلة خلقها شخص ما له.
“أنا أحذركَ بوضوح، لا تلمس الأشياء التي تخصني بعد الآن. سوف ينتهي الأمر حالياً باستعادة ما سُرق مني حتى الآن، ولكن إذا سُرق مني شيء آخر في المستقبل، فلن أترككَ وشأنك.”
لم يكن هناك شك حول ما كان ثيودور يُحَذِّر هوغو بشأنه.
هو لم يكن ينوي أبدًا خسارة آنيت لصالح هوغو أو لصالح أي شخص آخر غيره.
“لقد وعدتُ نفسي بأنني لن أخسر آنيت مهما حدث. لذلك فأنا ليست لدي أي نية لمشاهدة ابن أخي وهو يُحاول دفعها لخيانتي.”
لقد قرّر ثيودور أن يُقاتل العالم بأكلمه من أجل آنيت، لذلك كانت الخسارة أمام شخص مثل هوغو شيئاً مستحيلاً.
“السبب الذي جعلني أبقى صامتًا بغض النظر عما تأخذه مني حتى الآن هو أن جميع الأشياء التي سرقتها مني كانت غير مهمة بالنسبة لي.”
رأى هوغو غضب ثيودور بارزاً في العروق الدموية المنتفخة في الجزء الخلفي من يده ولذلك وضع افتراضاً غريباً.
لقد كان افتراضاً لا يُصَدَّق، ولكن يستحق البحث حوله.
“هل من الممكن أنكَ تحب تلك المرأة حقًا؟”
“هل هذا سؤال حتى؟”
كان ثيودور صادقًا.
لم يستطع ثيودور إخفاء حقيقة أن آنيت قد أصبحت نقطة ضعفه ولذلك جاء لمقابلة هوغو بتهور.
“هذا جنون حقاً. يبدو أنكَ الشخص الذي أصيب بالجنون بيننا هنا.”
غطى هوغو فمه وضحك بصوت عال.
“سيكون من الأفضل لكَ تنظيف القمامة التي وضعتها أمام منزل زوجتي الآن. وإلا فإن الإمبراطورية بأكملها ستعرف عن هواياتكَ القذرة.”
“ما الذي تُلَمِّح له؟”
“كيف عرفتَ يا ترى أن ديغريل يعرف مكان تواجد حارس أرض الصيد؟”
أبقى هوغو فمه مغلقاً.
كاردينال فاسد، وحارس أرض صيد يعيش حياة متواضعة، ووريث إمبراطورية مرموقة.
للوهلة الأولى، لا يبدو أنه يوجد شيء مشترك بينهم، لكنهم كانوا جميعًا متورطين في القمار.
السبب وراء ملاحظة هوغو لتصرفات ديغريل المشكوك فيها هو أنه كان يراقبه في بيت قمار سري للطبقة العليا.
“انسى فكرة أنكَ الوحيد الذي يستطيع أن يؤذيني يا ابن أخي. طالما أنني أتمتع بحماية الإلهة، فأنتَ لم تعد الشخصية الرئيسية في هذا العالم.”
لم يفهم هوغو ما كان يعنيه ثيودور بكلماته، لكنه لم يستطع سؤاله عن المعنى.
لقد تفاجأ هوغو بروح ثيودور القتالية الصادقة التي كان يراها لأول مرة.
بشكل لا يصدق، بدأ هوغو يشعر بالخوف من ابن تلك المحظية الوضيعة ذات الدماء القذرة.
لقد كانت هذه هي المرة الأولى التي يشعر فيها بالخوف من شخص آخر غير والده.
اجتاح هوغو شعور متأخر بالعار من حقيقة أنه شعر بهذه المشاعر تجاه وصمة عار العائلة المالكة، الرجل الذي بالكاد حصل على لقب بصفته ابناً غير شرعي ولم يكن أكثر من مجرد عبد قذر.
لقد تَغَيَّر.
وكان السبب الذي جعله يتغير واضحاً.
آنيت شيرينجن.
كانت المرأة التي أحدثت تغييراً كبيراً في محيط هوغو بمثابة العاصفة التي قلبت حياة ثيودور وجعلته يتغير أيضًا.
العاصفة التي حتى لو كان ثيودور يعلم بأنها قادمة، إلا أنه لم يكن ليستطيع تجنبها وكان سوف يعلق بها للأبد بطريقة أو بأخرى.
* * *
“لقد انسحب المتظاهرون.”
“كان سوف يكون من الأفضل بالنسبة لنا لو أنهم استمرا بالتظاهر لفترة أطول قليلاً.”
نقل هانز أخبارًا جيدة، لكن ثيودور لم يكن سعيدًا تمامًا بها.
حتى لو استمرت الاحتجاجات لفترة أطول، فلم يكن ليكون لذلك أي ضرر عليه.
بدلًا من ذلك، كان ثيودور أكثر قلقاً بشأن حقيقة أن هوغو قد جعل المتظاهرين يتراجعون بسهولة دون أي اعتراض.
“لستُ متأكدًا مما كان يمكن أن يكون أفضل بالنسبة لنا، ولكن عليك التعامل مع هذه الوثائق أولاً.”
وضع هانز جميع المستندات التي أحضرها معه على المكتب، وسرعان ما أصبح المكتب المنظم بدقة فوضويًا وكأن عاصفة ما قد مَرَّت من هنا.
حَدَّق ثيودور في هانز بدلاً من النظر إلى الوثائق.
“لا فائدة من النظر إليّ باستياء هكذا. هذا ليس خطئي، إنه خطأ صاحب السمو الدوق الأكبر الذي قال فجأة أنه سوف يذهب لبضعة أيام إلى الفيلا وأن علي تجهيز جميع الوثائق التي عليه أن يهتم بها مقدمًا.”
“هل خطئي أيضاً أن أعتقد بأنكَ قد أحضرتَ وثائق يُمكنني التعامل معها في وقت لاحق بعد عودتي من الفيلا رغبة منكَ في الانتقام مني؟”
“ربما بدأتَ تُهلوس بسبب حالتك المزاجية، كل هذه الوثائق هي وثائق مهمة للغاية ومستعجلة. بالمناسبة، كم من الوقت تخطط للبقاء في الفيلا؟”
“حتى تعطيني الإذن.”
“أي إذن هذا؟”
كان هانز فضوليًا، لكن ثيودور لم يُجب على سؤاله.
عبس هانز من رد فعل ثيودور غير المكثرت.
“لماذا التقيتَ بولي العهد يوم أمس؟”
“هناك شيء كان يجب علي إعادته له، وأشياء يجب علي استعادتها منه، وأشياء أخرى يجب أن آخذها منه بالقوة.”
“هل أنتَ تتكلم عما أفكر به؟”
إذا كان هناك شيء يجب على ثيودور استعادته أو أخذه من ولي العهد هوغو، فسوف يكون بالطبع منصب الإمبراطور.
لكن كان لدى هانز شعور غامض بأن هذا لم يكن ما كان يتحدث عنه ثيودور.
لقد كان من الصادم بما فيه الكفاية أن ثيودور قد ذهب للقاء هوغو بمفرده دون تخطيط مسبق، لكن الأمر سيكون أكثر سخافة إذا لم يكن الموضوع الذي ذهب من أجله يتعلق بالصراع من أجل السلطة الإمبراطورية.
“هل أصبحتَ مهتمًا بأشياء أخرى لا أعرف عنها شيئاً هذه هذه الأيام؟ أنا لا أمانع طالما أنكَ سوف تفي بوعدكَ لي بتولي منصب الإمبراطور والانتقام من العائلة الامبراطورية.”
نظر هانز إلى ثيودور بنظرات ذات معنى.
“إذا لم تكن سوف تفي بوعدكَ لي فهذا سيكون أمراً يجب علي أن أعرفه مسبقاً. إذا نسيتَ الهدف الذي كنتَ تسعى إليه منذ البداية، من فضلكَ أخبرني بذلك بسرعة. لا يوجد سبب لوجودي معكَ هنا بعد الآن إذا تخليتَ عن وعدكَ لي، كما أنني لا أحتاج إلى أموالكَ أيضًا.”
“لا تكن متعجرفاً. حتى لو اشتغلتَ في مكان آخر، فلن تجد شخصاً يدفع لكَ أجراً سنوياً أعلى من أجركَ الأسبوعي معي.”
“إذا واصلتَ التكلم معي بهذه الفظاظة، فسوف أنتقل للعمل في قصر شيرينجن.”
“حاول. قد تختفي من على هذه الأرض قبل أن تتحرك خطوة واحدة تجاه ذلك القصر.”
كان هانز على وشك أن يقول شيئًا أكثر، ولكن عندما رأى تعبير ثيودور الحازم، أغلق فمه.
“أنتَ لا تحاول حقاً أن تخبرني بأنك سوف تتخلى عن هدفكَ بالوصول إلى العرش، أليس كذلك؟”
“أنا لا أنسى هدفي أبدًا. الأمر وما فيه أنه أصبح لدي هدف آخر بجانب هدفي الأصلي.”
قرّر هانز عدم التحدث عن هذا الموضوع مرة أخرى مع ثيودور الذي وجد صعوبة في فهمه اليوم.
* * *
كان اليوم الذي سوف تغادر فيه آنيت إلى الفيلا يقترب بسرعة.
رسمت آنيت رسمة بقلم كانت تحمله في يدها وتُدوّره حول أصابعها.
مع توارد الأفكار المعقدة إلى ذهنها، أرادت أن تُحرِّك جسدها قدر استطاعتها من أجل تشتيت تركيزها عن تلك الأفكار، لكن جسد آنيت شيرينجن الضعيف لم يكن قادرًا على فعل أي شيء البتة.
وكان من الواضح أنها إذا فعلت شيئًا غير مألوف، حتى لو كان مجرد تدريبات رياضية بسيطة في الحديقة، فإن الشائعات بأن الدوقة الكبرى قد أصبحت مجنونة سوف تنتشر بين الخدم كالنار في الهشيم.
تنهدت آنيت وأبقت يديها مشغولتين برسم فتاة تتدرب على الباليه لتشغل نفسها عن أفكارها المتخبطة.
لقد كانت تحاول أن ترسم الحذاء الأنيق للراقصة والتنورة المنفوشة التي ترفرف مع أدنى حركة من جسمها بأكبر دقة تستطيعها، كما أنها أولت عناية خاصة لشعرها المربوط بإحكام من أجل أن لا يشتت انتباهها أثناء دورانها حول نفسها.
لقد كانت هذه رسمة لها عندما كانت في عالمها الأصلي بينما كانت تتدرب على الباليه كلما كان بالها مشغولاً بالأفكار هكذا …
لقد كانت هذه هي المرة الأولى التي يتبادر فيها الباليه إلى ذهنها منذ وقت طويل.
ولكن على عكسها هي، التي كانت محبوسة في عالم غريب عنها، بدت راقصة الباليه في الرسمة حرة كعصفور يطير تحت السماء الزرقاء.
بينما كانت آنيت في منتصف الرسم، سمعت طرقاً على الباب وظهر هانز.
“مرحبًا يا سيد هانز.”
استقبلته آنيت بنبرة غير مكثرتة دون أن ترفع عينيها عن رسمتها وواصلت اللعب بيديها.
لم يمانع هانز موقفها اللامبالي، لكنه لم يستطع إلا أن يصاب بالصدمة عندما رأى ما كانت تفعله بيديها وصرخ في وجهها قائلاً:
“ما الذي تفعليه بحق خالق الجحيم؟!!”
──────────────────────────
~(اتركوا أي ملاحظات بقسم التعليقات، سأقرؤهم كلهم 😊)~
──────────────────────────
أو بإمكانكم التواصل معي مباشرة على الانستغرام لأي استفسارات.
🌸الانستغرام: Asli_Khadija7@
──────────────────────────