سبب رغبة الشرير في امتلكِ - 78
──────────────────────────
🌷 الفصل الثامن والسبعون –
──────────────────────────
كان المكان الذي أحضرت إليه آنيت ثيودور موجوداً في زقاق خلفي لا يتناسب مع مكانة الدوق الأكبر وزوجته على الإطلاق.
لقد كان مكانًا مظلمًا ومختفياً تحت الظلال لا تصل إليه أقدام البشر العاديين حتى أثناء العمل التطوعي.
طرقت آنيت الباب المتهالك دون تردد وفتحته قبل أن يكون هناك رد.
خرج شخص في الوقت المناسب وعانق آنيت بقوة.
“آااانيييت، حُبِّي.”
لا بد من أنه قد ركض خارجًا بمجرد سماعه طرق آنيت، لذلك فقد كان يرتدي فردة حذاء واحدة فقط في قدمه.
لم ترفض آنيت كلمات ذلك الشخص الودودة رغم أنه عانقها وداعب خدّيها بحنان.
ضاقت عيون ثيودور أمام هذا المنظر وبدأ يُدقّق النظر في مظهر هذا الشخص الغريب.
في البداية اعتقد ثيودور أنه كان رجلاً لأن شعره كان قصيراً مثل الفتيان، ولكن عندما نظر إليه عن كثب، لاحظ أنه كان امرأة.
وبالحكم على حقيقة أن شعر المرأة الأسود كان يتساقط بكميات متفرقة وكأنها مصابة بالثعلبة، فـلا يبدو أنها قد عاشت حياة عادية.
“آنـيـت! حُبِّي! ألا يجب أن تكوني في الحفلة الآن؟ هل أتيتِ سراً لرؤيتي؟”
كانت نبرة صوت المرأة غريبة.
كانت درجة صوتها غير متساوية وكان يبدو أن تَغَنِّيها بالكلام بإيقاع غريب كان أمراً خارجاً عن سيطرتها.
“توقفي عن هذا تاتيانا. يجب أن ندخل أولاً.”
عندما دخلت آنيت، ابتسمت المرأة التي تُدعى تاتيانا بشكل مشرق، وأمسكت بيد آنيت بشكل ودود، ثم دخلت معها.
كان ثيودور مترددًا، لكنه تبعهما إلى الداخل في النهاية.
“لكن من هذا الشخص …؟”
“لا تتظاهري بأنكِ متفاجئة بينما تعرفين من هو بالفعل. إنه زوجي، سمو الدوق الأكبر ثيودور كلايست.”
نظرت تاتيانا إلى ثيودور بشكل متأخر وفتحت فمها في تعجب.
ولأن تعبيرها المتعجب كان مبالغًا فيه للغاية، كان من الواضح أنها لم تتفاجئ حقاً بهويته.
“سموكَ، هذه تاتيانا. إنها صديقة التقيتُ بها أثناء وجودي في مصحة إليسيا.”
قَدَّمت آنيت تاتيانا كصديقة لها، لكن ثيودور كان متفاجئاً أكثر باسم مصحة إليسيا الذي ظهر من العدم.
لقد بدا أنه من المبكر جدًا بالنسبة لتاتيانا هذه بأن تُغادر مصحة إليسيا للأمراض العقلية.
لكن ثيودور لم يستطع قول هذا بصراحة حيال صديقة زوجته، لذلك فتح فمه بحذر قدر الإمكان محاولاً أن لا يُزعج آنيت بكلماته.
“صديقة … التقيتِ بها هناك؟”
“كان هناك ثقب صغير جدًا في الجدار. في أحد الأيام، استطعتُ رؤية عيون شخص ما من خلال تلك الفجوة الصغيرة بينما كان يُحاول التلصص على غرفتي بفضول. لقد فوجئتُ بذلك حقاً في ذلك اليوم. على أية حال، كان ذلك الشخص – والذي هو تاتيانا – الشخص الوحيد الذي يمكنني التحدث إليه في ذلك المستشفى بأكمله.”
كانت تاتيانا مريضة جاءت إلى مصحة إليسيا قبل آنيت.
لقد كانت مريضة مشهورة بصراخها العالي الذي يتردد صداه في جميع أنحاء المستشفى.
كانت آنيت أيضًا خائفة من الأصوات المخيفة التي تسمعها كل يوم من الغرفة المجاورة، لذلك كانت تاتيانا في البداية موضع (خوف) وليس صديقة.
فقط بعد أن تحدثت معها من خلال الفجوة في الجدار الحجري، علمت آنيت أن هستيرية تاتيانا كانت في الواقع دموعًا وشكوى من الظلم.
عندما علمت آنيت أنه حتى تاتيانا قد تم إحضارها ظلماً إلى مصحة إليسيا من قبل عائلتها، شعرت بشعور من القرابة والترابط معها.
كانت آنيت ما تزال تشعر بالوحدة والعزلة، لكنها شعرت بقليل من الحماس بعد العثور في تلك الغرفة المظلمة على صديقة حية أفضل من العفن الجامد في الجدار.
“الفضل كله يعود إلى تاتيانا بأنني نجوتُ من تلك الغرفة دون أن أصاب بالجنون.”
“وهذا ينطبق عليّ أيضًا. لقد تجاوزتُ مصاعبي ولم أُصب بالجنون هناك لأن آنيت استمعت إلى كل ما كان لديّ لأقوله دون شكوى.”
لم يستطع ثيودور أن يقول لـآنيت أنه رغم أنها لم تلاحظ ذلك، إلا أن صديقتها كانت تبدو مجنونة بالفعل.
“تاتيانا من بين الأشخاص الذين بحثتُ عنهم بعد التحدث إلى السيد هانز. بعد أن أخرجتها من مصحة إليسيا، قمتُ بإرسالها لتصبح خادمة إيفون. في الواقع، إنها تُتقن دور الخادمة بشكل رائع للغاية وتُساعدني في جمع المعلومات.”
لقد كان الجاسوس الذي زرعته آنيت بجوار إيفون والذي لاحظ هوغو وجوده هو تاتيانا.
ومع ذلك، فقد كان هوغو يكذب عندما قال أن تاتيانا قد قامت بخيانة آنيت وأصبحت مخلصة له.
بناءً على طلب آنيت، كانت تاتيانا تتبع إيفون في كل مكان بينما تتنكر كشخص متشرد، وفي أحد الأيام كادت إيفون أن تتعرض لحادث عربة خطير، ولذلك أنقذتها تاتيانا من حادث العربة وأصيبت إصابة خفيفة أثناء ذلك، لكن لم تتمكن إيفون، التي كانت ضعيفة القلب وطيبة الفؤاد، من ترك تاتيانا المتشردة المصابة أمامها بمفردها ولذلك أخذتها معها إلى منزلها.
من الطبيعي أن تاتيانا قد نالت استحسان إيفون بعدها وبقيت بجانبها كخادمة.
إيفون، التي كانت وحيدة، ملأت فجوة النقص في قلبها عبر العناية بتاتيانا، التي اعتقدت بأنها كانت في وضع يرثى له أكثر منها.
الآن، أصبحت إيفون تعتمد على تاتيانا في كل شيء لدرجة أنها بدأت تتبع تعليماتها بالحرف، حتى عندما يتعلق الأمر بارتداء الملابس.
هوغو، الذي وجد الوضع مريبًا، بدأ في مراقبة تاتيانا.
وبطبيعة الحال، أخبرته تاتيانا باسم آنيت واعترفت له بخطئها كما كان مُخطّطاً في حال ما إذا كُشف أمرها.
ومع ذلك، قَرّرت تاتيانا تكريس صداقتها وولاءها المطلق لـآنيت، التي كانت صديقتها الوحيدة في مصحة إليسيا وساعدتها على الهروب من هناك.
لم يكن التضامن بين المرأتين اللتين عانتا من نفس الألم شيئًا يمكن أن يكسره هوغو ببساطة.
لقد حَقَّقت تاتيانا الآن هدفها كعميل مزدوج، حيث تظاهرت بالولاء لهوغو وقدمت المعلومات في المقابل إلى آنيت.
كشفت آنيت لثيودور كيف التقت بتاتيانا وكيف هدّدها هوغو بها.
“لا تتفاجأ كثيرًا. تمامًا مثلما زرعتَ يا سموكَ السيد فيلهلم بجوار ولي العهد، أنا زرعتُ أيضًا تاتيانا بجوار إيفون.”
كانت مشاعر ثيودور الصادقة أقرب إلى الصدمة منها إلى المفاجأة.
لم يكن لديه أي فكرة عن أن آنيت قد تبذل كل هذا الجهد للسيطرة على إيفون، كما لم تكن هذه الخطة ممكنة إلا لو كان هناك شخص تثق به تماماً كنفسها.
وبقدر ما كان الأمر مستحيلًا بدون علاقة آنيت المميزة مع تاتيانا، فقد جعله الموقف يُفكر في مدى فظاعة الوقت الذي أمضته آنيت في مصحة إليسيا، لدرجة أن هتين المرأتين قد قامتا بتكوين صداقة وثقة قوية بشكل رهيب.
بالنظر إلى الوضع، يبدو أنه لا داعي للقلق من تهديد هوغو.
طوال المحادثة، كانت تاتيانا متشبثة بذراع آنيت دون أن تتركها ولا للحظة.
يبدو أن الكلب الوفي قد يخون صاحبه قبل أن تخون هذه المجنونة آنيت.
“لكن لماذا أنتما هنا حقاً؟ من المفترض أنه من المهم جدًا وجود مقيم الحفلة الخيرية مع الضيوف. لذا ألا يجب أن تكوني في المستشفى الآن؟”
“لقد جئتُ لأخبركِ أنني لن أستطيع مقابلتكِ في الوقت الحالي.”
“لـــمـااااذا؟!!!!”
فتحت تاتيانا عينيها وأنفها وفمها في حالة من اليأس.
هذه المرة لم يكن رد فعلها مبالغة.
“كما قلتِ، يعتقد ولي العهد أنكِ إلى جانبه بالكامل. وبما أنكِ الآن سوف تكونين عميلاً مزدوجاً، سيكون من الصعب أن يكتشف ولي العهد أننا نلتقي وقد تؤول الأمور إلى ما هو أسوء.”
“لا أريد أن لا أتمكن من مقابلتكِ يا آااانيييت.”
“من الآن فصاعداً، يجب أن تتم الاتصالات بيننا بشكل أكثر سرية لتجنب أعين ولي العهد. لقد جئتُ الليلة لأنني اعتقدتُ أن إيفون لن تبحث عنكِ أثناء تواجدها في الحفلة ولأن ولي العهد سيكون مشغولاً بالطبع.”
عندما اشتكت تاتيانا وبدأت في التذمر مثل طفل صغير، ربّتت آنيت على رأسها بلطف.
قطب ثيودور حاجبيه بينما شعر أنه من المثير للاشمئزاز رؤية شخص بالغ يُعامل كطفل صغير.
لقد كانت هذه هي المرة الأولى التي يرى فيها آنيت تُعَزّي وتُريح وتُواسي وتتعامل بلطف مع شخص آخر.
بدت تاتيانا بائسة لكنها رغم ذلك أخبرت آنيت بكل ما رأته وسمعته أثناء تواجدها مع إيفون.
“لقد كدتُ أعتقد أنها سيدة شابة ذكية تتمتع بقلب طيب ولطيف حقًا، لكنها لم تكن كذلك. كما قلتُ سابقاً، لقد بدأت إيفون تتغير في هذه الأيام، حتى أنها كانت تُحاول علنًا ارتداء الملابس التي ترتدينها يا آنيــت، هل تصدقين ذلك؟! أنا أشعر بالغضب الشديد كلما أراها تفعل ذلك. كيف تجرؤ على الاعتقاد بأنها تستطيع أن تصبح مثلكِ تمامًا يا آااانييييت!”
قُطع التقرير لفترة وجيزة بسبب الضجة التي افتعلتها تاتيانا حول حقيقة أن إيفون قد بدأت تُقَلِّد آنيت، لكن كلامها على أي حال كان يدور بشكل أساسي حول هوغو وإيفون.
“عادة، عندما يُزرع المرء كجاسوس على شخص ما، ألا يجعله ذلك يفعل أشياءً أكثر لؤمًا ودناءة؟ أنا أستطيع أن أقتل إيفون تلك إذا أمرتِني بقتلها يا آنيت. أنا قوية للغاية.”
“نحن أشرار بما فيه الكفاية عبر استغلال طيبة شخص آخر وإنسانيته لسرقة أمله الأخير في هذه الحياة. لذلك لا تلمسي إيفون أبداً ولا تُهدّدي حياتها دون إذني.”
كان صوت آنيت بارداً و قاسياً.
شعرت تاتيانا بالإحباط بسبب موقف آنيت البارد تجاهها.
“لماذا أصبحتِ غاضبة مني فجأة؟ لقد قلتُ فقط بأنني سوف أقتل شخصاً تكرهينه. آنيت، أنتِ طيبة للغاية، لكن المشكلة هي أنكِ دائماً ما تقولين أشياء يصعب فهمها.”
تنهدت آنيت وعانقت تاتيانا لإراحتها.
“سوف تنهار إيفون بسببنا عندما تعرف حقيقتكِ. إذا اكتَشَفَت أن حسن النية الذي قَدَّمَته لكِ كان جزءًا من خطتي، فسوف تُدمَّر عاطفياً بشدة. هذا يكفيني لتحقيق هدفي، لذلك دعينا لا نتسبب لها في أي ضرر آخر.”
شعر ثيودور، وهو يشاهد هذا المشهد، بالارتباك دون سبب.
* * *
قامت آنيت بمواساة تاتيانا ثم غادرت الزقاق الخلفي مع ثيودور مرة أخرى.
كانت هناك نوافير في كل شارع يؤدي إلى مركز العاصمة، ومع ذلك، كانت هناك نافورة محددة أرادت آنيت رؤيتها.
“سموكَ، أرجو منك خلع سترتكَ.”
“ماذا؟”
“الجو بارد بعض الشيء. كما أنني كنتُ أتمنى طيلة حياتي أن يقوم رجل ما بإعطائي سترته في أحد الأيام وأتجول بها في الأرجاء.”
بناءً على طلب آنيت غير المعقول، خلع ثيودور السترة التي كان يرتديها ووضعها فوق كتفيها.
بالنظر إلى كتفي آنيت اللذان كانا يرتعشان قليلاً، بدا وكأنها كانت تشعر بالبرد حقاً.
قام ثيودور، مع قليل من الحقد والامتعاض، بإغلاق جميع الأزرار وحبس آنيت داخل سترته دون أن يسمح لها بإخراج ذراعيها من أكمام السترة حتى.
“لا، توقف. هذا غريب!”
“على الرغم من أنني قد فعلتُ ما تريدين، إلا أنكِ ما زلتِ تشتكين.”
“لقد كنتُ أحاول أن أنعم بتجربة مثل تلك التي تنعم بها بطلات الروايات، وليس أن يتم تقييدي وكأنني معتوهة في مستشفى للمجانين.”
اشتكت آنيت، التي كانت ملفوفة بالسترة وغير قادرة على تحريك ذراعيها، مثل طفل صغير.
عندما لاحظت أن ثيودور لم يكن ينوي فك الأزرار، بدأت في لوي جسدها واستطاعت إخراج ذراعيها من خلال الأكمام.
ربما لأنها كانت نحيفة جدًا، أو ربما لأن سترة ثيودور كانت كبيرة جدًا، إلا أنه كانت هناك مساحة كافية لخروج ذراعيها دون صعوبة كبيرة.
سار الاثنان نحو نافورة جزيرة حورية البحر.
كان صوت طقطقة كعب أحذيتهما بينما يخطوان على الأرضية الحجرية، وصوت حفيف ملابسهما مع مهب الرياح القوي في تلك الليلة المظلمة، هما الصوتان الوحيدان اللذان يكسران هدوء تلك الأزقة الساكنة.
بدت آنيت سعيدة جدًا لدرجة أنها بدأت تهمهم أغنية ما كما لو كانت سعيدة حقاً بسرقة ملابس ثيودور.
ربما كانت صادقة عندما دعت إلى الهدنة، لكن موقفها كان هادئاً جداً بالنسبة لشخص هرب من منزله منذ أيام قليلة.
على الرغم من أن ثيودور لم يقل شيئاً، إلا أن آنيت باشرته بالحديث أولاً.
“هذه الليلة باردة جدًا. لم أعتقد أبدًا أنني قد أبقى هنا الى موسم الشتاء.”
قالت آنيت أنها كانت تشعر بالبرد، لكن ثيودور شعر بالحرارة في ذراعه التي كانت تتشبت بها.
“هل سمعتَ ما كان الجميع يتحدث عنه في الحفلة؟ لقد كانوا يُثرثرون عنا نحن الاثنان، أتصدق ذلك؟ لم يتبرعوا بالأموال التي كان من المفترض بهم التبرع بها، لكنهم رغم ذلك يُثرثرون عن شائعات عديمة الفائدة.”
“ليس هناك موضوع أفضل في العالم الإجتماعي من شائعات الخلاف بيننا.”
“ومع ذلك، لم أكن أعلم أنهم سوف يُوَلُّون هذا القدر الكبير من الاهتمام لقصص الآخرين. نحن لم نكن في علاقة قط، لكن الجميع مهتم جدًا بقصة حبنـ … أوه، أنظر إلى هناك~♡!”
صرخت آنيت بحماس قبل أن تُنهي كلامها تقريبًا.
لقد رأت حوض زهور صغير موضوع على جانب الطريق وأثنت عليه بشكل مبالغ فيه أكثر من اللازم، قائلة أنه ظريف للغاية ويعبق بثنايا الجمال.
عندها فقط أدرك ثيودور سبب ودّ أنيت معه.
لقد اقتربت منه لتبتعد عنه.
إن الهدنة التي طلبتها منه كانت هدنة لإيقاف الحرب بينهما مؤقتاً، وليس إعلاناً بنهايتها.
بعد إدراك ذلك، شعر ثيودور أن لحظات السلام القصيرة هذه أصبحت أكثر حلاوة.
كان السلام الذي شعر به الآن مهمًا لأنه كان يعرف الكلمات التي سوف تستخدمها آنيت للتأثير عليه بعد فترة قصيرة.
سار الاثنان بشكل ودود قدر الإمكان دون التفكير فيما قد يحدث بعد ذلك.
“بالمناسبة…”
إلى حين فتحت آنيت فمها.
──────────────────────────
~(اتركوا أي ملاحظات بقسم التعليقات، سأقرؤهم كلهم 😊)~
──────────────────────────
أو بإمكانكم التواصل معي مباشرة على الانستغرام لأي استفسارات.
🌸الانستغرام: Asli_Khadija7@
──────────────────────────