تجسدت من جديد كـ أبن الشريرة - 219 - ( المدينة الجوفاء) (1) (شيطانة بدائية)
- الرئيسية
- قائمة الروايات
- تجسدت من جديد كـ أبن الشريرة
- 219 - ( المدينة الجوفاء) (1) (شيطانة بدائية)
الناس غريبو الأطوار.
إنهم يخافون المجهول أكثر بكثير من المعروف.
حتى لو واجهوا كيانًا لا يمكن تخيله، فإنهم إن عرفوا عنه القليل فقط، فلن يخافوه بقدر ما سيفعلون إن لم يعرفوا شيئًا على الإطلاق.
الخوف من المجهول لا نهاية له بداخلهم.
ولهذا السبب يجعلون المجهول إما أشرّ شيء موجود في الوجود، أو يجعلونه حاكمهم.
“…هل هذا هو المكان الذي شوهد فيه ذلك الحاكم الذي تتحدث عنه؟” سألت بهدوء وأنا ألتفت لأنظر إلى الرجل العجوز.
هز رأسه بشدة، واقفًا خلفي كما لو كان يختبئ، “…نعم، سيدي.”
استدرت وأمعنت النظر في المكان.
كنا نقف عند مدخل تلة غابية مظلمة وكئيبة كانت قد جفّت بالفعل بسبب الشتاء.
الأشجار بدت بلا نهاية، بلا ضوء ظاهر. من هنا، كل ما كنت أراه هو العتمة.
خطوت خطوة إلى الأمام، متجهًا نحو أقرب شجرة، كانت نصف مكسورة.
الأغصان قد انكسرت، والعديد من الأشجار تهشمت، كما لو أن شخصًا ما كان يشق طريقًا نحو داخل البلدة.
…شخص ضخم.
“هل أنت متأكد أنه ليس مجرد وحش؟” سألت وأنا أستدير عائدًا نحو الرجل العجوز.
“لا.” أجاب بثقة، “الوحوش لا تملك عقلًا لتختطف أشخاصًا محددين دون أن تدمر البلدة كلها.”
أومأت برأسي، “إذن وحش ذكي.”
“لا يوجد شيء كهذا.”
“أوه، لا تعرف شيئًا يا رجل عجوز.” سخرت وأنا أتفحص المكان بنظراتي.
كنا نقف على حافة البلدة، على طريق غير ممهد مكوَّن من التراب والطين.
وكان هناك أيضًا حقل شاسع مفتوح، تملؤه أعشاب طويلة جافة، بين البلدة والغابة، يكاد يكون واسعًا بما يكفي لتشييد بلدة صغيرة أخرى في المنتصف.
“قلت إنهم يخرجون فقط بعد منتصف الليل، صحيح؟” سألت وأنا أنظر إليه.
كان يتصبب عرقًا رغم أن الرياح الباردة كانت تعصف في الأرجاء.
“نعم.” أجاب وهو يهز رأسه، “إنهم يستهدفون الأطفال أو الفتيات الصغيرات، خصوصًا العذراوات.”
“إذن بإمكانهم التمييز إن كانت الفتاة عذراء أم لا؟” سألت بفضول وأنا أنظر إليه.
“لا نعرف.” هز الرجل العجوز رأسه، “لم نره أبدًا.”
‘ومع ذلك جعلتموه حَاكِمًا’
أبقيت هذه الأفكار لنفسي، وأنا أتابع النظر في المكان.
وفي وسط الحقل، لفت شيء ما انتباهي.
وأثناء تقدمي، سألت الرجل العجوز: “أظن أنني لست أول من وصل إلى هنا، أليس كذلك؟”
“نعم، سيدي.” أجاب وهو يمشي خلفي بحذر، متجنبًا أن يخطو في الحقل، “…كان هناك شخص آخر وصل قبلك.”
“ماذا حدث له؟” سألت وأنا أسرع في خطوتي.
“…ليس أمرًا جيدًا.” أجاب الرجل العجوز، وهو يبتلع ريقه بينما صار نفسه متقطعًا، “لقد حذرناه من البقاء خارجًا ليلًا.”
“ماذا حدث له؟” سألت، وفضولي واضح.
“لقد… مات.” تمتم الرجل العجوز وهو يتصبب عرقًا، “لقد سُمِّر على شجرة—أمعاؤه وأحشاؤه التفت حوله.”
“هيه!” ورغم أن كلماته أثارت اهتمامي، صرخت نحو المرأة التي كانت تسير في الحقل، “أنتِ! توقفي!”
توقفت المرأة، واستدارت، وفورًا لاحظت زيها.
…راهبة.
كان شعرها مغطى، ولم أستطع رؤية سوى وجهها البيضاوي وعينيها البنيتين العاديتين.
وصلت إليها بسرعة، بينما بالكاد كان العجوز يلحق بي.
“…هل أستطيع مساعدتك، يا سيدي؟” سألت، وجسدها يرتجف من الخوف.
هل أبدو مخيفًا إلى هذا الحد؟
“إلى أين أنت ذاهبة؟” سألتها، وضيّقت عيني وأنا أتأملها.
لم تبدُ مشبوهة، لكن وجودها بعيدًا عن البلدة إلى هذا الحد، وهي تعرف بحوادث الاختطاف، كان كافيًا لأوقفها.
“…يا سيدي، دعها وشأنها.” همس العجوز بصوت خافت، “إنها في مهمة.”
“مهمة في الغابة؟” سألت، وأنا ألتفت لأنظر إليه.
“…أُطهّر الأماكن، يا سيدي.” أجابت الراهبة، بصوت ناعم، “…واجبي هو تطهير أرض الموتى كل أسبوع.”
“مقبرة؟” سألت، وقد فهمت ما تعنيه.
“نعم.”
“خُذيني إليها.”
“يا سي—.”
رفعت يدي لأوقف العجوز.
بدت الراهبة في حيرة، لكنها أومأت على أي حال.
استدارت وبدأت تقودنا، وصوت حفيف العشب يملأ الصمت.
“…لم أسمع قط عن تطهير مقبرة.” قلت وأنا أسير خلفها، “هل تمانعين في أن تشرحي قليلاً؟”
“…ليست مقبرة عادية.” ردت الراهبة، بصوت خافت يكاد لا يُسمع، “…تلك المقبرة قديمة قِدم البلدة نفسها.”
“وماذا بعد؟”
“والجيل الأول من البلدة مدفون هناك.” التفتت لتنظر إليّ، “….الجيل الذي كان يعبد شيطانة بدائية.”
“…مَن؟” سألتها بإصرار.
“أَنَنت.”
توقفت عن السير، واتسعت عيناي عند سماع كلماتها.
…هل هي مصادفة؟
…لا.
لا يمكن أن تكون.
“هل أنت بخير؟” سألت الراهبة بعدما لاحظت سلوكي الغريب.
“ن-نعم.” أجبت، وأنا أتنفس بعمق ثم أنظر إليها، “هل تستطيعين أن تخبريني عنها؟”
“سؤال راهبة عن شيطانة لا يبدو أمرًا حسنًا، يا سيدي.” ردّت بابتسامة محرجة.
أومأت برأسي ردًا عليها، من دون أن أضغط أكثر في السؤال.
وصلنا بسرعة إلى المقبرة، المحاطة بجدار ضخم يغطيها بالكامل.
“هل تريد أن تأتي إلى الداخل؟” سألت الراهبة.
هززت رأسك، “سأنتظر هنا.”
أومأت قبل أن تمشي إلى الداخل، بينما بقي العجوز وأنا خارجًا.
“هيه، أيها العجوز.” التفت إليه، “هل هناك مكان يمكنه أن يزودني بتاريخ هذه البلدة والأساطير المحيطة بها؟”
نظر إليّ مستغربًا، “لماذا؟”
“فقط أخبرني.”
“بعض الأشخاص يمكنهم مساعدتك.” أجاب وهو يومئ برأسه قليلاً، “يمكنني أن أعطيك عناوينهم.”
أومأت، وأصمتتُ.
أفكار كثيرة ملأت ذهني.
“همم؟”
لكن شيئًا آخر أعادني إلى الواقع.
“سيدي؟” تمتم العجوز بينما تحركت، متبعًا الصوت الذي سمعته للتو.
وبعد بضع ياردات فقط من المقبرة، وجدت منزلًا قديمًا.
“سيدي.” تمتم العجوز بخوف وأنا أقترب من المنزل.
كان طفلان يلعبان في مقدمة المنزل.
كانا يتجولان حول كائن، يضحكان أثناء الجري.
…ثورٌ مستلقي في المركز، مربوط بشجرة بلوط قديمة.
ثور ضخم، أسود تمامًا، بعينين سوداويتين، وقرون منحنيّة نحو وجهه.
“سيدي؟” جعلني صوت مختلف أن أنظر إلى جانبي.
سيدة في منتصف العمر، ترتدي ملابس قديمة، وقفت هناك منحنية، ويديها متشابكتان كما لو كانت تصلي وهي تنظر إليّ.
كان شعرها أشقر خشن، وعيناها متطابقتان، ووجهها شاحب.
“هل أستطيع مساعدتك؟” سألت السيدة، “هذا بيتي.”
“لماذا تعيشين قريبًا جدًا من المقبرة؟” سألتها، وأنا أنظر إليها.
“إنه مكان رخيص، يا سيدي.” أجابت، منحنية أكثر، “…اشتريته بأموال زوجي المتوفى المتبقية.”
استدرت لأنظر إلى المنزل. توقف الأطفال عن اللعب، وأصبحوا ينظرون إليّ مبتسمين.
“…ذلك الثور.” همست برقة وأنا ألتفت لأعود لأنظر إليها، “…هل اشتريته؟”
“لا، يا سيدي.” أجابت بصدق، “…إنه ثور بري وصل إلى منزلنا يومًا ما.”
“وفقط أبقيتموه؟” ضغطت أكثر، وضيّقت عيني.
“إنه يساعدنا في الحقل، يا سيدي.” أجابت السيدة.
استدرت مرة أخرى. الأطفال الآن وقفوا أقرب، وما زالوا مبتسمين.
“…أفهم.” همست برقة، وأنا أنظر إلى الثور، الذي التقت عيناه بعيني.
‘إل.’
[…نعم؟]
‘….لا شيء.’
فكرت بذلك وأنا أستدير.
بدا العجوز أكثر رهبة من قبل وهو ينظر إليّ، يبتلع ريقه بتوتر.
تجاوزته وسرت، فاستدار بسرعة وسار بجانبي.
“لماذا طُردوا من البلدة؟” همست وأنا أنظر إلى الرجل.
اتسعت عيناه قليلًا قبل أن يجيب ببطء، “…زوجها حاول قتل فتاة… فحرقناّه.”
“….أفهم.” همست برقة وأنا ألتفت لأنظر نحو الغابة.
نظرًا لموقعها على التل، كان واضحًا حتى من هذه المسافة.
وأستطيع رؤية طريق واضح بهذا الاتجاه.
لو كنت ذلك الوحش الذي يختطف الناس، لكنت اخترت هذا كهدف أول لي.
….ومع ذلك، ذلك الوحش لم يفعل.
تحولت نظرتي نحو بوابة المقبرة بينما خرجت الراهبة.
“هل نعود، يا سيدي؟” سألت وهي تنحني بخفة.
“نعم.” أجبت.
أحتاج إلى زيارة دار الأيتام مرة أخرى.
…..
…..
…..
ملأ صوت ضحك الأطفال أذنيّ حين وصلت إلى بوابة دار الأيتام مجددًا.
دخلت، متوقعًا نصف توقع أن يكون ايمار سبب الضجة.
لكنني وجدته سريعًا واقفًا على الجانب.
“هاه؟”
التفت لأنظر إلى المكان حيث كان الأطفال يحيطون بفتاة صغيرة.
عرفتها تقريبًا على الفور.
كانت ترتدي قميصًا أبيض عاديًا وتنورة زرقاء، وشعرها الأسود مربوط للأسفل.
“نيلا؟”