تجسدت من جديد كـ أبن الشريرة - 213 - (جزيرة دراث) (28) (النهاية)
- الرئيسية
- قائمة الروايات
- تجسدت من جديد كـ أبن الشريرة
- 213 - (جزيرة دراث) (28) (النهاية)
عالياً فوق الغيوم، كان القصر العائم معلّقاً في السماء.
أبراجه الطويلة الحادة اخترقت الغيوم، وكل واحد منها يلمع تحت ضوء الشمس.
كان البناء بأكمله يطفو، والجسور والأقواس تربط بين أجزائه المختلفة، جميعها معلّقة في الهواء.
الجدران كانت ملساء لامعة، مصنوعة من مادة تعكس الضوء كأنها زجاج. أبراج طويلة رشيقة ارتفعت نحو الأعلى.
حول القصر، كانت الغيوم الناعمة تنساب ببطء، لتخفي الأجزاء السفلى من البناء.
في داخل القصر، امتد رواق ضخم، تدعمه أعمدة متوهجة بلطف.
وفي مركز ذلك الرواق، كان هناك عرش أرجواني جميل، موضوعٌ عليه تاج أرجواني.
التاج بدا عادياً، لا ينبعث منه أي مانا، على عكس القصر كله المتخم بالمانا.
ظلّ هكذا منذ زمن لا يُحصى، ينتظر من يستحقه.
تحرّك التاج قليلاً حين دخل أحدهم القصر.
لكن ما لبث أن عاد إلى حالته الطبيعية، بعدما لاحظ هوية الداخل.
اهتز القصر للحظة، مائلاً إلى الجانب.
انزلق التاج إلى حافة العرش قبل أن يبدأ بالتحليق بلطف في الهواء.
ظلّ معلقاً لبعض الوقت، وكأنه يستشعر شيئاً من مكان بعيد.
جزء منه حاول أن يتحرك في ذلك الاتجاه، لكن جزءاً آخر رفض.
دوّى صوت منخفض كالرعد داخل القصر، وأطلق موجة صادمة قذفت كل شيء بعيداً.
بدأ التاج يتشقق ببطء من الوسط، والطاقة المنبعثة منه هزّت القصر بعنف.
وأخيراً، انكسر إلى قسمين، أحدهما اندفع خارج القصر، والآخر استقر ببطء فوق العرش المكسور.
خطوة. خطوة.
اقترب أحدهم من العرش، خطواتها تتردّد في أرجاء القصر حتى وصلت إليه.
يدها الرقيقة الوردية تحرّكت لالتقاط التاج المكسور.
انعكست عيناها الذهبيتان في السطح الأملس للتاج.
التفت رأسها، وشعرها الذهبي الذي يلامس الأرض تمايل مع الريح باتجاه الجزء الآخر من التاج الذي طفا بعيداً.
تفتحت شفتاها وهمست بهدوء: “…قيس؟”
…..
…..
…..
كان قلب سَايفا يخفق بعنف داخل صدرها.
عيناها تحدقان إلى الأمام بلا رمشة، فيما كان شخص ما يخرج ببطء من هناك.
“…السيد الشاب؟” أمالت سَايفا رأسها وهي ترى آزاريا يتقدم إلى الأمام.
لم تُظهر نظراته الخوف أو الغضب الذي توقعته، بل مجرد هدوء باهت.
محافظة على مشاعرها، ابتسمت سَايفا ابتسامة واسعة وهو يقترب منها: “ماذا حدث لكَ—”
لكن كلماتها توقفت فجأة، إذ تجاهلها تماماً ومشى متجاوزاً إياها.
مصدومة، استدارت سَايفا لتنظر إليه.
اقترب ببطء من الفتاة التي وقفت أمام الجميع.
عيناها الزرقاوان التقتا بعينيه وهو يقف أمامها.
وحين وقعت نظراته على يدها المكسورة، همس بلطف: “…هل تؤلمك؟”
هزّت كريستينا رأسها رداً، محاولةً ألا تُظهر أي علامة من الألم.
انحنى آزاريا قليلاً، ورأسه يستقر برفق على رأسها.
ظلّ صامتاً لبضع لحظات قبل أن يبتعد بلطف.
غمره شعور بالارتياح حين وقعت عيناه على شيامال التي صرفت وجهها بعيداً.
“خذوهم بعيداً.” همس بهدوء، ناظراً إليهم، لكن لم يحدث شيء.
“…أعلم أنكم تسمعونني، خذوهم بعيداً.”
“هاه؟”
أطلقوا أصواتاً متفاجئة بينما بدأت أجسادهم بالارتفاع في الهواء، بما في ذلك لورين.
نظر إليهم آزاريا نظرة أخيرة قبل أن يستدير.
كانت سَايفا واقفة بلا حراك، يداها متشابكتان خلف ظهرها.
“ما زلت تهتم بها؟” تمتمت وهي تميل برأسها، “…ظننت أنها الأقل أهمية عندك.”
تجاهلها آزاريا تماماً وهو ينظر من حوله، حيث مئات الأسلحة تهبط من السماء وتغرس نفسها في الأرض.
“يبدو أن سيدتي تريدنا أن نقاتل.” ابتسمت سَايفا ببهجة وهي تنظر إلى آزاريا، “…أليست قاسية؟ تجعل شخصية الأم تقاتل ابنها.”
خفض آزاريا جسده، محدِّدًا بعض الأسلحة.
عقله ذكّره بكل الوقت الذي قضاه معها—مع العمة بيلي.
كيف اعتنت به، كيف ساعدته، تذكر كل شيء.
لم يستطع حتى أن يستشعر ما هي المشاعر التي كان يشعر بها الآن.
“هل تتذكر كيف كنا نلعب معًا؟” قالت سَايفا، وابتسامتها لم تتزعزع، “أفتقد تلك الأوقات حين كنت تفعل كل ما آمرك به.”
“…لقد أحببت العمة بيلي حقًا,” همس آزاريا، قابضًا على مقبض سيف، وعيناه مسلطتان عليها، “…لا أعرف من تكونين، لكن لانتحال شخصية شخص أحببته… عليّ أن أقتلك.”
ابتسمت سَايفا بسطوع، وأومأت، “…وكيف ستفعل ذلك؟”
أطلق آزاريا تنهيدة متعبة وهو يهمس بهدوء، “…زمن الإمبراطور.”
بدأ تاج أرجواني مكسور بالظهور ببطء على رأسه.
شعر آزاريا بضغط على كامل جسده ومصدر حياته، شعر وكأن جسده يُقطَّع إلى آلاف القطع.
كان الضغط ثقيلًا لدرجة أن شعره بدأ يتحول من لونه الأرجواني المعتاد إلى الأبيض.
إحدى عينيه تحولت ببطء من الأرجواني إلى الأزرق.
كل ذكرى كانت لديه عن سَايفا بدأت تتكسر ببطء، متحولة إلى شظايا في عقله.
شعور مرعب قبض على قلب سَايفا وهي تنظر إليه.
تحرك جسدها غريزيًا إلى الأمام وهي تسحب رمحها الطويل.
أصبح رمحها ضبابيًا وهي تنقض عليه، وعلامتها على كتفه.
حرّك آزاريا جسده، فمرَّ الرمح الطويل محتًّا كتفه.
دار جسده، وركلة أصابت سَايفا في منتصف جسدها، فأطارتها للخلف.
خفق قلبه مرة، والتأم الجرح على كتفه في اللحظة التالية.
…رفض جسده الواقع ذاته، معيدًا إياه إلى حالته السابقة قبل الخفقة.
…لدقيقة كاملة، كان جسد آزاريا قادرًا على رفض الواقع اثنتين وسبعين مرة.
تحطم جسد سَايفا على شجرة، محطمًا إياها، قبل أن تتوقف بعد الاصطدام الخامس.
عيناها المرهقتان حدقتا فيه وهي تنهض، “…ما الذي أصبحتَ عليه، يا سيدي الشاب؟”
لم يُجب آزاريا. بدلًا من ذلك، مد يده للخلف قبل أن يقذف الرمح الطويل نحوها.
كان محفورًا عليه وسم أرجواني.
رافضًا القيود على سرعته، اندفع بكامل طاقته.
تماهى جسده مع الضباب وهو يتبع الرمح الطويل.
التقطت سَايفا الرمح وهي تدير جسدها.
دوّى صوت مدوٍّ، وغاصت ساقاها أعمق في الأرض وهي تستخدم العصا لتصد الركلة الموجهة إلى رأسها.
تماهى جسد آزاريا مع الضباب مرة أخرى قبل أن يقف على بعد ياردات قليلة أمامها.
تحركت أربعة من الأسلحة الموسومة قبل أن تبدأ بالدوران ببطء حوله.
وبلا أي قيود على بركاته بسبب التاج، ظهر قرص شمسي يتوهج خلفه.
تماهى جسد سَايفا بالضباب إذ أصبحت فوقه، ورمحها الطويل يندفع بسرعة كبيرة يصعب متابعتها. ممسكًا بسيف، التقى آزاريا رمحها في الهواء.
رافضًا قيود قوته، قذف جسدها عاليًا في السماء، متسببًا في تحطيم الأرض تحته.
بعد خفقة قلب واحدة، تماهي جسده بالضباب، رافضًا الجاذبية ليصل فوقها.
سقطت ضربة ثقيلة على صدرها، مطيحة بالهواء من رئتيها، وكطائرة ورقية مكسورة، هوى جسدها إلى الأرض.
أعقب ارتطامها موجة صدمة، مقتلعة الأشجار من حولها.
هبط آزاريا مجددًا على الأرض بينما دفعت هي نفسها لتقف، متكدمة لكنها لم تُصب إصابات قاتلة.
“ما هذا؟” سألت، مطلقة ضحكة مسعورة، “يشبه الأمر أنني أقاتل شخصًا من مرتبتي.”
صدحت خفقة قلب أخرى في عقل آزاريا بينما تماهى جسد سَايفا مجددًا.
هذه المرة، استخدمت كامل قوتها، وبلغته في جزء من الثانية.
اندفعت موجة حارقة عبر جسده بينما غرست سَايفا رمحها الطويل في معدته.
أمسك آزاريا بعصا الرمح قبل أن يتحرك رأسه نحو جسر أنفها.
تردّد صوت تهشيم في الغابة بينما اندفع جسدها إلى الخلف بفعل الاصطدام.
انتزع آزاريا الرمح من معدته، وفي اللحظة التالية التأم جرحه من تلقاء نفسه.
“هاهاهاها!” ضحكت سَايفا عبر ألمها وهي تنظر إلى آزاريا.
كانت الدماء تسيل من أنفها، لكنها لم تبدُ متأثرة على الإطلاق.
“ذلك الغضب!!!” صرخت، ماسحة الدم عن وجهها.
“إياك أن تدع ذلك الغضب يهدأ!!!”
اندفعت مجددًا، والابتسامة على وجهها لم تتلاشى.
بدأ جسدها يتغير.
القرن على رأسها بدأ يطول ببطء، ملتفًا إلى الخلف عاليًا فوق رأسها.
خرج زوجان إضافيان من الأذرع من جانبي جسدها.
تحولت بشرتها إلى سُمْرة برونزية، وفستانها الفضفاض شدّ على نفسه، كاشفًا عضلاتها التي بدت على وشك تمزيق ثيابها.
ظهر زوجان إضافيان من الرماح الطويلة من سوارها، فأمسكت بها بأذرعها.
تماهت حركات أذرعها بالضباب بينما لَوَى آزاريا جسده ليجعل رمحين منها يمران بمحاذاته.
كانت نظراته مركزة عليها بينما أحضرت ذراعيها السفليتين، مكوِّنة إشارة يدوية.
“…نَذْرُ أُودِيكْ.”
همست برفق، وعقلها خبا لجزء من الثانية قبل أن تعود وعيها.
تحركت الأرض حولها كالمطاط قبل أن تبدأ بالتشكّل.
أمال آزاريا رأسه بينما سلحفاة ضخمة بحجم منزل، مكوَّنة من الحجر، خرجت بجانبها، قشرتها مغطاة بالأشواك، وأربعة ذيول لها أفواه منقارية خاصة بها.
تحركت سَايفا ببطء قبل أن يتسارع جسدها، والسلحفاة العملاقة مطابقة إيقاعها، تاركة الدمار في أعقابها.
تحرك آزاريا أيضًا بينما زمجرت السلحفاة الضخمة نحوه، وصوتها يخدّر عقله.
برزت جدران حجرية في مساره، لكنه حطمها بسهولة.
قفز إلى الأمام حالما اقتربت السلحفاة، فاقدًا قبضته على سيفه، ووجه لكمة إلى وجهها.
ارتطمت اللكمة، لكن التماس حوّل يد آزاريا إلى حجر.
وبلا تفكير، استخدم رأسها كمنصة للقفز متفاديًا رمح سَايفا الطويل.
تحولت ساقه إلى حجر كذلك، لكن مع الخفقة التالية، عاد كل شيء إلى طبيعته.
قفزت سَايفا خلفه، ورمحها الطويل موجه إلى صدره.
التقط السيف بجانبه ليصد الضربة، لكن سَايفا أمسكت بمعصمه بيدها الحرة.
باستخدام يدها كزنبرك، جذبته نحوها قبل أن تركله بركبة في منتصف جسده.
وضع آزاريا يده بينهما؛ تشققت يده، لكن القوة لوت جسده للأعلى.
وباستخدام الزخم، وضع ساقيه على ظهرها قبل أن يمسك بذراعها بكلتا يديه.
رُفض حد القوة في جسده وهو يخلع ذراعها.
لكن في اللحظة التالية، دار العالم من حوله بينما ارتطمت السلحفاة به.
الأشواك على ظهرها امتدت، حابسة آزاريا بينها.
احترقت نظراته بينما توسّع القرص الشمسي، محطمًا كل الأشواك.
هبط جسده برفق على الأرض بينما نظر إلى سَايفا، ممسكة بذراعها المفقودة.
ولا تزال ابتسامة عريضة مثبتة على وجهها.
“لقد قاتلت جيدًا، أيها السيد الشاب,” قالت وهي تراقبه، “…لكن إلى متى يمكنك الصمود؟”
اندفعت السلحفاة مجددًا نحو آزاريا، فمها ينفتح لإرسال موجة صدمة أخرى.
جلب آزاريا القرص الشمسي أمامه، فارتطمت موجة الصوت به قبل أن ينقلب القرص رأسًا على عقب.
ارتدت موجة الصدمة بضعف شدتها، مخدِّرة السلحفاة.
تحرك آزاريا، واضعًا يده أمامه.
قفز إلى الأمام هامسًا: “موسبيله.”
اندلع لهب أبيض متقد من يده، ليبتلع السلحفاة كاملة.
ومن الجهة اليسرى، سمع آزاريا صرخة سَايفا بينما تحولت السلحفاة العملاقة إلى العدم.
تلاشت ملامح جسده مجددًا ليظهر أمام سَايفا.
اتسعت عيناها دهشة، لكنها رفعت سلاحها في الوقت المناسب لتدافع عن نفسها.
لكن سلاحها خانها، متحركًا نحو يد آزاريا.
وبالتفافه بالرمح المقصب، غرسه عميقًا في كتفها.
إلا أن سَايفا أمسكت بمعصمه قبل أن تسدد لكمة قوية.
رفض آزاريا الضعف في دفاعه، فارتطمت اللكمة به دون أن تُلحق به أي ضرر.
غاصت ركبته في بطنها، ليقذفها بعيدًا.
لكن آزاريا ظهر بجانبها مرة أخرى، ممسكًا بذراعيها الاثنتين قبل أن يغرس ركبته في وجهها.
تحطم الأرض تحتها بقوة، كافية لتصعد المياه من باطنها.
التوى جسده متفاديًا قبضتها وهو يهبط بالقرب منها.
ضحكت سَايفا وهي تنهض مجددًا. “لا تدع ذلك الغضب يهدأ أبدًا، يا سيدي الصغير!”
اندفع جسدها للأمام، وابتسامة مسعورة مرسومة على وجهها. “أحرق كل ما في هذا العالم بذلك الغضب، ثم عُد إليّ.”
ارتجف جسدها وهي تلهث طلبًا للهواء. “…لأن مكانك هو معي، مع سيدتي!!”
“اخرسي.”
تحرك جسده مرة أخرى—لا.
العالم هو من تحرك نحوه.
لقد رفض تدفق الزمن، مسرّعًا إياه على جسده.
وفي المقابل، تباطأ العالم من حوله.
بخطوة واحدة، أصبح على بُعد بضع بوصات منها.
تحركت يده، ممسكًا بمعصمها قبل أن ينتزعه واحدًا تلو الآخر.
ركلة عالية إلى بطنها جعلت جسدها ينهار، تاركًا إياها بين الحياة والموت.
أمسك آزاريا رأسها وبدأ يدفعه ببطء لينتزعه.
…لكن سَايفا ظلت تبتسم، تنظر إليه.
لأن آزاريا…
…كان يبتسم لها بالمقابل.
لكن قبل أن يتمكن من اقتلاع رأسها، ركلٌة جانبية أطاحت به بعيدًا.
انتهى تأثير بركة “إل”، فعاد جسده إلى طبيعته.
وقع بصره المترنح على آداليا وهي تلتقط جسد سَايفا المحطم.
“سأقتلها.” همس بصوت خافت وهو يزحف نحوها.
“سأقتلها!” ارتفع صوته بينما استدارت آداليا متجاهلة إياه.
“سأقتلك!!!”
صرخ، صدى صوته يتردد عبر الجزيرة الغارقة.
“سأقتلكم جميعًا!!!”