تجسدت من جديد كـ أبن الشريرة - 208 - (جزيرة دراث) (23) (سايفا أو)
- الرئيسية
- قائمة الروايات
- تجسدت من جديد كـ أبن الشريرة
- 208 - (جزيرة دراث) (23) (سايفا أو)
م.م :سيفا رح اغير اسمها لـ سايفا.
…..
تباعدت شفتاها وهي تغرد قائلة:
“كيف حالك يا سيّدي الشاب؟”
“مَنْ بحق الجحيم أنتِ؟!”
ارتجف جسد آزاريا بعنف، وتلوّى وجهه بالغضب، وصدى صوته دوّى في أرجاء الغابة.
“آه، ألا تتذكرني؟” سألت سايفا، صوتها يلمع بالمرح. “هذا يجعلني حزينة، يا سيّدي الشاب.”
تزحف إيمار ببطء إلى الوراء، مبتعدًا عن جسد آليا الميت.
كان يحدق بخواء إلى المرأة الطويلة التي كانت تخطو نحوهما.
أخرجت سايفا سكينًا آخر وبدأت تعبث به، وصوتها المرح يتردد:
“حسنًا، بما فيهم هي، اثنان ماتا، وبقي اثنان بعد.”
شحُب وجه آزاريا عند كلماتها، وجسده تحرك غريزيًا ليقف أمام إيمار.
“…من تكونين؟” زمجر في وجهها، ساحبًا كاتانا.
وقف إيمار أيضًا، فيما شدّ كيغان قبضته على سيفه.
أمالت سايفا رأسها، وابتسامتها لم تتزحزح:
“…سنتحدث بشكلٍ مناسب لاحقًا، يا سيّدي الشاب. أما الآن، فدعيني أقتل ه—”
تماهى جسد آزاريا فجأة، ومن دون أي تردّد انقضّ نحوها، وكاتانا يشقّ وجهها.
طنــــين!!!
“…هذا ليس لطيفًا منك يا سيّدي الشاب.” همست سايفا بابتسامة، بينما كانت شفرة الكاتانا محصورة بين إصبعيها، السبابة والإبهام.
وقف شعر جسده وهو يخطو بسرعة إلى اليسار، متفاديًا يدها التي اندفعت نحوه بسرعة غير طبيعية.
أرخَت سايفا قبضتها عن سيفه بابتسامة، فيما اندفع هو إلى الوراء مبتعدًا عنها.
“سنلعب لاحقًا يا سيّدي الشاب—”
“مَنْ أنتِ؟!” صرخ آزاريا، وعقله بدا وكأنه ينهار عند كلماتها.
إنها المرة الأولى التي يراها فيها، لكن لماذا تتصرّف وكأنها تعرفه منذ سنوات؟
ذلك لم يكن منطقيًا بالنسبة له.
تماهى جسد سايفا، وقبل أن يدرك الأمر كان آزاريا يُقذَف بعنف نحو شجرة قريبة.
اختنق بأنفاسه حين ارتطم جسده بقوة على سطح الشجرة.
تدفّق الدم من جبينه، ينساب من عينه اليسرى، جاعلًا كل شيء يبدو قرمزيًا.
بصره المشوش اتجه نحوها حين لاحظها تنقض نحو إيمار.
اشتعلت النقوش الرونية على جسده بتوهج فضيّ بينما اندفع نحوها.
يدها الممدودة نحو صدر إيمار توقفت فجأة، رفعتها قرب وجهها لتصدّ ركلة آزاريا.
خطت خطوة إلى الوراء ببطء، وجسدها يتحرك كالشبح، مبتعدة أمتارًا عن موضعها السابق.
“إيمار، هيه، هل أنت بخير؟” همس آزاريا، دون أن يزيح عينيه عن سايفا.
“ن-نعم.” أجاب وهو يكبح مشاعره المشتعلة، فيما أخرج رمحه:
“…سأساعد.”
“…وأنا أيضًا.” تقدّم كيغان هو الآخر، جسده مغطّى بعرق بارد، لكنه بقي ثابتًا:
“…سأبذل جهدي لألتف خلفها.”
أومأ آزاريا بخفة، محدقًا في سايفا التي لم تكفّ عن الابتسام له.
“لقد أصبحت قويًا جدًا.” علّقت، صوتها مفعم بالثناء الصادق وهي تخطو ببطء نحوه.
“…أتذكر الصغير الذي كان يتجول في أرجاء القصر وهو يمسك بطرف تنورتي.”
كلماتها جعلت عقل آزاريا يصرخ من الألم.
ومهما حاول أن يتذكر، لم يستطع أن يستعيد ذكرى لقائها.
…أبدًا.
وقبل أن يتمكن من التفكير أكثر، خطت سايفا خطوة أخرى للأمام.
غلف إيمار جسده بعاصفة من الرياح، لتزداد سرعته.
توهج جسد آزاريا بوميض فضيّ وهو ينقضّ إلى الأمام بجانب إيمار.
طنين!!!
كاد طرف رمح إيمار أن يلامس عنقها، بينما كانت كاتانا آزاريا على بُعد إنشات فقط من وسطها.
لكن كلا سلاحيهما تجمّدا على مقربة منها، فيما هالة سوداء-حمراء تجسّدت، لتصدّهما.
اتسعت حدقتاهما بينما تحركت يدها بسرعة مرعبة.
حاول آزاريا أن يسحب ذراعه في الوقت المناسب لكنه لم يستطع.
اندفع ألم حاد عبر صدره، وقُذف بعيدًا مثل طائرة ورقية ممزقة، فيما كاتاناه طار في الاتجاه المعاكس.
وفي الهواء، توازن قليلًا، رافعًا عينيه ليرى جسد إيمار معلقًا أمامه مباشرة.
فتح آزاريا ذراعيه ليلتقط جسده، وارتطما معًا بصخرة ضخمة، تتشقّق أسطحها عند الاصطدام.
“هاف… هاف…”
كان ألم خافت نابض يوجع صدره، يخدر كل الآلام الأخرى.
وعندما نظر إلى الأسفل، لاحظ أن إيمار لم يكن بحالة جيدة هو الآخر.
بصمة يد كانت محفورة على صدره، ووجهه ملتوي من الألم، وعيناه بالكاد مفتوحتان.
“لماذا تُجهد نفسك، يا سيّدي الشاب؟” قالت سايفا، وجسدها ما زال يشع بتلك الهالة. “لقد كنت دائمًا تملكيني، فلماذا تُتعب نفسك بإنقاذ ذلك الفتى؟”
تأوّه آزاريا وهو ينهض على قدميه مجددًا.
“لا أعرف من تكونين.” زمجر، محدقًا فيها بغضب. “فلا تتصرّفي كأنكِ مهمة بالنسبة لي.”
رمشت سايفا ببراءة، قبل أن تضيق عيناها، وموجة انزعاج تمرّ على ملامح وجهها.
“…حسنًا، يمكننا دائمًا أن نتدارك ما فات.” تمتمت لنفسها، وصوتها ما زال يغرّد بنبرة مرحة.
تأملته للحظة بينما كان إيمار ينهض ببطء، ليسقط أرضًا مرة أخرى.
شعر آزاريا بجسده يرغب بشكل غريزي في الابتعاد عن نظراتها.
اندفع خنجر بالقرب منه، مستهدفًا إيمار.
“نيبله!”
طبقة من الجليد ظهرت أمام إيمار، لتصدّ الخنجر.
كان يعرف أن إيمار ليس في حالة ذهنية أو جسدية تسمح له بالقتال.
ضاغطًا على كل ما تبقى له من مانا، بدأ آزاريا يتقدّم نحوها.
جسده يتوهج بضوء فضيّ ساطع، وإحساس حارق يخدّر بدنه.
عندما لمس جبينه المصاب، لطّخ يده بدمائه.
تماهى جسد سايفا مرة أخرى.
جذب آزاريا يده، متسببًا بانفجار الدماء في الهواء.
“نيبله!”
كل قطرة تحولت إلى رماح جليد معتمة، اندفعت نحوها.
لكنها لم تؤثر، إذ كانت هالتها السوداء-الحمراء تحمي جسدها بالكامل.
برد مرتجف غلّف المكان كله.
أطلق آزاريا زفرة باردة، بينما ظهر عمود جليدي أمام نظرها.
استدارت سايفا إلى الخلف لتتفاداه، لكن أعمدة أخرى وأخرى استمرت بالظهور في طريقها.
تقدّم آزاريا نحوها، يلمس العمود الضخم الذي كان في طريقه، تاركًا علامة بنفسجية عليه.
تحركت يداه، والأعمدة ارتفعت في الهواء.
دار بجسده ليكتسب زخمًا، ثم قذف بها جميعًا نحوها.
بووووم!!!
ارتجت الغابة بعنف، كل شيء ضمن مسار الأعمدة تدمر وتجمد.
قفزت سايفا إلى الأمام، أصابع يدها تتكور ببطء، ومعصمها يلتوي بحدة.
دوّى صوت تحطم عالٍ بينما الأعمدة تتكسر في مسارها.
وفي اللحظة التالية، ركلت ما تبقى من الأعمدة بعيدًا، فتهشمت على جانبيها. جسدها اختفى مجددًا.
تبطأ العالم من حول آزاريا، مع اندفاع عاصفة هواء قربه.
صرخ دماغه من الألم وهو يمد يده، والهواء الضبابي حوله يتصلب إلى يد ضخمة أغلقت طريق سايفا.
ركلَت اليد بعيدًا، وجسدها عاد لتقف أمامه.
“هاف… هاف…”
أنفاسه المتقطعة دوّت في الغابة وهو يحدّق بها.
من خلال ما استنتجه، كانت إما أوفر لورد عليا أو في ذروة الأوفر لورد.
عض آزاريا على شفته من الإحباط.
أما سايفا فلم تستطع سوى الابتسام وهي ترى وجهه المليء بالغضب.
“كم تغيرت يا سيّدي الشاب.” همست برقة، محاولة أن تلمس وجهه، لكن آزاريا تراجع إلى الخلف.
سحبت يدها، وابتسامتها ما تزال باقية على محياها.
وألقت نظرة حولها، لتسأل بفضول: “هل هذه هي القوة التي حصلت عليها من شجرة العالم؟”
تقلّصت حدقتا آزاريا، وجسده يرتجف وهو ينظر إليها. “م-ماذا؟”
“سيّدتي أخبرتني عنها.” تابعت سايفا، وعيناها تتجاوزانه نحو إيمار. “…إنها قدرة رائعة حقًا، يا سيّدي الشاب.”
“م-من أنتِ؟” ارتجف صوت آزاريا، شيء ما انفتح في ذهنه. “…أمّي—”
ابتسمت سايفا بإشراق، وأومأت برأسها.
ومع ذلك، لم يستطع أن يتعرف عليها.
لم يرها من قبل. لا في حياته كلّها ولا حتى في اللعبة التي يمتلك ذكرياتها.
“هل أنت فضولي؟” سألت سايفا، مائلة برأسها. “…سأخبرك إن تركتني أقتله.”
تصلّب وجه آزاريا بينما رمح جليدي يتجسد في يده.
هبطت ابتسامة سايفا وهي تنظر إليه. “…لماذا أصبحت هكذا؟ كنتَ في السابق تتقبل كل كلماتي بلا اعتراض.”
لكن آزاريا لم يسمح لكلماتها أن تؤثر فيه.
جذب يده للخلف، وغرس الرمح نحو وجهها.
مالت سايفا برأسها لتتفاداه بسهولة، متراجعة إلى الخلف.
تقدم آزاريا إلى الأمام، الدم يتساقط من رأسه، لكنه قبل أن يلامس الأرض، كانت القطرات تتحول إلى رماح مع حركته.
واحدًا تلو الآخر، كان يلتقطها، ويترك علامة بنفسجية عليها.
ارتفعت تحوم حوله، وأراد لها أن تدور مثل المثاقب.
المزيد والمزيد من الرماح الدوارة تجمعت حوله بينما سايفا تنظر إليه بمرح، متفادية هجومه الأمامي.
وعندما اندفعت إلى الخلف، أطلق آزاريا الرماح.
عشرات الرماح الدوارة اندفعت نحوها دفعة واحدة.
الهالة التي كانت قد خمدت من حولها عادت، تتوهج أشد من ذي قبل، لتصدّها جميعًا.
تحطمت، ومعها تحطمت آمال آزاريا في الانتصار عليها.
“هاف… هاف…”
استخدم الرمح الأخير ليسند جسده وهو يحدق بها.
“أنتَ تجعلني أشعر بالفخر حقًا.” علّقت سايفا بابتسامة مشرقة على وجهها. “…لقد كبرت كثيرًا.”
كلماتها حطّمت آخر خيط من منطقه، ولم يستطع إلا أن يسأل مجددًا: “…من أنتِ؟”
ابتسمت سايفا عند كلماته، وتباعدت شفتاها لتسأل برفق:
“…هل ما زلت طيبًا مع الآخرين، يا سيّدي الشاب؟”
“…هاه؟”
تحطم الرمح الذي كان يسند جسده، فسقط أرضًا بلا حول ولا قوة.
“م-ماذا—م-من؟”
ارتباكٌ غمر عقل آزاريا، آلاف الأفكار تتدافع داخله، ونظراته الشاردة مثبتة عليها.
“همم؟ ربما تتعرف عليّ إذا فعلتُ هذا.” همست سايفا بنعومة.
تغيّرت ملامح وجهها، ملامحها الجميلة التي كانت من قبل أصبحت عادية، شعرها تحوّل إلى سواد حالك، وعيناها من القرمزي إلى الأسود، لتتماهى مع لون شعرها.
انفرج وجه آزاريا بابتسامة، لكنها تلاشت فورًا.
دمعة وحيدة انحدرت، مختلطة بدمائه.
تباعدت شفتاه، وصوت مرتجف خرج منه: “خ-خالتي ب-بيلي؟”
اندفعت ريح بجوارها، ليظهر كيغن خلفها، وسيفه متجه نحو عنقها.
لكن جسدها التوى بسرعة غير طبيعية؛ وفي اللحظة التالية، كانت يدها قد أحكمت قبضتها حول عنقه.
كراك!
وبصوت ارتطام مدوٍّ، سقط جسد كيغن أرضًا، بلا حياة في عينيه.
“تس، يا له من هدر.” نقرت سايفا بلسانها منزعجة، قبل أن تعيد نظرها نحو آزاريا.
انحنت ببطء أمامه، وأصابعها تداعب وجهه بقرص خفيف.
“سوف نتدارك ما فات قريبًا.” غردت بسعادة قبل أن تنهض واقفة. “أما الآن، فدعيني أتولى أمر تلك الفتاة التي حاولت أن تحل مكاني في حياتك.”
استدارت ومضت مبتعدة.
وكل ما استطاع آزاريا فعله هو أن يحدق في جسدها المتلاشي عن أنظاره.