12 - عندما يحدق بك الموت لا تخف (2)
“هذا أفضل.” تمتمت مطمئنًا نفسي مرة أخرى، بينما كنت أعود إلى حيث يتجمع الجميع.
وقفت إيزميراي بمفردها، إذ لم يكن بين الحضور من يضاهيها قوة ليتحدث إليها بندّية، كما أنها لم تُبدِ اهتمامًا بالحديث مع الآخرين.
“ماذا قال؟” سألت بصوتها الخالي من المشاعر ما إن وقفت بجانبها.
أجبت دون مواربة: “بخصوص ما حدث البارحة. حذرني من أنه قد يُلغي الخطوبة.”
اكتفت بالهمهمة ردًّا، وقد فقدت الاهتمام سريعًا.
خفضت بصري، شاعرًا بالضياع في هذا المكان.
إن كان حدسي صائبًا، فهذه القمة لا بد أن لها علاقة باللعبة.
“ترى، كم تبقى من الوقت؟” تساءلت، وقد أدركت أنني لم أنتبه حتى إلى تاريخ اليوم.
أغمضت عيني وأسندت ظهري إلى الحائط، أسترجع أحداث الأمس.
“إن صحّ تذكري، فهذا يجب أن يكون حفل الخلافة… حين أحدث آزريا تلك الجلبة.”
وإذا كان هذا صحيحًا، فلديّ فقط خمسة عشر يومًا قبل أن تبدأ أحداث اللعبة.
ولكي أعيش، علي أن أتورط ضمن مسار الحبكة. وإلا، فإن هذه المرأة ستقتلني إن ترسخت شكوكها نحوي.
“تبًّا… سأموت بهذه الوتيرة،” فكرت بمرارة، مستشعرًا شبح الموت مجددًا.
هل لأني متُّ سابقًا؟ أم أن موت آزريا في اللعبة هو ما يثير خوفي؟ لا أعلم.
لكن فكرة الموت مرة أخرى لم تعد مقبولة لدي.
“على الأقل، لا يمكنني أن أموت كما مات عزريا في اللعبة.”
فحتى بعد موته، ظل يعاني حتى نهاية أحداث جميع الأجزاء، بسبب والدته التي استمرّت في استخدامه حتى بعد وفاته.
“هاه… هاه…”
بات تنفسي متسارعًا، وقلبي ينبض بعنف وكأنه يحاول الهرب من قفصي الصدري، لمجرد تصوري لما حلّ بآزاريا، أو ما قد يحدث لي إن لقيت نفس المصير.
“اهدأ،” تمتمت، مجبرًا نفسي على كبح مشاعري، إذ شعرت بنظرات إيزميراي تحطّ علي.
إنها تشكّ بي بالفعل، ولا يمكنني أن أعطيها سببًا آخر لتؤمن بحدسها.
وفجأة، انفجرت ومضة ضوء ساطع في وسط الكاتدرائية، لتسرق انتباه الجميع.
ومن داخل البوابة المتلألئة، خرج رجل يرتدي درعًا فخمًا يليق بفارس مقدس، وقد اجتذب ظهوره أنظار الجميع.
اجتاحت نظراته القاعة، وتوقفت للحظة وجيزة على إيزميراي، قبل أن يشيح بنظره عنها بسرعة.
“نحن نتحرك.”
وقبل أن ينبس أحد بكلمة، اجتاحت طاقة مفاجئة أرجاء الكاتدرائية، وغمرت النبلاء الحاضرين بضوء خاطف.
وحين خفّ ذلك الوهج، وجدت نفسي واقفًا في كنيسة رائعة لم أر مثلها من قبل.
ارتفعت الأسقف المقببة عاليًا، تتلألأ بزخارف ذهبية ونقوش دقيقة تبرق تحت ضوء الشموع الخافت.
زجاج النوافذ الملوّن عرض مشاهد من البطولة والمجد، بينما تسربت أشعة ملونة أضفت هالة قدسية على القاعة.
اهتز المكان.
لكن ما إن وطئت أقدامنا هذا الموقع المقدس، حتى بدأت الكنيسة ترتجف وكأنها أحست بوجود ما لا يجب أن يكون.
نظرت إلى الجانب حيث وقفت أمي، وفهمت السبب.
فهي سبب هذا الاضطراب.
إذ إن وجودها نفسه يتعارض مع مشيئة الآلهة.
توقف اهتزاز الكنيسة حين صعدت امرأة إلى المسرح.
كانت ترتدي فستانًا فضيًّا يشبه الدرع، يبرز بشرتها البيضاء الصافية، وتغطي عينيها رقعة معدنية فضية سميكة، تمنعها من الرؤية.
شعرها الرمادي الرمادِي انساب حتى خصرها، مميزًا إياها عن أمي.
“السيدة المقدسة إيريسفيل.”
“السيدة المقدسة إيريسفيل.”
ركع الجميع داخل القاعة على ركبة واحدة، في إجلال واضح لها.
وهي تستحق ذلك، فهي المختارة من قِبل الآلهة.
بقي اثنان فقط واقفين في القاعة: أنا وإيزميراي.
فهي تفضل الموت على الانحناء لغيرها، أما أنا فلا أريد أن أمنحها سببًا إضافيًا لقتلي بمجرد أن أركع لشخص آخر أمامها.
“انهضوا.” ما إن وقفت في مركز المسرح، همست بصوت خافت، لكنه تردد داخل القاعة، فنهض الجميع ببطء.
“أعتذر على استدعائكم بهذه السرعة، لكن هناك أمرٌ هام.” قالتها مجددًا بنفس النبرة الرقيقة، وقد وصل صوتها إلى الجميع.
ثم تابعت بعمق: “لقد اختار الآلهة الثلاثة تجسيداتهم.”
وبمجرد أن لفظت كلماتها، شهق الحضور معًا بدهشة.
“تنهد…”
خرج زفير متعب من صدري أيضًا.
فأحد تلك التجسيدات سيكون عدوي اللدود.
نظرت مجددًا إلى والدتي التي كانت واقفة بجانبي.
كان وجهها جامدًا، لكن عينيها كانتا مركّزتين على إيريسفيل.
“نعم، لا بد أنهما تعرفان بعضهما.”
فكلتاهما من شخصيات اللعبة، لكن بخلاف إسميراي التي كانت [الشريرة]، كانت إيريسفيل هي [بطلة اللعبة الرئيسية].
“إن كان لدى أيٍّ منكم أسئلة، فيمكنه طرحها الآن.” قالت إيريسفيل، وسرعان ما بدأت الهمسات تنتشر في القاعة.
خطوة… خطوة…
بدأت أبتعد ببطء، دون أن تلاحظني أمي.
كنت بحاجة لبعض العزلة.
أفكاري مشتتة، وأردت بعض الهدوء.
خرجت من القاعة ببطء، ووجدت نفسي على تلة جبلية.
وبجوارها جبلان آخران، يمثلون التلال الثلاثة للآلهة الحالية.
وأنا أتأمل هذا المشهد الساحر، وقعت عيناي على مقعد خشبي تحت شجرة.
سرت إليه وجلست، ثم أغمضت عيني.
“تنهد…”
زفرة أخرى غادرت صدري وأنا أتكئ على المقعد.
“أشعر بالغثيان.”
أشعر بالغثيان من نفسي.
أشعر بالغثيان من صوتي.
“لا… ليس وقت الشفقة على الذات.”
هززت رأسي، قاطعًا تيار أفكاري، وبدأت أبحث داخل ذاكرتي عن كل وسيلة ممكنة تمكنني من أن أصبح أقوى في أسرع وقت.
“هاه…”
هناك شيء واحد في ذكريات عزريا قد يساعدني، لكنه محفوف بالمخاطر.
فإنجازه يتطلب أن أخاطر بروحي، وهذا شيء لا أظن أنني قادر على احتماله.
“يمكنني التفكير بطريقة أخرى.”
تمتمت وأنا أمدد أطرافي. لدي خمسة عشر يومًا، يمكنني أن أبتكر حلاً حتى ذلك الحين.
“هممم؟”
لم أنتبه للشخص الذي اقترب مني إلا حين فات الأوان.
“آآه… سعال…”
ضربة مفاجئة وقوية أصابتني في الفك، وأطاحت بي أرضًا وأنا أصرخ من الألم.
“عزريا!”
كنت مذهولًا ومشتتًا، أحاول استجماع قواي بينما أحدق في الشخص الذي وجه لي الضربة، وقد وقف فوقي، وقبضتاه مشدودتان بغضب.
” أه، اللعنة…”