10 - جسد معطوب
بيب-بيب.
في غرفة بيضاء تغصّ بالأدوات الطبية وأجهزة الفحص المنتشرة حولي، كان صوت الجهاز الإلكتروني في الخلفية واضحًا ومزعجًا، بينما كنت مستلقيًا على ظهري أحدق في السقف.
ثلاثة أطباء يرتدون المعاطف البيضاء وقفوا بجانبي، يتناوبون على فحص جسدي بدقة.
وحين انتهوا من عملهم، تراجعوا للوراء، لتتقدّم سيدة مسنّة ترتدي الأبيض أيضًا.
“صباح الخير، آزاريا”، حيّتني الدكتورة جريسون بابتسامة دافئة وهي تقترب. “كيف تشعر؟”
“متعب… محطم… لكن في الغالب فقط متعب”، أجبت وأنا أكتفي بهزّ كتفي، وقد بدا الإرهاق واضحًا في صوتي.
كانت طبيبتي منذ مدة، لذا اعتدت أن أكون على سجيّتي معها دون تكلّف، ولم تكن تعارض ذلك.
كان رأسي يضجّ بالألم منذ وقت، والتعب لم يزد الأمر إلا سوءًا، ومع ذلك حاولت الجلوس.
“لا تتحرك، فقط استلقِ على ظهرك.”
أومأت الدكتورة جريسون، وأشارت لي بالعودة إلى وضعية الاستلقاء على طاولة الفحص، وما إن فعلت، حتى بدأت بفحصها.
بيد خبيرة، بدأت بقياس حرارتي ونبضي وضغط دمي، بحركات دقيقة وهادئة.
وبعد فحص شامل، تراجعت خطوة إلى الوراء، وعلامات التفكير مرتسمة على ملامحها وهي تنظر إليّ.
“آزاريا…” قالت بتنهيدة، “متى كانت آخر مرة نمت فيها جيدًا؟”
“… لا أذكر،” أجبت بعد صمتٍ طويل، عاجزًا عن استرجاع آخر مرة نمت فيها بشكل طبيعي.
“سأوصيك مجددًا بتناول بعض الحبوب المنوّمة،” قالت وهي تنظر إلى العلامة البارزة في عنقي.
“وسأرفضها مجددًا. لا أريد أن أموت وأنا نائم،” أجبتها بنبرة حازمة.
“مم تخاف، آزاريا؟ لا أحد يجرؤ على المساس بك ما دامت والدتك قريبة،” أجابت وقد بدا الضيق واضحًا في صوتها، فقد رفضت تناول المنوّمات مرارًا.
“أنتِ لا تفهمين،” تمتمت وعيناي مثبتتان عليها.
لا تفهمين أن والدتي… هي بالذات من أخاف.
أخشى أن تقتلني يومًا ما إن شعرت بخيبةٍ من ناحيتي.
“لا تفهمين،” كررت هامسًا وأنا أغمض عيني.
“حسنًا… تنهد… كما تشاء. لكن من الواضح أنك أرهقت نفسك كثيرًا مؤخرًا. جسدك يصرخ طالبًا الراحة،” قالت وهي تنظر إليّ مجددًا.
“أعلم ذلك… لكن هل تظنين أني قادر على الراحة؟” أجبتها بتنهد مشابه.
كان الأمر محبطًا.
فما إن أنهي علاجي حتى أُساق إلى ساحة التدريب، حيث تنتظرني سكرتيرة والدتي لتحطيم عظامي باسم التدريب.
إنها وحشٌ حقيقي، تستمتع بإيلامي.
كل جلسة تدريب تنتهي بكدمات وكسور تغمر جسدي.
ولزيادة الطين بلّة، تحاصرني الكوابيس كلما أغمضت عيني.
كوابيس مظلمة أعاد فيها تعذيبي، مشلولا، لا أستطيع حتى الصراخ.
“وكُلْ جيدًا أيضًا، تبدو وكأنك مجرد هيكل عظمي،” قالت ممازحة، لكنني رمقتها بنظرة باردة جعلتها تصمت فورًا.
“آه…”
تنهدت بعمق وأنا أغمض عيني.
لم أعد أستطع تذوّق أي شيء… فما الفائدة من الأكل إذًا؟
“اكتبي لي وصفة لدواء يخفف من الصداع والإرهاق،” قلت وأنا أفتح عيني مجددًا، فقد بلغ الصداع حدًا لا يُطاق.
“همم،” تمتمت وهي تكتب شيئًا في ورقة، ثم سلمتها للطبيب الواقف بجوارها.
“والآن دعني أساعدك في إصاباتك،” قالت وهي تلتقط كيسًا يحوي سائلاً، وسلمتني إياه. “اشربه.”
نفذت ما طلبته، شربت السائل الذي يُسرّع من عملية الشفاء.
ثم وضعت يدها برفق على عنقي حيث كانت الإصابة، ونقلت قليلًا من المانا نحو الجرح.
كان السائل فعّالًا أيضًا، إذ بدأ جسدي بترميم نفسه بسرعة.
“انتهينا.” قالت وهي تبتسم بعد دقيقة كاملة من التركيز.
“وهنا أيضًا،” قلت وأنا أخلع قميصي كاشفًا عن أضلعي المتورمة.
دون أن تسأل عن السبب، وضعت يدها على موضع الإصابة، وكررت ذات العلاج.
“تم،” تمتمت وهي تسحب يدها وتعطيني عبوة أخرى من السائل.
شربتها دفعة واحدة، متسائلًا عن مذاقه الذي لم أشعر به.
“على كل حال، خذ قسطًا من الراحة هنا قبل التوجه إلى التدريب،” قالت وهي تنهض وتتجه نحو الباب.
“آه…”
تنهدت مجددًا، مستلقيًا على السرير، أحدّق في السقف.
“انتظر لحظة،” تمتمت وأنا ألاحظ شيئًا غريبًا.
كنت أتحدث عن آزاريا… وكأنه أنا.
اللعنة…
أسرعت في استحضار شاشة الحالة، فظهرت أمامي مباشرة.
===========================
الاسم: آزاريا نواه الجَنَّة [65]، إيندِر سِفْتِس
[35]
العمر: 15
الرتبة: البدائي الثاني (48%)
القوة: 10
الردود: 19
الذكاء: 38
القوة العقلية: 6 [40]
الجانبية: 13
(المعدل الطبيعي للبدائي الثاني هو 20، والحد الأقصى مع البركة أو سلالة الدم هو 40)
سلالة الدم: لم تستيقظ بعد.
البركة: بركة آمون-رع.
الحالة السلبية: استنفاد مانا / مريض / منهك.
===========================
“…”
حدقت مطولًا في شاشة الحالة، والأرقام إلى جانب اسمي واسم عزريا بدأت تتضح.
“هاهاها…”
ضحكة جافة وجوفاء تسللت من بين شفتيّ المتشققتين.
“65 و35…” تمتمت بالأرقام وأنا أزفر تنهيدة متعبة.
“يبدو أنني سأضطر للقتال من أجل بقائي،” تمتمت وأنا أعيد نظري إلى السقف.
لماذا حياتي معقّدة بهذا الشكل؟
لكن عيني عادت إلى الشاشة، إلى بند البركة بالتحديد.
“بركة آمون رع…” تمتمت باسمها بلا سبب.
بركة نادرة وقوية، لا مثيل لها في هذا العالم.
بركة تُمكّن صاحبها نظريًا من القتال إلى ما لا نهاية.
لكن رغم ذلك… لا أستطيع حتى تفعيل صورتها الأولى كما يجب.
===========================
الحالة السلبية: استنفاد مانا / مريض / منهك.
===========================
“استنفاد المانا…” تمتمت مبتسمًا بمرارة.
ما جدوى امتلاك سلالة قوية إن كنت لا تستطيع استخدام المانا أصلًا؟
“يا لي من تعيس… أي جسد بائس هذا الذي أمتلكه؟” تمتمت ساخرًا من ذاتي وأنا أواصل التحديق بالسقف.
هاه… أحب التحديق في السقف فقط، دون فعل شيء…
بام!
بينما كنت غارقًا في صمتي، فتح الباب فجأة، وظهرت الخادمة وعلى وجهها ملامح توتر.
“من الأفضل أن يكون لديكِ سبب مقنع لإزعاجي، وإلا فاستعدي للإعدام.” قلتها بنبرة حادّة، دون أن أعلم حتى لماذا.
“أ-أنا آسفة، سيدي الشاب، لكن الأمر عاجل،” أجابت وهي تركع فورًا وتبدأ بالتوسل.
“ما الأمر؟” سألت ببرود، غير مكترث برجائها.
“أمر من سيدتي،” ردّت وهي ما تزال مطأطئة الرأس.
“تكلمي،” أمرتها بقسوة، دون أن أُبدي أي تسامح.
“تم استدعاء قمة طارئة من الكنيسة،” أجابت، ورأسها لا يزال منخفضًا.
حينها شعرت وكأن الدم قد تجمد في عروقي.
“ماذا؟”