108 - عملية إنقاذ القديسات
انتهى الدور الـ32 بعد الدور الـ64.
أما مباريات الدور الـ16، فقد كان من المقرر أن تُستأنف في اليوم التالي.
مع تقدّم هذا العدد الكبير من الخصوم الأقوياء، استمرت المعارك في الاشتعال.
المباراة الأولى كانت مؤثرة إلى درجة مذهلة، ولتجاوزها، دفع المشاركون أنفسهم إلى أقصى حدودهم.
بطولة الفردي الدولية لم تكن سوى ساحة لعرض الشهرة والموهبة،
مكان يسعى فيه الجميع بيأس لنقش أسمائهم في سجلات العالم.
لكن حيث يوجد منتصرون، لا بد أن يوجد خاسرون.
من بينهم، تمّت إزاحة اثنين من “النجوم الستة” مبكرًا،
دليلًا على مدى شراسة هذا الحدث الرئيسي.
وأحد هؤلاء كان أكريد سانت ناريا،
القديسة المقدّسة لمملكة لِيوم.
“تمامًا كما توقعت.”
أمام عيني، كنت أرى عربة مملكة لِيوم تتمايل قليلًا وهي تتحرك إلى الأمام.
في تلك اللحظة، كنتُ أتابع عربة القديسة برفقة دوقة وايتوود.
كان الدور الـ32 مؤسفًا للغاية بالنسبة لأكريد.
خصمها في المباراة لم يكن سوى واحدة من أبرز أفراد “النجوم الستة”:
إيريس هايسيريون،
التي يُشاد بها كأقوى أميرة في الإمبراطورية.
’حتى قديسة مثل أكريد لم يكن أمامها أي فرصة ضد إيريس.
رغم كل محاولاتها، لم تستطع تجنّب الهزيمة.
وهذا المصير يتكرر في كل خط زمني.
دائمًا تواجه إيريس في الدور الـ32 وتنتهي بالهزيمة.
هل هناك من يتلاعب بنتائج المباريات داخل الكنيسة أو بين جماعة الغموض؟
وإلا، فما معنى أن يتكرر المشهد نفسه في هذه المرحلة بالذات؟
يبدو أنه تم التخطيط كي تعود أكريد إلى هذا المكان في هذا التوقيت تحديدًا.
يجب أن أحقق في الأمر لاحقًا.’
في تلك اللحظة، نهضت دوقة وايتوود من مقعدها.
“إنهم يتفرقون.”
كما قالت، كان الكهنة رفيعو المستوى يبتعدون عن العربة على عجل،
وكأنهم تلقوا رسالة عاجلة.
اقترب كاردينال مكلّف بحماية القديسة وبدأ يتحدث معها.
من الواضح أنه كان يماطل عمدًا.
وبعدها مباشرة، رفعت دوقة وايتوود نظرها إلى السماء.
هناك، وسط زرقة صافية،
ظهرت ومضات ضوء مفاجئة.
’أنا أعرف هذا… سلاح ذو أصل إلهي… يشبه الذي أملكه.’
سقوط نجوم.
النجوم بدأت تمطر من السماء.
بووم! بووم! بووم!
اجتاح الدمار المنطقة بأكملها.
الحراس الفرسان حول أكريد سقطوا أرضًا،
وعربتها تحطمت إلى أشلاء.
حتى الكاردينال الذي كُلّف بحمايتها تهاوى على الأرض.
لكن دوقة وايتوود لم تتحرك قيد أنملة.
’صحيح… سقوط نجوم قوي بما يكفي لتدمير عربة، لكنه ليس كافيًا لقتل أكريد مباشرة. هذا الكاردينال المريب… تظاهر بحمايتها لكنه تعمّد تلقي الضربة.’
وبالفعل، دوقة وايتوود حلّلت الموقف بدقة.
لم يكن سوى مسرحية لافتعال الفشل في حماية القديسة.
وسط الدخان الكثيف، بدأ الفرسان المبعثرون يستعيدون وعيهم ويقفون ثانية.
لكن لم يكن الدخان وحده هو الذي ملأ المكان؛
ضباب أبيض كثيف غطّى كل شيء، وحجب الرؤية تمامًا.
ظاهرة “الوايت آوت”.
مصطلح يُطلق على ظروف طقس تجعل من المستحيل تمييز الأفق بسبب الضباب أو الثلج أو الرمال.
’إذًا… أحد الغامضين يملك قوة مرتبطة بالضباب.’
“يا فتى.”
في تلك اللحظة، أزاحت دوقة وايتوود عباءتها للخلف وتقدمت إلى الأمام.
“اذهب مباشرة إلى القديسة.
أما أنا فسأتكفّل بالقضاء على كل أفراد الغموض.”
ابتسامة شرسة ارتسمت على شفتيها، وهالة مفترسة انبعثت منها.
’لا يوجد حليف أوثق من هذه المرأة.’
“نعم.”
قفزت دوقة وايتوود إلى داخل الضباب كوحش هائج،
وفي الحال دوّت صرخات من كل اتجاه.
لقد اصطدم الغامضون بكابوسهم الأسوأ.
أما أنا، فانطلقت عبر الضباب، متجهًا نحو المكان الذي كان من المفترض أن تكون فيه أكريد.
“!”
فجأة، طار أحد الغامضين نحوي، مطروحًا بفعل قوة دوقة وايتوود الكاسحة.
إنها تجتاحهم كقوة طبيعية عارمة.
لا عجب أنها أسطورة حية.
ما لم يتدخل زعيمهم، لا فرصة لهم ضدها.
بالنسبة للغامضين، هذا جحيم محض.
لكن… يجب أن أركز على أكريد.’
حين وصلت إلى حطام العربة، اتسعت عيناي من الدهشة.
لم يكن هناك أحد.
أكريد، التي كان يفترض أن تكون هنا، اختفت.
ولم تكن وحدها.
’الكاردينال سنتريول… ذلك الخائن اختفى معها.
إذًا… بعدما خرجت الخطة عن السيطرة، اختطفها وهرب.”
في مكان آخر، في أعماق الغابة…
كان رجل يرتدي درعًا أبيض لامعًا يركض بأقصى سرعة.
كان الدم يسيل من جرح في جبهته، لكنه لم يهتم بذلك.
كان هذا الكاردينال سينتريول،
أحد أكثر أعضاء الكنيسة المقدسة إخلاصًا.
وُلِد في دار للأيتام تديرها الكنيسة المقدسة
وصعد في المراتب من محقق عقائدي إلى فارس مقدّس رفيع المستوى.
كان يُعتبر من أعظم أصول المملكة المقدسة.
لكن اليوم، كان سنتريول على غير عادته… مرتبكًا ومذعورًا.
كان يحمل بين ذراعيه امرأة،
شعرها الذهبي المائل إلى البياض يتطاير خلفها مع كل خطوة.
فستانها الأبيض النقي، رمز الطهارة، كان يتماوج مع حركته.
إنها لم تكن سوى أكريد سانت ناريا، قديسة المملكة المقدسة.
“الكاردينال سنتريول.”
بمجرد سماع صوتهـا، خفّض سنتريول بصره نحوها.
أكريد كانت تحدق فيه بوجه خالٍ من التعبيرات.
عادةً، كانت ابتسامة رحيمة لا تفارق شفتيها،
لكن هذه المرة، لم يكن هناك أثر لذلك.
في تلك اللحظات النادرة، بدا وكأن نظرتها تنفذ عبر كل شيء.
باردة.
’عينَاها… كلما التقت عيناي بعينيها، أشعر بوخز مؤلم في قلبي.’
“لماذا خنت الكنيسة؟”
رنّ صوت أكريد جليًا، خاليًا من أي نغمة، صارمًا كالحديد.
على عكس نبرتها المرحة المعتادة.
سنتريول شعر بالانزعاج، لكنه أجاب بوقاحة، محاولًا التماسك:
“سيدتي، لا أفهم ما الذي تعنينه.”
“لقد أجبرك ملك لِيوم، أليس كذلك؟
الأمر ليس غريبًا، فسلطة المملكة كانت تتلاشى بسرعة.
خيار الملك مفهوم، لكنه لا يُبرَّر.”
’صحيح… منذ ظهور القديسة، تغيّرت موازين القوى في المملكة.
الشعب رفع من شأن الكنيسة ورفع مكانتها.
وفي المقابل، تضاءلت سلطة العائلة الملكية يومًا بعد يوم.
بالطبع، رأت العائلة الحاكمة في أكريد تهديدًا يجب التخلص منه.
لهذا، شكوكها في محلها تمامًا.’
لكن سنتريول رد بثبات:
“قد يكون ملك لِيوم من دبّر الهجوم،
لكن خيانتي… أمر آخر تمامًا.
ألم أقدك الآن بنفسي إلى مكان آمن؟
وبينما كان سنتريول يفنّد كلامها، حوّلت أكريد نظرها نحو الغابة البعيدة.
“أهكذا تظن؟ بالنسبة لي، ذاك المكان يبدو أكثر أمانًا من أي موضع آخر.”
“أتقصدين حيث يكمن المهاجمون؟”
“أي مكان سيكون أأمن من البقاء إلى جانب الكاردينال سنتريول.”
أكدت كلماتها يقينها بخيانة سنتريول.
وحين سمعها، عضّ سنتريول على أسنانه غيظًا.
“إذن لماذا تبعتِني، رغم أنكِ متأكدة أنني خائن؟”
“لأن هناك ما أردت قوله للكاردينال سنتريول.”
وبملامح جامدة، تحدثت أكريد بهدوء:
“الأموات لا يعودون.”
دووم—
توقفَت قدما سنتريول، اللتان كانتا تسرعان إلى الأمام فجأة.
وفي اللحظة نفسها، أمسك بأكريد وطرحها أرضًا.
بووم!
تحت قبضته التي أحكمت على عنقها، حدّقت أكريد فيه بهدوء.
كانت عيناه تشتعلان بحقد عميق لا يخمد.
“الكاردينال سنتريول، أنت تعلم ذلك، أليس كذلك؟”
حتى مع انقباض حلقها، واصلت أكريد الحديث.
لكن سنتريول لم تكن لديه أي نية لتهدئة غضبه.
“لقد آمنتُ بالاله طوال حياتي.”
سال صوته مرارةً وهو يتكلم.
السبب الذي جعل سنتريول يصبح محققًا للكنيسة كان ابنه، ذاك الطفل الذي وُلد عليلاً ضعيف البنية.
لقد عهد بابنه إلى رعاية كبار الكهنة، آملاً أن ينقذوه بقواهم الإلهية.
“تضرعتُ إلى الاله آلاف المرات، لا، عشرات الآلاف من المرات. صليت أن يعيش ابني أطول مني.”
واصل الكهنة جهودهم لعلاج الفتى، لكن حالته لم تتحسن قط.
وهل كان ذلك مفاجئًا؟
فالقوة الإلهية تستطيع أن تشفي الجراح والأمراض، لكنها لا تستطيع تغيير ضعف المرء الفطري.
وبينما يمكن للتعرض الطويل لتلك القوة أن يمدّد العمر فوق حدوده الطبيعية، إلا أنها لا تستطيع كسر القيود النهائية للموت.
“لكن اله، رغم كل إخلاصي، لم ينقذ حياة ابني.”
حياة بأكملها من التفاني للكنيسة لم تكن كافية لإنقاذ ولده.
لو كنت أعلم، لقضيت وقتي بجانبه… لكن بدلاً من ذلك، أهدرته متوسلاً إنقاذ حياة لم يكن مقدراً لها النجاة.
تنقّط—
بدأت دموع حمراء كالدم تنساب من عيني سنتريول.
كانت محمّلة بحزن لا يوصف.
“إذن، تريد أن تعيد ابنك من الموت، أليس كذلك؟”
لقد عقد سنتريول صفقة مع الملك ليوم.
مقابل مساعدة الملك، سينال وسيلة لإحياء ابنه.
“هذا لن يجلب لابنك السلام. سيجلب فقط غضب اله .”
“ماذا تعلمين أنتِ؟!”
اشتدت قبضته على عنقها أكثر.
“ابني مات ظلمًا، دون أن يرى البحر الذي طالما حلم برؤيته! لم أستطع حتى أن أحتضنه حين صرخ يناديني أباه! اله رفض أن يضمّ حتى طفلاً بريئًا كهذا—أي معنى يمكن أن يكون لغضبه؟!”
“لقد ذهب ابنك إلى جانب الاله . كل حي—”
“اصمتي!”
تنقّط الدم من عيني سنتريول على وجهها.
“سأعيد ابني. سأمنحه الحياة التي لم يعشها، المليئة بكل ما كان يتمناه.”
لقد تجاوز طغيان سنتريول نقطة اللاعودة.
“كل ما عليّ فعله هو أن أقتلكِ.”
ضغطه ازداد قسوة.
ومع أنها كانت تكافح لالتقاط أنفاسها، بقيت أكريد تحدّق فيه.
ذاك النظر الهادئ، الثابت، أقلق سنتريول أكثر من أي شيء آخر.
“أتظن أنك ستحقق شيئًا؟”
في تلك اللحظة، دوّى صوت في أذنه.
لقد كان سنتريول، المستهلك بالغضب، قد فشل في الانتباه إلى محيطه.
وحين رفع رأسه، كانت قبضة قد اندفعت بالفعل نحوه.
صفع!
انفجر ألم حاد عبر وجهه، مما جعل رأسه يرتد إلى الخلف.
لكن سنتريول، بصفته كاردينالاً مُنح لقب الفارس المقدس، لم يكن ليسقط بضربة قبضة وحسب.
وبينما كان يثبّت نفسه مستعدًا للرد،
شعر بأن وجهه لا يتحرك.
لقد تجمّد وجهه كليًا تحت صقيع جليدي.
وبحلول الوقت الذي أدرك فيه ذلك، كان الأوان قد فات.
قبضة أخرى قد ارتطمت بوجهه.
وإن لم تكفِ الأولى، فالثانية.
طقطق!
الضربة الثانية حطّمت الجليد وطرحت سنتريول أرضًا.
واقفًا أمامه كان شاب ذو شعر أسود هبط للتو.
“افعل ما تشاء، وحاول أن تدمر كل ما تبقى من حيوات ابنك القادمة.”
لقد وصل هانّون إيري
————-
“سيتم تغير اسم الالهة الى سامين”