البداية بعد النهاية - 473 - السقوط
الفصل 473: السقوط
من منظور سيسليا:
كل شيء أصبح في مكانه.
مع قيام مولدات الحاجز بإبعاد التنانين، تمكن العمال من العمل بحرية وإنشاء حلقة من القطع الأثرية المُعطِلة التي عملت على تشويه ومقاطعة الصدع بين افيوتس و ديكاثين. بينما قامت مولدات الحاجز بحمايتنا من التنانين في ديكاثين، منعت هذه القطع الأثرية المُعطِلة إندراث من إرسال الدعم من إيفيوتس، مما أدى فعليًا إلى عزل العالمين عن بعضهما البعض.
إن المانا المحيطة الكثيفة للصدع نفسه تعمل على تشغيل كلا المصفوفتين. إذا كان إندراث قادرًا بطريقة ما على إيقاف تدفق المانا، فسيكون لدينا ما يكفي من الطاقة في البطاريات لتنفيذ المرحلة التالية من الخطة. وإذا فشل ذلك، ستصبح الأطياف أنفسهم مصدر المانا.
انتظرت غريزيًا التقييم القضائي لأفكاري من تيسيا التي تحوم بالقرب من سطح وعيي.
قالت تيسيا رداً على افكاري: ‘لقد فكرتِ بالفعل في مبرراتك لضرورة فعل مثل هذا العمل القاسي. كل ما سأقوله هو أنك قطعتِ شوطًا طويلًا يا سيسيليا، إذا شعرتِ بالذنب بسبب قسوتك تجاه هؤلاء الجنود، فمنذ قليل فقط، لم تنظري إليهم إلا كأدوات.”
لقد شعرت بالغضب حقًا، لكنني علمت أنه لا فائدة من الجدال ضد الشعور بالذنب الذي يشق طريقه عبر أحشائي. ليس عندما يكون الشخص الذي سأتجادل معه موجودًا بالفعل في رأسي. قد يكون الأمر مزعجًا، لكن هذا لا يجعله أقل ضرورة. بالإضافة إلى ذلك، إنها خطة أغرونا، وهم جنوده لذا يمكنه فعل بهم ما يريد.
تنهدت حتى عندما تشكلت الكلمات في رأسي. ‘بغض النظر عن ما قلته، فأنا لا أحتاج إلى تأكيدك.’
‘تقولين هذا ومع ذلك، فقد تجولتِ في ذهني مؤخرًا لكي تري ما أفكر فيه أحيانًا.’
‘إن رؤيتك ورأيك لهذه الأحداث قيمة، هذا ما اعترفت به عندما ضغطت بقوة على السبب الأكثر صدقًا، ولكن أيضًا الأكثر إحراجًا، وراء سلوكي.’
‘أنا سعيدة لأنك تدركين هذه الحقيقة.’ خرج صوت تيسيا، المنعكس في رأسي، متساويًا وبدون سخرية.
بعد أن تخليت عن المحادثة القصيرة ولكن المحبطة، أعدت انتباهي إلى محيطي المباشر.
واصلت التنانين قصفها للحاجز الخارجي لمدة ساعة أخرى لكنها توقفت مع وصول قائدهم. تعرفت على شارون من عشيرة إندراث من خلال الوصف المعطى لي: تنين كبير ذو لون أبيض عظمي ومصاب بندوب قتالية، وله عيون أرجوانية وأجنحة ممزقة. لقد أمضى بعض الوقت في التشاور مع التنانين الأخرى الموجودة، والتي أصبح عددها الآن كثيرًا.
فكرت في الأمر ‘يبدو أنهم أحضروا كل تنين في ديكاثين.’
في النهاية، اقترب شارون من الحاجز، وطار في شكله التنيني. كانت أجنحته تخفق ببطء، وكان صوته يصدر منه كدمدمة عميقة. “الإرث، الأمل الرئيسي للباسيليسك المجنون، الذي أقنع نفسه أنه إله.”
لقد نظرت إليه ببرود لكنني لم اقفز إلى طعمه رغم انزعاجي.
“تريدين الدخول في الموضوع مباشرة إذن،” غمغم. “ماذا يريد أغرونا؟ لقد استولى على الصدع بين إيفيوتس، لكنه لا يستطيع استخدامه، ولا يمكنكِ أن تأملي في الاحتفاظ به، مما يعني أن هذا تكتيك مساومة. أخبريني بعرض سيدك، وسوف أتشاور مع اللورد إندراث بشأنه.”
لقد رفعت حاجبًا واحدًا وقلت. “لا تكذب علي أيها التنين. يتطلب السفر بين العوالم إمكانية الوصول إلى هذا الصدع، حتى باستخدام أدوات النقل الآني الخاصة بك. فقد تم قطعك. السيادي الأعلى ليس لديه رسالة لك، ولا طلب. أنت لا علاقة لك بهذا.” من زاوية عيني، رأيت أحد العمال على الأرض يراجع رسالة ما، وعيناه تتجهان نحوي بعد قراءة كل سطرين. “لا تترددوا في إرهاق أنفسكم ضد الحاجز إذا كان لا بد من ذلك. أو لا تفعلوا ذلك وابقوا صامتين. الضجيج مزعج بسبب جهودكم غير المجدية. “
أدرت ظهري لشارون إندراث، وذهبت نحو الأرض، وأنا أشعر بالرضا تجاه هذا التبادل القصير. لم أكسب شيئًا لأنني فزت بالصراع اللفظي، لكنني بدأت بالفعل أشعر بالغضب من دوري كحارسو ثابتو للحاجز الذي لا يمكن اختراقه، وأطلقت بعضًا من هذا الإحباط حيث جعلتني الكلمات الشائكة أشعر بتحسن قليل.
“ما الأمر؟” سألت عندما لمست قدمي الأرض.
العامل، الذي شاهدني أقترب من زاوية عينه، ابتلع لعابه بشكل واضح. “رسالة من المنجل نيكو.” لقد أمسك باللفافة السحرية التي تعرض الكلمات المكتوبة على لفافة متطابقة بحوزة نيكو.
قرأتها مرة واحدة بسرعة، ثم أجبرت نفسي على قراءتها مرة أخرى بشكل أبطأ. “انبثاق… مانا قوية مستديمة بطريقة ما، ملفوفة حول جيب من سحر لونه مثل الجمشت الذي لا يمكن إلا أن يكون أثيرًا.” عبست، وأنا أحاول أن أفهم كل ما حاول نيكو شرحه في تلك الرسالة القصيرة.
لم يكن جراي عند الحائط. وكما هو متوقع، فقد أخفى موقعه الحقيقي بعناية، حتى عن شعبه. ومع ذلك، فإن انبعاث الأثير مثيرًا للاهتمام. ‘توقيع المانا الذي شعرت به قبل المعركة …’
‘لقد كان تمويهًا. إن الإشارة الكاذبة التي تحاكي وجود رباطه والتشويه الناجم عن الأثير لا يمكن أن يكون القصد منها سوى إخفاء موقعه الحقيقي بالطبع. وكنت الشخص الوحيد في ديكاثين الذي قد يكون قادرًا على الشعور بذلك. ما لم يخبئ نفسه من حلفائه التنانين أيضًا…’
ثم انتقلت الرسالة إلى تفاصيل الجهود المبذولة لسلاح الديكاثينين الجديد الذي تم الكشف عنه. مزيج من أجزاء وحش المانا العضوية مع المكونات السحرية والميكانيكية؟ لم أستطع أن أتخيل ما وصفه نيكو، لكنني كنت متأكدة من أنه حتى أغرونا لا يستطيع تفسير شيئًا كهذا.
اكتشفت سيريس، المنجل السابق، طريقة لإنهاء القتال في فيلدوريال والحفاظ على شعبها في مأمن من لعنة أغرونا في دمائهم ورونيتهم، لكن نيكو أعرب عن شعور قوي بالثقة في أن آرثر لم يخبئ نفسه في المدينة. بالإضافة إلى ذلك، فشل الهدف الخفي – وهو القبض على الأخت أو الأم – واختفت المنجل ميلزري.
عندما قرأت كل ذلك للمرة الثانية، عاد تركيزي إلى الجزء المتعلق بالانبعاث الأثيري عند الجدار.
عضضت شفتي من الداخل، وحطمت ذهني لمعرفة ما يمكن أن يعنيه ذلك، لكنني لم أستطع التفكير في طريقة أخرى لقراءتها سوى عن طريق دافعي الأول: جراي يناديني مباشرة. كان المقصود من هذا الاستحضار أن يعميني عن موقعه الحقيقي، وكان يريدني أن أعرف وأفهم هذه الحقيقة أيضًا.
لقد وجدت نفسي أتمنى لو كان نيكو هنا بدلاً من مجرد رسالته. فكرت في إرسال رد له وانتظار الرد، لكنني لم أرغب في إعطائه الانطباع بأنني لا أستطيع التفكير بنفسي.
علاوة على ذلك، كنت أعرف بالضبط ما هي معايير مهمتي. كان السؤال الحقيقي هو ما إذا كنت سأستمر في متابعته بشكل أعمى أم لا. بعد كل شيء، تم إغلاق الصدع. أنا ضائعة هنا.
لم يكن هناك مجال كبير للابتعاد عن أي شخص داخل المنطقة المحمية. طار الأطياف في محيط المكان، محدقين في التنانين، مكبوتين تمامًا مثلي، بينما ضمن العشرات من العمال استمرار عمل المعدات بشكل مثالي. انتقلت إلى زاوية منعزلة وغرقت على الأرض بين اثنين من مولدات الحاجز. أغمضت عيني، وتركت تركيزي يمتد إلى محيطي.
لم يعد التدفق المتوازن للمانا داخل وخارج الصدع موجودًا، مما ترك الغلاف الجوي حول الحاجز سميكًا به، على الرغم من أنه كان خافتًا بسبب الوجود المذهل للعديد من توقيعات مانا الازوراس. ولكن كما حدث من قبل، واصلت توسيع نطاق وصولي إلى أبعد وأبعد، حتى وصلت حواسي إلى الجدار. هناك، شعرت مرة أخرى بتلميح من قوة المانا الخاصة به، بالإضافة إلى ذلك التشويه الواضح الذي أعطى مصدرًا قويًا للأثير.
لكنني لم أتوقف عند هذا الحد. وبدلاً من ذلك، واصلت الدفع والوصول والاستشعار حتى إلى ما وراء الجبال الكبرى وعبر أرض إلينور القاحلة إلى الشمال.
كما لو كنت مثل زيوس* أنظر إلى الأسفل من أعلى جبل أوليمبوس، رأيت مد المانا وهو يتحرك في موجات عبر القارة بأكملها منتشرة أمامي. انقطعت أنفاسي بسبب جمال الإحساس، خففت تفكيري في هذا المحيط، تاركةً تركيزي يندفع وينجذب ليس من خلال هدفي ولكن من خلال المانا نفسها. اعتقدت أنني فهمت المانا بالفعل، أفضل من أي شخص آخر في هذا العالم، لكنني لم أختبرها بهذه الطريقة من قبل. لم يكن لدي كلمات لوصف روعة هذه الظاهرة.
(اله من الاساطير الاغريقية)
‘هل مازلتِ ترين هذا العالم على أنه… مزيف؟’ قالت تيسيا، صوتها بدا مثل حجر في المحيط الهادئ. ‘هل لا زلتِ ترين أنه سيختفي من الوجود بمجرد عودتك إلى عالمك القديم؟’
‘ماذا؟’
‘هذه الهدية التي وهبت لكِ… قد تكونين الشخص الوحيد في العالم الذي يمكنه رؤية ذلك.’ صمتت متأملة ثم تابعت. ‘إنني أنظر إلى هذا وأشعر بأن قلبي ينكسر، وأنا أعلم الاضطراب والمعاناة التي تحدث تحت هذه المشاهد. لقد جعلني هذا أتساءل عما إذا كان المنظر قد أثر عليكِ… ولكن الاهم من ذلك, ما هو نوع التأثير الذي يمكن أن يحدثه ذلك على شخص لا يؤمن بالواقع الذي حوله، والأهم من ذلك، تأثيره على هذا الواقع؟’
لم أجب، لأن الحقيقة هي أنه ليس لدي إجابة. لقد استخدمت تفكير أن هذه الحياة هي نوع من المطهر المؤقت لتهدئة شعوري بالذنب تجاه ما طُلب مني القيام به، لكنني لم أكن طفلة تُقنع نفسها بأن هذا العالم ليس حقيقيًا.
لقد أخرجتني هذه الفكرة من أحلامي اليقظة ورجعت بقوة إلى هدفي. لم أعد أطفو على تيار السطح المتحرك باستمرار لمحيط المانا هذا، ولكن بدلاً من ذلك قاتلت ضده، وضغطت إلى الخارج، وتوسعت لأغطي المزيد والمزيد من القارة بحواسي. تلاشى الشعور بالسلام، وشعرت مرة أخرى بالتنانين المحتشدة حول الحاجز، وجنودي وعمالي المتوترين يملؤون المساحة الصغيرة، والرسالة من نيكو بين يدي.
عندما وصل عقلي غير المقيد عبر سابين ودارف وإلينوار، شعرت بتلك الأماكن التي شوهت فيها المانا بفرشاة الأثير على سطح حواسي. في كل مكان، كان هناك حضور قوي للأثير الممزوج بتوقيع المانا الخاص بتنين غراي. بناءً على ما قاله نيكو، من المحتمل أن يكون كل واحد منها عبارة عن تعويذة، والتعويذة عبارة عن قذيفة من المانا تحتوي على نواة من الأثير المكتظ بكثافة.
كانت الأقرب هي الجدار، وبعده مكان معزول في أعماق صحراء إلينور. بالمقارنة بينهم، كانت هذه ومضة صغيرة بالكاد يمكن الشعور بها مقابل الفراغ الرمادي بسبب نقص المانا في الجو. كانت ضواحي الأراضي القاحلة مثل العواصف حيث اندفعت المانا الجديدة إلى الفراغ، لكن الجزء الداخلي من إلينور كان لا يزال خاليًا منها تقريبًا.
الإشارة الثالثة التي ظهرت فيها كانت في وسط دارف، حيث اعتقدت أنه لا بد أن يكون ملجأ المتمردين الديكاثيين، والذي تم اكتشافه بعد هروب آرثر من فيكتورياد. لقد كانت أقوى وأكثر سطوعًا من الجدار. ليس بفارق كبير، لكن الفارق كان واضحًا.
وأصبح آخرون مرئيين أيضًا، بالقرب من مدينة إتيستين وعلى جزيرة قبالة الساحل الجنوبي الشرقي لـ تلال الوحوش، ثم أصبحوا أكثر وضوحًا مع توسع وعيي ليحتوي القارة بأكملها.
لكن معظمها كان يطابق الجدار من حيث الشدة، وسرعان ما قمت بحذفهم من رأسي واعتبرتهم فخًا خداعيًا. لدينا بالفعل قوات تتحرك في تلك المناطق، والتي تتوافق تمامًا مع المكان الذي شهدنا فيه نشاطًا عسكريًا متزايدًا، وسوف يتحققون مما إذا كان جراي موجودًا بالفعل في كل موقع أم لا دون مساعدة مني.
لكن التوقيعات في الأنقاض وفي دارف كانت مختلفة. أحدهما مخفي تقريبًا، والآخر يحترق بشكل أكثر سطوعًا وأقوى من كل الآخرين. لم يكن أي منهما نقطة محورية لتراكم القوات الديكاثينية أو تحصينها، مثل الجدار. كان كلاهما بعيدًا بما يكفي عن أي أشكال حضارة لتجنب الأضرار الجانبية إذا تعرضت المواقع للهجوم.
وكلاهما، كما عرفت من ذكريات تيسيا المشتركة، كانا مهمين بالنسبة له.
كان الانبثاق الذي شعرت به من إلينور قريبًا جدًا من المكان الذي كانت فيه العاصمة زيستير. لقد عاش هناك – مع تيسيا – معظم طفولته. وكانت القرية المدفونة أسفل دارف هي المكان الذي ذهب إليه عندما خسر الديكاثيون الحرب، حيث تم لم شمله مع والدته وأخته بعد أن كاد أغرونا أن يأسرهم.
إما أن جراي يحاول الاختباء حيث اعتقد أنني لن أتمكن من الشعور به – في إلينور، حيث يوجد القليل من المانا فيها – أو أنه فشل في تكرار توقيعه الأثيري بشكل مثالي، مما سبب اضطرابًا أقوى في مانا من هذه المنارات الكاذبة التي خلقها. وفي كلتا الحالتين، فقد ارتكب خطئًا. ولكن في أي اتجاه يميل هذا الخطأ؟
لقد كافحت لأتذكر كل ما أعرفه عن جراي من عالمنا ودمجه مع ما تعلمته عنه في حياته بصفته آرثر ليوين.
تبدو قرية السحرة القدماء منطقية، إذا كان آرثر واثقًا من قدرته على إخفاء موقعه الحقيقي، فإن هذا يتماشى مع أفكاري. إن تقديم الكثير من الإيجابيات الكاذبة فقط لإخفاء مكان لا يمكن الشعور بتوقيعه الحقيقي على الإطلاق داخل إلينور سيكون حقًا عملاً جبانًا.
‘آرثر ليس جبانًا،’ قالت تيسيا.
‘ومع ذلك، في كلتا الحالتين، فهو يختبئ بينما يقاتل حلفاؤه ويموتون لإخفاء موقعه.’ أجبتها.
فكرت تيسيا في كلماتي بعقلانية ولم ترد على الفور.
‘أنا أتفق معكِ.” فكرت وقلت لتيسيا، ثم اتخذت قراري. ‘إنه ليس جباناً. لكنه يبالغ في ثقته بقدراته.’
في اللحظة التي قررت فيها مسار العمل، ظهرت لي مشكلة أخرى.
وقفت، ثم تركت الغطاء الهزيل من مولدات الحاجز وتفقدت الحاجز الأملس الذي يلتف حول موقعنا، الذي يمتد عاليا في الهواء لاحتواء الصدع. قامت حلقة ثانوية من القطع الأثرية بإسقاط مانا مشوهة مباشرة في الصدع، مما يمنع أي شخص من المرور من الجانب الآخر.
ولكن تم إبقائي داخل الحاجز بنفس القدر من الفعالية التي تم بها إبعاد حشد التنانين عنه. يمكنني بالطبع اختراق الحاجز، لكن القيام بذلك سيعرضني لهجوم جيش شارون، بل وسيفتح المعدات الموجودة بالداخل أمام هجماتهم للحظات. لم يكن ذلك مقبولاً. لقد تجاهلت حقيقة أن أغرونا سيجد بالتأكيد أن تركي لمنصبي هو أمر غير مقبول أيضًا؛ ومع ذلك، إذا أحضرت له جراي، فأنا أعلم أنه سيسامحني.
لقد قمت بإبلاغ لوركان، الطيف المكلف بدعمي وتسليم أوامري إلى جميع الآخرين. امتلك لوركان ندوبًا ووجه شاحب مع قرون خشنة ذات شكل غير طبيعي، وكان له نظرة غير سارة، لكنه كان جنديًا حقيقيًا. لقد كان يفتقر إلى الأهمية الذاتية التي يتمتع بها الكثير من الأطياف الآخرين وسعى لتحقيق أهداف أغرونا بشكل محموم ودون أدنى شك. “الإرث؟” سأل وعيناه الياقوتية فارغة من أي شيء سوى الترقب.
“لقد تغير الوضع، وهناك حاجة لي في الميدان.”، شرحت بشكل روتيني. “سأتركك في قيادة الصدع. أبقِ العمال في مهمتهم وستعمل مصفوفات الحماية، وليس لدي أدنى شك في أن كل شيء سيستمر بشكل جيد كما هو متوقع.”
إذا تفاجأ لوركان، فهو لم يعط أي إشارة على ذلك وقال. “بالطبع، الإرث. سأنفذ هذا بناء على إرادة صاحب السيادة.”
أومأت برأسي، وعاد هو إلى الهواء ليبلغ قادة كل مجموعة قتالية من مجموعات الأطياف.
بالعودة إلى العزلة النسبية بين اثنتين من قطع الحاجز الأثرية، جلست متربعة وانتظرت. لقد مرت ثلاثون دقيقة تقريبًا منذ وصول شارون وتوقفت الهجمات العرضية ضد الحاجز. لم أكن أعتقد أنهم سينتظرون وقتًا أطول قبل محاولة الهجوم بحضور قائدهم.
أثناء انتظاري، مددت حواسي عبر الأرض، متحسّسةً أين ينبعث الدرع وينغلق تحتنا، وكذلك المكان الذي تكون فيه التربة أكثر ليونة. إذا كنت سأغادر، كان علي أن أفعل ذلك دون أن يلاحظني أحد إذا كنت أخطط للبحث عن جراي دون أن تطاردني التنانين.
مرت خمس دقائق أخرى في صمت نسبي، ثم تحول الجو خارج الحاجز مرة واحدة إلى عاصفة من المانا، وأصبح الهواء أبيض كما لو كنا عالقين في قلب صاعقة. ارتفع الشعر على ذراعي مع تصاعد الهواء، وبدا جلدي عليه لحم الإوز. انقسمت الأرض والسماء على حد سواء عندما اصطدمت العشرات من تعويذات الازوراس بالحاجز.
لقد أمسكت بالمانا الخاصة بالأرض، وتدفقت التربة مثل الماء، مما سمح لي بالغوص فيها. في الوقت نفسه، قمت بالتشبث بالمانا الخاصة بي بإحكام، ومنعت حتى أصغر تسرب قد يكون معقولًا كتوقيع مانا متحرك. لتمويه نفسي بشكل كامل، قمت بتلطيف أي حركة في مانا الجو التي قد تقدم بعض التلميحات عن مكان وجودي للتنانين الحساسة.
تغير ضجيج المعركة من صوت الرعد الحاد إلى قعقعة الانهيار الجليدي العميق. لقد دفعتني مانا الأرض إلى الأمام من خلال الأرض نفسها، والتي انطوت بعيدًا عن الطريق قبل أن تعود خلفي كما لو كنت أسبح عبر الأوساخ الصلبة.
القوة الملموسة التي شكلت الحاجز لاحت أمامي. عندما وصلت إليه، أمسكت بخيط من ذلك المانا وسحبته. مثل التماس في القماش المخيط، تم تراجع عنه، ومررت من خلاله. انتظرت على الجانب الآخر لبضع لحظات حتى تعافى الحاجز من تلقاء نفسه، مدعومًا بالضغط المستمر لمجموعة القطع الأثرية أعلاه، ثم تابعت.
حتى مع سيطرتي الكاملة تقريبًا على المانا، كان تقسيم الأرض وشبكة الجذور المنسوجة من خلالها أكثر صعوبة وأبطأ من الطيران عبر الهواء. ولكن نظرًا لأن التنانين يمكن أن تتواجد بعيدًا بهذه السرعة، وما زال المزيد منها يتدفق من جميع أنحاء القارة، فقد أردت التأكد من أنه لن يتم اكتشافي، وهكذا تدفقت على طول أعماق الأرض لفترة طويلة. كانت الزنزانات والكهوف منتشرة في المناظر الطبيعية في تلال الوحوش، لكنني كنت أتحرك حولها بدلاً من إبطاء تقدمي بشكل أكبر من خلال المرور عبرها.
‘إذا كان آرثر غير قادر حقًا على الدفاع عن نفسه، فليس لديه خيار أيضًا سوى الاختباء. وأصدقاؤه – كل الأشخاص الذين يحبونه – يدافعون عنه عن طيب خاطر.’ قالت تيسيا فجأة.
استغرق الأمر مني لحظة لربط أفكارها بمحادثتنا السابقة. ‘وهل أنتِ؟ تحبينه حقًا؟’ لم أكن أعتقد أنني بحاجة إلى السؤال، لأن عقولنا كانت متصلة، لكن مشاعر تيسيا تجاه جراي كانت معقدة ويصعب تحليلها حتى عندما لم تكن تحاول فصلي عنها.
قالت بعد صمت طويل: ‘لقد أحببته منذ أن كنت طفلة صغيرة. لقد كان حبي الأول على ما أعتقد.”
‘ولكن الآن أنت تعرفين ما هو. ومن هو. لقد كذب عليكِ طوال الوقت الذي عرفتهِ فيه. مع كل هذه الأشياء، هل لا يزال بإمكانك أن تحبيه حقًا؟’
‘لا أعتقد أن آرثر تظاهر قط بأنه شخص آخر غير حقيقته.’، أجابت ببطء، وهي تكتب كل كلمة بعناية. ‘لا أستطيع إلا أن أتخيل مدى صعوبة الأمر بالنسبة له – الوحدة، والشعور بالذنب لاضطراره إلى الحفاظ على مثل هذا السر.’
‘لقد كذب عليكِ لأنه اضطر إلى ذلك.’ واصلت، ملطفةً صوتي العقلي.
‘ما هو الخيار الآخر الذي كان لديه؟’ هي سألت. ‘لن أدعي أنني أفهم ما يعنيه البناء العاطفي. هل حب الأطفال حقيقي؟ ربما لا. لكني أعلم أنني أهتم به وأحترمه وأريد له أن يعيش حياة سعيدة بعد كل هذا. إذا لم يكن هذا أساسًا للحب الحقيقي، فأنا لست متأكدة مما يعنيه.’
ساعدتني كلماتها في إعطاء سياق لمشاعري المعقدة وقلت. ‘أشعر بنفس الشيء تجاه الأكاذيب التي وضعها نيكو في رأسي والتي ساعده أغرونا في ذلك. لقد كانت لغرض ما، شعر نيكو أنه كان عليه أن يفعل ذلك. لقد كان من أجل مصلحتي، مثل غراي بالنسبة لك.’
قالت تيسيا مترددة: ‘هذا… ليس ما قصدته.’ لقد توقفت لبضع ثوان. ‘كان على آرثر أن يحمي نفسه بالأكاذيب. سواء كان ذلك صحيحًا أم خطأ، لم يكن هذا إجراءً تم اتخاذه للتحكم بي.’
لم يكن من الصعب قراءة المغزى غير المعلن لكلماتها، والذي كنت أتأمله بصمت لبعض الوقت. ‘تعتقدين أن لديكِ الحق في مسامحة أكاذيب جراي، لكنني حمقاء لمسامحة نيكو وأغرونا.’
وكأنها تتوقع ما سأقوله، فأجابت على الفور. ‘أعتقد أنك مازلتِ تحاولين اكتشاف هويتك يا سيسيليا، وأنك تكافحين من أجل اتخاذ قرارات تثقين بها لأنك تشككين باستمرار في مصدر أي فكرة لديك. هل سكون هذا أنت أم أغرونا؟ أو حتى أنا؟ لا أريد أن أكون الصوت في أذنك الذي يرشدك للقيام بالأشياء على طريقتي.’
مرة أخرى، لم يكن لدي أي إجابة، ولذلك صمت كلانا، وأفكارنا مثل سحابتين غامضتين تتداخلان عند الحواف. تركت منظر التربة تتكشف أمامي يجذبني ويمسح أي أفكار باقية عن جراي أو نيكو… أو عن نفسي.
لقد ارتفعت من التربة فقط بعد التحقق من عدم وجود تنانين لمسافة طويلة جدًا، ثم طرت فوق الجبال الكبرى. كان الهواء البارد يُشعر بالارتياح بعد نفق رحلتي تحت الأرض الخانق.
حلقت الجبال ثم الصحراء خلفها بشكل ضبابي، مما ذكرني ببوابات النقل الآني التي استخدمها الديكاثيون. لقد كانت آثارًا للسحرة القدامى، تشبه إلى حد كبير القرية الموجودة تحت الأرض التي وجدتها. أنزلت نفسي من خلال فجوة كبيرة في أرضية الصحراء حيث انهار سقف الكهف جزئيًا. تراكمت أكوام ضخمة من الرمال في الأسفل، لتغطي نصف الكهف. أو هذا ما استطعت رؤيته من الباقي تم هدمه بالكامل.
وفقًا للشائعات التي فحصها جواسيسنا، فقد حارب جراي ازوراس حقيقيًا هنا. بالنظر إلى الضرر، أستطيع أن أصدق ذلك.
عند هذا القرب، أستطيع الآن أن أشعر بانبعاث المانا الأثيرية من الأسفل حتى بدون توسيع حواسي بالقوة. على الرغم من شبكة الأنفاق المتعرجة التي امتدت من القرية المدمرة، إلا أن الانبثاق كان بمثابة البوصلة، التي تشير إلى المكان الذي يجب أن أذهب إليه. بصرف النظر عن عدد قليل من وحوش المانا الضخمة التي تشبه القوارض، لم أر شيئًا بينما كنت أسرع عبر الأنفاق المظلمة، وقد تم تعزيز عيني بالمانا من أجل الرؤية.
كنت على وشك الوصول إلى هدفي عندما اجتاحني الرعب فجأة، وأطفئ توقعاتي مثل الريح على لهب الشمعة. لمست قدمي الأرض، ثم تراجعت بشكل غريزي إلى الوراء بينما كنت أبحث في الردهة المربعة عن مصدر خوفي. لقد كان مثل مستنقع معلق في الهواء، شيء غير ملموس بمخالب حقيقية للغاية أراد أن يضرب عيني ورئتي وقلبي، لكن لم يكن هناك أي تعويذة أو مانا تستطيع فعل…
أدركت وجود تأثير أثيري. خوف لا يمكن تجاوزه أو التخلص منه. طبقة من الحماية المثالية.
على الرغم من أنني واصلت التردد ذهابًا وإيابًا، وشككت في قراري بالمجيء إلى دارف بدلاً من إلينور، فقد عرفت حينها أنني اخترت بشكل صحيح.
صررتُ على أسناني، واندفعت إلى الخارج باستخدام المانا، سواء المانا المنقاة التي كانت تدور عبر جسدي الخالي من النواة ومانا الجو التي ظلت باقية في الأنفاق العميقة تحت الأرض. امتدت الشقوق على الجدران وشباك العنكبوت على الأرض، ومضت تشوهات مرئية للضوء والحرارة في الهواء. تكثف الجليد فوق الجدران ثم تحطم وتدفق كمياه ليتجمع على الأرض قبل أن يصدر صوت هسهسة ليتحول إلى بخار ويدور مرة أخرى في الهواء، حيث تم دفعه مرة أخرى إلى الخارج بسبب الضغط الذي نفحته.
خف الرعب، ثم انحسر، ولا يزال موجودًا ولكنه صار بعيدًا ويفتقر إلى القوة. لم أتمكن من التحكم في الأثير، ولا يمكنني كسر التعويذة وإنهاء تأثيرها، ولكن من خلال تحريك قوة قوية بما فيه الكفاية من المانا، قمت بتعطيلها للحظات. دون إضاعة أي وقت، انطلقت بسرعة إلى الأمام، تاركةً بسرعة منطقة الرعب ورائي.
وعندما انعطفت عند الزاوية التالية، توقفت فجأة.
كان هناك جدار من الحجر الحي يقسم النفق، ويتحرك باستمرار من اليسار إلى اليمين عبر المسار. على الرغم من أطنان وأطنان الحجر المتحرك بسرعة، إلا أنه لم يصدر أي ضجيج.
“ما هي الخدعة الأخرى التي لديك يا جراي؟” سألت، رن صوتي عاليًا ضد اندفاع التعويذة المكبوتة.
وبينما كنت أشاهدها وهي تتحرك، لاحظت التفاصيل الصغيرة. لم يكن جدارًا صلبًا من الحجر، ولكن كان هناك العديد من الألواح الصغيرة التي تتلاءم معًا مثل قطع الألغاز، وكلها تتدفق داخل أخدود مقطوع بشكل مثالي لتناسب الاحجية. كانت تشع بنكهة المانا القوية والغريبة. هذا يشير إلى أن أصله لم يكن ديكاثيًا أو ألاكريانيًا.
لقد دفعت ضد المانا بنفسي، لكن تم دفعها للخلف بقوة كافية لدرجة أنني تعثرت خطوة للوراء واضطررت إلى استعادة توازني. سقط عبوس على وجهي. رفعت إحدى يدي لمساعدتي في التركيز، وأمسكت بالحجر الذي يتحرك بسرعة مع مانا الأرض، محاولة طحنه حتى يتوقف.
ارتجفت الصفائح الحجرية المتشابكة بينما كانت القوة المسيطرة عليها تقاوم قوتي. ومن دون أن أخفف الضغط الذي كنت أمارسه، وصلت إلى تلك القوة وحاولت الاعتماد عليها. لقد كانت ثابتة، ثقيلة ولا هوادة فيها، ثابتة مثل جذور العالم. لقد قمت بالسحب بقوة أكبر، وضغطت على ثقل تلك القوة حتى تشققت الصفائح التي تشكل الجدار المتحرك، وتحطمت حتى توقفت، وملأت الردهة بقطع مكسورة من الصخور. ارتجفت الجدران، وهدد صوت هادر رهيب بزعزعة أساسات قارة ديكاثين نفسها.
ثم، فجأة، توقف الاهتزاز والطحن.
انحنيت لتفقد قطعة من الحجر. كان له بريق طفيف، باهت أكثر من حجر السج وبدون التشققات الناعمة التي تشير إلى مكان حدوث الكسور. وبدلاً من ذلك، كانت هناك طبقات فوق طبقات من الصخور المضغوطة معًا، تقريبًا مثل حلقات الشجرة.
كان من الصعب وضع إصبعي فيه، لكن كان هناك تقريبًا نوع من الحياة في الحجر. عندما مررت بإصبعي على السطح الخشن جائتني قشعريرة فسحبت يدي بعيدًا.
استمررت في المشي في الردهة خلف الجدار الحجري المتحرك نحو الظلام. ثم قفت بشكل مستقيم، وحدقت في الفجوة. “أعلم أنك هنا، أيها الازوراس. أنا متأكدة من أنك تستطيع سماعي. أفترض أن التهديدات أو الوعود ستقابل بالصمت المتساوي، لذلك لن أهينك بمحاولة إبعادك عن ما تفعله. لكن بعد عشر دقائق، عندما تلتقط أنفاسك الأخيرة، تذكر هذه اللحظة، وكيف كان بإمكانك الاختيار بشكل مختلف.”
ترددت ضحكة مكتومة مملة من الظلام، خرج رجل من الظل إلى نطاق بصري المعزز بالمانا. كان ظهره يحمل إنحناءً طفيفًا، مما عزز المظهر الضعيف لجسمه. حدقت بي عيون داكنة ومتعبة من تحت ستارة من الشعر الأسود الدهني. “متبجحة حقًا. هذا ما يحدث عندما تمنح طفلًا قوة لا نهاية لها. أنت تنفقين الكثير من طاقتك في إقناع نفسكِ بأنكِ عظيمة حقًا كما يقول لكِ الناس، على الرغم من حقيقة أنكِ تشعرين وكأنكِ دجال.” لقد رفع رأسه قليلاً ، وترك ممسحة الشعر الدهنية تتدلى واكمل. “حسنًا، باستثناء أنكِ دجال في مظهر شخص آخر، لكن لا تهتمي بذلك.”
تشدد فكي بشكل مؤلم، ثم ضربته بصوت عالٍ برمح من البرق. ضرب الهجوم الازوراس في صدره، فانفجر إلى أجزاء، وتناثر لحمه وعظامه على الأرض الناعمة مع قعقعة. باستثناء أنه لم يكن لحمًا وعظامًا، بل مجرد المزيد من الحجر المخطط.
قلت: “لم أتوقع أن يلعب الازوراس ألعابًا للأطفال”، محاولةً إطفاء غضبي ونجحت في الغالب في الحفاظ على مستوى صوتي. “إذا لم أكن قوية كما يقولون، فلماذا أهرب وأختبئ؟”
لم ترد إليّ أية كلمات سوى صوتي الذي كان يتردد بهدوء في المساحة الضيقة.
بحذر، خطوت عبر الفجوة إلى الردهة الواقعة خلفها. انقسم النفق على الفور تقريبًا إلى شكل حرف “y” قبل أن يتحول مرة أخرى بعد فترة وجيزة في كلا الاتجاهين، مما يحد من المسافة التي يمكنني رؤيتها. كانت الجدران مصنوعة من نفس النوع من الحجر. عندما مررت يدي على الحائط، وجدته دافئًا عند اللمس، ثم سحبت يدي بعيدًا عندما دقّ بنوع من النبض، أبطأ بكثير من نبضات قلبي ولكنها ليست أقل واقعية.
كان صدى توقيع غراي الأثيري من يساري، ليس بعيدًا.
جلس توتر تيسيا الصامت في الجزء الخلفي من جمجمتي مثل الصداع النصفي.
توجهت إلى اليسار، واخذت المنعطف عند النفق الضيق المنخفض يسارًا مرة أخرى بعد عشرين قدمًا أو نحو ذلك، ثم انعطفت يمينًا بعد ذلك. عندما وصلت إلى انقسام الحجر التالي، فهمت. إنها متاهة…
أغمضت عيني، وركزت على التشويه في المانا الذي كنت أعرف أنه ينتمي لجراي. عندما قمت بسحب مانا الأرض التي تم غرسها في الجدار الحجري في هذا الاتجاه، اهتزت المتاهة بأكملها. لقد انتقدت إرادتي بالكامل ضده، وانفجر الجدار.
تموجت المتاهة مع ألواح حجرية تتحرك في كل اتجاه من حولي. انحنيت تحت قطعة حادة من الانقسام، ولففت نفسي بالمانا وشاهدت المشهد وأنا الهث.
بدا الأمر وكأنه فوضى عارمة، لكنه لم يكن كذلك. لا، الحجر المتموج، الذي كان على شكل أطنان وأطنان من الصفائح المتشابكة، كان مُتحكمًا فيه مثل عمل الساعة، حيث كان ملائمًا لبعضه البعض تمامًا وينزلق أمام بعضها البعض بسلامة تامة. لقد كان عملاً فنيًا حقًا، واستخدامًا جميلًا للمانا بشكل لا يمكن تفسيره لدرجة أنني لم أستطع أبدًا أن أتمنى إعادة إنشائه.
مثل حجر في الساعة، قمت بمقاطعة الآلية، وتشققت بعض الصفائح ضد المانا الخاص بي، ولكن تحركت صفائح أخرى بسلاسة لتحل محلها.
وفي لحظات، تغيرت المتاهة بأكملها من حولي، وتركتني أقف في طريق مسدود، وحل محل الجدار المكسور جدار جديد تمامًا.
أغمضت عيني، وتحسست من حولي، وتتبعت خطوط المانا. كانت المتاهة مليئة بالمانا الخاصة بالأرض في الغلاف الجوي، مثل الغبار الثقيل الذي تشبث بكل شيء وخنق الهواء. كان توقيع آرثر يشع من وسط المتاهة، لكن سطوع المانا كان كبيرًا لدرجة أنني لم أتمكن من متابعة المتاهة بوضوح بحواسي فقط.
لقد انسحبت واصطدمت بالجدران مرة أخرى. ومرة أخرى، انفجرت، ودارت الصفائح التي تشكلها في الهواء، وأعادت ربط الجدران الجديدة وإصلاحها قبل أن تنزلق بسلاسة إلى مكانها.
حاولت أن أرى من خلال الحفرة قبل أن تنغلق، لكن الفوضى أعمتني حتى عادت المتاهة إلى طبيعتها.
منحت نفسي الوقت للتفكير والتهدئة واستيعاب المزيد من المانا – والبحث على وجه التحديد عن أي مانا للازوراس التي يمكنني انتزاعها – بدأت في متابعة المتاهة بدلاً من محاولة شق طريقي مرة أخرى.
كنت أتحرك بحذر أثناء مناورتي خلال التقلبات والمنعطفات، وحاولت التحلي بالصبر والمنهجية. ولسوء الحظ، لم يكن هذا ما أفلح فيه.
“اللعنة على هذا المكان.” لعنت عندما وصلت إلى طريق مسدود آخر.
شيئًا فشيئًا عبر المتاهة، رسمت تلميحات حول مانا هذا الازوراس، ونمت رؤيتي لصفاته الخاصة. لم يكن الأمر مثل استنزاف داون، طائرة العنقاء، من كل قوتها، لكني شعرت أن الموازين تميل في اتجاهي لحظة بلحظة.
قال صوت من خلفي: “إن تحكمك رائع حقًا”، أدرت رأسي لأجد الازوراس ضعيف المظهر على بعد ثلاثين قدمًا مني. “اكتساب نظرة ثاقبة إلى مانا العمالقة من خلال الرسم مباشرة عليها، وإجبارها على الابتعاد عني؟ هذا نوع من الإتقان لم أكن أعتقد أنه موجود وممكن.”
لقد فحصته عن كثب، بحثًا عن أي شيء قد يخبرني إذا كان هذا هو الازوراس الحقيقي أم مجرد غولم حجري آخر. لم ألاحظ ذلك من قبل، ولكن كان هناك نمط دقيق على جلده، وحدة في ملامحه، تحاكي نسيج المتاهة الحجرية. “وبالمثل، إنه أمر لا يصدق أن تتمكن من صنع نسخة متقنة من نفسك.”
اندفعت إلى الأمام بكلتا يدي وهسهست عاصفة من حجارة البَرَد، كل منها تهتز بنواة من مانا الصوت المنحرفة المكثفة في القاعة. ظهر جدار من الصفائح الحجرية المتحركة إلى مكانه بيني وبين الأزوراس، ثم اندلع صوت مثل إطلاق نار عتيقة عبر الردهة عندما انفجرت حجارة البرد بالجدار.
انهار الجدار المستحضر، وكشف عن الازوراس، وتطاير نصف وجهه. ابتسم الجزء المتبقي من فمه، ثم انقلب الغولم إلى الخلف، وضرب الأرض، وانفجر إلى آلاف الشظايا الحادة.
على الفور، وجهت الجاذبية نحو الحجارة، مما جعلها تتدحرج على الأرض نحوي. كانت المانا لا تزال تبتعد عن سطحها، مثل الجمر الذي يُدخن بلطف. لقد التففت بالمانا، وسحبت أكبر قدر ممكن منها.
ومن ثم أدركت شيئًا ما.
لقد تربعت على جدار المتاهة الذي يواجه توقيع آرثر. استغرقت بعض الوقت لتجميع قوتي، وتركت المانا المنقى تغسلني، وتتجمع عبر سطح الجدار الحجري، وتتسلل إلى الشقوق الصغيرة حيث تتقاطع الصفائح المتصلة.
بدلاً من ضرب إرادتي في السحر الذي يثبت الجدران في مكانها مرة واحدة، قمت بزيادة الضغط بحزم ولكن باستمرار، بدءاً بدفعة صغيرة ثم تطبيق المزيد والمزيد من القوة ببطء. وسرعان ما اهتزت الجدران مرة أخرى، وكانت القوى المتعارضة التي تعمل على المانا تضغط على الجزيئات الفردية كما لو كانت عالقة، ثم التوت الصفائح الحجرية لتكشف عن الشقوق بينها.
ضغطت أصابع المانا المخالب في الشقوق، ومزقتها، وشققت طريقي عبر الجدار. هذه المرة، عندما بدأت موجة السحر في إعادة بناء المتاهة التي كنت لا أزال بداخلها، أمسكت بالتعويذة. انفصلت عدة آلاف من الصفائح الحجرية، وتحركت، ثم تجمدت في الهواء، وحامت حولي والتي تفككت في كل مكان، مثل ذرات الثلج الفردية مع وجود كرة ثلجية.
تدحرج الغبار والحجر أمامي، مظهرًا الازوراس مرة أخرى. اندفع إلى الأمام، فضربت قبضة من الحجر صدري، رفعتني عن الأرض وأرجعتني إلى الخلف. عندما انكسر تركيزي، تحررت قبضتي على تعويذته، لذا دارت الألواح الحجرية والتفت في مكانها، مُعيدة تشكيل المتاهة نتيجة لهذا.
لقد اصطدمت بجدار صلب، فانهار، ثم طرت عبره. ارتفع جدار آخر ليواجه طيراني، ثم جدار آخر، حيث اندفعت من خلالهم مثل مسمار مطروق.
في محاولتي للحفاظ على حواسي، أجبرت الجاذبية على الانجذاب نحوي من كل اتجاه، مما أدى إلى تثبيت نفسي بالقوة في مركز بئر الجاذبية الساحقة. اصطدمت أسناني ببعضها بينما كنت أكافح لتجاهل الألم الصارخ الذي كان يمسك بكل جزء من جسدي. تخلصت من كل هذا التوتر والطاقة والألم كصرخة جامحة، واندفعت إلى الخارج.
مزقت المتاهة نفسها إلى أشلاء، جدار من الجاذبية، والرياح، وقوة المانا النقية التي تحمل ترسانة من الألواح الحجرية بعيدًا عني في موجة من العنف الدموي.
تراجعت، ووضعت يدي على ركبتي، غير قادرة على إيقاف نفسي في وضع مستقيم تمامًا. يبدو أن المقاومة تتقلص وتتضاءل. عندما نظرت من خلال ستارة شعري الرمادي المعدني، رأيت غرفة كبيرة مسطحة مفتوحة من حولي. كانت أصغر مما كنت أتخيله، وكانت خالية تقريبًا باستثناء الركام المتناثر حولها.
كان الازوراس جالس على ركبة واحدة ليس بعيدًا عني. غطت الجروح الدموية جسده، كنت متأكدة من ذلك. أدار رأسه نحو وسط الغرفة، حيث كان هناك شخص آخر يستريح فوق وسادة سميكة، ويجلس واضعًا ساقيه تحته وذراعيه مستندتين على ركبتيه، وعيناه مغمضتان. “آرثر، استيقظ!” لهث الازورس بأزيز لاهث.
لقد خفف الأدرينالين وتدفق النصر من آلامي، ثم توجهت نحو جراي. بنقرة من يدي، اندفعت الألواح الحجرية في الهواء، مما أدى إلى سقوط الازوراس على الأرض. وصلت مخالب المانا نحو آرثر، مصحوبة بموجة من الخوف وعدم التصديق من تيسيا.
فُتحت عيون آرثر وابتسم ابتسامة عريضة.
ترنحت معدتي عندما انهارت الأرض تحتي. انفجرت رشقات من المانا مثل الألعاب النارية أمام عيني وتردد صداها في جميع أنحاء الغرفة، وضربت حواسي من جميع الجوانب. ترنحت عقليًا، وغلفتُ نفسي بالمانا وحاولت يائسة أن أضعف حواسي وأمسك نفسي وأنا اسقط.
شعرت بقوة خارجية من الأعلى تدفعني إلى الأسفل.
وبصرخة غاضبة، انتزعت السيطرة على الجاذبية وأغلقت نفسي في مكاني. رفرفت وجعلت عيني مفتوحة. ضاعت الغرفة المظلمة تحت بحر من البقع البيضاء المتلألئة عبر رؤيتي، لكنني تمكنت من رؤية سطح زيتي معتم يلمع بشكل خافت لإطار منحوت تحتي: كان إطار بوابة.
اصطدمت بي موجة أخرى من المانا من الأعلى، مما أجبرني على النزول نحو البوابة، التي انفتحت تحتي مثل فم وحش مانا عظيم. بعد أن فهمت ما يحدث، اندفعت إلى أسفل نحو البوابة نفسها، وقمت بتشويه السطح ودفعه بعيدًا عني بينما كنت أغوص بوصة بوصة باتجاهها. لففت المانا الخاصة بي حول الإطار، وتحركت محاولة تمزيقها وتدمير البوابة.
لكن المزيد والمزيد من المانا ضغط علي، موجات عارمة من المانا. عندما تحركت حولي، نظرت إلى الوراء.
طار جراي فوقي. حيثما وقف، كان هناك الآن قاعدة حجرية يعلوها شكل إهليلجي متوهج مصنوع من المانا الأبيض الفضي والأثير الجمشتي. وعلى وجهه المؤطر بشعره الأشقر القمحي المموج وعينيه الذهبيتين, تعبير ساخر مرير وقاسٍ.
بيد واحدة، قمت بإمساك البوابة. وبيدي الآخرى، حاولت الإمساك به. ‘إذا كان بإمكاني سحبه معي إلى البوابة…’
غرقت مخالب تيسيا المذعورة في الجزء الخلفي من ذهني وهي تكافح من أجل تحريك نفسها. ‘أنا آسفة، سيسيليا، ولكن لا أستطيع أن أسمح لكِ أن تفعلي هذا.’ التفت أشجار الزمرد حول ذراعي وحلقي.
لكن بعد ما حدث مع موردين، كنت مستعدة لهذا.
بداخلي، أخرجت مانا كروم نقية والتي تحاكي الأساس، التفت المانا المصطنعة حولها، وقيدتها وخنقتها وسحقها.
كان تركيزي منقسمًا جدًا. لم أتمكن من محاربة جراي وتيسيا والبوابة في وقت واحد.
التقيت بتلك العيون الذهبية وأطلقت قبضتي على البوابة. أدرت جسدي في مكانه، وانتزعت الكروم من سيطرة تيسيا وأرسلتها. لفت الكروم ذراعي جراي وساقيه ورقبته، وسحبوه نحوي برعشة. انغلقت الكروم بشكل ساحق حول الأطراف المحاصرة، وحفرت الأشواك في لحمه واستحضرت قطرات صغيرة من الدم التي تتدفق على جسده.
‘أمسكت به! والأفضل من ذلك أنني أوقفت الان تركيزه على حجر الأساس. ولن يتحكم في المصير أبدًا -‘
لقد غمرتني الراحة، لكنها لم تغمرني. تشتت ذهني، نظرت داخلي نحو تيسيا. لقد تراجعت ولم تعد تقاتلني.
في الأعلى، انتشرت الشقوق من مكان انقباض الكروم حول أطراف غراي. حيث ركضت قطرات الدم التي غسلت لون بشرته، وكشفت عن اللون الرمادي المسطح تحته.
اتسعت عيناي، وابعدت نظري من اللون الرمادي إلى الاستحضار الإهليلجي للمانا والأثير الجالسين على القاعدة. فكرت في مانا الأرض الثقيلة التي تغطي هذا الكهف بأكمله، وفي الغولم غير الكامل قليلاً واليأس الواضح للازوراس عندما هاجمني عندما تمكنت من السيطرة على تعويذته. طبقة تلو الأخرى من الخداع، تم تنفيذها بشكل مثالي.
جراي، الذي لم يُظهر أيًا من التوتر بين المانا والأثير الذي كان ينبغي أن أشعر به، غمز لي بعين ذهبية واحدة، وعندما فتحت عيني مرة أخرى، لم يكن هناك سوى حجر رمادي يحدق نحوي من وجه جراي. تحطمت إحدى ذراعيه، وبدلاً من خروج الدم والعظام، انقبض الحجر، وكشف عن نفس حلقات الضغط الضيقة التي لاحظتها عند فحي للألواح الحجرية.
عندما اصطدم ظهري بالبوابة وشعرت أنها تلتف حولي وتسحبني إلى الداخل، تحول جراي إلى غبار. خلف المكان الذي كان فيه، جلس الازوراس على عرش ترابي عائم، وارتفع حاجبه الرفيع بازدراء وهو يحدق في وجهي، ويده تضغط على جانبه المظلم بالدماء.
ثم تحول العالم فجاة إلى اللون البنفسجي والرمادي، ودخلت إلى البوابة.
________________
ترجمة: Scrub
برعاية: Youssef Ahmed