البداية بعد النهاية - 458 - الذكرى
الفصل 458: الذكرى
تحول لون عيون كيزيس إلى أرجواني شاحب بينما يتفقدني عن كثب. وبعد لحظة طويلة، أومأ برأسه راضيًا. “اتفاقنا يقتضي الأخذ والعطاء. وأنا على ثقة من أن ما تبادله يعكس الشكران وليس مجرد كلمات فارغة. ”
“بالطبع” أجبت بسهولة. بعد كل شيء، إذا رددت سلوكك بالمثل، فلن يكون هناك الكثير لأدين به.
“الآن، ربما يمكنك أن تخبرني المزيد عن محادثتك مع أولوداري”، قال كيزيس، تاركًا طريق البصيرة ليقف بجانبه. وأشار إلى الخاتم البالي في الحجر. “و الآن، أعتقد أن الوقت قد فات لنستأنف نقل رؤيتك الأثيرية، كما هو متفق عليه.”
“الأخذ والعطاء” قلت مكررًا كلماته السابقة. “مع فشل التنانين في حماية أهل ديكاثين من صراعهم الدموي، فإنه من الظلم أن تطلب مني الالتزام بجانبي من الصفقة”. عبس كيزيس قليلاً، وتجعدت شفتيه حين فتح فمه للرد..
رفعت يدا. “لكنني لم آتي خالي الوفاض. بدلاً من ذلك، لدي نوع مختلف من المعلومات. ”
بينما كنا نتحدث، فكرت في هذه اللحظة بعناية. إن الرفض الصريح لتسليم كيزيس أي رؤى جديدة من شأنه أن يؤدي إلى صراع، وهو صراع لم أكن على استعداد لدفعه إلى نهايته، ولكن إذا خضعت لمطالبه دون مواجهة، فسوف أخل بتوازن علاقتنا الهشة وأمنحه المزيد من السلطة علي.
“سيلفي لديها رؤى” قلت بدون مقدمة.
أظلمت عيون كيزيس وهو يحدق بي، لكنه لم يقاطعني.
شرحت كل شيء، بدءاً من الرؤيا نفسها ثم إلى تفاصيل الأحداث. بعد ولادتها من جديد، بما في ذلك نوباتها التي تعرضت لها وما مرت به أثناء ذلك – على الرغم من أنني حذفت الجزء الخاص بكيفية تجربتها في المقابر الأثرية.
عندما انتهيت، استدار كيزييس وحدق في إحدى النوافذ المحيطة بغرفة البرج. يمكن رؤية ثلاثة تنانين صغار يطاردون بعضهم البعض حول المنحدرات الجبلية في نوع من التدريبات القتالية. “توجب عليك إحضارها إليّ على الفور. فهنا ربما أستطيع مساعدتها. ولكن جعلها تتجول حول ديكاثين كحيوانك الأليف المجيد…”
استدار، وكانت عيناه مثل البرق الأرجواني. “سيلفي يجب أن تكون حذرة. نادرًا ما تحصل التنانين على نوع الرؤى التي وصفتها. وأي مشاركة غير مقصودة لفنونها الأثيرية يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة. مما قلته، يبدو أنها كانت محظوظة بالهروب من عالم الأحلام هذا في المقام الأول. ”
” هي قد قطعت بالفعل شوطًا طويلاً في فهمها. لقد فكرت أنها قد تحصل على تدريب إضافي هنا في إيفيوتس… إذا عرف كلانا أنها ستكون آمنة. ”
“آمنة؟” قال كيزيس، كلمة حادة كالشفرة. “هل ستكون حفيدتي آمنة هنا، في مقر قوتي؟ ما المفاهيم التي تملكها يا آرثر. هل تعتقد حقًا أنني فظيع جدًا لدرجة أن اظهر كتهديد لسلالتي ؟ ”
“أعتذر عن صياغتي”أجبت باسترضاء “بالطبع، ما قصدته هو أنها ستُمنح نفس الحرية التي تتمتع بها الآن، لتأتي وتذهب كما يحلو لها، لمواصلة المشاركة في الحرب ضد أغرونا، من أجل -”
– “نعم، نعم، أفهم”. قال وهو يقاطعني ويرمي بكلامي عرض الحائط. “إذا كان هذا سيريحكما، فلديك كلمتي بأنني لن أحبس حفيدتي في أعلى برج وأرفض السماح لها بالمغادرة معك مرة أخرى إذا التزمت باللطف المذهل المتمثل في … السماح لها بالزيارة.”
أخذ كيزي نفسا عميقا، وكان هناك تغير طفيف في سلوكه الظاهر. “أقبل هذه المعلومات مقابل الوقت على المسار. في الحقيقة، لن يكون هناك سوى القليل من الوقت لمثل هذا الشيء على أي حال. سيكون هناك حفل احترام وعودة للتنين الذي سقط في ديكاثين. بصفتي سيدا على عشيرة ماتالي، سأستضيف الحفل داخل ضريح عشيرتي، وبعد ذلك ستتم إعادة رفاتها إلى منزل عشيرتها لإجراء جنازة مناسبة. ”
“أرى” قلت، وانتقلت أفكاري إلى ما سيأتي. “لقد فقد الكثيرون حياتهم هناك، لكن وفاة أي شخص لا تقلل من تأثير وفاة أي شخص آخر. أنا آسف لخسارتك، بالطبع -إذا تكرم ويندسوم بإعادتي إلى ديكاثين، فلن أعوقك اكثر.”
“على العكس تماما،” قال كيزيس وهو يرفع حاجبيه قليلاً، “أودك أن تحضر”
“لأي غاية؟” سألت، في حيرة من أمري بسبب طلبه غير المتوقع.
“باعتبارك ممثل شعبك، الذي ضحت هذه المحاربة التنينة بنفسها نيابة عنهم، سيكون ذلك إظهارًا عظيمًا للاحترام” أوضح لي.
لقد فكرت في كلماته والمعنى الكامن وراءها. لقد مات اثنين من الأزوراس في ديكاثين، على ما أعتقد ومع العلم أن ذلك قد أثر على علاقة كيزيس بهذه العشائر. سيكون من المناسب سياسيًا له أن يستعرضني أمام هؤلاء الأزوراس، مع ذلك لا أستطيع أن أختلف مع منطقه. على الرغم من أنني لا أزال غاضبًا من التنانين بسبب الطريقة التي تعاملوا بها مع مطاردة أولوداري، إلا أنهم مع ذلك حلفاء لي، وإظهار الاحترام في هذه اللحظة يمكن أن يساعد في الحفاظ على الأمر على هذا النحو.
وعلى الرغم من أنني شعرت باليقضة حتى للسماح لنفسي ان أفكر في ذلك، أعلم أيضًا أنها فرصة فريدة لقياس مدى شعور الأزوراس الآخرين تجاه قرارات كيزيس والحرب ضد أغرونا.
“بالطبع. “يشرفني ذلك” قلت بعد أن جمعت أفكاري.
“بدون مساومة أو جدال؟ ربما وصلنا إلى ارضية مشتركة بعد كل شيء” قال كيزيس، وارتفع جبينه بمقدار جزء من البوصة. “يتم تجهيز الضريح بينما نتحدث.”
بهذه الكلمات البسيطة، اهتز البرج بشكل غير مريح، وفجأة صرنا نقف داخل قاعة واسعة منحوتة بالكامل من الحجر الأبيض الناصع. امتدت أعمدة طويلة، في حين صارت جميع الجدران مليئة بالتماثيل واللوحات والهياكل الصغيرة مثل … المقابر الأثرية. سيطرت على وسط القاعة طاولة رخامية كبيرة، يرتكز فوقها تمثال مدرع.
كان الخدم يندفعون على عجل حول المكان، لكنهم توقفوا جميعًا عندما ظهرنا، وانحنوا بشدة. صرف كيزييس انتباههم بحركة خافتة، وأسرعوا عائدين إلى عملهم. شاهدت بفضول امرأة شابة من الآزوراس تنفث سحابة من الجمر. تجمدت في الهواء من حولها، وبدأت في نتف الجمر واحدة تلو الأخرى ووضعها حول تلك الزاوية من الغرفة. وكانت النتيجة عشرات من ألسنة اللهب الخافتة التي توفر ضوءًا لطيفًا ولكن دافئًا. وبالقرب من هنا، يوجد رجل يطير بالقرب من السقف، وكانت أشجار الكروم الداكنة تنفك من ذراعه لتلتصق بالحجر.
وبينما كان ينجرف ببطء، بدأت الكروم في النمو، وامتدت إلى الأرض. وجاء خادم آخر من خلفه يهمس للكروم.بدأت أوراق الشجر تتناثر على الكروم، أوراق الخريف المثالية ذات اللون الأحمر الخافت والبرتقالي والبني. أحضرت براميل ضخمة من الشراب . حتى أن أحدهم قام بموازنة عشرات الأطباق والكؤوس الذهبية على زوابع رياح صغيرة تتبعه مثل صف من فراخ البط. كان الضريح غنيًا برائحة الطعام، مما أعاد لي ذكريات طويلة لم تكن في الحسبان عن تدريبي هنا.
صعدت إلى الطاولة المركزية، وألقيت نظرة فاحصة على الأزورا الساقطة. بدت متطابقة مع أختها بشعرها الأشقر الطويل ودرعها الأبيض. استقر درع طويل على جانبها الأيسر بينما رقد الرمح الطويل على يمينها. وضع كيزيس يده على حافة النعش لبضع ثوان بينما وقفنا في صمت.
بهدوء استدار وبدأ يسير على طول الحافة الخارجية للضريح، محدقًا في كل قطعة أثرية من عشيرته مررنا بها قبل أن يتوقف في النهاية عند لوحة جدارية كبيرة لرجل يشبه إلى حد كبير كيزييس نفسه. كان شعره قصيرًا وكان يملك لحية وشاربًا كثيفين، لكن العينين وملامح الوجه كانتا متطابقتين تقريبًا.
“أحد أقاربك؟” سألت وأنا أحدق في اللوحة.
“أحد الأعضاء القدامى في عشيرتنا الذي جلبنا إلى إيفيتوس”قال بهدوء.
ركزت على اللوحة الموجودة أسفل الصورة. “كيزيس من عشيرة إندراث، الأول من اسمه. وما ترتيبك أنت؟” سألت وأنا أرفع حاجبي. ارتعشت شفتيه بابتسامة مكبوتة. “الكثير جدًا بحيث لا يمكن حسابه الآن.” ظل صامتًا لفترة من الوقت، فقط كان يحدق متأملًا في اللوحة الجدارية. “نحن التنانين نعمل جنبًا إلى جنب مع الأثير منذ الأيام التي سبقت تشكل أفيوتس. ومع ذلك، لم تتح لنا أبدًا مثل هذه الفرصة لتعميق بصيرتنا. كان “رون الإله”هذا ، وهو قداس الشفق كما أسماه الجن، مثير للاهتمام للغاية، ولكن لا يوجد فهم كافٍ مناسب للأثير، والوقت، كما أن فرع مرسوم الزمن لا يمكن محاكاته بدون رون الإله نفسه. أريد أن أرى المزيد.”
توجهت نحو القبر التالي، وهو عبارة عن هيكل منحوت بشكل مزخرف من الأعمدة التي تدعم سقفًا مائلًا فوق تابوت بلا ملامح، وكلها منحوتة من الحجر الأزرق البارد الذي كان يتلألأ أثناء تحركي.
“لكنني أعتقد أن هذا هو المغزى بالضبط” قلت، وتركت عيني تنجرفان عبر القبر المتلألئ بينما كانت أفكاري تتسارع. “لقد أتقن الجن فن إظهار المعرفة السحرية على شكل حروف رونية. لقد قلتها بنفسك، إنها الطريقة التي جعلوا بها أنفسهم أقوياء كما كانوا. انماط العويذات التي نسخها أغرونا لشعبه تفعل الشيء نفسه بالنسبة للمانا، ولكن نظرًا لأن المانا نفسها أسهل بكثير في التحكم المباشر، فإن إجبارها على اتخاذ شكل والتقاطها على شكل رونية أسهل كثيرًا أيضًا.
“أنا أرى” فكر كيزيس، وتحرك ليقف بجانبي ويضغط بكفه على عمود منحوت. “هذه هي أحجار الأساس إذن، هي محاولة الجن لصياغة رؤية أثيرية في رون يمكن وضعه عن طريق فتح الحجر نفسه.”
“ليس بالضبط،” شرحت، ورتبت أفكاري بعناية. “أحجار الأساس نفسها لا تشكل رون الإله. إنها تحتوي على… معلومات أولية، نوع من اللألغاز، من خلال العمل عليها، تكتسب المعرفة وأنماط رون الإله .لكن حجر الأساس ليس مطلوبًا لتشكيل رون الإله.”
فتح فمه قليلاً، وبرزت حواجبه إلى أعلى وجهه قبل أن يتمكن من التحكم في تعابير وجهه مرة أخرى، ومسح المفاجأة بعيدًا. “لديك رونات إلهية لم تتشكل بواسطة أحجار الأساس؟”
“رون الدمار.” أومأت برأسي ببطء. رفعت يدي لمنع السؤال القادم. “إنه لا يكمن في شكلي الجسدي، بل في شكل رفيقي ريجيس.”
“اذن تستطيعي … إظهار رون الإله تلقائيًا.” توقف للحظة. “من خلال اكتساب نظرة ثاقبة كافية للمبدأ الذي يوجه القوة المكتسبة؟”
“هذا ما أفهمه”، أكدت.
زادت حدة نظرة كيزيس عندما أعاد التركيز علي. “و هذا كل شيئ؟”
ابتسمت له ابتسامة ساخرة وواصلت السير نحو القطعة الأثرية التالية في الصف، تمثال شاهق لامرأة تبدوا رواقية، صورت في لحظة تأمل. الرخام الدافئ ذو اللون الكريمي جعلها تبدو حية تقريبًا. خلفنا، كان هناك تنين يستحضر الكروم لأسفل ليخفي صورة كيزيس الأول. انضم الآن تنين آخر إلى التنينين الأولين، وحيثما لمسا الكروم، أزهرت زهرة سوداء.
“إنه كذلك، ولكن آمل ألا يدوم ذلك طويلاً ” تابعت،وأنا أراوغ حول موضوع كنت آمل أن أغطي عليه “من بين أحجار الأساس الأربعة المخبأة داخل المقابر، وجدت ثلاثة. أما الرابع فلا يمكن فتحه دون الثالث، وقد أُخذ هذا من حراسه قبل وصولي. منذ بعض الوقت، أو هكذا يبدو. ” فقدت عيون كيزيس التركيز عندما نظر في الأفق. “وأنا لا أعرف من هذه الأركان شيئًا إلا ما تعلمته منك ومن وقتك في مسار البصيرة. لكن…” استدار، مبتعدًا عن التمثال وعبر القاعة. هناك، تم إنشاء ضريح من نوع ما. احترقت عدة شموع فضية، وانبعث منها دخان ذو رائحة عطرة تصاعد ليشكل إطارًا لصورة مثبتة على الحائط.
تصور اللوحة امرأة ذات شعر أشقر فاتح جدًا مصفف في سلسلة من الضفائر التي تلتف حول رأسها مثل التاج. لقد كانت امرأة جميلة جدًا ذات مظهر راقي ونبيل. لم أتعرف عليها في البداية، ولكن عندما نظرت إلى عينيها الأرجوانيتين القزحيتين – اللتين تم التقاطهما بتفاصيل مذهلة في اللوحة – أدركت الى من كنت أنظر.
“سيلفيا…” قلت بشكل خافت، موجة غير متوقعة من المشاعر غطتني. “لم أرها بهذا الشكل أبدًا.”
لوح كيزيس بيده بلطف أمام المذبح، والدخان التف ودار. من خلال الدخان الفضي، لم أر المرأة بل الشكل التنيني الذي لا يزال بإمكاني نذكره بوضوح كما لو أنني تركتها بالأمس فقط، بيضاء لؤلؤية ومغطاة بالرونية الذهبية المتوهجة. ثم هدأ الدخان، وعادت الصورة إلى حالتها الأصلية.
“القدر شيء غريب يا آرثر،” قال كيزيس متأملًا، وكانت لهجته وتعبيره غير قابلين للقراءة عندما نظر إلى صورة ابنته. “على الرغم من عدم قدرتنا على التواصل أو التعاون، فقد تعلمت بعض الأشياء من الجن. لقد اكتشفوا العلاقة المتشابكة بين الأثير والقدر نفسه، معتقدين أنه جانب رابع. اعتقدت دائمًا أنهم أخفوا هذه المعرفة في المقابر الأثرية. في الواقع، كنت أخشى أن يكون أجرونا قد استولى على قطعة منه.”
قفزت عيناه إلى وجهي. “يمكنني أن أراها الأن. أربعة مفاتيح مصممة لفتح أعماق البصيرة للمستخدم، والتي تهدف بدورها إلى فتح الطريق لفهم المصير نفسه.”
ترددت، ولم أكن متأكدة من كيفية الرد، لكن كيزييس أطلق ضحكة مكتومة صغيرة.
“لا داعي لإنكار ذلك الآن. لقد كنت في حيرة من أمري بشأن ما يعنيه قداس الشفق هذا، وما هي رونات الإله القليلة الأخرى التي قدمتها لي. نطاق القلب… غثاء لابنتي، على ما أعتقد؟” قام بفحص صورة سيلفيا لعدة ثوان قبل المتابعة. “الآن أصبح الأمر منطقيًا. لقد أرسلك الجن مع ابنتي في رحلة للسيطرة على القدر نفسه. حدق كيزيس في الصورة مرة أخرى، ورأيت حزنًا حقيقيًا يظهر للمرة الأولى. “خيانة سيلفيا الأخيرة…”
“ليست خيانة”، قلت بحزم وأنا أواجهه. “لقد عرفت من أنا حينها. لا بد أنها اعتقدت أن هذا هو أفضل طريق للمضي قدمًا. لم يكن بإمكانك الوصول إلى حجر الأساس، ولا أي عميل قمت بتجنيده في ديكاثين. كم عدد الأشخاص الذين كنت سترسلهم إلى حتفهم بحثًا عن حجر الأساس لو عرفت ذلك عاجلاً؟”
“لا يهم الآن،” أجاب كيزيس وصوته منخفض. “هل تفهم حتى ما تطلبه مني؟” أدار ظهره لصورة سيلفيا. “لمساعدتك، أنا أتغاضى ضمنيًا عن حصولك على أي بصيرة قد أخفاها الجن. لكي يتم تكثيف هذا المستوى من القوة في إنسان واحد…” هز رأسه قليلاً، وانخفض صوته كما لو كان يتحدث إلى نفسه. “ربما يكون من الحكمة أن أقتلك الآن، وأمنع أي شخص على الإطلاق من اكتساب هذه المعرفة، تمامًا كما فعلت من قبل.”
بدأت غرائزي تحثني على التراجع وتحويل قدمي إلى موقف المعركة، ولكن تمسكت بمكاني.
ومضت الغرفة، وتذبذب الضوء قليلاً، ولم يعد كيزيس يقف أمامي. التفتت ووجدته يقف خلفي على بعد عشرة أقدام، وعيناه أرجوانيّة متوهجة بلون برق أثيري.
“الجن الذي أخبرني عن القدر أخبرني أيضًا بشيء آخر.” بدا أن كيزييس يشع بالقوة، ضغط لا علاقة له بقوة الملك خاصته المتراصة في الضريح. بدت التنانين الأخرى متجمدة للحظات، وتجنبوا النظر بعناية ووجوههم فارغة. “لقد انفصل فصيل صغير، وكان يحاول استعادة هذه المعرفة، التي قال إنها كانت مختومة”.
“هل تعتقد أن أحد هؤلاء الجن ربما يكون قد أخذ حجر الأساس، إذن؟” سألت محاولاً إخفاء التوتر في صوتي.
“ربما، ولكن لم تلفت انتباهي أي علامة على وجود شيء كهذا على الإطلاق. إذا فعلوا ذلك، فمن المحتمل أن يكون حجر الأساس الذي تبحث عنه قد احترق مع عالمهم.” أعطى كيزيس هزة صغيرة من رأسه. “لعله للأفضل.”
وقفت مذهولاً. لقد كنت متأكدًا تمامًا من أن أحد عملاء أغرونا، واحد من آلاف الآلاف من الصاعدين الذين أرسلهم إلى حتفهم في المقابر الأثرية، هو من استولى عليه. أمن الممكن أن يكون الجواب الصحيح امامي طوال الوقت؟ ففي نهاية المطاف، من الذي قام بإيواء الجن المتمردين بينما كان بقية أقاربهم يواصلون عملهم، حتى عندما أحرقت التنانين حضارتهم على الأرض؟
“سيلفيا نفسها هي التي وضعتني على هذا الطريق”أجبت أخيرًا ، وأنا أنظر إلى صورتها وأحاول التوفيق بين وجه المرأة والشخص الذي أعرفه. “هي اعتقدت أنه من المهم جدًا أن تقوم بتضمين المعرفة حول كيفية العثور على الآثار التي تحتوي على هذه الأحجار الأساسية في نواتي.”
“كان لدى ابنتي العديد من الأفكار الغريبة، وفي النهاية هي أفكار يؤسف عليها،” قال كيزييس، في الحقيقة، عدوانه اختفى بالسرعة التي ظهر بها. “لا تنس أن حبها الأحمق لمخلوق قاسٍ وشرير مثل أجرونا هو الذي أدى إلى وفاتها. ولكن أعتقد أننا انتهيناللوقت الراهن. ومع ذلك وقبل الحفل، ربما ترغب في … تجديد نشاطك. وجهت نظراته إلى أعلى وأسفل ملابسي التي كانت لا تزال ملطخة من المعركة السابقة. “بعد الحفل، سيعيدك ويندسوم إلى ديكاثين، وسأتأكد من أن الوصي شارون يشدد على حماية شعبك في القتالات المستقبلية.”
***
بعد اصطحابي إلى الحمام وتغيير ملابسي لبدلة مصممة بشكل مثالي من قماش أسود ناعم لم أتمكن من التعرف عليه، عدت إلى الضريح. لقد كان قاتما تقريبًا، مثل غابة عند الشفق، بعد أن تحول بالكامل مع المقابر والمنحوتات المخفية بستائر الكروم المزهرة، صارت المساحة المتبقية أصغر وأكثر شخصية. وصارت الطاولات المزخرفة مبطنة بصواني الطعام الذهبية والزجاجات وبراميل المشروبات. بينما وقفت الكؤوس الذهبية مثل صفوف من الجنود الصغار بين كل برميل، وكان يحيط بكل طاولة خادم.
وقد تم وضع مذبح عند سفح النعش الجنائزي للتنين، حيث يستقر عليه وعاء ضحل به سائل أحمر زيتي. ومن وسط الوعاء، كان يشتعل بخور عطر ويطلق لفائف رقيقة من الدخان.
وقف ويندسوم منتبها عند الباب كما لو كان ينتظر وصولي. بدا زيه العسكري أكثر ترفا من المعتاد، وكان هناك ثقل غير قابل للقراءة في عينيه الغريبة. أشار لي بموجة بسيطة.
“مرحبًا مرة أخرى، آرثر،” بدأ صوته واضحًا وخاليًا من أي عاطفة. “لقد طلب السيد إندراث أن تشغل هذا المنصب الشرفي معي. نظرًا لأن هذا حفل عودة ويستضيفه السيد إندراث، فإننا سنعمل كمبعوثين له، كأول من يرحب بأي شخص يحضر. ”
على الرغم من دهشتي، تحركت للوقوف بجانب ويندسوم. كان وصولي في الوقت المناسب، حيث دخل الضيف الأول من الباب بعد دقيقة أو دقيقتين فقط.
ترنح التنين ذو اللحية السوداء عندما رآني، ويده اتجهت إلى خده. لم تكن هناك علامة جسدية توضح المكان الذي ضربته فيه، ولكن من الواضح أن الندبة العقلية كانت لا تزال حديثة. لقد ترك وراءه درعه، وظهر ببدلة سوداء جميلة تشبه إلى حد كبير خاصتي.
“مرحبًا بك يا سارفاش من عشيرة ماتالي” قال ويندسوم وهو يمد كلتا يديه. لف التنين سارفاش كلتا يديه حول يمين ويندسوم. ثم ضغطت يد ويندسوم اليسرى على الجزء الخلفي من يمين سارفاش. وظلوا في هذه الوضعية الشعائرية لبضع ثوان، ثم انفصلوا.
خلف سارواش، سارت الناجيأ الآخرى من معركة سابين وذراعها مشبوكة بذراع رجل آخر. لقد تركت أيضًا وراءها درعها الأبيض اللامع، بالإضافة إلى درعها ورمحها، وقامت الآن بربط شعرها في جديلة طويلة أسفل جانبها الأيسر، مبرزة تناقضا صارخا مع اسوداد فستان الحداد الذي ترتديه.
الرجل التي تمسك ذراعه أقصر قليلاً منها، وأكثر استدارة بكثير. كان شعره أشقرًا رماديًا، ورقيقًا قليلاً من الأعلى. كان حليق الذقن، يكشف عن خدود مستديرة تحت عينيه الرماديتين المظلمتين. مع ملابس سوداء فضفاضة ملفوفة حول شكله الكبير.
“مرحبًا، أناكاشا من عشيرة ماتالي،” قال ويندسوم وهو يمد يده إلى يدي المرأة.
“ويندسوم من عشيرة إندراث. إنه لشرف عظيم أن يرحب أحد بهذه الرتبة بعودة أختي إلى إيفيتوس. نيابة عن عشيرتي وأصدقائي، شكرًا لك. ”
“الشرف لي،” أجاب ويندسوم بوجه جاد.
في الوقت نفسه، مدَّ سارفاش يده لخاصتي، مع فتحتا أنفه متسعتان، ركزت نظراته على الأرض بدلًا مني. مقلدا ويندسوم، أخذت يديه.
ترك يدي على الفور تقريبًا وواصل طريقه إلى الضريح، حيث اصطحبه أحد خدم كيزيس العديدين إلى النعش الذي يستريح في وسط الغرفة.
انتقلت اناكاشا، أخت التنين المتوفىات التوأم، من ويندسوم إليّ. على عكس سارفاش، كانت تنظر إلي بقوة مميتة بينما كنا نكرر التحية الرسمية. قلت قاصدا المواساة “أنا آسف لخسارتك”.
تشكل خط رفيع بين حاجبيها حيث عبست في وجهي بأقل قدر من العبوس، ثم غادرت.
بجانبي، تقدم الأزورا الثالث لويندسوم.
“مرحبًا يا سيد أنكور من عشيرة ماتالي.”
تبادلوا المصافحة الرسمية، ثم وقف أمامي ومد يديه بطريقة شبه آلية، ويبدو أنه غافل عني بما يتجاوز مجرد وجودي. تصافحنا، لكن نظرته ذات الحواف الحمرلء لم تقابل خاصتي أبدًا، وعندما ابتعد بعد بضع ثوانٍ، حدق حوله كما لو كان ضائعًا حتى أمسكته أناكاشا من ذراعه مرة أخرى. انحنى لهم تنين مختلف ثم تبعوا سارفاش.
وصل المزيد من التنانين بعد ذلك، البعض تم تقديمهم كأعضاء في عشيرة إندراث، والبعض الآخر من عشيرة ماتالي. كان هناك عدد قليل من التنانين من العشائر الأخرى، وحتى اثنين من البانثيون، على الرغم من عدم وجود أعضاء من عشيرة ثايستس، بما في ذلك كوردري.
وجدت أفكاري تنجرف. مساري بعد إفيوتس ليس يكن واضحًا بعد، وكان القرار يثقل كاهلي. فالوصول إلى أولوداري قبل أن يعيده ويندسوم إلى إفيوتس أمر ملح، لكن حجر الأساس كان أكثر الحاحا- وربما هذه هي المرة الأولى التي أحصل فيها على تقدم حقيقي، رغم أنه سطحي. وعلى الرغم من ذلك، فقد انفصلت أيضًا عن رفاقي وعائلتي ولدي رغبة متزايدة في إعادة التواصل معهم أيضًا. ولكن يجب اتخاذ قرار قريبًا.
“مرحبًا، أيها السيد إكلييا، ممثل عرق لوفايثن بين الأعراق الثمانية العظيمة.”
مددت يدي تلقائيًا إلى الزوج التالي من الأيدي، ثم رأيت من كنت أصافحه، وعاد تركيزي إلى الحاضر. كان الرجل الذي أمامي مختلفًا عن التنانين اختلاف القزم عن الإلف. كانت بشرته شاحبة، فاتحة جدًا لدرجة أنها كانت زرقاء تقريبًا، وكانت متجعدة جدًا لدرجة أنه ظهر كما لو يبلغ من العمر مائة عام. مما يعني أنه ربما تجاوز ذلك عدة اضعاف. امتدت نتوءات على طول صدغيه، مفتوحة مثل الخياشيم، وتحتها كانت عيناه بيضاء اللون. كانت يداه باردتين على يدي، لكن قبضته كانت حازمة وواثقة.
“آه، الصبي ليوين. أخيرًا.”
“مرحبًا أيتها السيدة زيلينا من عشيرة إكلييا،” قال ويندسوم بجانبي، وهو يمسك بيد امرأة مخيفة المظهر.
كان لها مظهر برمائي مماثل للرجل العجوز، مع بشرة زبرجدية داكنة. تميل إلى اللون الأزرق الداكن العميق حول النتوئات التي تمتد على طول صدغها. مع كتلة من الشعر الأخضر البحري مثل عرف الديك، كما لو انها واقفة تحت الماء تقريبًا. ملابسها الداكنة وتعبيرها – تمامًا مثل الظلام – يشيران إلى أنها جائت إما حدادًا على التنين الذي سقط … أو لخوض قتال.
عندما التفتت عينيها الزرقاوين العاصفة إلي، توقعت بقوة أن يكون السبب هو الخيار الثاني.
تركتني ذراع السيد إكلييا اليمنى. ولفها حول كتفي بألفة غير متوقعة. “دعني أقدمك لابنتي زيلينا. زيلي، هذا آرثر ليوين. إنسان! إنهم من أرض دكاثين، إذا كنت لا تعلمين. رائع، أليس كذلك؟ ”
تركت زيلينا ويندسوم كما لو أن يديه كانتا مغطيتين بالبراز، وعقدت ذراعيها وحدقت. “أنا أعرف من هو جيدًا يا أبي.” ارتعشت عضلة في فكها. “الداني الذي قتل الدير…”
نظف ويندسزم حلقه. “من فضلك، إذا تكرمتم شقوا طريقك إلى الضريح. ستجدون عشيرة ماتالي هناك إذا كنتم ترغبون في تقديم تعازيكم.”
انحنت خادمة شابة ذات عيون مشرقة ومدت ذراعها إلى زيلينا، لكنها تجاهلتها، واختارت بدلاً من ذلك أن ترسم ابتسامة حلوة زائفة على شفتيها الأرجوانية. “بالطبع. شكرًا لك أيها البغيض، أعني ويندسزم. اغفر لي لساني المتعثر، كانت رحلة طويلة لجبل جيولوس.” تلاشت الابتسامة وأطلقت عليّ نظرة لاذعة، ثم انطلقت بسرعة إلى اللورد ماتالي دون انتظار الخادم. وفي الوقت نفسه، كان اللورد إكلييا لا يزال يضع ذراعه حول كتفي. “أوه، لا تقلق بشئنها، آرثر. هل هي مستاءة منك ظاهريا؟ نعم، ولكن بما أنك أعدمت الرجل الذي كانت تأمل في الزواج منه، فأنا متأكد من أنك تستطيع أن تفهم السبب. كونك شهمًا، فلن تحمل العداء لها. إلى جانب ذلك، أشك بشدة في أنها ستنفذ إليك أي شيء سوى عينيها. ”
“أنا-ماذا؟” نظرت إلى هذا الأزورا.
“آه، ولكن على الرغم من أنني وآلدير كنا أصدقاء قدامى، فقد قمت بقيادة شعبي لفترة طويلة جدًا لعدم فهم مثل هذه الضروريات.” توقف اللورد إكلييا ونظر إليّ بفطنة، وكان أنفه على بعد بوصات قليلة من أنفي. “لكن لن نتحدث أكثر عن هذه الحكاية الحزينة، لأننا هنا لا ندعم عشيرة ثايستيس، بل ندعم اللورد ماتالي وشعبه.” لقد ضرب كتفي بضغطة ودية. “تعال وانضم إلي، وسأعلمك كلمات الحداد التقليدية لجنسنا.”
“أخشى أنني لا أستطيع ذلك، يا سيدي. سيكون إهمالًا مني أن أتخلى عن واجباتي -”
“أوه، أعتقد أننا الأخيرون،” قال اللورد إكلييا بسعادة وهو يقودني بعيدًا عن ويندسوم.
لكننا لم نقترب من اللورد ماتالي أو ابنته، أو حتى النعش الموجود في وسط الغرفة. وبدلاً من ذلك، قمنا بالدوران حول الجزء الأكبر من الحاضرين وشقنا طريقنا إلى الزاوية الخلفية للقاعة. وبمجرد وصولي إلى هناك، انزلقت ذراعه الرفيعة ولكن القوية من كتفي. قمت بفحص الغرفة، لكن لم يكن أحد يهتم بنا، ربما باستثناء زيلينا؛ اعتقدت أنني أمسكتها تشيح بنظرها بعيدًا حينما استدرت.
“ماذا تريد حقا مني؟” سألت بهدوء بما يكفي للتأكد من أنه لن يتم سماعنا بسهولة. “لقد قابلت ما يكفي من الأزوراس لأعلم أن دور العم العجوز المرح هذا مجرد تمثيل لتقليل حذري.”
ابتسم اللوفايثن بحرارة. “لن ألومك على التفكير بذلك. في الواقع، قضاء كل وقتك مع أمثال عشيرة إندراث وحتى رين كين الرابع، سيكون من غير المرجح أن تتوصل إلى أي استنتاج آخر. لكني أؤكد لك أنني لا أميل إلى تمثيل نفسي بشكل زائف، لا لصالحك أو لصالح أي شخص آخر. أنا أكبر من أن أفعل شيئًا كهذا، وهذا ليس من طبيعة اللوفايثن . وهذا هو بالضبط السبب الذي يجعل زي – اعذريني، زيلينا – ستواجه وقتًا عصيبًا في عدم إظهار رغبتها ظاهريًا في طحن عظامك بأسنانها . ”
أطلقت ضحكة مفاجئا، ثم قلت. “هل كانت هي وألدير حقًا…؟”
ابتسم اللورد إكلييا باعتزاز، لكنني اكتشفت ميلًا ساخرًا إلى العاطفة وراء ذلك. “آه، حسنًا، ربما الأمر أكثر تعقيدًا من ذلك، لكنني لن أخاطر بغضبها أكثر من خلال التحدث عنها. لقد مر وقت طويل بالفعل منذ أن كنا نحن اللوفايثن نتمسك بذلك التقليد حيث يتم نقل الحكم إلى الشباب الذين يثبتون قدرتهم بقتل والديهم والتهامهم، فعلا أكره أن أعطي ابنتي سببًا لإحياء هذا التقليد. “ومضت عيناه كما خففت ابتسامته.
“اغفر لي. أردت ببساطة أن أمارس فضولي بشأن الشخص الداني المتعاقد مع تنين والمبارك بجسد أزورا. وكل ذلك على الرغم من عدم وجود بصمة مانا كليا، منذ فترة طويلة جدًا أنت فعلا التطور الأكثر إثارة للاهتمام الذي قدم من العالم القديم.”
“العالم القديم؟” سألت.
“ربما لا يفكر معظم الناس في الأمر على هذا النحو”. تجعد جانب واحد من جبهته الخالية من الحواجب. “ولكن مع ذلك، معظم الأزوراس لا يفكرون في الأمر – أوحتى الدانين الذين يعيشون هناك – على الإطلاق، على الرغم من الارتباط الذي لا يزال يربط عالمنا بعالمكم. ولكن لا تهتم بكل ذلك. سيصل اللورد إندراث بعد لحظات.”
مد يده وكفه لأعلى. كان يستقر على كفه ثلاث لآلئ صغيرة زرقاء لامعة. وعندما قام بدحرجتها في يدي، أدركت أنها كانت مليئة بالسائل. “هدية من عشيرة إكلييا إلى عشيرة ليوين. دموع الأم… أو لآلئ الحداد، إذا كنت تفضل ذلك. إكسيرات قوية.”
“شكرًا لك أيها اللورد إكلييا،” قلت، وأنا أدحرج على راحة يدي اللآلئ وأشاهد السائل الأزرق اللامع داخل الفقاعة وهو يتحرك.
“انه فيرون. لنترك أمور “اللورد” لاجتماعات الثمانية الكبار، ألست محقا ؟”
“شكرًا لك، فيرون. لكن… عشيرتي لم تفعل شيئًا للحصول على مثل هذه الهدية،” قلت، محاولًا إعادتهم.
“هذه ليست هدية استحقاق”، أجاب، وأخذ نصف خطوة إلى الوراء. “إنها هدية احترام و… تقدير. من المفترض أن تُعطى مثل هذه الأشياء، صحيح؟”
قبل أن أتمكن من الرد، كان هناك توهج في المانا وظهر ثقل مفاجئ يضغط علي. نظرت حولي، وجدت على الفور كيزيس يقف بجانب النعش،وظهره مواجه لي. تراجع الضغط على الفور.
“شكرًا لكم جميعًا على حضوركم”قال بينما كانت كل الأنظار تتجه نحوه. “وشكرًا لعشيرة ماتالي للسماح لعشيرة إندراث باستضافة حفل العودة هذا. إنها مأساة ذات أبعاد لا مثيل لها، أن يتم أخذ محارب تنين قبل الوقت المحدد له. ومع ذلك، فإننا نحتفل أيضًا بأولئك الذين يضحون بأنفسهم دفاعًا عن عشيرتهم، وعرقهم، ووطنهم، كما فعلت أفيلاشا عندما واجهت جنود عدونا الأكبر، أغرونا فريترا.
“الآن، انضموا إلي في إظهار احترامنا للتي سقطت. امسحوا أنفسكم بدم قلبها حتى نكون جميعًا في هذه اللحظة عشيرة واحدة، عشيرة الآزوراس، مرتبطين معًا من الآن إلى الأزل، سلالة واحدة في ذكرانا.
تقدم كيزييس نحو مقدمة النعش وغمس إصبعين في السائل الأحمر. لمس صدغه بأطراف أصابعه الملطخة باللون الأحمر، ثم رش القطرتين الأخيرتين على درع التنين الأبيض المتوفى. تنحي جانبًا، وحنى رأسه.
تقدمت اناكاشا إلى الأمام بعد ذلك. حيث غمست أصابعها، لمست أسفل زاوية عينها اليمنى مباشرة، وسالت دمعة حمراء على خدها. ثم قامت أيضًا بنثر بضع قطرات من اللون القرمزي على درع أختها قبل أن تتحرك لتقف بجانب النعش، واضعة يديها فوقه بجوار الرمح. اقترب اللورد أنكور من الوعاء تاليا، لكنه وقف هناك فقط، وترك البخور يتصاعد ببطء ليطهر وجهه.
بعد الانتظار عدة ثوانٍ ، تقدم سارفاش إلى الأمام وساعد التنين غير العادي في غمس أصابعه. قام بمسحها بشكل عشوائي على وجهه، ثم نثر البقايا في جميع أنحاء المذبح حول الوعاء. سرعان ما انحنى سارفاش، وانتقلا معًا إلى جانب أناكاشا.
شعرت باللورد إكلييا يتكئ بجانبي. “اذهب. سيتوقعون منك جميعًا أن تتخلى عن هذه الطقوس، أو أن تكون الأخير لكونك دانٍ. سيؤكد هذا أنك مساوٍ لهم في تقديم الاحترام.”
دون أن أرى أي سبب يجعل اللوفايثن العجوز يضللني، انضممت إلى قائمة الانتظار التي بدأت تتشكل، نظر إلي أكثر من تنين بنظرة متفاجئة أو قام برد متأخر، لكن لم يتدخل أحد . وعندما جاء دوري، غمست ثلاثة أصابع في السائل – كان سميكًا وزيتيًا عند اللمس – وسحبته. عبر عيني المغلقة مثل الطلاء الحربي.
“أنا لست أعمى عن تضحياتك،” قلت بهدوء، مكررًا الكلمات التي أعطيتها لأختها. من محيط رؤيتي، رأيت عيون أناكاشا تضيق وهي تراقبني عن كثب.
نقرت بعناية القطرتين الأخيرتين من المرهم على درع أفيلاشا، وتنحيت جانبًا، وتحركت للوقوف بجانب كيزيس، وانحنى رأسي بالمثل.
استمرت الطقوس حتى قام الجميع بمسح أنفسهم والمتوفات. وفي النهاية، كان درعها متناثرًا بنقاط حمراء لدرجة أنها بدت وكأنها عادت للتو من ساحة المعركة.
وبعد ذلك، بدأ الذكرى : إعادة سرد حياة أفيلاشا من قبل عشيرتها وعائلتها ومدربيها وأصدقائها. مازح أحد كبار السن حول فقسها مع رمح في يدها، بينما روى تنين صغير كيف كانت تتفوق عليه في التدريب كل يوم لمدة أربعين عامًا متواصلة، وبغض النظر عما فعله، لم يستطع مواكبتها أبدًا. وصفت أختها تنافسهما الذي لا نهاية له من أجل احترام والديهما وسيدهما قبل أن تروي قصة الصيد التي قاموا بها معًا عندما كانا في السبعين من عمرهما فقط، وكيف تمكنت أختها من إنقاذ حياتها وقتل ثعبان الرؤوس السبعة دون أن تصاب بجرح.
على مدى الساعتين التاليتين، تمت مشاركة هذه الحكايات وغيرها الكثير، بعضها مسلي، والبعض الآخر مثير للإعجاب أو حتى مذهل، ولكن كلها مشوبة بالكآبة والخسارة.
وعندما انتهى الأمر، تقدم كيزيس أمام النعش مرة أخرى. “وهكذا نتذكر المحاربة التي سقطت، أفعالها الكبيرة والصغيرة، وشكلها في حياتنا المشتركة المتشابكة بدم قلبها. من فضلكم، ابقوا طالما شئتم، وغذوا أجسدكم بطعامنا وشرابنا، وعقولكم بالحديث، وأرواحكم بالحزن المشترك. من مشاركة القصة السابقة.”
لاحظت أن العديد من الأسورا ذهبوا على الفور إلى عشيرة ماتالي وسلموا سلسلة من العناصر الصغيرة.
الهدايا، كما أتوقع.
مددت يدي إلى جيبي ودحرجت اللآلئ الثلاثة متسائلاً. مع نظرة خاطفة على السيد إكلييا، الذي كان يأخذ عينات من نوع ما من المخلوقات البحرية الملفوفة والمشوية، لم يفعل شيئًا لتعزيز شكوكي المفاجئة.
ماذا قال؟ “مثل هذه الأشياء يجب أن تُعطى.” كان هذا اللوفايثن على علم بأمر تقديم الهدايا بالطبع. هل افترض بشكل صحيح أنني لم أفعل؟، وأعدني لذلك مسبقًا؟ لكن لماذا؟ هل سيكون من الإهانة أن أتخلى عما أعطاني إياه؟ فكرت في الكلمات مرة أخرى واتخذت قراري.
عندما ابتعد البانثيون ذو الأربع عيون عن أناكاشا، اقتربت.
“سيدة ماتالي،” قلت بوقاحة، وأخرجت الأجرام السماوية الثلاثة من جيبي.
قمت بضمهم بكلتا يدي وانحنت قليلاً، وأمسكت بهم. “تضحية أختك قدمت من أجل شعبي. أعلم أن ما سأعطيك إياه اليوم في المقابل لا يقارن بتضحيات عشيرة ماتالي، لكني أريدك أن تحصلي على هذه: ثلاث من [دمعات الأم] بمناسبة يوم الحداد هذا.”
كان هناك انفجار مفاجئ من التذمر من جميع أنحاء الضريح، لكن المرأة الطويلة كانت تحدق فقط في قرباني، وتبدو مصدومة. لقد كان السيد أنكور هو من مد يده، لكنه لم يأخذها. وبدلاً من ذلك، أطبق يدي حول اللآلئ وابتسم لي ابتسامة مرتعشة، وكانت عيناه تتلألأ بالدموع التي لم تتشكل بعد.
بدا سارفاش شاحبًا ومكتئبًا. بينما تعابير أناكاشا نفسها غير قابلة للقراءة، ونظرتها غائسة. لم يُقل حينا شيء، ومع ذلك، واللآلئ لا تزال في يدي، انحنيت أكثر قليلاً، وتراجعت إلى الوراء، وابتعدت، غير متأكد مما إذا كنت قد قرأت الموقف بشكل صحيح.
لكنني لمحت عين اللوفيثان العجوز للحظة حينما استدرت، حيث غمز قبل أن يحشو سيخًا في فمه. فجأة شعرت بعدم الراحة، ابتعدت عن الحشد، أفكر فيما إذا كنت سأعيد هدية السيد إكلييا إليه. وبحلول الوقت الذي ابعدت فيه نظري عن اللآلئ مرة أخرى، اللوفايث قد اختفى.
ومع ذلك، لم أتمكن من العثور عليه وسط الحشد، شققت طريقي عبر حافة الستائر الداكنة التي تخفي قبور إندراث. عقلي يحاول أن يتقبل لماذا قدم لي فيرون مثل هذه الهدية القيمة. لمنع نفسي من التخمين مرة أخرى، قمت باخراج رونية التخزين ذات الأبعاد الإضافية وأرسلت اللآلئ إلى الداخل، لعدم رغبتي في أن يحدث لها أي شيء.
الذكرى.
ظهر عنصر آخر في رونية التخزين الخاصة بي. شعرت بموجة من المشاعر تغمرني وأنا أفكر في هذا الشيء، لكنني لم أسحبه على الفور. عندما نظرت حولي، أكدت لنفسي أن لا أحد كان يعيرني اهتمامًا شديدًا، وانزلقت عبر الكروم ذات الزهور السوداء إلى الكوة الصغيرة على الجانب الآخر.
أخرجت نفسًا لم أكن أدرك أنني كنت أحبسه، ارحت كتفي واسترخيت. كان ضجيج المحادثات الخافتة مكتومًا، وهدأ الإحساس المحترق بالعديد من النظرات التي تتبعني، وتركت نفسي أغوص في العزلة، وألقيت القشرة النبيلة الإلزامية مثل عباءة.
راقبتني السيدة سيلفيا إندراث من لوحتها على الجدار.
سحبت نواتها، ممسكا بها بدقة بكلتا يداي. لم يكن هناك أي أثير متبقي فيها، أو أي مانا لأي غرض. لا توجد رسالة، ولا تلميح حول كيفية الاستمرار. هذا ببساطة العضو الفارغ والجاف لتنين متوفى. وسرعان ما ستصبح الأزورا الموجودة على النعش على بعد ثلاثين قدمًا أقرب بقليل لهذا. لكنها موجودة. لقد سمعت قصصها، ورأيت تضحياتها. على الرغم من غضبي من فشل التنانين في حماية الناس على ذلك الجبل، إلا أنني أقرت أيضًا أنهم كانوا على استعداد للتضحية بحياتهم لمحاربة الأطياف.
النواة التي بين يداي ليست سيلفيا تماما كما ليس الرمح والدرع هما أفيلاشا، ما زلت لا أستطيع فهم ما عناه نيكو بإرساله إليّ، لكنني كنت متأكدًا تمامًا من أنه هو نفسه لا يعرف. لقد كان يتخبط، ويسعى جاهداً لفعل كل ما في وسعه لمساعدة سيسيليا. تمامًا كما هو الحال على الأرض.
أغمضت عيني، وانحنيت إلى الأمام، وضغطت رأسي على السطح الخشن للنواة. لست هنا لحضور حفل تذكاري خاص بها – ولم أكن أعرف حتى لو أن كيزيس قد أعطاها واحدًا – لكنها تستحق شيئًا، مهما كان صغيرًا.
هناك أبواب مثبتة في الجزء الأمامي من حامل الشموع الفضية. فتحتهما، وكان بداخلهما وعاء صغير مملوء بسائل أحمر زيتي وحامل بخور فارغ عالق في وسط الوعاء. غمست بعناية بطرفي إصبعي، وأغمضت عيني وضغطتها على جبهتي بين حاجبي.
“لقد فتحت عيني على حياة لم أعيشها بعد. أنقذني مرتين من الموت الذي جاء مبكرًا جدًا. وثقت بي برؤية للمستقبل لم تعيش لتريه. و..” – أصبح صوتي خشنًا – “الأهم من ذلك كله، رحبتي بي في عائلتك بالاسم والفعل.” تركت قطرة واحدة من السائل تتساقط على النواة ووضعتها بعناية فوق حامل البخور. “أنا آسف لأن سيلفي لم تتمكن من التواجد هنا، ولكنني سأحضرها يومًا ما. عندما تكون آمنة.”
أغلقت الأبواب بعناية ووقفت، وقد زال ثقل خفيف عن كتفي بينما تركت النواة خلفي. بدا أن عيون الصورة تتبعني، حيث تحمل تمامًا عمق الفهم غير المعروف الذي عكسته سيلفيا عندما كانت على قيد الحياة.
تحملت تلك المشاعر التي تزحف عبر حلقي، وانزلقت عبر الكروم ، حينها قابلت عيون زيلينا الزرقاء البحرية، الواقفة على بعد بضعة أقدام.
حيث عبست وابتعدت.
-+-
ترجمة نيرو