البداية بعد النهاية - 457 - التبادل المتساوي
– أرثر ليوين:
راقبت الأطياف يسقطون منفصلين بينما التعاويذ التي تحميهم تخرج من جثثهم حيث علق ضباب خفيف من الدم في الهواء مشيرا إلى المكان الذي مات فيه كل منهم مثل شواهد القبور غير المادية، عند تلاشي الضباب الأحمر غرستُ أصابعي في عظم القص أين الحكة المزعجة في نواتي بمثابة تذكير بإخفاقاتي رغم أنه ينبغي لي أن أشعر بدفء النصر، ورائي قاد ويندسوم التنينين الجريحين إلى الأرض بينما شارون لا يزال يطارد الأطياف الثلاثة الآخرين شمالًا.
‘هل يجب أن نلاحقها؟’ سألت سيلفي بصوت غير متأكد في ذهني.
‘لا، لننزل للأرض بالقرب من ويندسوم’ فكرت حرصًا على منع غضبي من الإمتداد إليها وسألت ريجيس ‘ما هو وضع السيادي؟’.
‘مزعج’ رد ريجيس مع صورة ذهنية لفريترا المقيد والمقموع على الأرض بالمانا.
هبطت سيلفي بقسوة حيث غرقت مخالبها في التربة الناعمة لوادي الأراضي المنخفضة حينها قفزت من على ظهرها متجها نحو ويندسوم والتنانين الأخرى.
‘أرثر…’ فكرت سيلفي بتحذير.
“من منكم هو القائد هنا؟” سألت على الرغم من أن عيني بحثت في ويندسوم عن إجابات بدلاً من التنينين.
تغير التنين الأسود الكبير ليعود لشكله البشري الطويل بصدر عريض وشعر داكن متشابك مع لحية قصيرة بالإضافة لآثار خضراء باهتة لتغير اللون حول عينيه وأسفل رقبته.
إنتصب منزعجًا من نبرة سؤالي ومشى للأمام متجاوزًا ويندسوم ليقابلني “أنا ويجب أن تكون الأدنى…”.
ضرب الجزء الخلفي من يدي جانب وجهه بصوت مثل الرعد حيث ترنح الأزوراس إلى الوراء متعثرا.
الصمت الذي أعقب ذلك يصم الآذان حيث نظر إلي ويندسوم بلا مبالاة والعلامة الخارجية الوحيدة التي تدل على دهشته هي رفع حاجبيه قليلاً، بقي فم الأزوراس الأنثى مفتوحًا وحدقت عينيها ذات الحواف الحمراء بعدم تصديق في قائدها، بدا الأزوراس ذو اللحية السوداء نفسه في حالة ذهول حيث ضغطت يده الملطخة بالطين على جانب وجهه أين ضربته وعيناه غير مركزتين في إتجاهي.
خرجت المرأة التي درعها الأبيض ملطخ بالدم من صدمتها متخذة خطوة عدوانية نحوي مع رمح طويل في قبضتها “كيف تجرؤ أيها الأدنى! لقد ضحت أختي للتو بحياتها سعيًا لتحقيق أهدافك وأنت تظهر عدم إحترام لأحد أفراد عشيرة ماتالي؟”.
وضع ويندسوم يده على ذراعها ليوقفها “لا تنسي نفسك” نظر إلي في صمت للحظة “ما معنى هذا الإعتداء يا أرثر؟”.
“إنني على علم تام بالظروف والقرار الذي يتعين إتخاذه هنا” قلت بينما ألفظ كل كلمة بحدة “أعرف ما يجب القيام به وما هي المخاطر لكن هل فكرة إنقاذ أي من أولئك الذين عهدت إليكم بحمايتهم خطرت ببالكم؟، بما أن العشرات من الأشخاص الأدنى قد هلكوا من مجرد إشتباك لهجماتكم فهل وفاتهم تعني لكم أي شيء أكثر من مجرد تضحية إحصائية تعتبرونها مربحة؟”.
“أنقذهم؟” كرر الأزوراس الساقط بدلاً من الوقوف وطار في الهواء حتى يتمكن من النظر إليّ من الأعلى “المخاطر أكبر بكثير من التركيز على أي شيء سوى المعركة… إن الإمساك بفريترا وتدمير هؤلاء البائسين يغير وجه العالم أما موت هؤلاء الأدنى للأفضل أو للأسوأ لا يغير شيئًا”.
“كم من أرواح الأدنى الأخرى التي أمكن إنقاذها بفضل ما فعلناه هنا؟” ردت المرأة مبتعدة “أنا بحاجة للذهاب للعثور على بقايا أختي لن يتم ترك أحد أفراد عشيرة ماتالي ليتعفن هنا”.
وقف ويندسوم بيننا “لقد ضحى هؤلاء التنانين بواحد منهم لإبقاء الأطياف هنا لفترة كافية حتى نصل سيكون من الجيد لك أن تتذكر هدفنا الأعظم يا أرثر”.
“أنا لم أتجاهل تضحياتكم” قلت موجها إجابتي للمرأة الأزوراسية “تصرفاتكم اليوم باردة وتتعارض مع المهمة التي أتت بكم إلى هنا فبعد إستهتاركم القاسي بالحياة البشرية اليوم هل تتوقعون أن تحزن عائلات الموتى على خسارتكم؟”.
إنخفض رأسها قليلاً بينما عيناها تبتعد عني لتحلق بعيدًا.
هز الأزوراس ذو اللحية السوداء رأسه “قد تتظاهر بأنك أزوراس كما تريد أرثر ليوين ولكن من الواضح أن لديك بعد نظر قصير مثل الأدنى”.
“لحسن الحظ” أجبت بينما أشعر ببعض الغضب الذي يبرد يتم دفعه جانبا بفضل الكآبة المريرة.
في الحقيقة هؤلاء الحراس لم يتحملوا المسؤولية الكاملة عما حدث هنا يمكن لشخص واحد فقط أن يحصل على هذا الشرف المشكوك فيه، سوف أتحدث معه قريبًا بما فيه الكفاية لكن أولاً هناك تفاصيل مهمة أخرى تتطلب إهتمامي.
طار الأزوراس ذو اللحية السوداء خلف رفيقته بينما أدرت ظهري لويندسوم متجها بعيدًا عبر المستنقع.
عادت سيلفي لشكلها البشري ثم إنضمت إلي ولم يقل ويندسوم شيئًا إلا أنه تبع بجانبها.
في مكان غير بعيد على حافة نهر صغير ضيق بسبب الإنهيار الصخري من الجبل المدمر قامت ليليا هيلستيا بجمع عدد من الأشخاص الناجين الذين وقعوا في مرمى النيران المتبادلة في هذا الصراع، كافحوا من أجل جمع جرحاهم والتحرك مرة أخرى لكن كل ذلك توقف عندما إقتربت، بدت ليليا وكأنها على عتبة باب الموت لأن شعرها البني الطويل لطخ بالطين والدم ومعظم جلدها المرئي مغطى بالتمزقات والكدمات الداكنة… ما أثار رعبي هو أنها فقدت جزءًا كبيرًا من جلد يدها اليمنى.
وجدت نفسي فجأة أعود إلى طفولتي في زيروس أين عشت في قصر عائلتها لأعلمها هي وإيلي السحر جنبًا إلى جنب مما يضمن إستيقاظهما وتشكيلهما للنواة، إعتبرت ليليا بمثابة أخت لي في ذلك الوقت وأنا مدين لها بأكثر من الحماية الضعيفة التي تلقتها من التنانين ومع ذلك لم أذهب إليها، عندما ركزت عيون جميع الحاضرين علي أدركت أن دوري هنا لم يكن تقديم الراحة لها وحدها بل مخاطبة الجميع كرمح ديكاثين.
“لأولئك الذين لا يعرفونني إسمي أرثر ليوين” بدأت قائلا “أنا آسف حقًا لما مررتم به هنا اليوم ولكني أيضًا أجد نفسي سعيدًا برؤية هذا العدد الكبير من الناجين من هذه المعركة الرهيبة”.
“جنرال…؟”.
نظرت إلى يساري لأرى رجلاً مشوهًا بشكل رهيب بسبب آثار تعويذة ما لم يكن يبدو كما لو أنه سينجو لعشر دقائق أخرى إلا أنه بطريقة ما لا يزال واقفاً.
“إنه أنت! أنت الرمح!” نظر حوله إلى الآخرين متعبًا ولكن منتعش “إنه الرمح تعويذة الإله!”.
إنكسرت التعويذة التي ألقاها وصولي على الناجين الآخرين حيث إندفع بعضهم نحوي وسيلفي لشكري أو التوسل إلي لإخراجهم من هناك أو شفائهم، الأسوأ من ذلك كله هم أولئك الذين توسلوا إليّ للبحث عن أحبائهم بين حطام الممر الجبلي.
‘سيلفي أريدك أن تبقي مع هؤلاء الناس لمساعدتهم قدر إستطاعتك’.
تقدمت شريكتي إلى الأمام على الفور وبدت كأنها تتألق بنور داخلي لفت الإنتباه إليها وأسكت الناجين “سلام أيها الأصدقاء… من فضلكم نريد أن نبعدكم جميعاً عن هنا لكن الآن دعونا نقيم صحة الجميع… يندسوم يرجى البقاء ومساعدتي لن نكون فعالين ولكن يجب علينا…”.
عاد إنتباهي مرة أخرى إلى ليليا التي منحتني إيماءة صغيرة تكاد تكون غير محسوسة وحاولت أن أعبِّر بعيني وحدها عن حزني على ما عاشته، تراجعت بضع خطوات إلى الوراء عندما أصبحت سيلفي وويندسوم مركز الإهتمام وقمت بتنشيط خطوة الإله متبعًا المسارات الأثيرية عائدا إلى الكهف أسفل الركام.
جلس ريجيس محدقا في السيادي قبل أن يقول مستديرا لينظر إلي من فوق كتفه “ينبغي عليك أن تضربه بقضيب من الأثير”.
‘أنا بحاجة إلى إرسال رسالة وليس بدء قتال’ فكرت ثم قلت بصوت عالٍ “لقد وصلت إلى ديكاثين على موجة من الدماء يا أولوداري سواء للديكاثينيين أو الألكريان، أنا لست هنا للتفاو معك يا فريترا كما أنني لست مقتنعًا بعد بأن أفضل مسار للعمل هو عدم قتلك لذا أقنعني بأنني مخطئ”.
“ربما إذا أطلقت سراحي سيمكننا التحدث بطريقة أكثر راحة…”.
ضغطت نية الأثير خاصتي على الأزوراس المقيد لتسحب النفس من رئتيه “لقد بدأنا بداية سيئة”.
“حسنا حسنا أنت متعطش للدماء وبارد تمامًا كما يوحي عرضك في فيكتورياد” تنفس بشكل أسهل قليلاً عندما خففت الضغط الذي كنت أطلقه “أنت ذكي بما فيه الكفاية ألا ينبغي عليك أن تكتشف كل هذا الآن؟ ألم ترَ بنفسك بقايا السيادي إكسجي؟ لم يكن لدي أي نية للوقوع ضحية لنفس المصير”.
“تعتقد أن أغرونا قتل إكسجي” قلت مستخرجًا التفاصيل الصغيرة التي تمكنت ليرا دريد من تقديمها “لم فعل ذلك؟”.
ضاقت عيون أولوداري “ربما أقل ذكاءً مما كنت أعتقد” قام بتطهير حلقه وألقى عليّ نظرة عصبية “لنفس سبب إلتهامك للمانا من قرن الخادم أوتو!”.
ركعت بجانبه دون أن أزعج نفسي بإخفاء غضبي “تحدث بوضوح فريترا يبدو أنك لا تفهم أنت عدو وتهديد حتى تثبت العكس إن إبقائك بعيدًا عن أيدي أغرونا هو في حد ذاته نصر وسأقتلك إذا لم تثبت نيتك”.
بعبوس إستغرق لحظة ليستجمع قواه ثم قال “قبل كل شيء يسعى أغرونا إلى تكثيف القوة… فكر في العثور عليها بالمقابر الأثرية بين عظام الجن لكن كل ما تركوه وراءهم هو الحلي القديمة ومتاهتهم اللعينة من الألغاز المملة، ومع ذلك لم يخرج خالي الوفاض حيث إكتشف إستخدام الأحرف الرونية التي يمكنه من خلالها بناء أمته الخاصة من السحرة المدعومين بدم البازيليسك”.
“أنا أعرف هذا بالفعل” قلت بمرارة مستشعرا أن الفريترا يراوغ حول أي نقطة يحاول توضيحها.
“بالطبع بالطبع” متملقا غير تكتيكاته في المحادثة كل ثانية بينما يسعى إلى إسترضائي “السيطرة على العديد من الأدنى والسحرة بهذه الطريقة ركز قوتهم وجعلها ملكًا له… ألا ترى؟ إنهم مدينون له بالفضل في كل شيء ولا يمكنهم حتى خيانته إذا رغبوا في ذلك، شككت منذ فترة طويلة في أن النقص البطيء لعددنا في ألاكريا له علاقة برغبة أغرونا في الحصول على القوة الفردية لكنني أعرف الآن على وجه اليقين: إستنزف إكسجي وأخذ المانا الخاصة به لتقوية نفسه إنه يعرف كما ترى…” توقف بعيون متسعة قليلاً.
“يعرف ماذا؟” رفعت حاجبي وإقتربت قليلا.
تدحرج الفريترا على ظهره محاولًا أن يبدو غير مبالٍ ولكنه تمكن فقط من جعل نفسه غير مرتاح أكثر “كما تعلم أواجه صعوبة في الحفاظ على هذه المحادثة لو كنت أكثر راحة….”.
وضعت يدي حول حنجرته قبل أن يتمكن من إنهاء جملته وضربته بإحدى الرماح الحديدية الدموية التي عززت هذا الكهف.
إستحضرت سيفًا في يدي اليسرى وضغطت بطرفه على خده حتى سالت قطرة من الدم على جلده الشاحب “الفرصة الأخيرة يا فريترا”.
ذابت واجهة أولوداري وكشف عن الرعب الذي يكمن تحتها.
عندما أطلقت سراحه إنهار على الأرض ووجهه للأسفل بيننا يسحب أطرافه إلى وضع غير طبيعي بسبب السلاسل.
“همم ستكون فريترا لائق بنفسك…” تمتم وسط الأرضية الحجرية المغطاة بالطين ثم رفع رأسه قليلا وهزه حتى سقط على جانبه “غادرنا إفيوتس بالمئات من الأزوراس من عشيرة فريترا وحلفائنا حيث لعب كيزيس لفترة طويلة مع مخلوقات قارتك كتجاربه الصغيرة لكنه تنازل عن ألاكريا لأبحاث أغرونا حتى قبل أن ننفصل عن الثمانية، شعر البعض بالندم على هروبهم السريع من الوطن لذا حاولوا العودة وربما نجحوا لكن تمت مطاردة الآخرين بإعتبارهم خونة، مات العديد من الأشخاص وهم يقاتلون قوات كيزيس عندما هاجموا وتمت التضحية ببعضهم داخل المسلخ الذي يعرف بإسم المقابر الأثرية حين حاول أغرونا كل شيء لإختراقه بأزوراس كامل الدم، تلك الوفيات لم تفسر أبدًا أعدادنا المتضائلة لكن مع إنخفاض عدد سكان فريترا وتوسع عدد سكان ألاكريا بشكل كبير… الأيام الأولى لتلك التجربة… تخيل أنك تشكل نوعًا كاملاً على صورتك…” توقف بإبتسامة حزينة خففت من وجهه القاسي “أغرونا قائد متقبل وكنا أحرارًا في التجربة كما أردنا لذا من لديه الوقت ليتساءل لماذا إختفى نصف سكاننا بينما هناك مثل هذه الألغاز الكبرى التي يجب حلها؟” توترت إبتسامته بينما يهز رأسه بمرارة “لعنة عقل البازيليسك… من الصعب أن نرى ما هو أمامنا مباشرة عندما تكون نظرتنا دائمًا نحو 200 عام في المستقبل”.
“هل تعتقد أنه – ماذا؟ – قتل وإستوعب شعبه منذ البداية؟” سألت.
“لا ليس بالضبط” تابع أولوداري بينما يمشي مثل دودة في التراب “لا هو بحاجة إلى شيء خاص لذلك”.
“الإرث” قلت دون تردد.
“نعم هي” قالها أولوداري وكأنها لعنة “الإرث – الروح التي تحمل إمكاناتها من حياة إلى أخرى – حياة بعد حياة من النمو مرتبطة بكائن واحد، إفترض أغرونا أن مثل هذا الكائن يمكنه تسخير المانا بحرية مما يتجاوز حدود السحر الأدنى أو السحر الأزوراسي إلا أنها نادرة للغاية، تم تسجيل حالة واحدة فقط في عمر الحضارة الآزوراسية ومن أجل دراسة واحدة أخرى على أغرونا إحضارها إلى هنا والتأكد من أنها ستتعاون”.
أومأت برأسي لأنني أعلم الباقي “بدراسة الإرث تعلم كيفية إمتصاص المانا مباشرة من شعبه ولكن هذا لا يزال لا يشرح لم يفعل ذلك؟”.
“لقد قلت ذلك بالفعل” أجاب أولوداري ببساطة “تكثيف القوة… هناك طبقات في هذا الكون مطوية فوق بعضها البعض مثل المكان الذي تستقر فيه المقابر الأثرية”.
“وإفيوتس؟” تساءلت.
“همم” همهم أولوداري عابسًا “ليس تماما إفيوتس هي شيء مختلف لم يعد هنا لكنها ليست هناك بالكامل أيضًا… إسقاط للعالم المادي الموجود في بعد آخر ربما الأمر نفسه موجود في المقابر الأثرية لكن لا يمكنني التأكد.. إنه أمر مثير للإهتمام فدون أن تعرف ذلك رصدت الإرتباط”.
“ماذا تقصد؟”.
تنهد أولوداري وأغلق عينيه مستسلمًا “أنا لا أعرف كل شيء – أثبت أغرونا أنه ماهر في تشتيت الإنتباه – ولكنني سأخبرك بما أستطيع أن أخبرك به بعد أن تطلق سراحي وتساعدني على الهروب من هذا المكان، خذني إلى كيزيس سأخبركما بكل شيء يمكنك أن تضغط عليه للسماح لي بالعودة إلى وطني ويمكنني أن أكون مفيدًا لعشائر البازيليسك الأخرى لأنني أستطيع…”.
“لا” قاطعته مع أخذ خطوة إلى الوراء ثم إستدرت لأنظر إلى المياه السوداء التي تتدفق بسلاسة في النهر الجوفي.
“ماذا؟” سأل بشكل لا يصدق “لكن لماذا…”.
‘شارون في طريقه’ أرسلت سيلفي في نفس الوقت الذي شعرت فيه أن توقيع مانا التنين يقترب.
مرة أخرى في شكله البشري إجتاح التنين النفق الذي خلفه الأطياف الهاربين وهبط بخفة أمامي.
بدا كأنه يلقي ضوءه الأبيض البارد في الكهف الخافت وقال دون مقدمات “كنت أفضل أن تأجل حديثك مع السجين حتى وصولي”.
إنتظرت لحظة حتى شعرت بأن ويندسوم خلفه.
لمست قدمي ويندسوم الأرض بصوت هامس متجاوزا شارون لتفقد السيادي.
“إنه يريد بشدة أن يتم نقله إلى كيزيس” بدأ ويندسوم موافقا لكنني قاطعته قائلاً “وهذا هو بالضبط سبب عدم قيامنا بذلك”.
عبس ويندسوم ونظر إلى شارون للحصول على الدعم لكن الأزوراس ذو الندوب العابس لم يواجهني على الفور.
“هل يأمر هذا الأدنى التنانين العظيمة لعشيرة إندراث؟” إنفجر أولوداري وبصق على الأرض من شدة غضبه “حقا أنتم مثيرون للشفقة…”.
ضغطت قدم ويندسوم على رقبة فريترا مما أدى إلى إختناق الكلمات من حلقه.
“إلى أن نعرف المزيد لن يحصل أولوداري على ما يريد”.
بالطبع ذلك نصف الحقيقة فقط لم أرغب في إعطاء كيزيس أي فكرة إضافية عن خطط أغرونا حتى أتأكد من تشارك المعرفة أو على الأقل الحصول عليها بنفسي أولاً.
“هذا ليس من إختصاصك يا فتى” قال ويندسوم غاضبًا “إن أولوداري فريترا سجين ذو قيمة كبيرة بحيث لا يمكن تركه هنا أين قد يتم البحث عنه مرة أخرى مما يؤدي إلى المزيد من الهجمات والضحايا”.
“لهذا السبب أطلب من شارون أن يتولى السلطة الشخصية لحماية أولوداري.. إجعله هدفًا صعبًا للغاية بحيث لا يستحق العناء أو إستعرض جسده وإدعي أنه قُتل مع ثلاث مجموعات قتالية من الأطياف – قوات النخبة لأغرونا – أثناء محاولتهم التوغل في قارتنا”.
إستغرق شارون لحظة للإلتفاف حول رده قبل أن يتحدث “حتى يقوم جواسيس أغرونا بالإبلاغ عن وفاة السيادي ونحن التنانين سنكون قادرين على تقديم هذا للشعب على أنه إنتصار… ذكي لكن ماذا عنك؟”.
“الأن” قلت بحزم “سوف يأخذني ويندسوم لرؤية كيزيس”.
حدق ويندسوم أولاً في شارون ثم في وجهي “لقد عرفت عندما إلتقيت بك لأول مرة أنك ستكون مخلوقًا عنيدًا لكن دائرة الضوء في هذه القارة الصغيرة أعطتك إعتقادا خاطئًا بأن العالم بأكمله وحتى الكون يدور حولك، الحقيقة هي أنك قطعة صغيرة جدًا على لوحة ضخمة وأن اللعبة لا تتوقف بالكامل على كل تحركاتك يا أرثر”.
دون إنزعاج وجهت نظرة ثابتة إلى الأزوراس.
“حسنًا” قال بينما يقف منتصبًا ويزيل الغبار عن زيه العسكري “إنني أنتظر بفارغ الصبر سماعك تشرح هذه القرارات للورد إندراث”.
بعد إرسال بعض التعليمات العقلية إلى سيلفي وريجيس الذين سيبقيان في الخلف كررت توقعاتي لشارون – بما في ذلك عدم تعرض المزيد من الديكاثيين للخطر – ثم إنحنيت أمام أولوداري “أقترح أن تحاول جاهدًا تذكر كل شيء بحلول وقت عودتي إذا كنت تريد رؤية إفيوتس مرة أخرى يا فريترا”.
أخيرًا وقفت محدقا في ويندسوم بترقب.
نظر ويندسوم ذهابًا وإيابًا بيني وبين شارون والغضب محفور في كل سطر من وجهه قبل أن يطلق سخرية غاضبة “تعال إذن يا أرثر يبدو أنني قد تحولت إلى مجرد خدمة سيارات أجرة بين العوالم”.
لم يضيع المزيد من الوقت حيث سحب جسمًا مستديرًا ومسطحًا ثم وضعه بعناية على الأرض بعدها سحب قطرة من الدم من طرف إصبعه لتسقط عليه، توسع الشكل مظهرا عمودًا من الضوء تمامًا كما حدث طوال تلك السنوات الماضية عندما أخذني لأول مرة إلى إفيوتس للتدريب.
‘كوني حذرة’ حذرت سيلفي ‘ما زال شارون يلعب دور القائد العقلاني لكنني لا أعرف ما إذا كان بوسعنا أن نثق في نواياه بعد’.
‘أنت أيضا’ حذرتني أيضا ‘الأمور تتقدم بسرعة الآن ولا يزال هناك الكثير مما لا نعرفه’.
أخذت نفسًا عميقًا ودخلت إلى البوابة.
أصبح الهواء باردًا عندما ظهرت فوق الجبل وتمامًا كما حدث في المرة الأولى لاحت فوقي قلعة إندراث الرائعة والمشؤومة – عبارة عن هيكل منحوت من الأرض نفسها – تتلألأ بآلاف الأحجار الكريمة، إمتد الجسر المتوهج متعدد الألوان على القمتين كما في السابق وهب نسيم خفيف عبر بتلات الأشجار الوردية المتمايلة التي تغطي قمة الجبل، عندما تم إحضاري إلى هنا في المرة الأولى ملأني شعور بالرهبة الدنيوية لكن الآن أحرقت نار الغضب المكبوتة الباردة كل شيء بإستثناء الرغبة في إنهاء هذا الأمر.
لم ينتظرني ويندسوم بل سار بعيدًا وعبر الجسر دون أن ينظر إلى الوراء حتى لذا تبعته مدركًا تمامًا لمجسات السحر التي تتلوى من خلالي أثناء عبوري جسر المعادن الثمينة، وصلنا إلى الباب الأمامي الذي فتحه ويندسوم بنفسه وعندما دخلت إهتزت القاعة الفسيحة خلفه بشكل غير مريح ثم بدا أنها تنهار على نفسها لتأخذني معها، خرجت متعثرًا في غرفة مستديرة أصغر بكثير لذا إلتفت محاولًا تحديد إتجاهي مع سيف أثيري ممسك بالفعل بقبضتي ذات المفصل الأبيض، لم يعد ويندسوم معي لكن بعد ثانية تعرفت على ما يحيط بي حيث سيطر مسار البصيرة البالي على وسط غرفة البرج.
أمسك وجود قوي على الأثير في قبضتي وطرده بالقوة المطلقة.
“لن تكون هناك حاجة لذلك هنا” رن صوت كيزيس عبر الغرفة.
نظرت حولي ولم أره في البداية ثم وبمفاجأة مربكة وقف على الجانب الآخر من الدائرة البالية على الأرض.
عرفت أنه يلعب لعبة القوة محاولًا زعزعة توازني وجعلي أشعر بعدم الراحة لذا أحكمت قبضتي وأخرجت أنفاسا هادئة مع تبطيئ نبضات قلبي.
أطلقت تنهيدة ناعمة “هل تعرف بالفعل ما حدث؟”.
قام كيزيس بتحريك رأسه قليلاً مرسلا موجة من الحركة عبر شعره ذو الألوان الفاتحة “لقد شرح ويندسوم بعضًا منه أما الباقي فقال أنك ستخبرني به”.
“من الصعب الترحيب بك… منذ متى وأنا هنا بالفعل؟ من المؤكد أنك تفهم أهمية عودتي السريعة إلى ديكاثين”.
فحص أظافره دون أن ينظر إليّ “ربما لن تكون في عجلة من أمرك لو أحضرت معك حفيدتي وأولوداري من عشيرة فريترا”.
تركت فقط عبوسًا صغيرًا يظهر على وجهي “وعدت بحماية ديكاثين وضمنت أن الصراع بين الأزوراس لن يمتد إلى القارة لكنني جئت للتو من ساحة معركة خلفت أكثر من 200 ديكاثيني قتيل، ليس لدي أي فكرة عن عدد اللاجئين الألكريان قبل ذلك لذا كيف يمكنني أن أثق بك مع سيلفي أو أولوداري إذا كنت لن تفي بالجزء الخاص بك من صفقتنا؟”.
“نعم الأطياق وهجومهم… هجوم حذرت شارون منه قبل أيام” قال كيزيس متأملًا بلا حراك وعيناه الأرجوانيتان اللامعتان حادتان وخطيرتان مثل حد السيف “تلك نقطة لم يتمكن ويندسوم من توضيحها لي كيف عرفت بالضبط أن الأطياف سوف يهاجمون إتيستين؟”.
“لا تغير الموضوع” أجبته “أحتاج إلى تأكيدك بأن التنانين التي من المفترض أن تحرس ديكاثين ستضع أولوياتها في نصابها الصحيح ليس لدينا أي فائدة لشخصيات بلا روح”.
إتسع أنف كيزيس وهي العلامة الوحيدة على إنزعاجه “شخصيات بلا روح؟ وماذا بعد؟ هل ستهاجمني بشأن تصرفاتي ضد الجن مرة أخرى؟ أخبرتك من قبل يا أرثر أنني لن أتردد في التضحية بحياة واحدة من أجل الصالح العام أو حتى 200 كما أنني لن أتردد في التضحية بجنودي أيضًا، أنت تفهم هذا جيدًا ألم تكن أنت من قال أنك لن تقتل الملايين من الألكريان لإنقاذ الآلاف من الديكاثينيين؟ لقد قمت بالحساب الأخلاقي تمامًا كما فعلت أنا”.
“لست هنا لتبادل الكلمات الشائكة على الرغم من أن لدي الكثير من الكلمات المختارة المخزنة” قلت بعد بضع ثوان من الصمت “ما يهم هو إتفاقنا إن جنودك لا ينفذون ما وعدت به وأنت بنفسك لا تخبرني بكل ما تعرفه، رأيت رد فعل شارون وويندسوم على كلام أولوداري الغير مترابط إنهم يعرفون أكثر مما أرادوا السماح لي بمعرفته”.
خفف وضع كيزيس مسترخيا “أنت محق إن بصيرتك في الأثير لن تكون ذات فائدة كبيرة بالنسبة لي إذا فاز أغرونا بالحرب في عالمك، لا أستطيع أن أتحمل تكاليف أن يعلم أغرونا كل ما أعرفه أو حتى ما أخمنه لذلك قمت بعزلك عن بعض المعلومات، سأستمر في القيام بذلك ولكن يمكنني أن أرى الآن أن هناك حاجة لتسليط الضوء على أشياء معينة”.
عقدت ذراعي وإتكأت على الحائط مسترخيا قليلاً “ربما يمكنك البدء بإخباري لماذا سمحت للأمور أن تصل إلى هذا الحد؟ من الممكن أن تجرف ألاكريا بعيدًا في موجة من الدماء منذ قرون… إنه جيش من الأزوراس ضد عشيرة واحدة…”.
“نعم غادر أغرونا إفيوتس مع عشيرته بأكملها لكن ذلك جزء من المشكلة لأنه ليس الفريترا فقط بل بعض الحلفاء أيضًا” بدأ كيزيس بالسير ببطء حول الدائرة البالية التي هي عبارة عن طريق البصيرة “هذا العمل بمثابة تهديد وجودي لجميع الأدنى والأزوراس على حد سواء إن صراع بهذا الحجم في عالمكم سيكون مدمراً”.
“الأدنى نعم ولكن بالنسبة للأزوراس أيضًا؟” بعبوس أملت رأسي “ما هو الجزء الذي لا تخبرني به؟”.
“تحدانا أغرونا عمليًا لخوض الحرب” أجاب كيزيس محدقا في الطريق بينما يسير ببطئ في دائرته “تم وضع عشيرته وحلفائها في موقع إستراتيجي للغاية للتأكد من أن أي معركة ستؤدي بالتأكيد إلى تدمير عالمك”.
كنت حريصًا على التحكم في نبرتي وملامح وجهي لأقمع السخرية “بإفتراض أن هذا صحيح فقد إرتكبت بالفعل إبادة جماعية ضد الثقافة المهيمنة في العالم أين هو الفرق؟ ما الذي منعك ضد أغرونا ولكن ليس ضد الجن…”.
“كل شيء!” إنزلق قناع السيطرة الكاملة للحظة “كل ما فعلته يهدف إلى إبقاء هذا العالم على قيد الحياة وسيكون من الحكمة بالنسبة لك أن تضع ذلك بقوة في مقدمة أي إفتراضات أخرى تقوم بها عني”.
في الصمت الذي أعقب فورة كيزيس غير المتوقعة ترددت في ذهني الكلمات التي تذكرتها من المحاكمة الأخيرة، أخبر الجن أن إستخدامهم للأثير يشكل خطراً على العالم وقالت السيدة ساي أريوم أنه أعطاهم نوعًا من التحذير… هذا هو الأمر الذي دفعهم للبحث خارج حدود عالمنا لكن ما هو؟.
على الرغم من رغبتي في الضغط على كيزيس أكثر إلا أنني إحتفظت بأفكاري لنفسي فأنا بحاجة إلى أن أفهم لكن علي أن أكون حذرا.
وقف كيزيس بإستقامة وبدا أنه تحرر من التوتر بسبب وضعيته “بدلاً من خوض حرب كارثية بغض النظر عن قدرتنا على الفوز أرسلت القتلة بأكبر عدد ممكن من الأقوياء الذين أستطيع المخاطرة بهم، مات العديد من الفريترا لكن ثبت أن أغرونا من المستحيل الوصول إليه”.
على الأقل هذا متوافق مع ما قيل لي من قبل لكن كلمات ساي أريوم والسيادي أولوداري لا تزال تزعجني.
“إذن ما الذي يريده أغرونا حقًا في النهاية؟ لماذا كل هذا؟”.
أوقف كيزيس خطوته لينظر إلي “إسمح لي أن أشاركك القليل من تاريخنا يا أرثر حتى تتمكن من فهم الأمر بشكل أفضل، عندما كانت إفيوتس قارة ثالثة في المحيط بين ديكاثين وألاكريا إعتبر الأزوراس إلى حد كبير مثل جان إيلينوار، بقي أسلافنا شعبًا مدينًا بالفضل للعالم الطبيعي من حولهم حيث بقوا متوازنين معه لكن التوازن يعني الصراع ومن خلال الصراع المستمر يأتي النمو، نمونا هكذا حتى تجاوز سحرنا حدود أشكالنا الجسدية لكن عندما حدث هذا للجن إعتمدوا إستخدام التعويذات، أدى هذا إلى تقوية أجسادهم وتعزيز إرتباطهم بالمانا والأثير من خلال الوشم الروني لكن بالنسبة للأزوراس الأمر مختلف تمامًا، بحثنا عن أشكال جديدة فالمظاهر الجسدية للقدرة السحرية الخام التي شحذناها على مر العصور جعلتنا التنانين والهاماديان والبانثيون، على مر العصور تطورت تلك السمات لتصبح جانبًا متأصلًا في أجناسنا التي إنفصلت عن بعضها البعض فكل فرع من شجرة عائلة الآزوراس ينمو بشكل فريد مع مرور الوقت، أصبحنا أسياد العالم حيث قمنا بإخضاع كل من السحر والوحوش الطبيعية وهي مخلوقات أكثر فظاعة بكثير من تلك التي تحتل الآن غابات الوحوش الخاصة بكم، مع جفاف مواردنا وإتساع حرصنا المستمر على النمو بدأنا في إخضاع بعضنا البعض فالأطياف – ليس جنود أغرونا الأدنى بل فرع قديم من شجرة عائلة الأزوراس – هم أسوأ المجرمين، إعتبروا عرقًا محاربا بنوا أنفسهم على عظام أولئك الذين هزموهم وفي النهاية إنجذب كل عرق وعشيرة إلى حرب طهرت العالم وأغرقت القارات وأحرقت البحار، نسينا أننا كنا في يوم من الأيام متوازنين مع الأرض حيث دفع الصراع سحرنا إلى دمار أكبر فقط لكن عندما سقط آخر الأطياف رأى بقية الأزوراس ما سيصبحون عليه” توقف كيزيس مؤقتًا ليقيس ردة فعلي.
فكرت بعناية في طبقات قصته “هل هذا تاريخ أم رمزية؟”.
أعطاني كيزيس إبتسامة متسلية “كلاهما على ما أعتقد وهذا ما حدث كما روته سجلاتنا لكنني لا أعطيك درسًا في التاريخ فحسب، شكل أغرونا لنفسه أمة مدينة له بالكامل حيث قضى على أي منافس في ألاكريا، مع جيوشه – سحرته المغطون بالرون والأطياف وحتى الإرث – يسعى إلى إخضاع عالمك وبعد ذلك سيأتي من أجل عالمي، هذا يا أرثر هو ما يريده أغرونا: أن يأخذ ما بناه شعبك وشعبي ليغزو عوالمنا ويطالب بها لنفسه إنه يريد أن يحكم ويسيطر على الجميع بأي ثمن”.
أومأت برأسي متفهمًا بيانه بينما أخفي شكوكي المتزايدة لأن أولوداري واضح في أمر واحد: أغرونا يسعى للحصول على القوة الفردية وحرم نفسه من أقوى حلفائه في هذه العملية، خلال فترة وجودي كملك إعتبرت أنه من الضروري فهم أهمية الأشخاص الذين أحيط نفسي بهم، إذا إتضحت صحة ما إقترحه أولوداري فحتى الإرث لم يكن القصد منها أن تكون سلاحًا لأغرونا بل أداة لإستيعاب مانا أقاربه، أثبت أغرونا مراراً وتكراراً أنه يسبقني بثلاث خطوات محولاً كل موقف لصالحه وأدركت أنني أفتقد دائمًا شيئًا أساسيًا لتحقيق أي إنتصار في الحرب: الفهم.
الشيء نفسه الذي يحرمني كيزيس منه.
فكرت بعناية في أكاذيبه بينما خففت تعابير وجهي إلى إبتسامة ممتنة “شكرًا لك على صدقك معي يا كيزيس”.
–+–
تم الدعم من طرف : Youssef Ahmed