البداية بعد النهاية - 455 - بين الساقطين 2
– ليليا هيليستيا :
ظل قلبي يرفرف داخل صدري ولم يجرؤ على النبض عندما وصلت إلى المانا اللازمة لإلقاء تعويذة، لم يكن من الضروري أن تكون معقدة أو حتى قوية بل كرة مكثفة من الماء تنفجر مثل الألعاب النارية ستكفي لجذب إنتباه التنانين لو طاروا بعيدا…
على الرغم من أنني لم أتمكن من الشعور بنواياه الواضحة إلا أنني أعرف أن الوحش المسمى راست على بعد 12 قدمًا تقريبًا.
‘سوف يشعر بما أفعله’ فكرت بيأس ‘لم تكن هناك طريقة يمكنني من خلالها إخفاء التعويذة عن شخص قوي مثله وحتى لو قمت بقمع المانا الخاصة بي سوف يرى من خلالي’.
على الرغم من ذراعه المفقودة وجلده المتشقق بإمكانه قطع المسافة وكسر رقبتي دون أن يكشف حتى عن ذرة من المانا الخاصة به، على الرغم من أنني لم أكن أنظر إليه إلا أنني شعرت بجسد جارود الهامد بجواري وأدركت أنه لا يهم إذا تمكن راست من الوصول إلي خاصة إذا إستطعت إطلاق التعويذة أولاً…
قفزت من الخوف بينما الهواء يتطاير بقوة حين دوّى صوت مثل الرعد عبر سفح الجبل.
“أتباع أغرونا” قال الصوت مدويًا كما لو أن كل حجر مكشوف قد قذف “نحن نعلم أنكم هنا أيها المدعوون بالأطياف وأن لديكم السيادي أولوداري من عشيرة فريترا، يعرض عليكم الحارس شارون إندراث هذه الفرصة لتسليم أنفسكم لسلطتنا وإطلاق سراح سجينكم”.
حلق التنين الأسود على إرتفاع منخفض بالقرب من قافلة عرباتنا بجانب الطريق بينما عيونه الصفراء اللامعة تجوبنا بحثًا عن الأطياف المخفيين، جعلت ريح رفرفته شعري يتطاير للخلف وهالته من مسافة قريبة كهذه سرقت أنفاسي، التعويذة التي حاولت تشكيلها خلسة ماتت على أطراف أصابعي وغمرتني الرهبة والراحة، إنحنيت على جسد جارود وما زلت ممسكة ذراعه بيد واحدة بينما أبكي بصمت.
“إعتبر نفسك محظوظًا أيها التنين” أجاب صوت بيرهاتا القاسي المرير بكلمات غير مجسدة وتنبعث من كل مكان ومن لا مكان في وقت واحد دون أن تعطي أي فكرة عن موقعها الفعلي “نحن لسنا هنا من أجلك اليوم لكن هذا لن يمنعنا من تسليم أجنحتك إلى أغرونا إذا تدخلت”.
إرتفع التنين الأسود عالياً وإجتمع مجددًا مع التنينين الأبيضين حيث رفرفت أجنحتهما ببطء لإبقاء أجسادهما الضخمة في الهواء.
“لا تكوني سخيفة” قال بنبرة مليئة بعدم التصديق “لقد إنتهت رحلتكم وفشل توغلكم في ديكاثين لم يعد بإمكانكم الهرب أو الإختباء منا أنتم تهينون أنفسكم بعدم قبول الواقع”.
هتف شخص ما في أعلى القافلة تمجيدًا بحضور التنانين وسرعان ما إنضم إليه العديد من الأشخاص ما جعلني أشعر بإرتياح مع مسحة من الخوف، توسلت إليهم أن يظلوا هادئين لأنني لا أريدهم أن يلفتوا الإنتباه إلى أنفسهم.
تردد صدى ضحك بيرهاتا غير المتجسد عبر سفح الجبل مما أدى إلى إغراق كل الضوضاء الأخرى “ذكرت أننا نحتجز رهينة واحدة بدل بضع مئات من الرهائن أليس كذلك؟، لقد تدربت منذ ولادتي على قتل نوعك أيها الأزوراس لكن أعلم أنه في عملية خوض هذه المعركة الخاسرة ستحكم على كل هؤلاء الأشخاص – الذين تدعي حمايتهم – بالموت المروع، أنت تعلم مثلي أنه إذا أصبح هذا الجبل ساحة معركة فلن تتمكن من إنقاذهم ولا حتى بقواك الخاصة”.
إبتلعت لعابي بصعوبة وعيناي المنتفختان تتبعان بشكل غريزي العربات القريبة ووجوه أولئك الذين يركبونها.
بقي التنين صامتًا لدقيقة واحدة فقط قبل الإجابة “أنتم جبناء تزعمون أنكم مساوون لنا ولكن حقيقة أنكم تختبئون خلف أشخاص أقل سحرًا لإنقاذ أنفسكم تخبرنا بكل ما نحتاج إلى معرفته”.
لوى رقبته الطويلة كأنه أعطى التنينين الآخرين نظرة ذات معنى وكما لو يستجيبان لأمره نزلا كلاهما وتحولا أثناء قيامهما بذلك، إندمجت الحراشف البيضاء اللامعة معًا وشكلت درعًا صفيحيًا لامعًا كما تسطح شكل الزواحف ليبدوا شبيهين بالبشر، بحلول الوقت الذي لمست فيه أقدامهم الأرض بدت كلتا التنينتين ترتديان ملابس النساء الصارمات والجميلات، تدفق شعرهن الأشقر الطويل على ظهورهن من أسفل الخوذات ذات الحجم الكبير وكل منهن تحمل درع متطابقًا ورمحًا طويلًا.
“أنظروا كم أن منقذيكم قساة؟” رن صوت بيرهاتا في الهواء “كنا على إستعداد للسماح لكم بالعيش لأننا أردنا فقط عودة أحد أفرادنا لكن هؤلاء الأزوراس يعتبرونكم قطيع من الحيوانات التي يجب الإعتناء بها، ومع ذلك إذا كان هناك حاجة إلى ذبح عدد قليل هنا وهناك من أجل مصلحة القطيع فلن يترددوا، ينبغي عليكم جميعاً أن تنحنوا للسيادي الأعلى أغرونا عندما تتاح لكم الفرصة”.
هبطت المرأتان من الآزوراس على نتوء مسطح فوق القافلة، ظلوا هناك للحظة فقط يفتشون العربات بالأسفل قبل أن تقفز إحداهما منها وتدور برشاقة في الهواء، هبطت بخفة مثل الريشة بالقرب من نهاية القافلة على بعد بضع عربات فقط من المكان الذي ركعت فيه – وإختبأ الطيف راست.
تابعت بيرهاتا قائلة “على الرغم من أن ذلك غير محتمل إذا تمكن أي منكم من النجاة من هذا الأمر فأخبروا أقاربكم” كلماتها بمثابة حقيقة لم أتمكن من صدها أو الهروب منها “شاركوا مع كل من تقابلون قسوة عشيرة إندراث ولطف فريترا”.
‘أيتها الساحرة المتلاعبة’ فكرت بمرارة لكن في الوقت نفسه أعرف أنها على حق بشأن إستعداد التنانين للتضحية بنا.
أغمضت عيني بقوة وضغطت على يأسي حتى رنّت أذناي وإحترق وجهي باللون الأحمر، يحتاج هؤلاء اللاجئون – معظمهم من النساء والأطفال – إلى أن يكون لديهم الأمل وأن أهتم إذا عاشوا أو ماتوا لأنني قد أكون الوحيدة هنا التي تفعل ذلك، ذهب ذهني لسبب غير مفهوم إلى كاشيري الفتاة الصغيرة التي إختفت في النيران والأضرار الجانبية عندما أباد الأطياف سحرتنا وحراسنا، لم أستطع إنقاذها وعلمت أنني لن أكون قادرة على إنقاذ جميع من يرتعدون خوفًا على هذا الجبل أيضًا لذا سحبت نظري عن جارود، إنزلقت أصابعي من لحمه الساكن بشكل غريب ثم تجعدت في قبضات ذات مفاصل بيضاء.
‘علي مساعدة شخص واحد هذا كل ما يتطلبه الأمر’.
إقتربت المرأة الأزوراسية على طول العربات بينما تقوم بتفتيشها واحدة تلو الأخرى، بدا الرجال والنساء والأطفال الذين يجلسون هناك متجمدين بعض الشيء مثل الأشكال الباهتة في خلفية اللوحة، تابعت أعينهم تقدم الأزوراس لكنهم ظلوا على خلاف ذلك ساكنين بشكل مثير للأعصاب، تحرك راست ببطء شديد حول العربة عند إقتراب الأزوراس وعلى الرغم من أنني أعرف أنه هناك ويمكنني رؤيته بأم عيني إلا أن إنتباهي يريد أن يبتعد عنه وأن أنظر إلى مكان آخر، جمعت أنفاسي بينما الطيف والأزوراس يناوران إلى جانبين متقابلين من نفس العربة، خطوات راست تتماشى في الوقت المناسب مع خطوات التنين لإخفاء حتى الصوت الهادئ لتحركه البطيء.
‘يبدو أن كل شيء يحدث ببطء شديد… أين الأطياف الأخرين؟ التنين الثاني؟ ما ينتظرون…’.
وفجأة إنحرف الرمح الطويل نحو الأسفل تاركًا في أعقابه هلالًا فضيًا غير واضح.
حطم السلاح العربة الثقيلة مما أدى إلى تطاير شظايا الخشب المكسور والمتعلقات الشخصية في كل إتجاه، في مقدمة العربة تم دفع رجل وإمرأة كما لو تم قذفهما من منجنيق بشكل مفاجئ وعنيف للغاية ولم تتاح لهما حتى الفرصة للصراخ، على الجانب الآخر من العربة ألقى راست بنفسه جانبًا بسرعة كبيرة لدرجة أنني بالكاد إستطعت رؤية تحركاته، ومع ذلك لم يكن ذلك بالسرعة الكافية فقد قطع الرمح الطويل جانب ساقه مشكلا رذاذ من الدم بينما ينفث سحابة من السم الأخضر الضار، بإستحضار كرة من الماء أمسكت بزوجي المزارعين اللذين تم قذفهما من العربة لكن لم يكن هناك ما يمكنني فعله، غمرت السحابة كلا من الفراء الطويل الأشعث واللحم الموجود تحتهما لذا تتاثرت عظامهم المليئة بالثقوب في الوحل تحتهم.
أشع ضوء فضي من درع التنين ولفها بحاجز متحرك صد الضباب لكن السحابة إنتشرت بسرعة.
“أهربوا!” صرخت بينما أتراجع عن الضباب المتوسع.
في لحظة تردد مددت يدي إلى ذراع جارود معتقدة أنني أستطيع إنقاذ جثته لدفنها بشكل لائق إلا أن تلك اللحظة من التردد كادت أن تكلفني حياتي، عندما أبطأت ومددت يدي لحق بي الضباب مصيبا أصابعي لكنني تحركت مرة أخرى وألقيت بنفسي بعيدًا قبل أن أشعر الألم، تشقق جلد يدي اليمنى وتقرح في لحظة ثم تساقطت بقع كاملة مثل جلد الثعبان أثناء ذوبانها ما جعلني أطلق صرخة، ضممت الطرف الجريح إلى معدتي ثم إنطلقت مسرعة بعيدًا ولم أحظ حتى بفرصة تكريم تضحية جارود من خلال مشاهدة الأبخرة المتحللة للجسد وهي تغمره، إندفعت أنا والمزارعان متجاوزين العربة التالية في الطابور حينها إندفعت وحوش المانا الكبيرة التي تسحبها بعيدًا عن الضجيج والمانا المشتعلة، صرخوا بينما يقفزون عن الطريق محاولين الركض بسرعة إلى أسفل الجبل في حالة من الذعر، كادوا ينجحون لولا أن العربة المتصلة بحزامهم سقطت فوقهم قبل أن تختفي وحوش المانا والركاب على حد سواء في الحطام، ضربني الضجيج قبل أن تنطلق الصراخات وبأعلى صوت ثم إنفجرت التعويذات في أعلى القافلة، ظل صراخ وحوش المانا هو الأسوأ حين أصبحت مرعوبة وصاخبة بدرجة كافية لإختراق الباقي.
رغم أني ما زلت أركض إلا أنني نظرت من فوق كتفي إلى القتال ووراء السحابة الخضراء الكثيفة بإمكاني رؤية ظلال الآخرين وهم يركضون بعيدًا على الطريق الجبلي تاركين عرباتهم، إستمر درع الأزوراس في صد التعويذات بينما شن الطيف هجومًا تلو الآخر وقصف الدرع الفضي بمسامير مكثفة من السحر السام والكريه.
إندفع الرمح الطويل إلى الخارج لكن في الوقت نفسه تدمر الطريق بأكمله.
أدت الحركة المفاجئة إلى إختلال توازن الأزوراس وإتسع نطاق الدفع ثم لم أر المزيد حين سقطت للأمام بعد أن إختفت الأرض الصلبة التي أركض عبرها من تحتي، هبطت بقوة وإصطدم مرفقي وجانب وجهي لكنني أخذت نفسًا مؤلمًا بينما التراب والحصى مغروسين في لحم يدي المدمر، كنت سأصرخ لو لم يسقط عليّ شيء ثقيل بعد ثانية وحتى عندما إلتفت لرؤية الرجل المذعور الذي أنقذته إصطدمت صخرة كبيرة مثله بالطريق المجاور لنا، إرتدت لتضربه مباشرة وتخطئني ببضع بوصات بعدها سقطت مع الرجل على حد سواء فوق حافة الطريق وإختفيا في سحابة الغبار التي تحجب الآن كل شيء من كل الإتجاهات، لم أكن متأكدة مما حدث يبدو أن العربة الصغيرة بجانبي إنقلبت بينما ظل وحش المانا الكبير يزمجر محاولا تمزيق الأشرطة الجلدية التي تربطه بالحطام في محاولة للتحرر، لم يكن هناك أي أثر للسائق بينما صرخات إمرأة لفتت إنتباهي بعيدا – زوجة الرجل الميت التي زحفت بإتجاه حافة الطريق – لتصرخ بإسم لم أستطع سماعه بسبب الطنين الذي يرن في جمجمتي.
“توقفي لا تقتربي من…”.
أدت موجة مفاجئة من الرياح إلى دفع الغبار لمسافة 100 قدم في كل إتجاه وكشفت عن راست المثبت على الأرض مع رمح تنين طويل مغروس في صدره، أمسكت ذراعه المتبقية بالرمح بينما يصرخ في الأزوراس وقد إهتز الجبل من قوة الضربة حيث إنهارت حافة الطريق أكثر، تحول نحيب المرأة إلى صراخ عندما إنهارت الصخرة تحتها وتم سحبها إلى الفراغ المختنق بالغبار خلفها، إنقطع الصراخ بعد ثانية عندما سمعت التأثير الرطب لجسدها وهو يصطدم بالصخرة ويسقط على المنحدر الحاد، إرتعشت الأرض مرة أخرى وأدركت أن الجبل بأكمله يهتز بينما الصخور تتساقط من الأعلى وترتد فوق المسار حيث أن أجزاء كاملة من الطريق تنهار وتمتد إلى أسفل الجبل.
‘إنهضي’ قلت لنفسي وأنا أستمد القوة للقيام بذلك ‘عليك أن تستمر…’.
إرتجفت بعنف حين إستخدمت يدي المصابة لدفع نفسي للوقوف على قدمي ثم تجمدت عندما أدركت أن الأزوراس تتجه نحوي، في كل مكان حولها رسم حطام معركتها القصيرة ضد الطيف صورة رهيبة حيث إرتفع الشعر على ذراعي ورقبتي بينما تتحرك عيناها الصفراء الزاهية من خلالي مباشرة.
“من المفترض أن تحمينا” قلت بصوت يلهث ولم أفكر في ما أقوله “تساعدينا!”.
بالكاد لاحظت ذلك لأن نظراتها المتفحصة تتسلل فوقي بينما تسير بخطى سريعة تاركة الناجين القلائل من العربات المحيطة ليتدبروا أمرهم بأنفسهم، لم يكن هناك الكثير فقط أولئك الذين ظلت وحوش المانا تحت سيطرتهم أو الذين تركوا عرباتهم، لا يزال بإمكاني سماع أصوات المعركة من مسافة أبعد لكن الأزوراس تحركت بهدف غير متعجل ونظرتها واثقة.
أمسك بي ناجٍ آخر فجأة حيث تم سحبي بينما الطريق يهتز ويكاد يدمر تحت أقدامنا وعلى الرغم من ذلك شاهدت التنين بجانب كتفي، صررتُ على أسناني وتحررتُ من الأيدي التي تمسك بي حين تعرفت على الوجوه لكن الأسماء هربت من أفكاري المشوشة، هناك الكثير من الأسئلة والتوسل إلا أن الخوف يجبرني على الوقوف والإنتظار، بينما الناجون يركضون بسرعة على الطريق وبعيدًا عن ساحة المعركة إستدرت وتبعت الأزوراس.
لا بد أنها شعرت بي لأنها نظرت إلى الوراء “إذهبي لن أكون مسؤولة عنك ولا يوجد شيء يمكن لأحد من نوعك أن يفعله هنا”.
مسحت الدم من عيني بينما أسير خلفها “أنا مسؤولة عن هؤلاء الناس… أنا بحاجة لمساعدة من أستطيع ليس للقتال فقط…”.
“أنت حرة في إختيار طريقة موتك” هزت كتفيها.
أبعدتها خطواتها الثابتة أمامي ورغم أنني أركض محاولة الوصول إلى عربة محطمة إلا أنها مرت بها دون أن تلقي نظرة ثانية ما جعل كل خطوة متناقضة بمثابة تعذيب خالص ليدي، مستحضرة نوعًا من الماء البارد لتخفيف آلام الجسد قمت بإخراج الألم من ذهني بحزم – أو حاولت على أقل تقدير، بجانب العربة التي إنشقت مثل البيضة عندما إنهار الطريق جلست إمرأة مسنة مع رجل تم سحبه إلى حجرها، إنهمرت الدموع على الصخور من وجهها المسن وخشيت للحظة أن الرجل العجوز قد مات لكن عندما إقتربت ربتت يده على يدها، أدركت أنه يتحدث إلا أن الكلمات خافتة للغاية بالنسبة لي حتى أستطيع سماعها وخلفهما يوجد رجل آخر مفتول العضلات ذو بشرة داكنة، حاول إيصال عائلته إلى حافة الطريق والنزول إلى المنحدر الحاد.
“مهلا” قلت بصوت عالٍ ولوحت بيدي السليمة لجذب إنتباهه “هناك المزيد من الناس هنا وهم بحاجة إلى…”.
نظر إليّ الرجل القوي وهز رأسه ثم بدأ بالنزول خلف عائلته.
أخذت نفسًا ثابتًا وحاولت عدم إلقاء اللوم على الرجل وبدلاً من ذلك ركعت بجانب العجوزين “حسنا لاتهتموا إسمحوا لي أن أساعدكم نحن بحاجة إلى التحرك…”.
“إنه لا يستطيع المشي” قالت المرأة العجوز بوضوح “ظهره مصاب أعتقد أن شيئًا ما إنكسر عندما تدمر الطريق…”.
جفلت عندما إنفجرت المانا في مكان ما أمامنا وهزت الأرض مرة أخرى لدرجة أني خشيت أن ينهار الجبل من حولنا.
“ربما وحوش المانا الخاصة بك…” أوقفت نفسي مدركة أن ثور القمر المرتبط بالعربة مصاب في بطنه بعد أن ضربه حجر كبير “شخص آخر إذن هناك الكثير…”.
نظرت المرأة إلي بمزيج مفجع من التقدير والتفهم والقبول لدرجة أنني لم أستطع الإستمرار.
“لن نخرج من هذا يا طفلتي” قالت وقد جفت دموعها الآن “ولكن يمكنك… لا تحاولي تجربة أي شيء سخيف أفضل ألا أترك هذه الحياة وأنا أعلم أن يدي ملطخة بالدماء هل تفهمين؟”.
“أنا ساحرة أستطيع…” هززت رأسي بشدة وعضضت شفتي السفلية بقوة كافية لسحب الدم.
لم أرغب في الإعتراف بذلك حتى لنفسي لكنني علمت أنه لا يمكنني فعل أي شيء من أجلهم.
حاولت المرأة العجوز أن تنظر إلي بنظرة شرسة وحازمة لكنها لم تستطع وبدلاً من ذلك نظرت بعيدًا وإنحنت لتقبل زوجها على جبهته.
‘أنت حرة في إختيار طريقة موتك’ ترددت كلمات التنين في رأسي مصحوبة بطعم الدم.
الخطوات الجارية تقترب لذلك وقفت وأعطيتها إنحناءا صغيرًا بينما أستعد لمخاطبة المزيد من الناجين، تدمر سفح الجبل خلفي في موجة من المانا وقطعت شظية من الحجر الهواء بشدة لدرجة أنني شعرت بشعري يتحرك مع مرورها.
إهتززت وسقطت مرة أخرى لتضرب يدي الجريحة بقوة على الأرض.
أحد المغامرين وهو صبي هادئ أصغر مني ظهر للتو من بين جدار الغبار السميك وإنطلق بأقصى سرعة ممكنة في الطريق الخطر، عدد قليل من الآخرين خلفه حيث أدت قوة الإنفجار إلى رفع أجسادهم عن الأرض ومزقتهم الشظايا الحجرية إلى أشلاء.
حدقت في الجثث وأنفاسي تتسارع أكثر فأكثر ‘ماذا علي أن أفعل؟’.
مشت شخصية طفل صغير بينما تئن من الألم لذا ركضت إلى الأمام وإحتضنته بين ذراعي، وجهه المغطى بالغبار والدم إبتعد عن حضني حينما أردت أضغط على كتفه الذي قد يكون مخلوعًا، تحركت عيناه نحوي وتشابك حاجباه الرفيعان لكن تعبيره ظل خاليًا، بإمكاني التعرف على علامات الصدمة جيدًا بما فيه الكفاية لكن ذهني مشوش ومضطرب لذا إستدرت في دائرة بطيئة أبحث عن طريقة لمساعدة هذا الطفل، أمامنا عربة واسعة ومسطحة قد إنقلبت ما حجب رؤيتي للطريق وعندما إنفجرت قفزت بقوة لدرجة أنني كدت أترك الطفل ينزلق من يدي، شعرت بالذهول تمامًا لدرجة أنني بالكاد لاحظت ذلك الشخص وهو يصطدم بالعربة ويمر على بعد بضعة أقدام أمامي ليضرب بالأرض.
هزت الصدمة الجبل وتشقق الطريق تحت قدمي.
لاهثة ركضت وقفزت عبر الصخور المنزلقة والأوساخ باحثة عن أرض صلبة وللحظة ضاع كل صوت آخر تحت طن من الصخور التي تحطمت من سفح الجبل، لم أكن متأكدة مما يجب علي فعله لذا ألقيت بنفسي خلف عربة الزوجين المسنين التي ظلت على الطريق بأعجوبة، إنقلبت معدتي عندما إرتفع الشخص من الحفرة وحمل شفرة شريرة من الجليد الأسود في كل يد ما جعلني أتذكر أنه فارج الطيف الذي تشاجر مع بيرهاتا، إنسحقت الصخور خلفي فإستدرت نحو الأزوراس التي تتقدم ودرعها أمامها بينما يمتد الرمح الطويل إلى الأعلى.
“تحملت كل عناء الإختباء بين هذه المجموعة لمجرد خدشي؟” سأل التنين ولاحظت وجود جرح باهت أسفل عينها بالكاد يزيد عن خط أحمر مرسوم على بشرتها الشاحبة “إذا كنت أفضل من أدارته فرقة أغرونا طوال هذه السنوات فإنني أجد نفسي مندهشة من أن هذه الحرب لا تزال مستمرة”.
لم يكلف فارج نفسه عناء الرد لكنه طار في الهواء الطلق مبتعدًا عن الأرض الصلبة ولم تكن التنين منزعجة بالطبع حيث إرتفعت من بعده، ألقيت نظرة فاحصة على جرح وجهها ويبدو أن هناك خطأ ما في ذلك حيثىتوسعت مجسات خضراء إلى الخارج مما أدى إلى تغيير لون اللحم المحيط بها، تحركت بسرعة مفاجئة لدرجة أنني لم أتمكن من متابعتها ومضت عبر المساحة بينهما حيث إختفى رمحها الطويل في الهواء حين أطلقت عدة ضربات متشابكة، لم يحاول الطيف القتال بل تراجع وتهرب حتى تخطئ ضرباتها دائمًا وقد أثارت سرعة صراعهما ريحًا دفعت الغبار إلى الخلف، نظرت بعيني إلى حافة الغبار تحتهم ولا يوجد شيء سوى صورة ظلية لشخصية ثانية تنتظر متخفية، تألم الصبي بين ذراعي لذا إنكمشت وأمسكته بقوة بيننا إنتباهي منصب على القتال الذي يتكشف أمامي، يدت كل هجمات التنين أسرع من سابقتها وخطوط من الضوء الفضي تتبع كل حركة لتشكل أعمدة من الجليد الداكن لصد الضربات أو قطع زخمها.
بدا فارج متوترًا ووجهه مثل القناع من شدة التركيز…
حدثت هزة أخرى وبسبب الخوف أسرعت في طريقي بين الحطام ولم أجرؤ على النظر إلى الوراء لأرى ما إذا كان العجوزان ما زالا مستلقين في التراب بجانب عربتهم، تذبذبت رؤيتي وإحترقت مفاصلي مع كل حركة قمت بها بما أن وزن الصبي يزيد من الألم بدون ذكر أن جرحًا في جانبي ينزف بحرية، على الأقل ساعد الألم في يدي على تخفيف الألم الناتج عن بقية إصاباتي، قطع ظل هائل وهج الشمس المنتشر الذي أصبح ضبابيًا وبرتقاليًا بسبب الغبار المتصاعد من سفح الجبل.
شعاع من المانا النقي شق السماء بشكل ساطع جدًا لدرجة أنني إضطررت إلى التوقف والنظر بعيدًا.
بحلول الوقت الذي تمكنت فيه من البدء في التحرك مرة أخرى طار التنين الأسود بعيدًا مرة أخرى وخمسة أشكال تندفع حوله لتضربه التعويذات بتنسيق مثل الساعة، عربة تلو الأخرى تُركت فارغة ومهجورة مع بعض وحوش المانا الميتة والبعض الآخر تحرر وهرب حيث تناثرت عشرات الجثث في جميع أنحاء الدمار.
تحققت بسرعة من كل واحد منهم بحثًا عن أي ناجين ولكنني لم أجد سوى جثة تلو الأخرى.
“واحد فقط! واحد فقط!” تمتمت لنفسي وبحثي أصبح يائسًا أكثر فأكثر.
عندما عبر ظلي على وجه إمرأة مدرعة فتحت عينيها وحدقت بي.
شهقت لذا مددت يدي فقط لأتراجع عندما رأيت الوتد يبرز من جانب درعها وقد ضربها بقوة كافية لتحريف الفولاذ.
وضعت الطفل الصامت وأمسكت بالوتد.
“هذا سوف…” سحبت للأعلى غير متأكدة مما إذا كانت قوة يدي الجريحة ستكون كافية “يؤلمك!”.
شهقت المرأة من الألم مفاجئ لكن قطعة الخشب إنتزعت لذا رميتها جانبًا ثم إستحضرت تعويذة لتنظيف الجرح من الأوساخ والشظايا، بسحب الضمادات النظيفة من أداة البعد الخاصة بي بذلت قصارى جهدي لوقف النزيف بعدها تراجعت، بحلول ذلك الوقت بدأ الطفل يتألم وعلى الرغم من أن جسدي يصرخ إحتجاجًا إلا أنني قمت برفعه مرة أخرى.
تأوهت المرأة بينما تقف ثم إستحضرت حجرًا حول الجزء المتضرر من درعها “شكرًا لك”.
“بالطبع أنا سعيدة فقط…”.
سمع إنفجار صوتي مفاجئ في أذني اليمنى وتمايلت غير متوازنة بينما أطلق الطفل صرخة وجفلت المغامرة التي بجانبي لتمسك بالجرح المغطى بالصخر، بالنظر إلى الفراغ المغبر رأيت الأزوراس ذات الدرع الأبيض ويبدو أن عينيها الصفراء اللامعتين تخترقان الغبار مثل الأضواء الكاشفة أثناء بحثها عن الطيف الذي إختفى، فجأة جفلت التنين وضغط الجزء الخلفي من ذراعها الرمحية على الجرح الموجود على وجهها فقد أصبح الآن نصف أخضر بسبب التعفن الذي أصابها به الطيف.
في تلك اللحظة خرج فارج من الغبار وسقطت إحدى نصاله من يمينه لترتفع الأخرى من يساره.
لم يتم القبض على التنين على حين غرة وقطع رمحها في الهواء محطمًا أول نصل ثم نحتت عبر فارج من الكتف إلى القفص الصدري، إصطدمت أخيرًا بالشفرة الثانية التي إنفجرت لتشكل سحابة لامعة ومن رذاذ الدم ظهرت عشرات المسامير المعدنية السوداء بسرعة، إصطدمت معظمها بدرع التنين بشكل غير مؤذٍ وضربت إحداهن جانب خوذتها ومع ذلك إخترقت أخرى الجزء الداخلي من ذراعها التي تحمل الرمح، دفعتها للجانب الآخر ثم توسعت أكثر بحيث في غمضة عين تمزقت الذراع وأرسلت بشكل حلزوني مع رمحها إلى الأسفل في أعماق غير مرئية أدناه.
إبتعدت التنين عن الهجوم مكتسحة بدرعها مثل النصل لتطلق العنان لهلال من الضوء الأبيض الذي إنتشر في الغبار من حولها، سقطت على ركبتي وشد الصبي بقوة على صدري في الوقت المناسب تمامًا لتقطع التعويذة الهواء فوقي، قبل أن ترتطم بوجه الجرف وتنحت الحجر الصلب لتحوله إلى غبار مثل ثلج الشتاء الناعم، ضرب شيء ما بقوة الجزء الخلفي من رأسي ودار العالم من حولي حين كاد إنفجار الألم أن يحررني من خيط الوعي الذي أتعلق به، كل ما يمكنني فعله هو أن أرمش بينما أضغط على الجزء الخلفي من ذراعي وأتنفس بدل التقيؤ.
‘إبقي مستيقظة…’ فكرت ‘إبقي مستيقظة…’.
نظرت حولي بغموض ورأيت عربة قريبة لذا بدأت في جر الصبي وأنا على الأرض حتى إستلقيت تحتها.
عندما إستلقيت على ظهري والطفل يتأوه في ثنية مرفقي رأيت المرأة التي أنقذتها للتو.
إستلقت تقريبًا في المكان الذي كانت فيه عندما وجدتها لأول مرة وقد قطع جسدها إلى قسمين بسبب تعويذة الأزوراس.
حدقت فيها طويلاً غير قادرة على إستيعاب ما يجري حولي.
لفتت الحركة إنتباهي المليئ بالألم وشاهدت من خلال قضبان عجلة العربة بينما المرأة التنين الثانية ذات الدرع الأبيض تطير نحو الأخرى، تبدوان متطابقتين تقريبًا على الرغم من أن إحداهما الآن فقدت ذراعها ولها مجسات خضراء تنتشر من خدها المقطوع كما لو أن وجهها بالكامل مريض، على الرغم من أن قعقعة الجبل حذرتني من أن هذا الجزء من الطريق قد ينهار في أي لحظة إلا أنني لم أستطع أن أنظر بعيدًا عن الكائنات الإلهية.
عندما إتخذوا شكل البشر لا يزال هناك شيء آخر يتعلق بهم – يبدون متسامين.
تساءلت عما تحدثت عنه هذه الكائنات عندما رأيت شفاههم تتحرك لكن المسافة والضوضاء أكبر من أن أسمعها.
‘هل يتساءلون عن أي نوع من المخلوقات هم هؤلاء الأطياف وأنهم سيضحون بأنفسهم فقط من أجل الحصول على فرصة لإيذاءهم؟’ إبتلعت لعابي بشدة ‘كم تبلغ قيمة حياتي بالنسبة لكائنات مثل التنانين والأطياف؟ أو كم هي قليلة بالنسبة لهم؟’.
كنت أعلم أن الجواب ربما هو لا شيء لكن بالنسبة لي لم أستطع فهم قيمة الأرواح البشرية التي فقدت في تلك المعركة.
‘فقط… شخص آخر’.
عندما بدأ الرنين في رأسي يهدأ وتحول إلى نبض ثابت ولكن مؤلم سحبت جسدي المتألم من تحت العربة ووقفت.
إلتقطت الصبي بألم بمجرد أن تلاشت النجوم خلف عيني وقلت كما لو أتحدث مع نفسي بقدر ما أتحدث مع الطفل “سيكون كل شيء على ما يرام”.
وقف شخصان على حافة جزء منهار من الطريق يحدقان في الحفرة المليئة بالصخور التي كانت في السابق أرضًا صالحة للمرور، قفز كلاهما في خوف عندما سماعي أندفع خارجًا من تحت العربة وإلتفت الرجل موجه طرف سيفه نحوي.
“تدمر الطريق” قلت ولساني يشعر بالخدر.
هززت رأسي قليلاً الأمر الذي ندمت عليه على الفور عندما خرجت صاعقة من الألم من العقدة التي تنمو في الجزء الخلفي من جمجمتي.
“آسفة هذا واضح بعض الشيء أليس كذلك؟”.
“سيدة هيلستيا” قال الرجل وهو يخفض سيفه “بحق الهاوية الجميع….”.
“ليس هناك وقت” قاطعته مستيقظة عندما فكرت في جارود والمغامرة التي ساعدتها للتو فقط لرؤيتها
تقطع مرة أخرى “سيتعين عليك التسلق على طول الجرف هناك يجب أن تظل حافة الأرض هذه ثابتة ولكن… أمسك بالحائط أيضًا”.
سحبت المرأة صرة بين ذراعيها حتى صدرها فتلوت وأطلقت صرخة صغيرة حينهاأدركت أنها طفل تحمل طفلاً، خلف العائلة رأيت التنين الأسود يتجول عائداً بينما يطير فوق القمم العالية ولم يكن أي من الأطياف في الأفق، ألقيت نظرة سريعة على الصبي بين ذراعي وعيناه غير مركزتين بينما فمه مفتوح مع قليل من اللعاب يسيل محدقا بي بعصبية.
“إذا للأسفل”.
كافحت لتوجيه المانا عبر الضباب الذي لا يزال يعكر أفكاري وإضطررت إلى إنزال الطفل للتركيز، بعد لحظة تكثفت موجة من الهواء لتضرب العربة التي كنت مختبئة تحتها، إنقلبت العربة النصف مكسورة بالفعل عن محورها وإستقرت على حافة الطريق.
“إركبوا”.
“ماذا؟” سأل الرجل وقد شحب وجهه “لا يمكن سوف نسحق”.
إهتز الجبل مرة أخرى وفي الأعلى إنهارت القمة عندما إخترقتها تعويذة طائشة.
“لن يحدث ذلك ولكن إذا لم نخرج من هنا فقد ينهار هذا الجبل علينا جميعًا” دون إنتظار الرد ركعت بجانب العربة وسحبت الصبي معي بلطف.
بدون عجلاتها وحزامها تبدو وكأنها طوف صغير.
بالتركيز على النقطة التي إنهار فيها الطريق شعرت بالمانا الجوية البعيدة المحاصرة داخل الحجر بحيث لم يكن هناك ما يكفي في حد ذاته ولكن بمساعدة مشعوذ بسمة الماء… ببطء في البداية ثم بشكل أسرع بدأ الماء يتدفق من شقوق الحجر حتى إنفتح مُطلقًا فيضانًا يجري أسفل المنحدر الحاد الناتج عن إنزلاق الصخور مثل نهر متدفق.
إلتفت نتوءات تشبه المجسات من الماء حول العربة.
نظرت إلى عين المرأة ثم نظرت بوضوح إلى الحزمة المتلوية بين ذراعيها “يمكنني التحكم في التدفق حتى تصل إلى مكان آمن بالأسفل ولكن فقط إذا ذهبنا الآن”.
حدقت في طفلها لبضع ثوان طويلة جداً ووجهها شاحب كالموت ثم خطت خطوة نحو العربة المكسورة.
أمسك الرجل بذراعها لكنها إنحنت إلى الأمام وأسندت رأسها إلى صدره “ما هو الخيار الآخر لدينا؟”.
حدق في وجهي بأعين خام محتقنة بالدماء “من فضلك… لا تدعينا نموت… لا تدع طفلنا…” .
أومأت برأسي وكل تركيزي على كمية المياه الهائلة التي أحاول السيطرة عليها.
أخيرًا صعد الزوجان إلى العربة وجلسا على الأرض بين المقعدين وذراعيهما حول بعضهما البعض وحمولتهما الثمينة.
“أريدك أن تعتني بهذا الصغير” قلت بينما أرفع الصبي بذراعي السليمة حيث إمتدت يدي المدمرة أمامي للمساعدة في تركيز التعويذة.
صرخ الصبي عندما وضعته في العربة وعلى الرغم من خوفه سحب الرجل الصبي بالقرب منه ولف ذراعيه حولهم جميعًا.
“سيكون الأمر على ما يرام” أكدت للطفل عندما بدأ في البكاء وتلوى بين ذراعي الرجل “أنا آسفة لأنني لم أخبرك من قبل ولكن أنا ليليا وسأخرجك من هنا بسلام حسنًا؟”.
ظل الصبي مصدومًا جدًا لدرجة أنه لم يتمكن من إستيعاب ما كنت أقوله لكن الرجل فهم.
“شكرا لك ليليا”.
قامت الأذرع المائية بسحب العربة إلى الشلال الصغير ودفعت الماء حتى يسحب العربة إلى داخله ويبقيها في المنتصف لكي يمنعها من الغرق، ومع ذلك ظل التدفق سريعًا حيث إنطلقت العربة بسرعة مفاجئة لدرجة أن المرأة أطلقت صرخة قصيرة وحادة، تمايلت العربة وإلتقطت الهواء لتنحرف عن مسارها لكنني أبقيتها في مكانها بفضل تدفق المياه نفسها، تم حمل الطوافة المؤقتة بسرعة ولكن تم التحكم فيها حتى وصلت أسفل المنحدر الحاد، في لحظة إختفوا وسط الغبار الذي أصبح كثيفًا للغاية الآن لدرجة أنني لم أستطع رؤية مسافة تزيد عن 30 قدمًا أسفل سفح الجبل.
إندلعت المعركة التي هدأت لبضع لحظات مرة أخرى في موجة من النار السوداء التي حلقت عبر السماء أعلاه، لم أتمكن من التأكد من مصدرها أو من هو الهدف وبعد لحظة هناك وميض مضاد إجتاح التنين الأسود من العدم، أطلق العنان لأنفاس قاتلة من النيران الفضية حيث رقص النور والظلام ضد بعضهما البعض وإبتلعا السماء.
أغمضت عيني ووضعت كل ذهني وطاقتي في الماء نفسه لأشعر بمساره مبقية الطوافة فيه وفي مكان ما أدناه أثرت كرة نارية على سفح الجبل، شعرت بتدفق النهر عندما إنجرفت صرخات الزوجين خارج الوادي لكنني سحبت الطوافة بقوة إلى الماء، بعد بضع ثوان بدأ الماء يتباطأ وينتشر تلك أقصى قوتي وبلهاث أطلقت التعويذة على الفور حين تباطأ النهر إلى حد كبير، أصبحت بشرتي دافئة ورغم أني مغمضة العينين أدرت وجهي نحو السماء وشعرت كأن شمس منتصف الصيف تشرق عليّ.
“فقط ساعدي… شخصًا آخر” آملًا أن تكون العائلة قد نجحت لأن هذا الأمل كل ما أملك.
رمشت بعينين مفتوحتين لم تكن السماء سوى نار ودفعت الحرارة بعض الغبار إلى الخلف كما أن الكرات النارية تمطر في كل أعلى وأسفل خط العربات، تساقطت الصخور وسحبت معها مساحات كاملة من الطريق حيث الهواء ساخن للغاية وشعرت كما لو أن رئتي تحترقان، إمتد سقف النار وأفسح المجال من المركز إلى الخارج حيث تفككت ألسنة اللهب ثم تطايرت وتفككت حتى سقط شكل بشري مظلم، من مسافة بعيدة عرفت أنه من الأطياف على الرغم من أنني لم أتمكن من التأكد من هويته، تبع ذلك رأس التنين الأسود الضخم الذي ظهر من مركز الدوامة المحتضرة كما لو أنه بوابة إلى الهاوية.
إنفتح الفكان على نطاق واسع وإختفى الطيف معهم.
سمعت صوت مضغه من حيث ركعت وفجأة إعتدل الهواء وأرسلت موجة من الرياح الجليدية سحابة هائلة من الغبار فوق غابات المستنقعات الكثيفة التي نمت على طول قاعدة الجبال الكبرى في سابين.
مع إختفاء اللهب والغبار أصبح النطاق الكامل للمعركة مرئيًا بالنسبة لي.
بقي التنينان الأبيضان في أشكالهما البشرية.
إستخدمت الأزوراس المصابة درعها للدفاع عن توأمها التي ركزت على إرسال هجمات فضية لامعة على الأطياف التي تستفزها.
تم رصد كلاهما الآن مع تغير اللون الأخضر.
لا يزال ثلاثة أطياف آخرين يحتشدون ضد التنين الأسود وكل واحد منهم يهاجم بالتنسيق مع الآخرين مع إبقاء إنتباه التنين منقسمًا بينهم في جميع الأوقات، طار التنين الأسود على إرتفاع منخفض مائلًا بحيث ظهره وأجنحته في مواجهتي ورأيت للمرة الأولى شبكة من الأوردة الخضراء الداكنة التي تمتد عبر الحراشف السوداء، إعتقدت أن شيئًا ما قد سمم التنانين ومع ذلك فقد ظلوا على قيد الحياة بينما مات ثلاثة من الأطياف.
كنت منهكة وضعيفة للغاية ولم أستطع أن أشعر بأي راحة في هذه الفكرة.
نظرت حولي وأخذت أتأمل حطام الجبل مرة أخرى وأشعر بقعقعة الإنهيارات الصخرية مدركة أنها حرب إستنزاف، لا يستطيع الأطياف التغلب على التنانين لكن إذا ضحوا بالقليل من أنفسهم لتوجيه ضربة مسمومة فيمكنهم الحفاظ على مسافة بينهم حتى تصبح التنانين أضعف من أن تتمكن من القضاء عليهم.
‘ولم تقترب التنانين من العثور على هذا السيادي الذي يبحثون عنه…’.
راقبت التنين الأسود عن كثب ورأيت كيف يتمايل عندما ينحني بقوة ويصطدم بشخصية الطيف وكيف عندما أخطأ لهب أنفاسه الفضية يومض بشكل أقل سطوعًا أثناء مطاردة هدفه في الهواء.
“فقط واحد أخر…” تمتمت وبدأت قدمي تتحرك ببطء مرة أخرى عندما أخذوني إلى أعلى الطريق.
إضطررت إلى التنقل حول منطقة أخرى وكدت أن أتعثر بجسدي المنبطح، عندما إنحنيت رأيت وجه إمرأة شابة لم أقابلها إلا لفترة وجيزة بحيث لم يكن هناك أي علامة على التنفس في جسدها، مع المضي قدمًا وجدت جثة أخرى ثم عدة جثث أخرى ووصلت إلى مكان حيث هناك دائرة من المسامير الحديدية السوداء برزت من الأرض… تم تعليق المزيد من الجثث عليهم.
توقفت وشعرت بالدوار للحظات حتى عادت نظرتي إلى السماء.
تحطمت تعويذة تلو الأخرى على حراشف التنين الأسود بينما يطارد الأطياف وأطلق العنان لأنفاسه المميتة على فترات.
يبدو أن التوأمين من الأزوراس يتجادلان لكن بينما أشاهدهما إنفصلا فجأة.
إبتعدت الأزوراس الجريحة عن الآخرى وطارت نحو المكان الذي وقفت فيه، في الوقت نفسه إندفعت توأمها نحو بيرهاتا والرمح الطويل يتخرك بسرعة غير واضحة.
إنفجر شعاع من المانا النقي من رأس الرمح ونحت بالقرب من قرون بيرهاتا.
إنفصل أحد الأطياف وتبع التنين الجريحة مع إعصار مظلم يهب حوله ومنه أطلق هجمات تلو الآخرى من المانا الرمادية، كل واحدة منهم تقذف ظهر الأزوراس بتعويذة منخفضة حينها إستدارت لمواجهته وصدت الهجمات القليلة الأخيرة بدرعها.
إزداد الإعصار ومع ذلك تدفقت منه المزيد والمزيد من الهجمات… العشرات في المرة الواحدة.
من خلال هالة السحر التي تصطدم بها الآن من كل إتجاه رأيت التنين ترفع درعها الذي توهج بشكل مشرق، أصبح أكثر سطوعًا مع كل هجوم يصده وشعرت فجأة بسكين الذعر في أضلعي فسقطت على الأرض وأغمضت عيني لأحمي رأسي.
ومع ذلك فإن الوميض الذي أعقب ذلك كاد أن يعميني ويحرق جفني.
عندما ألقيت نظرة خاطفة من تحت مرفقي رأيت للتو أن تعويذة الطيف قد تم صدها حيث تمزق الإعصار نفسه بينما إنسكبت المانا بعيدًا في كل إتجاه.
ترنح الطيف وإندفعت الأزوراس إلى الأمام.
شكلت المانا ذراعًا فضية متلألئة بهدوء حيث أصبح طرفها المفقود قبضة مستحضرة إلتفت حول حلق الطيف المذهول لينفجر في شكل دماء حمراء، دارت وألقت الطيف مرة أخرى على المنحدرات ليتسبب جسده في حفر الحجر مع المزيد من الإنهيارات على طول الطريق، تم توجيه شعاع من الضوء الأبيض عبر الدرع وإنسكب في الحفرة بعد الطيف حتى تم القضاء على كل تلميح لتوقيع المانا المتبقي الخاص به، في الأعلى تراجع بقية الأطياف لإعادة تجميع صفوفهم مما سمح للأزوراس المصابة للسقوط إلى الطريق حيث إنهارت على ركبتيها، بدت توأمها والتنين الأسود راضيين عن مشاهدة الأطياف من مسافة بعيدة وينتظرونهم أيضًا.
غير متأكدة وقفت وإقتربت من الأزوراس لأن في مكان ما أمامنا هناك سمعت شخص يصرخ… إعتقدت أنه لا يزال هناك ناجون ولا توجد مشاعر معينة تظهر في طليعة ذهني المرهق.
“أنت لم تختاري طريقة موتك بعد” قالت الأزوراس بصوت بحذر “أنا… معجبة تقريبًا”.
“لم يختر أحد هنا الموت” قلت من خلال أسناني المطبقة وشفتاي تعودان إلى التكشيرة “إن قول خلاف ذلك هو إهانة لجميع أولئك الذين نجوا من الحرب الجهنمية ليصبحوا أضرارًا جانبية هنا اليوم” عضضت لساني وأخذت نفسًا عميقًا لتثبيت نفسي قبل المتابعة “هل يستحق؟ هل وجدت حتى ما تريدينه؟”.
أطلقت التنين أنينًا مؤلمًا وأجبرت نفسها على الوقوف حيث بدت أطول مني برأس كامل وعيونها الصفراء الزاهية تحترقان حتى أعماقي عندما نظرت إليّ.
“إن مصير العوالم يفوق حياة بضع مئات من الأشخاص الأدنى…” أمالت رأسها وإستدارت لتنظر غربًا فوق المنحدر الحاد إلى حيث رفاقها يحومون بيننا وبين الأطياف “أو حتى 3 تنانين”.
–+–
– ترجمة : Ozy
مدعوم من قبل: Youssef Ahmed