البداية بعد النهاية - 452 - تغييرات 1
“من فضلك؟”.
ظلت سيريس متحجرة عندما صدمها أولوداري بوجهه المتوسل.
بدا الأمر وكأنه كابوس بحيث لم يكن هناك أي جزء من الواقع يتناسب بشكل صحيح مع ما أراه.
“لدي الكثير من العمل الذي لم أنجزه…” إنتحب أولوداري وأصابعه العنكبوتية تشد رداء سيريس “هناك طبقات وطبقات في العالم تنتظر فقط أن يتم تقشيرها واحدة تلو الأخرى ولكن ليس إذا رحلت، يظن أغرونا أنه الوحيد الذي يعرف لكنني رأيت الظلال وشعرت بإرتفاع التوتر السطحي لفقاعة جاهزة للإنفجار…”.
إختنق السيادي من أنينه وبدأ في السعال مرتجفا من كتفيه وعندما مرت النوبة تدلى مثل نبات يذبل، رمشت سيريس كما لو تستيقظ من نوم عميق ونظرت حولها إلى الحشد المتجمد ثم إلى سيلريت وأخيراً إليّ، لنصف ثانية ظهر سؤال في عينيها لم يكن لدي أي فكرة عن كيفية الإجابة عليه.
‘ماذا أفعل؟’ بقيت عيناها تتساءلان حتى عندما قابلت عيني وتصلبت تعابير وجهها لتتحول إلى تصميم حين توصلت إلى إجابة من إبتكارها.
“إهدأ أيها السيادي” ببطء ضغطت سيريس بيدها على خد أولوداري.
فجأة أمسك أولوداري رداء سيريس وسحبها إلى الأسفل بضع بوصات “ساعديني! التنانين! الرمح! أنت!… أنت تعرفينهم! لقد أحبطته من قبل رغم أنني لا أفهم كيف ولكن يمكنك! أنا آمرك أن تفعلي ذلك مرة أخرى! هكذا… وكذلك الحال مع الرمح… نعم خذيني إليه… إلى أرثر ليوين”.
تحررت سيريس من قبضته ثم صفعته بقوة تدوي مثل صوت الرعد على وجهه.
إنحرف رأس السيادي إلى الجانب وتوقفت دمائه بشكل حاد.
“كيف تجرؤين أنا….أنا…”.
“إجمع شتات نفسك” قالت سيريس وبدت أكثر سيطرة على نفسها الآن.
مدت يدها فأخذها أولوداري وسمح لنفسه بأن يُسحب ليقف على قدميه.
إنكسر سحر الحشد وبدأ معظمهم في الإسراع بعيدًا والإختفاء في القرية، إتجه أودون نحو أخيه لمساعدته على النهوض وإزالة الأوساخ عن ملابسه لكن إدير دفعه بعيدًا مسرعًا نحو أحد المزارعين الآخرين، ذلك المزارع مثل البقية منبطح وغير متحرك حينها شعرت بتلاشي توقيعات المانا الخاصة بهم حيث ماتوا جميعًا.
نظرت بعيدًا غاضبة ومحبطة لكن لم أكن متأكدة من كيفية توجيه مشاعري.
‘إهمال الأزوراس…’.
بقي عدد قليل من الناس يقتربون ببطء وأنظارهم الحماسية مثبتة على السيادي غافلين على ما يبدو عن حالته الحزينة الحالية.
“السيادي يرجى أن تغفر لنا…”.
“خذنا إلى المنزل…”.
“فعلنا ما يجب علينا للبقاء على قيد الحياة أيها السيادي!”.
حرك سيليريت يده في الهواء لتسكت المناشدات المتناثرة ويتراجع الناس بإستثناء لارس إيزنهارت الذي إندفع نحو السيادي، إتسعت عيون أولوداري وخرجت منه المانا ما جعله يرفع إيزنهارت من الأرض ويرسله مدفوعا مرة أخرى إلى الحشد مما أدى إلى سقوط إثنين آخرين، كان ذلك كافيًا لكسر نشوتهم أخيرًا وتدافعوا عمليًا فوق بعضهم البعض للهروب تاركين لارس يئن على الأرض، سارع كوربيت وإيكتور وإمرأة تعرفت عليها كواحدة من جنود لارس إلى جانبه.
“نحن بحاجة لنقل السيادي إلى مكان أكثر أمانا… للجميع” نظرت سيريس إليه قبل أن يتجه تركيزها خلفي نحو مسافة بعيدة.
إلتفت لأنظر وقد برد دمي ففي الأفق قطعت الجبال الكبرى بقايا إيلينوار ومساحات غابة الوحوش عن بقية ديكاثين، منذ لحظات فقط غطيت القمم بالثلوج وسط ضباب أبيض كثيف أما الآن فهناك سحابة سوداء منخفضة تتحرك فوق الجبال، بقيت أشاهدها تنزل إلى أسفل المنحدرات وتتدفق إلى الأراضي المسطحة بالأسفل ثم تندفع نحونا بسرعة كبيرة.
“لا” صرخ أولوداري “لا لا لا… هو يعرف… لقد وجدني” أمسك أولوداري بيد سيريس وضغط عليها بقوة لدرجة أنها جفلت.
“الأطياف…” تنهدت سيريس ثم تحررت من السيادي قبل أن تتخذ بضع خطوات لتقف بجواري ويداها مشدودتين بقبضات بيضاء على جانبيها.
شدت أعصابي المتوترة لذا تحركت كما لو كنت في حلم مبتعدة عن السحابة، إجتاح نظري القرية المذعورة متأملة كل الأشخاص الذين عملت بجد لحمايتهم ومساعدتهم على الإزدهار بعد الحرب، الأشخاص الذين كنت أعتبرهم أصدقائي وحتى عائلتي إذا إستخدمنا الكلمات الديكاثينية فهم أفضل من “دمائي”.
من بينهم أولئك الذين عاشوا هذه الأشهر الأخيرة في الأراضي القاحلة وقاموا ببناء المنازل هنا وتعلموا مهارات جديدة ووضعوا سحرهم الذي إكتسبوه بشق الأنفس في العمل كمزارعين وصيادين وحرفيين بدلاً من جنود قتلة، أشخاص مثل الأخوين بلاينرانر وبالدور فاسيري أو الأطفال الذين يتجمعون الآن حول فتاة الجليد ذات الشعر الذهبي الخائفة.
نظرت إلى سيث الذي لا يزال مستلقيًا على الأرض عند قدمي ونظارته مائلة، مثل أي شخص آخر هنا لن يصبح سوى سماد لإطعام الأراضي القاحلة الرمادية إذا وقع في معركة بين عشيرة فريترا ومجموعة قتالية من الأطياف، لم يكن هناك ما يمكنني فعله لإيقافهم رغم أنني أمتلك قوة وسحرًا لا يصدق إلا أنني لست مصدر تهديد لهذه الكائنات…
“ليرا!”.
قطع الصراخ بإسمي تشتت ذهني وإرتعشت بشكل متقطع.
أمسكت سيريس بذراعي وسحبتني لمواجهتها “ليرا إبحثي عن هدوئك وشجاعتك وتخلصي من الباقي فلن يساعدك ذلك الآن”.
حدقت في عينيها متسائلة – ليس للمرة الأولى – من أين تأتي بهذه القوة الداخلية؟.
لم أكن أعرف المنجل سيريس فريترا جيدًا قبل الحرب رغم ترشيحي في زمن الحرب لمنصب الخادم إلا أنني لم أكن مغهم قبل إرسالي إلى ديكاثين، أثبت براعتي في جعل الديكاثيين ينضمون إلى صفنا بأقل قدر من إراقة الدماء وذلك توافق مع أهداف أغرونا للقارة، خلال هذين اليومين من العمل جنبًا إلى جنب مع سيريس شعرت بآلام الغيرة المتكررة من العلاقة بينها وبين سيلريت، منجلي كاديل بارد وعنيف وفي غضون يومين أحسست وكأنني أعرف عن سيريس أكثر مما عرفته من قبل عن كاديل، علاقتي به مسألة ضرورة عسكرية لا أكثر على الرغم من أنني طمحت بحماقة إلى قوته والسلطة التي يسمح بها السيادي الأعلى لله لقيام بعمله، فعلت كما قالت سيريس ووضعت هذه الأفكار حول نفسي مثل بطانية ثقيلة لطفلة تسحب لحافها لأعلى فوق رأسها للاختباء من وحوش المانا تحت السرير…
نجح الأمر وشعرت بالهدوء ربما لم تكن سيريس المنجل خاصتي – لم تعد منجلًا بعد الآن – لكنها ألهمتني بالفعل، إنها مرشدة أفضل من كاديل أو أي معلم أو مدرب آخر حصلت عليه أثناء صعودي عبر مراتب السلطة.
لم يكن هناك وقت لفعل أي شيء آخر قبل وصول الأطياف.
إنقسمت السحابة إلى أربعة أشكال مختلفة وهطلت علينا عدة تعاويذ في وقت واحد موجهة نحو أولوداري.
إستخدمت حاجزًا من رياح الفراغ لصد هجمة من النار السوداء التي من المقرر أن تلحق الأضرار الجانبية ليس فقط بسيريس وسيلريت وأنا بل أيضًا بعشرات الألكربان الآخرين الذين ما زالوا يحاولون الهروب.
أكلت نار الروح الخاصة بالأطياف نسيج درعي ولكن ظهر حاجز ثانٍ بداخله وثالث معيدا توجيه نار الروح فوقنا دون ضرر قبل أن تمتد عبر ثلاثة منازل مبنية حديثًا وتبتلعها على الفور.
بينما كنا نكافح ضد النيران ومضت صاعقتان من البرق وضربت إحداهما الأرض وسط الحشد الهارب مرسلة رذاذًا من الرماد الداكن حيث ألقت بأقرب الأشخاص إلى الأرض بما في ذلك كوربيت وإيكتور.
ضربت الآخرى أولوداري بشكل مباشر لكنها إنحرفت بفضل حاجز المانا الخاص به قبل أن تصطدم بشجرة بعيدة وتقسمها إلى قسمين متسببة في إحتراق الأوراق الجافة مثل العديد من الشموع الصغيرة.
ضجيج الخشب المتطاير وألسنة اللهب لا يزال يرن في أذني، شعرت بتدفق المانا من الأسفل حينها تحركت سيريس وسيلريت بالفعل وحلقا في الهواء مستحضرين الدروع فوق المارة الصارخين، أمسكت بسيث وسحبته في الهواء بينما الأرض حول أولوداري ترتفع للأعلى، خرجت مجموعة من رماح الدم الحديدية من الأرض بينما الأطياف تضربه من كل إتجاه في وقت واحد، أحكم أولوداري قبضتيه حين أصابه رمح الدم وأطلق صرخة تصم الآذان بينما وجهه مشدودًا بالذعر واليأس ونيته تتدفق عبر القرية مثل الإعصار.
ظهر ظل بيننا ولمعت الشمس على شفرات منحوتة متجهة نحو السيادي لتطعن يده الممسكة بالسيف بحركة واحدة، تحركت يده النازفة مطلقة هلالًا واسعًا من نار الروح التي بالكاد أخطأتني وسيث لكن الطيف إختفى بالفعل مرة أخرى، حل الهدوء بينما يحدق أولوداري في السماء حيث حاصر الأطياف الأربعة القرية من مسافة بعيدة ونية القتل منهم تقترب منا مثل أربعة نيران مشتعلة، لعن السيادي بينما يفتح يده ويغلقها تاركََا الدم يتسرب من الجرح الصغير الذي أصابه.
أدت المنطقة الخضراء المصابة إلى تغيير اللون حول الجرح إلى شاحب.
“سم” همست لنفسي.
زمجر أولوداري متفحصا محيطه بسرعة بحثًا عن مخرج وقد صار سلوكه متصلبًا حين تم دفع الخوف جانبًا بسبب إرادة القتال، متجهماً أطلق النار على السماء ثم إستطال جسده وإرتفعت المانا حيث ظهر الوحش المختبئ داخل الشكل البشري، بدا أكبر حجمًا إلى حد ما من ذي قبل ورفرفت جناحيه شرسة للغاية لدرجة أنه أفقدني توازني بينما زئيره الصارخ كاف لإيقاف أنفاسي.
ضرب ذيله مثل سوط عملاق في الطيف تحته بينما يفتح فكاه ويغلقهما على بعد مسافة قصيرة من شكل متراجع في السماء، جاء الطيف الثالث من الجانب مستغلًا إلهاء أولوداري ليهبط على ظهر البازيليسك مع شفرات مزدوجة من الجليد الأسود اللامع في يديه، لمعت أشعة الشمس الأخيرة على الحواف حين قطع قاعدة الجناح الضخم محطما الجليد مثل الزجاج وجعل البازيليسك يزأر ويدور في الهواء.
أدى هذا الفعل إلى تحليق الطيف بعيدًا بينما تتساقط قطرات من الدم الداكن على المعسكر بالأسفل، تحرك أولوداري وزمجر حين ظهرت شبكة سوداء في الهواء أمامه مباشرة مع خيوط رقيقة من حديد الدم مثبتة على نقاط من الظل المكثف، حاول البازيليسك الإبتعاد ولكن بعد فوات الأوان حيث إصطدم بأقصى سرعة بالشبكة، قادته كتلته إلى داخل المكان مما أدى إلى تحطم هيكله ولكن حتى من الأسفل بإمكاني رؤية شبكة من الجروح الرقيقة الدموية التي تركت في جميع أنحاء وجهه وجسمه الأفعواني، علقت شبكة حديد الدم في أجنحة أولوداري وفكه وإنتشرت ذهابًا وإيابًا مع كل حركة لتقطع بشكل أعمق، تقاربت عشرات من صواعق البرق على المعدن مما أدى إلى إصابة جسد أولوداري المتحول بالتشنجات، تسارع البرق على طول المعدن ووصل إلى مئات الجروح الصغيرة لتعمل التعويذتان معًا متجاوزتين طبقة المانا الواقية للسيادي، إنتشرت المزيد من المجسات الخضراء على جروح جناحيه وتكثف الجليد ليثقله ويسحب السيادي إلى الأسفل.
إشتعلت النيران في الدم الذي يغطي الجروح وأحرق لهيب الروح حديد الدم والجليد الأسود مغلقا إياها، في كل مكان على الأرض سقطت قطرة من الدم الملتهب وأشعلت النار في كل شيء قريب إلا أن ظهر ضباب أسود فوق الحشد، تحرك بسرعة لإمتصاص أكبر قدر ممكن من الدم المشتعل حيث أبطل سحر سيريس تأثيره قبل أن ينتشر أكثر.
ومع ذلك نصف القرية مشتعلة بالفعل بينما الشوارع الآن مليئة بالناس الهاربين الذين يسيرون في كل إتجاه بسبب إرتباكهم، بلا قيادة وبلا دفة تُرك كل منهم ليدافع عن نفسه رغم الصراخ بأوامر متناقضة بعشرات الأصوات المتباينة، صرخ النبلاء العاجزين على حراسهم ومرافقيهم وبسبب ذلك من السهل تمييز الجرحى والمحتضرين بينما نيران روح فريترا تسري في دمائهم، القائدة الوحيدة التي تستحق المدح هي فتاة فروست التي أخذت مجموعة الأطفال تحت رعايتها وقادتهم نحو غابة الوحوش بعيدًا عن المعركة.
بعد أن تحررت من الإنبهار الذي شعرت به أثناء مشاهدة معركة السيادي مع هؤلاء الأطياف ضربت التربة الجافة والصلبة بالأسفل بموجة من الإهتزازات الصوتية، سحبت الأرض في الوقت نفسه عندما أصبحت تلين وتحرك الرماد مثل السائل تحت قوتي ملقيا التراب الرمادي فوق أكبر عدد ممكن من النيران، دفنت منازل بأكملها أين لم أتمكن من الشعور بأي توقيعات مانا أما في الأعلى فأحاط أولوداري بأحد الأطياف، فتح فكيه ليطلق العنان لسيل من النيران السوداء لكن الطيف حلق فوق النار ثم دار وسقط على رأس البازيليسك المسرع، إستحضر عشرات السكاكين من الجليد الداكن من حوله وأولئك الذين لم يضربوا أولوداري ضربوا تعويذة سيريس، معظمهم يذوب دون ضرر ولكن ما زال هناك ما يكفي منهم لإختراق وتدمير المباني والأشخاص الموجودين تحتهم، لم يكن بوسعي فعل أي شيء سوى مشاهدة الجثث تتساقط على الأرض بينما الدماء تسيل بحرية من الثقوب التي إخترقها.
صرخ أولوداري ورقبته الطويلة ورأسه ملتويين بشكل عشوائي بينما إستمرت نيران الروح في الإنسكاب من فكيه، في الأسفل إشتعلت النيران في منزل آخر وأرسلت الرياح التي أثارتها المعركة شرارات تنجرف على طول الطريق إلى غابة الوحوش، إستطعت بالفعل رؤية خطوط صغيرة من الدخان تتصاعد من الغابة الكثيفة، حدث كل شيء بسرعة كبيرة لأن الناس ما زالوا يلتقطون أنفسهم من ضربة البرق الأولية ومن بعيد رأيت إيكتور يتجنب السقوط في حفرة، ضغط يده على أذنه وبعينان غير مركزتين – كما لو أشاهده بالحركة البطيئة تقريبًا – إرتفع عن الأرض بسبب شظية من حديد الدم التي إخترقت صدره، سقط جسده على الأرض وعندما هبط عرفت أنه مات حينها أصبحت وجوه الناس غير واضحة وضاعت التفاصيل بين الدخان والظلال، أصيب شخص آخر بهجمة من النيران السوداء وإختنق بسبب إحتراق الأكسجين في رئتيه.
رأيت على أطراف المعسكر شخصيات صغيرة تتحرك في الفراغ الرمادي المسطح لذا إستخدمت عاصفة من الرياح لدفع ألسنة اللهب مما أتاح لهم الوقت لسحب أنفسهم بعيدًا عنها، بحثت عن سيريس خلال الفوضى على أمل العثور على بعض التوجيه ولكن ما رأيته بدلاً من ذلك لف قبضة جليدية حول قلبي النابض بشكل محموم، حمل سيلريت سيريس لأعلى وذراعه حول خصرها بينما تستمر في توجيه تعويذات الفراغ وإحدى ذراعيها ملفوفة حول رقبته، أما الأخرى فتوجه الضباب مثل قائد أوركسترا وتمتص وتفك أكبر عدد ممكن من الهجمات الضالة قدر إستطاعتها، وصلت إلى ديكاثين وقد أضعفتها ثورتها الطويلة في المقابر الأثرية ورغم أنني أعرف ذلك إلا أنني لم أفهم الأمر حقًا حتى رأيته الآن، لم تظهر الحقيقة لأي شخص وحافظت على الوجه الذي قدمته للعالم – رزينة وقادرة – لكن التدريب على إظهار ملامح القوة لم يصحح النواة المرهقة، إستهلكت تقنية رياح الفراغ الخاصة بها قدرًا كبيرًا من المانا لتوجيهها لدرجة أنها وضعت نفسها بالفعل على حافة رد الفعل العنيف.
المعركة بدأت للتو وفي تلك اللحظة فهمت حقًا حقيقة وضعنا.
إن أولوداري قوي – أزوراس كامل الدم – لكنه ليس محاربًا وبالفعل أستطيع أن أشعر أن قوته تضعف ويأسه يتزايد، المجسات الخضراء المصابة التي غيرت لون حراشفه السوداء تشع بمانا مزعجة جعلت معدتي مضطربة، أعلم أنه لا بد أن يكون نوعًا من السم وربما تم صنعه خصيصًا لهذا الغرض ومن الواضح أن الأطياف سيفعلون ما تم تدريبهم عليه، عندما هاجم أولوداري إثنين أو ثلاثة في وقت واحد ظل الرابع قادرًا دائمًا على توجيه ضربة ضد السيادي، تم دمج هجومهم ودفاعهم معًا مثل فرقة موسيقية ساحرة مما أمكنهم من التعامل مع الضرر والموت، لم يكن من الممكن أن يفوز أولوداري سيقتلونه ولم يكن هناك ما يمكننا فعله لمنعه ثم سينقلبون علينا.
خطرت في ذهني فكرة محمومة للتواصل مع أرثر طلبًا للمساعدة لكنني أعلم أن ذلك غير ممكن فهو بعيد في إتيستين ولم يكن لدي أي وسيلة ل…
“سيريس!” بينما لا أزال ممسكة بـ “سيث” بجانبي طرت نحوها متفادية رمح أسود إنحرف عبر الهواء من الأعلى “أين إعوجاج تيمبوس …”.
سحبت بروشًا من رداءها وألقته لي لذا قمت على الفور بغمره بالمانا وإستشعار محتوياته، من بين مجموعة متنوعة من الإمدادات والعتاد هناك إعوجاج تيميوس، قمت بسحبه وسقطت على الأرض مطلقة سيث ميلفيو الذي يلهث حتى أتمكن من التركيز على القطعة الأثرية، إنه قوي وقادر على الوصول من قارة إلى أخرى لن يكون هناك أي مشكلة في إيصالي إلى القصر في إتيستين حيث علي فقط أن أجد أرثر.
‘كم من الوقت سوف يستغرق؟ دقيقة؟ إثنين؟ عشرة؟هل سيكون أحد هنا على قيد الحياة بحلول الوقت الذي…’.
عندما قامت المانا الخاصة بي بتنشيط ومعاينة إعوجاج تيمبوس ظهر ظل أمامي مما ألقى بالقطعة الأثرية في ظلام أعمق من غطاء الدخان الذي وفره بالفعل، لم يكن لدي سوى دقة قلب واحدة لأفكر في الوجه الضيق الشاحب الذي يشبه الفأس أمامي قبل أن يهاجمني بركلة أمامية على صدري، تشوه الهواء بيننا بخطوط سوداء من الإهتزازات الصوتية التي تموجت بشكل واضح للحظة قبل أن يضربني ويحطم دفاعاتي.
إبتعد العالم عني – أو إبتعدت عنه – وبدا أن الفضاء يمتد في لحظة حتى إرتطمت بقوة على الأرض وسقطت مثل الدمية، ظلت نواتي تؤلمني من قوة التأثير حينها إستخدمت بشكل غريزي المانا الخاصة بي ممسكة بالأرض ثم سحبتها للأعلى كحاجز لوقف تدحرجي الجامح، قبل أن أتمكن حتى من إستيعاب ما حدث عدت للوقوف على قدمي وحلقت بإتجاه إعوجاج تيمبوس والطيف الذي يقف أمامه، رفع إصبع السبابة بيده اليمنى وهزه ذهابًا وإيابًا كما لو أنه يوبخ طفلًا شقيًا ثم قطعت شفراته السوداء من الجليد المستحضر إلى الأسفل ومرت خلال إعوجاج تيمبوس بسهولة، على بعد قدمين فقط وقف سيث مشلولًا لكن لم يكن متجمدًا بل يتحرك ويلقي موجها المانا إلى رونيته، إنسكب الضوء الأزرق من الصبي مما أدى إلى خلق حاجز سحري قوي يمتد بضعة أقدام في كل إتجاه من نواته.
‘درع الشعار؟ لكن ذلك لا يبدو صحيحا…’.
إصطدم الحاجز بالطيف وتضخم مما أدى إلى إعادته نصف خطوة إلى الخلف حيث ظهرت سخرية باردة على ذلك الوجه الذي يشبه الفأس ثم أرجح نصله،
رفعت يدي لأعلى وسحبت حجرًا من الرماد القاحل خارج درع سيث مستحضرة مجالًا لإمتصاص الكهرباء الساكنة، ظل النصل سريعًا جدًا وقوي ليخترق تعويذتي نصف المتكونة مصطدما بالحاجز الأزرق ومحطما تعويذة سيث، تسببت قوته في سقوط الأخير على الأرض عند قدمي مع شفرات جليدية في الهواء حيث وقف، في اللحظة الفارغة التي علي فيها الرد فكرت فيما إذا بإمكاني حمايته أم لا؟ هل يستحق أن أتخلى عن حياتي لتأخير موته طرفة عين؟، إذا هربت ربما سيتبعني الطيف بدلاً من التركيز على الصبي الغير مهم في عيونه؟ ربما كنت سأقتله بنفسي ذات مرة فقط لإزالة التشتيت…
إرتفعت القشعريرة في جميع أنحاء بشرتي وقفزت فوق سيث في وضع القرفصاء ممسكة بذراعي وموجهة المانا دون تكوين تعويذة بعد، إبتلعت لعابي بصعوبة مع بعض المشاعر التي أفرغت بداخلي: على الرغم من أنني لم أستطع حماية الصبي إلا أنه على الأقل سيموت وهو يعلم أنني حاولت… طأطأ الطيف برأسه وعيناه الحمراء الدموية مظلمة وبلا روح ومليئة… بالشفقة؟ على الأقل هذا الإنعكاس الذي رأيته عليه… بسخرية طار في الهواء ليعود مسرعًا نحو المعركة مع أولوداري.
درت على ركبتي لأتحسس وجه الصبي ورقبته باحثة عن أي علامة على الحياة متوقعة الأسوأ بحيث لن يكون هناك نفس ولا نبض ولا صعود وهبوط في صدره، ضغطت النتوءات الخافتة على أطراف أصابعي وأغمضت عيني بإرتياح لأنه على قيد الحياة لكنه فاقد للوعي… رغم أن نواته تصرخ لأنه عانى من رد فعل عنيف من توجيه مثل هذه التعويذة القوية عبر شعاره.
هز الهدير الأرض وفتحت عيني مرة أخرى نحو السماء حيث سقط أولوداري من الهواء بجروح في جناحيه والدماء تنزف من آلاف الجروح في جسده الضخم، لم يعد مخيفًا بل ملأني شكل البازيليسك الجريح بإحساس عميق بالرهبة مثل سقوط علم ممزق إيذانًا بنهاية المعركة، عندما ضرب الأرض مثل النيزك إختفت عشرات المباني تحت كتلته قبل أن تبتلعه سحابة من الغبار والرماد، تحركت أربعة أشكال سوداء إلى التشكيل أعلاه لتطوق المكان الذي سقط فيه البازيليسك قبل أن تنجرف ببطء إلى الأرض، فعلت سيريس وسيلريت الشيء نفسه بجانبي ويبدو أن سيلريت أخذ معظم وزنها على عاتقه فجلده الرمادي تحول إلى اللون الأبيض تقريبًا، ظهر لمعان خفيف من العرق على جبينه ربما لأنه دفع نفسه مثل المنجل الذي يحميها إلى أقصى الحدود، نحن وحدنا أو على وشك أن نكون ذلك فقد فر الجميع على الأقل أولئك الذين كانوا قادرين بينما لقي الكثيرون حتفهم في تبادل إطلاق النار، بنظرة مرهقة عثرت على جثتي إيكتور أينسوورث والأخوين بلينرانر وأنفالد توربور كما أن هناك آخرون لم أتمكن من التعرف عليهم بسهولة.
‘كم عدد الذين ماتوا في جميع أنحاء المعسكر؟’ تساءلت رغماً عني ثم دفعت السؤال بعيداً.
شعرت بالتغيير في المانا عندما عاد أولوداري إلى شكله البشري، ظهرت صورته الظلية من خلال الرماد وهو يسعل متحررًا من الركام الذي خلفه سقوطه بينما الأطياف ينتظرونه.
“من فضلكم” سعل وبدا مثيرًا للشفقة تمامًا “سأعود فقط لا… لا تفعل…” سقط على ركبتيه وسعل بشكل متقطع بينما جسده النحيل يتمزق بشكل فظيع.
لا يزال ينزف من عشرات الجروح وجسده مغطى بالكامل بالمجسات الخضراء التي تغير لون لحمه.
“لا تقتلوني” أنهى كلامه بشكل ضعيف.
إحدى أفراد الأطياف وهي إمرأة رشيقة ترتدي درع جلدي وسلسلة باللونين الأسود والرمادي نقرت بلسانها، قامت بإبعاد شعرها الأسود عن وجهها ودسته خلف أحد القرون التي خرجت من جبهتها متخذة خطوة نحو السيادي الذي جفل بينما ضحكت بحزن.
“حياتك ليست ملكنا لنأخذها في هذا اليوم أيها السيادي العظيم” حركت يدها وأمسكت بأحد قرونه “على الرغم من أننا لسنا مطالبين بإعادتك قطعة واحدة إذا كنت تفكر في تحدينا أكثر”.
إنطلق البرق الأسود من قبضتها ليتراقص أسفل القرن ويصل إلى جمجمة أولوداري.
تأوه ورجعت عيناه إلى الوراء في رأسه ليسقط على الأرض فاقدًا للوعي.
سخرت الطيف وإستدارت بعيدًا بعينيها الحمراوين العميقتين حيث فتشت القرية وهبطت نظرتها علي أنا وسيريس وسيلريت، بدأت تسير نحونا بخطوات عادية كما لو أنها تتجول على طول شارع بوليفارد المركزي في مدينة كارجيدان، تحرك الطيف ذو وجه الفأس الذي دمر إعوجاج تيمبوس خلفها وإلتقط الأزوراس واضعا إياه فوق كتفه، تحرك الإثنان الآخران إلى جانبه حينها ألقيت نظرة جيدة عليهما للمرة الأولى ليتضح أن أحدهم فقد ذراعه ونصف وجهه مصاب، الآخر ينزف ولديه دموع من الدم تتسرب من عينيه بتعبير فارغ على وجهه القوي.
‘على الأقل لم يسقط أولوداري دون قتال’ هكذا فكرت بشكل غامض وأدركت على الفور كم كان غريبًا أن أجد نفسي في صف السيادي.
“سيريس والخدم سيلريت وليرا” إبتسمت وكشفت عن أنيابها الطويلة ثم نظرت حولها إلى أنقاض القرية المشتعلة “هذا مثير للإهتمام”.
صوّب سيلريت نصله نحو الطيف ونيته تضغط للخارج لإضافة وزن لكلماته عندما قال “عودي إلى ظلالك أيتها الشبح فحقيقة أننا مازلنا نتنفس تخبرني أن سيدك لم يأمرك بالعض بل فقط بإظهار أسنانك”.
تصلبت إبتسامتها إلى شيء أكثر خطورة عندما مررت لسانها على أحد الأنياب البارزة “أنت على حق على الرغم من أنني لن أتمكن من كبح نفسي إذا واصلت النباح يا فتى… ستكون خيبة أمل صاحب السيادة خفيفة في أحسن الأحوال إذا عدت ورؤوسكم معلقة بفخر على قرني السيادي”.
“بيرهاتا توقفي عن اللعب بطعامك” صرخ الطيف ذو وجه الفأس “لقد حصلنا على ما جئنا من أجله والآخرون بحاجة إلى العلاج”.
“إنها مجرد ذراع” تذمر الطيف المحترق ونظر إلى جانبه المدمر “لا يزال بإمكاني التخلص من هؤلاء الخونة الثلاثة إذا…”.
رفعت المرأة بيرهاتا يدها ليصمت الآخرون “لقد إنتزع النصر من فكي الهزيمة رغم أننا لم نسمع حتى عن رحلة أولوداري من ألاكريا حتى شعرنا به يتلعثم في غابة الوحوش، لو لم يقاطع صديقك الرمح الديكاثيني عملنا السابق ربما لم نكن لنصل إلى هنا في الوقت المناسب” إزدادت إبتسامتها حدة مثل جرح الخنجر على وجهها “حقًا بدون هذا الرمح – أرثر ليوين؟ – سيكون هناك زوجان من التنانين ميتين ولكن سيكون هناك الكثير من الألكريان على قيد الحياة”.
“إذا كنت لا تنوين قتلنا فمن الأفضل أن تستمري في طريقك بعد كل شيء أنت لا تريدين المخاطرة بمواجهة أرثر أليس كذلك؟” سخرت.
رمقتني سيريس بنظرة تحذيرية لكن دمي ساخن جدًا بحيث لا أشعر بالتوبيخ “أعرف إسمك يا طيف فقد قاله كاديل بملاحظة خوف حين تم إختيارك من بين مجهولي الهوية وعديمي الإسم، لا بد أنك تمثلين رعبًا حقيقيًا في ساحة المعركة ومع ذلك لاحظت أن هناك أربعة منكم فقط، حسنًا ثلاثة ونصف رغم أنني إعتقدت دائمًا أنه من المفترض أن يكون هناك خمسة من الأطياف في كل مجموعة قتالية؟ هل يمكن أنك لا تستطيعين الدفاع عن مجموعتك القتالية ضد تعويذة الآلهة؟”.
إتخذ وجه الفأس بضع خطوات عدوانية للأمام “ما تعتقدينه لا يستحق أقل من قطعة القماش التي أنظف بها مؤخرتي أيتها الخادم”.
مرة أخرى أشارت بيرهاتا إلى الهدوء وأمالت رأسها قليلاً بينما تنظر إلى سيريس وعندما تساقطت خصلة من الشعر الداكن أعادتها مرة أخرى خلف قرنيها “لقد تم منحك العفو اليوم فهؤلاء الجنود ما زالوا ينتمون إلى أغرونا وأنتم جنرالاتهم، قريبا سوف تكون هناك حاجة لهم مرة أخرى فقد إنتهى وقت لعب دور المزارعين عندما يصدر أغرونا الأمر ستتقدمين أنت وقواتك، سوف يقاتلون من أجله لأنهم إذا لم يفعلوا ذلك فإن أغرونا سوف يحرق النواة من كل عضو من كل دماء خائنة على جانبي المحيط العظيم”.
تقدمت للأمام حتى ضغطت شفرة سيلريت على عظمة القص خاصتها رغم ذلك يظل وجودها وحده كاف لجعل ركبتي ترتعش.
“أنا شخصياً أتمنى أن تتحديه سأتوسل لأن أكون الشخص الذي سيتمكن من العودة إلى هنا وإنتزاع النواة من صدرك لأنك ظل لما كُنتِ عليه من قبل” إستقرت عيناها على سيريس “الحقيقة هي أننا جميعًا نعلم أنك لن تفعلي ذلك بل لا يمكنك فعندما يعطي أغرونا الأمر سوف تجيبين هذه هي الطريقة الوحيدة”.
بشكل عرضي مدت يدها ولفّت قبضتها حول سيف سيلريت مع تطور دقيق تحطمت الشفرة.
شهق سيلريت وأسقط المقبض على الرماد المتكدس محدقا في يده المرتجفة غير مصدق.
“قريبًا” قالت بيرهاتا مرة أخرى وأخذت بضع خطوات إلى الوراء قبل أن تدور وتشير إلى الأطياف الآخرين.
طار الأربعة منهم في الهواء مسرعين شمالا فوق الأراضي القاحلة وإختفوا في ثوان ومع ذلك إستمر ضغط المانا لفترة أطول.
تنهدت سيريس حيث أسرع سيلريت لينزلها بلطف على الأرض بينما عيناها مغلقتين وتتنفس بصعوبة.
إلتقت عيون سيريليت بعيني “إذهبي وأخبري أرثر بما حدث أنا سو…”.
رفعت يد سيريس لتسكت سيلريت الراكع بجانبها وكشفت عن قرص يبلغ قطره حوالي بوصة ونصف، كان لونه أصفر-أبيض وقد تم كتابة الرون فيه باللون البني المحمر الصدئ حيث تم نحته بالدم.
“أعط هذا… لأرثر” قالت سيريس بصوت أجش من التعب.
أخذت القرص بعناية من يدها وتذكرت تعبير سيريس المؤلم عندما شد أولوداري يدها فيبدو أنه أعطاها هذا.
واقفة إبتعدت عن سيريس وسيلريت فقط لكي أقترب من سيث ميلفيو الذي بدأ للتو في التحرك، إهتزت موجات الأثير بيننا عندما أرسلت نبضة من المانا الصوتية ليستيقظ مرعوبًا.
رفعت يدي وأحبطت أي محاولة قد يقوم بها للتحدث “سيث الناس هنا بحاجة للمساعدة فقد فر العديد منهم إلى المناطق القاحلة أو نحو المخيمات المجاورة وذهب البعض إلى الغابة إجمع من تستطيع وأعدهم لتنظيف القرية”.
ضاقت عيناه المتوسعة وهو يحاول أن يفهم لكني إستجبت بنبضة ثانية من الإهتزاز حتى صرخ وقفز واقفا على قدميه.
“هذا مهم يا سيث هل يمكنك فعل ذلك؟”.
أومأ برأسه مبتلعا لعابه بشكل واضح.
“جيد” مددت يدي وأصلحت نظارته التي تتدلى من وجهه.
غادرت قدمي الأرض بينما رفعتني المانا في الهواء وفي ثوانٍ أسرعت من غابة الوحوش في إندفاع متهور نحو أقرب بوابة نقل آني ولا تزال كلمات الأطياف ترن في رأسي.
(عندما يعطي أغرونا الأمر سوف تجيبين).
–+–
ترجمة : Ozy.
مدعوم من طرف : Youssef Ahmed.