البداية بعد النهاية - 439 - الصمود
– كايرا دينوار :
إهتز الجزء السفلي من معدتي عندما قفز ريجيس من جانب الفرع العملاق الذي نركض عليه، إرتفعت الأشجار الأكبر من أفخم الكاتدرائيات والقصور في كل مكان حولنا وتقاطعت فروعها فوق وتحت بعضها البعض في شبكة غير مفهومة من الأعلى والأسفل، تحتي بدأ لحم ريجيس يتغير حيث إتسع ظهره وتصلب فروه في أشواك كما أصبحت النيران الأرجوانية حول رقبته خشنة وصلبة مما أدى إلى خدشي ومرور خط من الدم على ساعدي، نبتت أجنحة من ظهره على نفس مستوى زخمنا ولكوني قريبة جدًا فإن الدمار الناجم عنه جعل عظامي تتألم.
إستدار إثنين من السكايراي لملاحقتنا.
“على يسارنا!” صرخت بعدها طار شعاع نيران الروح من نصلي وقطع لحم الوحوش تاركا ندوبًا منتفخة في الجلد الأسود.
ظل ريجيس مستعدا عندما إصطدم بنا السكايري من الجانب ولم أتمكن من التركيز على شيء سوى الحفاظ على مقعدي فوق ظهره، إشتعلت نيران أرجوانية بين أسنانه ومزق قطعة من جناح مهاجمنا حيث إنتشر اللهب من الجرح بسرعة وإلتهم الوحش بينما ينزل من السماء.
قمنا بالدوران في الهواء وتوجهنا عائدين نحو فرعنا أين إنخرط الآخرون في القتال بشكل كامل، صرخ غراي بشيء ووقفت إليانور على ظهر دبها حيث أمسكها ريجيس بكفوفه ثم إلتف مرة أخرى متجهًا نحو إطار البوابة القريب، بنظرة خاطفة خلفنا رأيت غراي يسحب سيلفي من بوو وعلى الرغم من هذه الفوضى هناك مثل هذا الحنان نظرا للطريقة التي يمسكها بها، مع إنفجار مفاجئ من الألم ضربني رمح ثلاثي في رجلي حيث إستطاع المرور من خلال المانا التي تغطي جسدي وإخترق ريجيس، تألمت بشدة وكدت أسقط إلا أن ريجيس قام بالدوران بشدة لتجنب وابل الرماح التي ألقاها حشد من القشريات تزحف فوق الشجرة.
“هل أنت بخير؟” سأل ريجيس والقلق واضح حتى في هديره الحلقي.
“نعم” صرخت بين الأسنان المشدودة “لا تبطئ!”.
بينما أعاني من إصابة الرمح قفز العديد من القشريات من جوانب الشجرة حيث إمتدت الزخرفة على طول أكتافهم مثل الأجنحة لإلتقاط الريح.
أولًا ظهر بضعة منهم ثم مجموعة وبعدها تبع خلفنا الكثير.
بفكرة إقتربت الأجرام خاصتي وإنتشرت المانا بينهم مستحضرة درعًا من حولنا أين ضرب رمح آخر الدرع ثم تلاه نصل صغير، وصلنا إلى جزيرة صغيرة من الجذور المتشابكة أمامنا مباشرة لكننا وجدنا السكايري يدور حولها بالفعل، بدأ ريجيس في التحول حينها إنزلقت من على ظهره وإحدى يدي تمسك الرمح بثبات، ظهر بوو بجانب إليانور بكمية من المانا لكنني بقيت أركز على الحشد الذي يقترب وقد نزعت الرمح وألقيته جانبًا.
فجأة أصبحت القشريات في حالة من الفوضى وسقطت مثل الحجارة المتماسكة أو إبتعدت للجانب، قام شخص ذو بشرة دخانية بالمرور من خلال تشكيلهم ما جعلني أحبس أنفاسي حيث قام شول بتمزيق أجنحة أحد الوحوش، رفع قبضته المشبعة بالنيران قبل ضرب إثنين آخرين معًا بقوة شديدة لدرجة أنني سمعت الصوت من حيث أقف، أخيرا تخلوا عن ملاحقتهم لنا وغطسوا في الماء للهروب منه ما أعطاه وقتًا للهبوط بجانبي، متتبعة الضغط المقيد الذي أطلقته شريكته رأيت غراي يحمل سيلفي بين ذراعيه ويقفز بين فرعين، حاول أحد السكايراي الإنقضاض عليه لكن تعويذة سيلفي تحررت ما جعله يتجمد في الجو ويسارع للإختباء خلف الشجرة.
إندفع غراي من فرع إلى فرع متحركًا نحو الأسفل في إتجاهنا بأفضل ما يستطيع مع سيلفي بين ذراعيه ولا يزال جسدها ملفوفًا في درعه المستحضر، عندما تحركت عدة قشريات لمهاجمته ومض للأمام بسرعة كبيرة لدرجة أنهم دفعوا من الغصن، سقط الزوجان فاقدان للوعي وغير قادرين على إنقاذ نفسيهما بينما ألقى الآخرون الرماح وإبتعدوا إلى الفروع الأخرى أو إلى الماء.
إهتزت المنطقة عندما ضرب شول بسلاحه إحدى الجذور المؤدية إلى جزيرتنا حيث إنفجر الخشب وإحترقت الشظايا مثل السكاكين في كل إتجاه، إندفع اللهب على طول الخشب بإتجاه مجموعة من القشريات تم القبض على عدد قليل في النيران بينما هرب آخرون إلى الماء بصرخات غاضبة، ظهرت حولنا فقاعة مانا سوداء شفافة إصطدمت بها المقذوفات مرسلة الهزات من خلال درع المانا.
“نحن بحاجة فقط إلى الإنتظار حتى يلحق غراي بالركب” قلت مع الأخذ في الإعتبار خياراتنا.
ظهر الضغط على إحتياطيات المانا الخاصة بشول بوضوح في عينيه اللامعتين وتنفسه غير المنتظم، إمتطت إليانور بوو وذراعها المكسور ممسك ببطنها بينما المانا تدور حولها، التوتر الشديد ينبع من ريجيس الشخص الوحيد من بيننا الذي لا يبدو أنه مرهق بسبب هذه المعركة، زاد تواتر الهجمات بسرعة حتى إرتجف الدرع بأكمله وبالكاد حافظ على شكله لكن فجأة حل هدوء في وابل الهجمات، من بقايا الجذر الذي دمره شول ظهر شكل غير واضح مندفعا نحونا وقد أدت سرعة مرور غراي إلى إزالة الدخان والكشف عن عشرات الجثث وراءه.
أنزلت الدرع حينها إندفع بسرعة على الجذور أين يوجد إطار البوابة في الخليج الصغير المخفي وقد غمره ضوء شاحب أثناء تنشيطها، خفت الضوء وتم إعادة الدرع فوقنا قبل أن يصطدم به السكايراي محافظة عليه ضد قوة وحش المقابر الأثرية، لعن غراي ما جعل قلبي يغرق فقد حمل البوصلة في يده لكن البوابة مشوهة وغير ثابتة.
“إنها لا تعمل” كأنه أحس بعينيّ عليه إستدار وهز رأسه.
تحطم الدرع المنبثق من أجرامي وضربت نيران العنقاء والدمار والمانا النقية السكايراي المهاجم في الحال، سحب صوته المميت أنفاسي وبالكاد إستحضرت نصلي في الوقت المناسب لصد رمح رمي علي.
لعن شول من الألم وركع على إحدى ركبته بينما سقط السكايراي المحتضر في الماء.
“إليانور ساعدي شول!” أمرت مع العلم أن هناك من يحتاج إلى تولي المسؤولية وإلا فإننا سننهار تحت وطأة هذه الهجمات المستمرة.
“علم!”.
ومضت نظرة إيلي إتجاه شريكها حيث إندفع بوو أمام شول ورمى الرمح إلى الجانب أين إنبعث الضوء الأبيض منه إلى إليانور ثم منها إلى شول، تضخم توقيع مانا الخاص به لكن إستنزاف إيلي واضح حتى بعد إستعارة المانا من بوو، تحركت المياه أمامي حيث نزلت القشريات بقوة على حافة الجذر بجسدهم الذي مثل لون الدم المجفف، نقرت كماشاتهم الضخمة التي مكان اليدين معا وتأرجحت بشكل خطير بينما ينظرون إلي لفترة طويلة ثم إندفعوا إلى الأمام، ركضت صاعقة من الألم في ساقي عندما قمت بتغيير وزني إلى الجانب متجنبة كماشة الوحش قبل إختراق أضلاع المهاجم حيث إشتعل النصل القرمزي بنيران داكنة، شعرت بالصدمة والخوف لأن الحافة الحادة لسيفي لم تقطع سوى خط رفيع من الدم الأزرق الداكن، تحركت إحدى الكماشات وأغلقت حول نصلي حينها ظلت ذراعي تتأرجح بشكل مؤلم لأنه تم إيقافها في منتصف الهجمة، إنفتحت الكماشة الآخرى على مصراعيها مندفعة بإتجاه رقبتي وعلمت في ثانية أن الضربة ستفصل رأسي.
غمرني الضوء الذهبي عندما أصابني شيء من الخلف وتصدع مخلبه وحين تراجعت للخلف إنكسر الضوء، بدلاً من قطعي بقوة على جانب رقبتي شق طرف الكماشة الحاد عبر الترقوة أين دُفع سيفي إلى الأمام ونار الروح تحترق باللون الأسود فوق الفولاذ الأحمر، دخل في فم الوحش المفتوح ومر من خلال دماغه حيث تدحرجت عيناها الصغيرتان الغاضبتان وقفز من الجذور عائدا إلى الماء، أثناء الدوران رأيت إليانور تحدق في وجهي وتتنفس بصعوبة على الرغم من أنني لم أكن أعرف كيف إلا أنها أنقذت حياتي للتو.
“شكرًا لك” قلت بينما أتفقد جرحي بحذر شديد.
الجرح عميق والعظام تحته مكسورة لكنني لم أعتقد أنه سيكون مهددا للحياة على المدى القصير، أومأت برأسها ثم شرعت في محاولة إزالة الرمح من جلد بوو السميك بذراعها السليمة، داخل المنطقة المظللة وضع غراي سيلفي على ركبتيها بجانبه وبإمكاني سماع الكلمات الناعمة التي قالها لها.
“سيلفي هل تسمعينني؟ حان وقت الذهاب لا يمكننا المغادرة حتى تعودي إلينا أريدك أن تستيقظي الآن حسنًا؟”.
أثناء حديثه إزداد ضغط نيته حتى أصبح التنفس صعبًا ربما بسبب الشعور بالتغيير تراجع مهاجمونا لأن المنطقة مليئة بضوضاء أصواتهم الغريبة، إستطعت أن أرى الآن أن المزيد من الكائنات الحية من القشريات تسبح من المياه المحيطة بنا مع هدير تحذير من فوق، طار ريجيس مرة أخرى في شكل التدمير في دوائر ضيقة فوق عقدة الجذور بينما السكايراي يتدفقون من حوله، كل واحدة كبيرة بما يكفي لتغطية الجزيرة بأكملها بظلها ومع ذلك تمر عبر بعضها البعض بينما تحلق مثل مجموعة من الأسماك، أحاط ثلاثة منهم بريجيس إلا أن الأول ذاب بسبب لهب الدمار والثاني مزق جناح ريجيس أثناء مروره اما الثالث فإصطدم به وجهاً لوجه مرسلا إياه ليدور في الهواء.
نزل آخر على بقيتنا وذيله التوأمين ملتفين تحته مثل الخطافات ومع مروره إندفعت تلك الذيول، ألقت إليانور بنفسها على بطنها وصرخت لأنها سقطت بشدة على ذراعها المكسور، أمسك بوو ذيلًا واحدًا بفكه غافلًا عن الرمح الذي طعن في ضلوعه أما الآخر فإنحرف ضد درع الروح، إهتز السكايراي في وسط القتال محررا ذيله إلا أن تم سحب كتلته الضخمة بعنف عن مسارها، إصطدم بجذر مجاور قبل أن يتناثر على ظهره وتتخبط العديد من الأرجل بشكل ضعيف أثناء غرقه، إنتشرت موجات اللهب من شول مما أدى إلى صد جيش صغير من القشريات وإذا حاولوا الوصول إلى الجزيرة فإن إندفاعاً من القوة – بسبب العديد من أقراص مانا إليانور المكثفة التي وضعتها كفخاخ حول حافة الجذور – سترسلهم مرة أخرى إلى البحيرة ومع ذلك لا يبدو أن هناك نهاية لشاغلي المنطقة.
ضرب ريجيس الأرض بقوة وسحق إثنين من القشريات تحته وقد إنتشر اللهب الأرجواني بين أسنانه، إندفع نحو كفوفه وذيله بينما يدور ويقطع ويخدش أي وحش يقترب منه كثيرًا حتى وهو يقاتل تقلص وعاد إلى شكل ذئب الظل الطبيعي، ألقي رمح على المانا الدخانية التي تغلف جسد شول ولكن بعد لحظة إخترق خنجر من خلالها وأصاب ضلوعه، أمامي قفز إثنان من مخلوقات القشريات على الجذور أحدهما بحربة متشعبة والآخر أرجح شبكة منسوجة من النباتات، طارت الشبكة وفتحت حينها أطلقت شعاع من النار السوداء لتخترقها موجة من نيران روحي بسيفي، إنحنى كلا العدوين وأداروا وجوههم المنبسطة بعيدًا حيث تحولت قشورهم إلى اللون الأسود وتشققت في بعض الأماكن لكن لم يتم تدمير أي منهم.
عندما عادت نظراتهم إلي إستقرت صاعقة من المانا في أعلى العين اليمنى لأحدهم، صرخ وسقط مرة أخرى في الماء الذي أصبح مثل السخان عندما إنفجرت الصاعقة، تفادى الآخر مسمار المانا قبل أن يسير على الجذر متجها نحوي حينها أمسك نصلي برمحه المتشعب بحيث كاد أن يسحب السلاح من قبضتي، عدت إلى الوراء بينما أسحب نصلي متجنبة هجمة الكماشة إلا أن ساقي المصابة علقت في فجوة بين الجذور فسقطت، إنفجرت المانا على جانب مخلوق القشريات لكنه إهتز للوراء للحظة فقط قبل أن يهجم برمحه مرة أخرى، صرخت إليانور وزأر بوو حين نزل الرمح إلا أني قمت بصده مستعملة سيفي مما أدى إلى إنحرافه جزئيًا، إخترق الرمح من خلال درع وذراعي على حد سواء مما أدى إلى تثبيتي في الخشب أدناه، سحبت كلا ساقي للخلف وإستحضر الريح فيهما وعندما سقط الوحش علي ركلت بكل ما أوتيت من قوة وأطلقت إنفجارًا من سمة الرياح على طول ساقي، تم رفع المهاجم عن قدميه وأرسلته متدحرجًا من الجذور ليعود إلى الماء.
أرسلت الركلة صاعقة من الألم في ساقي ورأيت النجوم بين عيني.
إنتشرت عدة إنفجارات سحرية أخرى وبإمكاني سماع شول يصيح بصرخة حرب وريجيس يزمجر، عندما إستدرت شعرت بوميض ديجافو حيث سحبت رمح القشريات من جسدي قبل أن أتركه يسقط على الأرض، بالقرب من المنطقة المظللة ركع غراي بجوار إطار البوابة مع سيلفي وعيناه مغمضتين وحاجبه مجعدان بينما العرق يسيل على جبهته، الضوء الأرجواني اللطيف يشع منه ومن شريكته وشفتاه تتحركان لكني لم أستطع قراءتهما.
“غراي… غراي!” إنتشر صوتي بينما أصرخ ورأسي يدور لأني ضغطت دون قصد على الترقوة المصابة.
من زاوية عيني شاهدت شول بينما يُبتلع في موجة من القشريات التي تتدفق على حافة الجزيرة ومن جهتي الأخرى ريجيس وبوو يقفان أمام إليانور، إحتضنت ذراعها المكسور وإلتفت في شكل كرة فقد إختفت المانا التي تحميها ما أدى إلى تدفق الدم بحرية وبينما أراقب ضرب رمحان آخران الدب الحارس مستقرين في جلده القاسي، كسر ضغط حاد سطح اللحم حول ساقي وفجأة سحبت للخلف أين جذبتني قشريات ضخمة حمراء اللون بكماشتها نحو الماء، نزل نصلي على ذراعها أسفل الكماشة مباشرة مما أدى إلى قطعها لكن ظهر إثنان آخران بالفعل ممسكين بي.
سحبت أصابعي عبر السطح اللزج الملطخ بالدم للجذور غير قادرة على التحرك أين صرخت جراحي مع كل حركة يائسة لكن ظل هذا مدفون تحت المياه المتدفقة لذعري، أصابني شيء في مرفقي وخدرت يدي أين إنزلق مقبض سيفي من قبضتي عندما تدحرجت، ركلت بشراسة وأرسلت تعويذات من الرياح مع كل ضربة لكن لم يكن ذلك كافيا لأن كماشة ضخمة إرتفعت فوقي مثل المقصلة، توقف كل شيء من ضوضاء وضغط ومخالب وحتى ظل السكايراي الذي يحيط بالجزيرة.
ببطء نظرت إلى ساقي… مخلوق القشريات الذي أمسكت مخالبه بساقي يترنح ووجهه يتلوى من الألم والغضب مع خيوط من الدم الأزرق مجمدة في الهواء حول جرحه، أمسك بي آخر ومخالبه ملتفة حول ساقي وقد هجم الثالث من فوقي بكماشة ممدودة لكن صوت الهجمات المتكرر قاطع الصمت، سحب شول نفسه من الكومة مع سلاحه الضخم الذي يسقط على الأعداء الذين لا يتحركون إلا أن كل أرجحة أبطأ من الأخيرة كأنه في حالة سكر، إستخدمت إليانور ذراعها السليمة لتجر نفسها إلى جانب بوو وبدت كأنها على وشك الموت، أخيرًا نظرت إلى الخلف ورأيت سيلفي على قدميها مع غراي بجانبها لدعمها بينما عيون الأزوراس متوهجة باللون الذهبي مع الأرجواني.
“لا أستطيع… الصمود لفترة طويلة…” قالت بحذر واقفة أمام غراي.
“الجميع أسرعوا!” صرخت مرتعشة بينما أتحرر من القشريات الثابتة وأجر نفسي على قدمي “إلى البوابة!”.
بينما تئن من الألم أمسكت إليانور بفرو بوو الذي يسحبها نحو إطار البوابة، توقف شول عن الأرجحة حيث إختفى سلاحه وبدا على وشك الإنهيار إلا أن ظهر ريجيس بجانبه وساعده، في الداخل إستدار غراي بالفعل ووجه الأثير إلى البوصلة عندما تم تنشيط البقايا تحولت البوابة لتكشف عن مخطط لما يكمن وراءها، عاد الوقت إلى التحرك حينها إختفى غراي في وميض بنفسجي وظهر خارج الجذور المتشابكة بنصله الذي ينحت عبر القشريات التي حاولت سحبي إلى الماء.
تقدمت للأمام نحو البوابة حيث إنتقلت قدمي من لحاء الجذور إلى الحجر الصلب الذي يغمره الضوء الأبيض الذهبي من البوابة الضخمة، تمايلت بسبب الدوار ومع كل نبضة أشعر بعدم وضوح في الرؤية إلا أنني ركزت على التحكم في أنفاسي والسيطرة على الإندفاع السريع بعد المعركة، مرت لحظات طويلة قبل أن أجد أخيرًا القوة لرفع رأسي نحو الشرفة التي عادة ما تكون مليئة بالصخب الحماسي وقد أصبحت فارغة وباردة، وقف بضع عشرات من الصاعدين بإنتباه شديد وتركيزهم بشكل أساسي على المداخل المختلفة في الشرفة، حفنة مع إثنين من الموظفين ينظرون إلي بترقب على الرغم من أن حواجبهم إرتفعت لأعلى كلما طالت مدة التحديق.
قبل أن أتحدث ظهرت إليانور وبوو بجانبي ثم شول.
“كايرا!”.
“لودين؟” تنفست غير مصدقة.
خرج شقيقي بالتبني من مجموعة الحراس وركض بإتجاهي بينما الحاضرين الذين يحدقون في وجهي أخذوا خطوة إلى الوراء وتبادلوا النظرات المتوترة، تحولت دهشتي إلى صدمة عندما لف لودين ذراعيه حولي وجذبني إليه في حضن عائلي حينها إنتظرت بصمت لحدوث شيء لكن ظلت أنفاسي تلامس صدري.
بعد بضع ثوان تراجع إلى الوراء وطهر حلقه “كنا خائفين من أن…” تحول تركيزه إلى الآخرين “كيف وصلت إلى هنا؟ من هم أصدقائك؟” قبل أن أتمكن من الإجابة بدا وكأنه لاحظ جرحي لأول مرة وأظلم وجهه “أنت مجروحة! تعالي معي سأفعل – لا إنتظري سأحضر أشخاصًا إلى هنا… أحضر لهم مقاعد!” صرخ على الجنود القريبين الذين يراقبون بإهتمام متزايد.
إتكأت إليانور على بوو بينما الدم يخرج من عدة جروح في جسدها وعيناها بالكاد مفتوحتان، عند نظري إليه إتضح أن شول في أسوأ حالاته وبدا أن ثقل إنتباهي أكثر مما يستطيع تحمله، إرتجفت الأرض عندما إنهار على ركبة واحدة وأغلقت عيناه بإحكام قبل أن يخرج أنفاسه في شهقات مرهقة.
“أنا… بخير”.
“هراء يمكننا…”.
ظهر غراي وريجيس وسيلفي بجانب بوو.
“أحضروا المعالجين…” توقف لودين قبل ملاحظة الوافدين الجدد حيث أخذ خطوة إلى الوراء لا إراديًا وعيناه تتسعان مثل القمر “الصاعد غراي…”.
غراي بالكاد إنتبه للودين لأنه إتجه مباشرة إلى جانب أخته ورفع ذقنها حتى ينظر في عينيها ثم قال من فوق كتفه “نعم المعالجون أو مهما يكن بسرعة”.
أبعدت إليانور يد غراي ووقفت بشكل مستقيم وعندما بدأت في السير نحو شول تبعها بوو، مد غراي يده لها لكن سيلفي أراحت أصابعها برفق على ساعده لذا إلتفت إليها حينها مر شيء ما بينهما غير معلن وخف بعض التوتر على أكتاف غراي، شعرت بأن لودين يقترب للوقوف بجانبي وشاهدنا معًا إليانور مرة أخرى تسحب المانا من شريكها وتغرسها مباشرة في نواة شول.
“قرون فريترا” همس لودين “ما الذي يحدث الآن؟”.
“يمكنني أن أسألك نفس الشيء” قلت ولم أتخلص بعد من الفرح غير المعهود الذي أبداه عند رؤيتي “لماذا أنت هنا؟”.
“أنا مسؤول عن حراسة البوابة” رد دون أن يرفع عينيه عن الآخرين “إنقسمت الدماء العليا لدينا حيث تبع نصفهم الآب إلى المقابر الأثرية بينما وقف البقية مع جوستوس”.
“كوربيت ولينورا إنحازا إلى سيريس؟” سألت غير قادرة على تصديق ذلك “علانية؟”.
صار شول قويًا بما يكفي للوقوف وتعثرت إليانور لكنه أمسكها ووضعها فوق دبها بدا كلاهما في نفس الوقت ممتنًا ومرهقًا بما يتجاوز الكلمات.
“عمنا العظيم جوستوس فعل ذلك من أجلهم” أطلق لودين سخرية ضعيفة.
كنت أعرف سياسات الدماء العليا جيدًا بما يكفي لفهمها لكن ليس لدي جهد للتفكير في ذلك الأن لذا بذلت قصارى جهدي لتجاهل جراحي ولم أنسى سبب وجودنا هنا “أين هي سيريس…”.
“سيكون معظم المعالجين لدينا معها” أظلم تعبير لودين.
“لقد إنتظرتني لفترة كافية” نظرت إلى رفاقي والتعب يزحف مع كل مقطع لفظي تحدثت به “دعونا نتحرك”.
“إركبي” دفعني ريجيس برأسه.
كنت ممتنة لرفع الوزن عن رجلي المصابة لذا إسترخيت على ظهره ومعًا غادرنا جميعًا الشرفة عبر الساحة حيث الصاعدون يبحثون عادةً عن مجموعات من أجل صعودهم، مثل شرفة البوابة إنها فارغة بشكل مخيف حيث سار لودين أمامنا مباشرة وعلى الرغم من أنه ينظر إلي من حين لآخر إلا أنه لم يقل شيئًا، إعتقدت أنه تغير سواء ذلك بسبب الخوف من الظروف أو بسبب النضج لا أعلم لكن أخي بالتبني لم يعد يتصرف مثل كوربيت ولينورا المدللين، تقدمنا مباشرة على طول الجادة الرئيسية بإتجاه البوابات بين المستويات، نظر الناس إلينا لكن لم يقترب أحد فقد رأيت أصحاب فنادق مألوفين وأصحاب متاجر وأدركت أنهم عالقون هنا أيضًا إنه لأمر مدهش أن سيريس قادرة على الحفاظ على السيطرة لفترة طويلة، على الرغم من مناقشة بعض التفاصيل حول خطة محتملة لقطع الوصول إلى المقابر الأثرية ما زلت لا أصدق ما أراه عندما وصلنا إلى مدخل المنطقة.
رأيت حول البوابات التي عادة ما تجعل العبور بين المستويين الأولين من المقابر الأثرية أمرًا بسيطًا مجموعة من الأجهزة غير العادية، مصنوعة من معدن أزرق مثل الذي إستخدمناه لإمساك أورليث والعلب المعدنية تحتوي على بلورات مانا كبيرة بشكل غير عادي متصلة بقطع أثرية على شكل أوعية مدارة على جانبها، الهيكل بأكمله عبارة عن فوضى من الأسلاك السميكة تنبثق خطوط المانا الملتوية المرئية من الأوعية إلى البوابات مما يؤدي إلى تشويه أسطحها الملساء بشكل طبيعي، حول هذه الأجهزة – الكثير مقارنة ببلورات المانا – هناك بضع عشرات من السحرة كما يمكنني أن أقول بنظرة واحدة أنهم يوجهون كميات هائلة من المانا إلى البلورات.
فقط بعد أن شاهدت كل هذا أدركت أن هناك العديد من الأشخاص الآخرين حولي معظمهم مسلحين ويقظين، الحراس الذين ركز بعضهم على غراي تعرفوا عليه بوضوح بينما نقل آخرون أيديهم إلى الأسلحة وهم يحدقون في شول وبوو أو حتى سيلفي، قلقهم واضح من الخطوط المتوترة لوجههم لكن هناك أيضًا عدد كبير من السحرة الذين يتحركون، بدا البعض وكأنهم ينتظرون والبعض الآخر يساعد الرجال والنساء المنهكين على مغادرة الساحة، هناك عدد قليل من الأشخاص مستلقين على أسرة أطفال أو تم نقلهم إلى مبنى قريب إعتقدت أنه تم تعديله ليكون مستشفى.
صرت في حيرة من أمري بسبب هذا ولم أكن متأكدة مما قد يتسبب في حدوث الكثير من الإصابات لكن فجأة إنهار أحد السحرة الذين يدعمون بلورات المانا، أسرع مجموعة من السحرة إلى جانبه وفوجئت برؤية إليانور هناك أيضًا على الرغم من تقلب توقيع المانا الخاص بها بسبب الجهد المبذول، وجهت ما تملكه من المانا إلى الساحر مما أعاده من حافة رد الفعل العنيف وحدق أولئك الذين يحيطون به في دهشة، متراخي الفك بعينين واسعتين تحرك الساحر اللاواعي بين أذرعهم، تراجعت إليانور إلى الوراء مما سمح لهم بنقل الساحر بعيدًا في هذه الأثناء تدخل ساحر آخر ليحل محل الأول.
في قلب كل هذا مرشدتي…
ركعت سيريس على وسادة بجوار وعاء زجاجي مليء بسائل أزرق متوهج وداخل الحاوية يستريح الرأس المقطوع للسيادة أورليث فريترا أو ما تبقى منه، اللحم قد تحلل في بقع خشنة وتلاشى الشعر بينما توجد تجاويف فارغة تحدق بلا روح من خلال الزجاج، ظلت عيون سيريس مغلقة ومحاصرة بظلال داكنة حيث بدت شاحبة نظرا لتوقيع المانا الضعيف، تم غمس إحدى يديها في الحاوية المفتوحة وضغطت أصابعها حول قرن أورليث.
إنها تشغل الجهاز بنفسها هذا الإدراك البطيء جعلني أشعر بالبرد مع عدم التصديق بينما سيلريت يقف بجانبها يراقبنا نقترب، حدق في غراي لما شعرت أنه وقت طويل جدًا ثم إنحنى وقال شيئًا بهدوء في أذن سيريس، أذهلت وتشنجت أصابعها حول القرن حيث مر تموج عبر تشوهات المانا الموجهة نحو البوابات قبل أن تفتح عيناها ببطء، رمشت عدة مرات قبل أن تتمكن من التركيز على وجه سيلريت لكنها لم تتكلم لأن نظراتها إنزلقت إلى غراي معدلة نفسها.
“يبدو أن أدوارنا قد إنعكست منذ إجتماعنا الأول سيريس” قال على الرغم من أنه صارم ظاهريًا إلا أن نبرته ناعمة ومُوازية “لقد أرسلت في طلبي وأنا هنا لكني لست متأكدا كيف يمكنني مساعدتك”.
هزت رأسها مرسلة شلالًا من الشعر ذي اللون اللؤلؤي ليغطي وجهها وعندما تحدثت صار صوتها قاسيًا “أورليث… القرن – إستمر حتى…” توقفت وملامحها تتراخى بسبب الإرتباك.
مددت يدي بشكل غريزي نحوها وأصابعي ترتعش مع الرغبة في المساعدة بطريقة ما لجعل هذا أفضل فلا أستطيع أن أتذكر أنني رأيت سيريس ضعيفة ومكسورة جدًا، كنت أرغب في الإعتذار والتوسل لها للمغفرة لكنني أوقفت نفسي وأجبرت مشاعري على السيطرة.
إنها تحتاج إلى غراي الآن وليس أنا…
قوة ودعم سيريس… حجر الأساس الذي بنيت عليه حياتي… رؤيتها على هذا النحو لا تتناسب تمامًا مع الواقع كما فهمته لأنها ثابتة وغير قابلة للتغيير… وعلى ما يبدو في حدود قدراتها الهائلة…
“إنهم يختبرون البوابات بإستمرار… على فترات غير منتظمة” توقفت سيريس لأخذ نفس “بدون مانا من أورليث على السحرة أن يوجهوا القنوات على مدار الساعة بينما أعمل كمركز إذا توقفنا…” توقفت متعبة.
“سيعرفون في دقائق” أكمل سيليريت “لقد مر أسبوعان على هذا النحو المنجل سيريس لم تتحرك أو تنم هي…” أوقف سيليريت نفسه عندما إنكسر صوته بأقوى عرض للعاطفة رأيته في حياتي من الخادم الرواقي “لقد فشلنا في التوصل إلى حل عملي لإعادة توجيه المانا دون أن تعمل كمركز، تم بالفعل النظر في العديد من النظريات قبل وصولنا إلى هنا لكنها فشلت جميعًا”.
“لو كان رين أو جايدن هنا فقط” قال غراي وهو يدرس الموقف بعبوس عميق.
“لماذا لا تدمر البوابات فقط؟” صرخت وأنا أنظر من وجه لوجه “لقد رأيت غراي يعيد البوابات القديمة المحطمة إلى الحياة من قبل”.
كنت أعلم أن سيريس لن تنسى هذا بالطبع على الرغم من أنها تكره تدمير أي شيء تم إنشائه بواسطة الجن أنا أدرك أنها لن تدمر هذه الآثار بشغف ما لم تكن تعلم أنه يمكن إعادة إنشائها.
“بدون فرصة للتجربة لم نكن متأكدين مما هو ممكن بالضبط” أجاب سيليريت وقفزت عيناه إلى سيريس لنبضات قلب ثم عادت إليّ وإستمر بهدوء “على الرغم من أنه لو ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير لكنت سأفعل”.
“لن تعصِ أبدًا أمرًا مباشرًا” صرخت سيريس بحزم على الرغم من حالتها.
“حتى أنا لا أستطيع أن أعد بأنها ستنجح” أضاف غراي وعيناه الذهبيتان مركزتان على البوابات “ولكن هل كل هذا…” لوح بيده حول الجهاز “حقًا يستحق المعاناة والمخاطرة؟”.
لم تجب سيريس وتوقفت المحادثة حينها حول إثنان من المعالجين إنتباههم إلينا أخيرًا، سارعوا إلى وضع إليانور وأنا على أسرة أطفال قريبة وبدأوا في العناية بجراحنا، قاموا بوضع مرهم مجدد علي وألقوا تعويذات لتسريع الشفاء وتقليل الألم، على الرغم من ذلك ظل تركيزي طوال الوقت على سيريس وغراي والمشكلة التي يواجهانها الآن.
كنت أرغب في تقديم المشورة والحلول والأفكار مستفيدة من التدريب الذي قدمته سيريس على مدار السنوات العديدة الماضية لكن خيم الألم والخوف والأهم من ذلك كله هو الأسف على ذهني، لم أستطع تجنب سؤال نفسي عما عليّ المساهمة فيه بينما أنا محاطة بالمنجل والخادم والأزوراس ومهما صار غراي بحق الجحيم.
‘أرثر’ ذكرت نفسي ‘أرثر ليوين الرمح من ديكاثين’.
كنت أرغب في أن أكون في قلب كل شيء وأن أكون أداة التغيير هذا هو حلم سيفرين الذي تركه لي عندما إختفى في المقابر الأثرية، والآن أصبحت أقرب مما يتخيله من أي وقت مضى لتحقيق تغيير حقيقي في ألاكريا لكنني لم أكن الحافز لهذا التغيير.
‘لا هذا الشرف ينتمي إلى رجل يسمونه حرفيا الإله…’.
توقفت أفكاري وبدون أي قصد إنفجرت بضحكة جنونية أذهلت المعالج وهو يعمل على كتفي بشدة لدرجة أنه أصاب الترقوة المصابة.
تحولت ضحكتي إلى أنين مؤلم.
نظر الجميع إليّ وشعرت بنفسي نشيطة “أسفة… أعتقد أنه قد يكون لدي فكرة”.
–+–
– ترجمة : Ozy.