البداية بعد النهاية - 438 - مسارات مدمرة
– أرثر ليوين :
مر شكل مظلم بين الأوراق الهائلة للأشجار المرتفعة التي لا نهاية لها بحركة سريعة جدًا ولأن الغطاء كثيف لم أستطع تحديد أي تفاصيل، رغم نشاط نطاق القلب لم أشعر بأي مانا أو أثير من الظل في اللحظة الوجيزة التي تمكنت فيها من رؤيته.
“ما كان هذا؟” سألت إيلي بصوت مرتفع ونبرة عصبية.
“نحن بحاجة إلى التحرك” قلت بينما أبحث في محيطنا عن أي تلميح للظل العابر أو الطريق إلى الأمام.
إمتدت الجذور عبر الماء في مسارات متعرجة وواسعة بدرجة كافية لدعم عربة تجرها الحيوانات، المياه التي تغلفها واضحة جدًا لدرجة أنها أخفت عمقها مما خلق خداعًا بصريًا جعل الطحالب في قاع البحيرة تبدو على بعد بوصات فقط.
“صعودا أو هبوطا؟” سألت كايرا بعينين غير مركزتين لأنها إستخدمت كل حواسها على طائراتها بدلاً من عيناها “الفروع واسعة بما يكفي للتنقل بسهولة حتى بالنسبة للدب ومنسوجة معًا بكثافة أكثر من الجذور”.
ألقيت نظرة خاطفة على سيلفي المستلقية بقوة على ظهر بوو ومغطاة بدرع مع يد إيلي عليها بشكل وقائي “هذا محفوف بالمخاطر إذا تعرضنا للهجوم يمكن أن يُسقط أي منا من أحد تلك الفروع”.
“مهلا شوليو بصفتك نصف طائر عنقاء ماذا يحدث عندما تتحول؟ هل تحصل على جناح واحد فقط؟ أم أنك تحصل فقط على المنقار والذيل؟” سأل ريجيس بإثارة.
“لم أحصل على مثل تلك الأشياء من ظهري لكن يمكنني أن أتحول بشكل كامل إلا أنه من الصعب الحفاظ على مثل هذا الشكل” إعترف شول على ما يبدو غير مكترث بسخرية ريجيس.
إستحضرت إيلي حبلا من المانا لف بوو وسيلفي بعدها ظهرت ثلاث كرات من المانا الساطعة ودارت بصمت حول يدها اليمنى، قال العرق الذي يكسو جبينها والتوتر الشديد على وجهها كل ما كنت أفكر فيه بالفعل: مع وجود كل من شول وسيلفي ستكون هذه المنطقة أصعب من أي شيء واجهناه في صعودنا الأخير.
“شول فلتقد الطريق” أشرت إلى جذر قريب يمكننا التسلق عليه بسهولة وإستخدامه لعبور الماء “الجذور أكثر سمكا في هذا الإتجاه”.
سار شول إلى حافة الجزيرة الصغيرة التي نقف عليها وقفز بشكل عرضي على الجذور التي تبرز قمتها فوق الماء بستة أقدام، هبط بأناقة غير متوقعة بالرغم من حجمه ثم نظر حوله ومد يده إلى الوراء لمساعدة الشخص التالي، تمامًا عندما مدت كايرا يدها ظهر ضباب غامق من الظلال وإختفى شول بداخله، قفزت كايرا للخلف متجنبة بصعوبة زوجًا من الذيول الطويلة التي برزت من خلف الوحش المسرع، في غمضة عين الشكل غير الواضح إبتعد عنا بعجلة متجنبًا الجزء العلوي من الماء قبل أن يرتفع لأعلى نحو شبكة الأغصان الضخمة فوقنا.
قمت بتوجيه الأثير إلى خطوات الإله حينها أضاءت المسارات الأثيرية أمام عيني، إنتشرت المسارات مني مثل البرق البنفسجي وربطت كل نقطة ببعضها البعض لمسافة 15 قدمًا فقط، إتضح أن المسارات مقطوعة – أولئك الذين حولي إنفصلوا عن المسارات الأخرى وكلا المجموعتين في حالة تغير مستمر أثناء تحولهها وتشوههم – إلا أنهم لم يرتبطوا مطلقًا.
زيادة الطاقة من سيلفي كافية لشرح ما يحدث بالضبط.
إنطلقت رصاصات النار السوداء عبر الغابة المظلمة عندما أطلقت رون الإله، أخطأت طلقات كايرا الهدف الذي يمكنني الآن أن أقوله أنه مخلوق على شكل ألماسي بلحم داكن، له ذيلان طويلان شبيهان بالسوط كل منهما به نصل معقد ينمو من النهاية وعلى الرغم من حجمه الهائل – جناحيه بعرض سيلفي في شكل تنينها – فقد سبح في الهواء بسرعة أكبر من أي سمكة في الماء.
ركز إهتمام ريجيس على المخلوق الطائر بسخرية مرحة تدق في ذهني ‘يبدو أن الدجاج الحار لا يتفق مع أسماك شيطان البحر’.
“هناك شيء ما على ظهره” قالت إيلي على وجه السرعة وعيناها الحادتان تلتقطان التفاصيل التي لا يمكن لبقيتنا رؤيتها “أعتقد أنه يتباطئ”.
مشبعا رؤيتي بالأثير بإمكاني تمييز البقعة الحمراء اللامعة على جلده الأسود، بدأ المخلوق يتوهج من الداخل وأصبحت رحلته غير منتظمة مع تذبذب النتوءات الشبيهة بالجناح، إنفصل الشكل الأحمر غير الواضح وتلاشى في الماء بسبب زيادة التوهج حيث إنقسم اللحم وخرج اللهب البرتقالي من الشقوق الناتجة.
سمعت صرير حاد فجأة من الوحش مما تسبب في إختلال بصري حيث إندفع الإهتزاز كالسكاكين إلى عقلي، من بعيد قام أحد جناحي الوحش بقص جذر شجرة مما أدى إلى تقطع طرفه من جسده بصوت تمزيق رهيب، إشتد الإهتزاز ثم إنقطع تمامًا عندما إصطدم الوحش بالبحيرة وإختفى تحت المياه المضطربة، بعد التخلص من آثار الإهتزازات قفزت إلى الجذر حيث تعرض شول للهجوم، توقفت مؤقتًا أبحث في الغابة عن أي علامة خطر قبل محاولة إكتشاف المسارات الأثيرية مرة أخرى.
كنت على حافة التأثير الذي رأيته حيث تحطمت المسارات والجزيرة التي ظهرنا عليها لا تزال منفصلة عن أي مكان آخر، يمكنني الآن أن أستشعر طريقي إلى حيث سقط شول لذا لم أضيع المزيد من الوقت قبل أن أخطو إليها، عندما ظهرت على بعد عدة مئات من الأمتار فوق الجذر الأقرب إلى المكان الذي سقط فيه جسم المخلوق غُمرت على الفور بالبخار الساخن، إندلعت سلسلة من الفقاعات الغاضبة من سطح الماء بأصوات فرقعة بينما حجب البخار ما يحدث تحت الماء، عندما كنت على وشك القفز خرج شيء ما – شول – مغطى بالبخار وجلده قد إتخذ لونًا رماديًا شاحبًا بينما الأوردة المنصهرة تمتد على ذراعيه ورقبته ووجهه، إشتعلت النيران في عينيه بالضوء متلألئة من خلال البخار وبينما أشاهد إنحسر اللون من لحمه.
مد يده إلى الجذر الذي وقفت عليه مستخدمًا إياها لدعم نفسه “إمسح عبوس القلق أنا غير مصاب”.
‘يا زعيم إن سيلفي…’.
لعنت حين شعرت فجأة بالتدفق الفوضوي للأثير – الذي بدأ في الإندفاع ضد درع البقايا وتسرب في الهواء – فقد بقيت منتبهًا جدًا للوحش لدرجة فقدان تركيزي تمامًا على إحتواء تعويذة الأثير، ممسكا بشول إستخدمت خطوة الإله للإقتراب من الآخرين قدر المستطاع لأن الفضاء داخل مجال المسارات المحطمة ينمو بسرعة وظل الأثير الجوي سميكًا حوله، بالتركيز على سيلفي قمت بدفع التعويذة لأسفل مرة أخرى حتى تم وضعها بالكامل مرة أخرى داخل درع البقايا.
“يبدو أن هذا قد يكون مجرد مشكلة صغيرة” قال ريجيس.
شحب خدا كايرا بينما تبحث في الغابة المحيطة وسيفها مشدود بكلتا يديها “لم أشعر أبدًا بأي شيء من هذا المخلوق لكن ظهرت فقط تلميحات من حركته في الأثار خاصتي… هل يمكن لأي شخص آخر أن يشعر بالمانا؟”.
هزت إيلي رأسها وتحتها تذمر بوو من الإحباط.
“لقد شعرت بفمه عندما إقترب مني” قال شول واضعا سلاحه بشكل عرضي على كتف واحد “ومع ذلك مات بسهولة”.
من التعبير غير المصدق على وجه كايرا عرفت ما تفكر فيه لو أمسكها هذا المخلوق أو أمسك بأختي لحدث الهجوم بشكل مختلف تمامًا.
هناك تحول في المانا حول إيلي حيث إتسعت عيناها بشكل كبير ومالت نحو شول بينما تشمه “قد لا يعطون توقيع مانا لكن هناك رائحة مميزة لهم… زيتية ومقززة مثل الأسماك المتعفنة… إنه نوع من الدلائل يجب أن يكون كافيا لإخباري عندما يكونون في الجوار”.
“لا أرى أي سبب للقلق” رد شول “لقد دمرت سكايراي بسهولة إذا تمكنت الأخت الصغيرة من شمهم بسبب الرائحة الكريهة المتبقية على جسدي فلن نتفاجأ مرة أخرى”.
“سكايراي؟ هل تعرف هذه المخلوقات؟”.
أراح شول رأس سلاحه على الأرض وإتكأ على الحفرة “سمعت حكايات عن وحوش مانا مماثلة في إفيوتس سكايراي السحيق هي حيوان مفترس لا مثيل له وسيطرته على المانا مثالية للغاية، أجنحته سريعة جدًا لدرجة أنه حتى الصيادين من جنس العنقاء لن يكونوا على دراية به في بعض الأحيان”.
“سكايراي السحيق أليس كذلك؟” سأل ريجيس بشخير “درامي قليلاً”.
“هل يهم حقًا ما هو إسمه؟” قالت كايرا ورقبتها تتعرق بينما تراقب الأشجار “ما هي خطتنا لتجاوز هذه المنطقة أحياء؟”.
“الجذور مكشوفة للغاية” قلت مفكرا بصوت عالٍ.
في الأسفل عند مستوى الماء الجذور العالقة تنمو حول بعضها البعض في شبكة معقدة وأعلاها أغصان الأشجار العملاقة تحتوي على الأقل على أوراق ستوفر لنا بعض الغطاء، يبدو أن هذه الحيوانات المفترسة إستخدمتهم للبقاء بعيدًا عن الأنظار أثناء مراقبة أي شيء يتحرك على طول الجذور في الأسفل.
بإمكاننا فقط فعل الشيء نفسه.
إتبعت كايرا خط نظري “هل تعتقد أننا يمكن أن نصعد فوق المنطقة التي تصطاد فيها هذه المخلوقات؟ مع قدرتك على النقل الفوري يمكننا التسلق لأميال بسهولة نسبيا”.
“الأمر ليس بهذه البساطة” فركت مؤخرة رقبتي”في أي وقت أرفع فيه ذهني عن سيلفي تزداد قوتها بشكل غير متوقع مما يعرضنا لخطر أكبر”.
“يمكنني حل هذا بسهولة” رفع شول كايرا كطفل ووضعها على بوو خلف إيلي.
تجمدت كايرا حابسة أنفاسها حتى إنتهى ثم أطلقتهم بتنهيدة.
“من فضلك لا تفعل ذلك مرة أخرى” قالت بصلابة بينما تعدل مقعدها على الدب وبدت غير مرتاحة بشكل لا يصدق.
“تمسكي بالوحش” ظهر إرتباك شول إلا أنه هز كتفيه وجلس تحت بوو ثم رفع الدب الحارس والجميع بين ذراعيه “إذا كان هذا المخلوق يشبه سكايراي من إفيوتس فسوف ينجذب إلى الحركة السريعة”.
لم ينتظر شول ردا قبل أن يطفو في الهواء ويتحرك ببطء نحو الأغصان في الأعلى، إنتظرت مراقبا في كل مكان بحثًا عن أي علامة على هجوم لكن الغابة ظلت هادئة ولم يأتِ الهجوم، من خلال توجيه خطوة الإله وبدون تنشيطها شاهدت المجال القاسي للمسارات المنفصلة يتصاعد من سيلفي، عندما وضع شول بوو بأمان إستخدمت خطوة الإله متجها إليهم خارج دائرة تأثير سيلفي، في اللحظة التي إستغرقها الأمر للقيام بذلك إنتفضت تعويذتها مما جعل رفاقي يتلعثمون مثل خلل رسومي في لعبة فيديو قديمة على الأرض.
شددت قبضتي للسيطرة على التأثير حينها إستقر الجميع.
نزلت كايرا بسرعة من على ظهر بوو وإلتقطتُ بريق الفضة مع إقتراب طائراتها “لا أشعر بأي حركة في الجوار”.
ملوحا للآخرين أشرت على طول الفرع العريض بما يكفي لسير 20 جنديًا جنبًا إلى جنب قبل الإنحناء بشدة عند الحواف، لم يتردد شول وقاد الطريق متحركين بحذر لتجنب إحداث ضوضاء أو حركات مفاجئة قد تلفت الإنتباه، مشيت بجانب بوو بينما بقيت كايرا بيني وبين شول رغم أن التقدم بطيئ والمزاج متوتر، إنقسم تركيزي بين التركيز على إحتواء تعويذة سيلفي ومراقبة المزيد من سكايراي بالإضافة إلى البحث عن طريق للأمام.
أصبحت كايرا وإيلي كشافينا الأساسيين سيعزز وحش أختي حواسها بما يتجاوز ما يمكن أن أنجزه بإستخدام الأثير، تسمح طائرات كايرا لها بالبحث في كل مكان حولنا عن التهديدات والمعابر التي يمكن الوصول إليها بسهولة بين الفروع، تحركنا إلى الأمام بعيدًا عن جذع الشجرة حيث ضاق الفرع قليلاً بعد تقدمنا رغم أننا إنتقالنا إلى فرع آخر سهل نسبيًا، إخترت واحدا يتقاطع مباشرة أسفل منطقتنا ولكنه سيبقينا نسير في نفس الإتجاه لأننا كنا قادرين على القفز إليه دون وقوع حوادث، مع الحفاظ على وتيرة بطيئة ولكن ثابتة إنتقلنا من فرع إلى فرع بهذه الطريقة لمدة 30 دقيقة أو أكثر دون وقوع حوادث.
“أرثر الماء” أشارت إيلي من فوق الحافة إلى إمتداد واسع من البحيرة الصافية بالأسفل.
إنتشرت نقاط حمراء عديمة الشكل في البحيرة بدون أي تفاصيل، تحرك ظل على شكل ألماس في الماء وقفزت بقعة حمراء على ظهره ثم في لحظات إختفى السكايراي وراكبه في الغابة.
“كان هناك شيء ما يركبها” قالت إيلي متكئة على حافة الفرع لإلقاء نظرة أفضل “بدا الأمر – حسنًا هذا غريب لكنه بدا كأنه شخص تقريبًا”.
“شيء أقرب إلى كونه المخلوق الواعي الذي إلتقينا به في المنطقة الثلجية؟” سألت كايرا بينما ترفع رقبتها بفضول.
بسبب صدمة ريجيس نظرت خلفنا في الوقت المناسب لأرى سكايراي أخر من فوق يهجم بإتجاهنا حينها بدا أن الوقت يتباطأ بينما المخلوق الغامض ينزل قدمًا بقدم وبوصة ببوصة، إستخدمت شفرة أثيرية وقمت بالدوران قليلاً مصححا وضع قدمي على اللحاء غير المستوي ثم قفزت نحو الوحش، عندما فعلت ذلك توقف زخمه الأمامي بالكامل ثم إنعكس وعاد إلى الهواء بعيدًا عن متناول يدي، في غمضة عين تحرك مرة أخرى مغيرا موضعه دون أن يبدو أنه يتحرك بحيث صار على بعد 10 أقدام إلى يسار المكان الذي كان فيه، الوقت المتوقف إندفع للأمام بسرعة كبيرة لدرجة أنني لم أستطع الرد على إقتراب سكايراي أو حتى تحذير الآخرين، ضرب برأسه على مكاننا حتى تدفق الدم من جسده بسبب شدة هجمته ما جعل الفرع يهتز، تعثرت على ركبة واحدة وشعوري بالتوازن تلاشى بالفعل بسبب التحرك ذهابًا وإيابًا في الزمان والمكان
صرخت إيلي التي فقدت توازنها تمامًا حينها إضطر بوو إلى إمساكها من الجزء الخلفي لدرعها أين تدلت من فكيه مثل الشبل، إنزلقت كايرا للأمام وبدا أنها ستسقط من الغصن لكن قدمها ضغطت على الهواء الصلب ودفعت نفسها مرة أخرى على قدم أكثر إستقرارا، بجانبها قام شول بتدوير سلاحه ولوح به لكنه لم يستطع إلا أن يرمش في حيرة من جسد السكايراي المدمر، إهتز الفرع مرة أخرى وصدى التصدع الهائل عبر الغابة حيث إنشق الخشب بعد أن إصطدم به السكايراي وسقط بأكمله بمقدار قدم، تشبث بوو بمخالبه وإنخفض إلى أسفل اللحاء وقد إستجاب شول بسرعة أكبر هذه المرة ممسكا بكايرا ليطفو على الغصن، إتخذت قرارًا في جزء من الثانية بعدم إستخدام أي من تقنيات حركتي خوفًا من أن يكون سحر سيلفي أكثر خطورة من السقوط.
تشقق الخشب واللحاء على مسافة مئات الأمتار متساقطين من الغصن حيث سقطنا معهم، بإمكاني رؤية كايرا وشول يطيران فوقنا قبل أن يتدحرج جسدي بعيدًا، في مكان ما بالقرب من الطرف الرفيع إصطدم الفرع المتساقط بطرف شجرة آخر وإنكسر مرة أخرى بصوت مثل الزلزال، مع تباطؤ زخمي لفترة وجيزة جدًا ضربت الفرع المتساقط عندما تصادم مع الخشب الصلب للآخر، دفعت بكلتا يدي وقدمي ضد اللحاء الخشن ملقيا بنفسي على بوو حيث حملنا التأثير الناتج إلى الهواء الطلق أين إصطدم الفرع المتساقط بأطراف شجرة ضخمة أخرى وتحطم كلاهما بإنهيار هز الأرض، هبطت أنا وبوو على الفرع السفلي الذي يهتز بشكل مزعج مع الهواء المليء بصراخ أختي.
عززت قبضتي على الأثير للتحرر من قيود درع البقايا وقفزت على قدمي باحثا عن أختي التي لم تعد محتجزة في فكي بوو، ظهر ريجيس متجها إلى جانب بوو على الفور حذرا من أي مخلوقات قد تجذبها الضوضاء، ظلت إيلي تتدلى بحبل مرئي من المانا تحت الغصن المكسور الذي كنت أقف عليه ولا يزال الخشب المحطم يتساقط من حولها، تحطم الفرعين العملاقين أسفلها في البحيرة بقوة كافية لزعزعة أسس الأشجار التي مثل ناطحات السحاب، لم تعد إيلي تصرخ بل تتنفس بصعوبة والعرق يسيل من وجهها كالبحيرات لأن كل تركيزها على المانا التي تدعمها، عندما وصلت إلى الأسفل حاولت الإمساك بالسهم الذي كان الحبل متصلاً به والذي أطلقته إيلي على جانب الفرع المكسور لكن عندما لمس جسدي المانا إرتجفت التعويذة بأكملها.
“لا تفعل!” صرخت إيلي وأخذت حبل المانا بكلتا يديها بقوة مغلقة عينيها للتركيز “يمكنني… أن أتسلق”.
قبل أن أتمكن من الرد وجهت الحركة تركيزي إلى أعماق الغابة حيث لف خط أسود حول شجرة بعيدة وأسرع نحو إيلي، ثلاثة مخلوقات غريبة تتشبث بظهر سكايراي مع شكل تقشعر له الأبدان وتلوح بأسلحة عضوية غريبة بجنون، تجمع الأثير في قبضتي ليشكل سيفًا لكن الطاقة التي خرجت من سيلفي إرتفعت حينما قسمت إنتباهي، إنطلقت أشعة من النار السوداء من فرع أعلى حيث إشتعل إثنان فوق ظهر السكايراي مما جعل فقاعات اللحم تنتفخ مثل القشرة، ضرب الثالث أحد المخلوقات وأرسله محلقا في الهواء قبل أن ينزل نحو المياه أدناه محاولا تفادي من حطام الأغصان المتساقطة.
بعد إلقاء نظرة سريعة رأيت كايرا تضغط بشكل مسطح على جذع شجرة مجاورة وسيفها مسحوب لكنها تركز بالكامل على التحكم في الطائرات، واجه شول السكايراي الثاني الذي يتحرك فوقه أما ورائي فإشتكى بوو بيأس بينما يحدق من فوق الحافة في الإتجاه الذي تزحف عليه إيلي حاليًا عبر حبل المانا، إندفع ريجيس من جانبي وقفز من الفرع المكسور حيث تضخم جسده وأصبحت ألسنة اللهب عليه خشنة، صار فروه مثل المسامير الحادة قبل أن تنبت الأجنحة من ظهره حينهل إصطدم بالسكايراي وخرج الدمار من فكيه ليشقه في الجو، أحسست بعشرات من الأرجل التي تشبه السكين تجري في صفوف على طول بطن السكايراي، قطعت جلده الصلب ولكن فقط بالطريقة الغامضة نفسها التي وصل بها الألم إلى دماغ ريجيس من خلال تأثير الدمار.
وصلت إيلي إلى النقطة التي إنطلق فيها سهم المانا من الفرع المكسور وحصلت على قبضة يد في اللحاء، أمسكت بها من الجزء الخلفي من درعها ورفعتها بسهولة على أرض صلبة – أو على الأقل أقرب مكان لنا من أرض صلبة – لم تضيع أي وقت في قطع تعويذتها والإحتماء إلى جانب بوو، سقط ريجيس والسكايراي بإتجاه البحيرة على عمق مئات الأقدام، أحد المخلوقات التي تشبثت بظهره دفع رمحًا ثلاثي الشوكات على رفيقي بتأثير يشبه لسعة النحلة، في لحظة لم يعد مرئيًا وفقط عندما صعد إلى جانب الفرع الذي كنا نقف عليه حصلت على أول نظرة جيدة عليه.
على الرغم من وجود شبه بشري في جذعه وذراعيه إلا أن ذيله العريض المسطح المغطى بصفائح متشابكة يشكل النصف السفلي منه، مثل السكايراي في الجانب السفلي من هذا الذيل هناك عشرات الأرجل المعقوفة التي إلتصقت بسهولة على اللحاء الكثيف مما جعله يتحرك عبر سطح الشجرة مثل النمل الأبيض، نمت الزعانف مثل الأجنحة من ظهره والجذع البشري بأكمله مغطى بحراشف دقيقة للغاية، أمسك بأصابعه المكسوة بالمخالب عصا قصيرة خيطية بنفس درجة اللون الأحمر الفاتح كحراشفه، تلألأت أربع عيون صغيرة من فوق فتحتين مشقوقتين في وجهه المسطح وفتح فمه العريض في زمجرة كاشفاً عن صفوف من الأسنان التي تشبه الإبر، مرّ سهم من جانبي وضرب الكائن القشري في صدره حيث تموج سهم المانا للخارج وإنحرف ثم تبدد وفشل في إصابة هدفه، عززت قبضتي على درع البقايا وسيلفي بداخله ثم قسمت تركيزي وأرسلت بعضه إلى عضلاتي ومفاصلي مما عزز ليس فقط ساقي وجسمي السفلي ولكن كتفي وصدري وذراعي أيضًا.
‘إذا كنت سريعًا بما يكفي…’.
تقدمت للأمام مستخدمًا تقنية خطوة الإندفاع لقطع المسافة بيني وبين المخلوق في لحظة، في الوقت نفسه تدفق الأثير في العمود الفقري ومن خلال كتفي وأسفل ذراعي وساعدي ومعصمي ومفاصلي، في كل عضلة ومفصل يحترق الأثير في إنفجار موقوت تمامًا كل منه يدفع ضربة للأمام بكمية متزايدة من السرعة والقوة.
إنفصل الجزء العلوي من الجسم الزئبقي في رذاذ أحمر دموي حيث إصطدمت قبضتي برأسه، تحرك الجزء السفلي من جسمه ذهابًا وإيابًا قبل أن ينحرف عن جانب الفرع ويسقط بعيدًا، على الرغم من بذل قصارى جهدي تراجعت قبضتي الصارمة على تعويذة سيلفي ومن زاوية عيني رأيت إيلي وبوو يتلعثمان، إنفجر السهم المستحضر على خيط قوس إيلي التي تم رفعها عن الأرض وإصطدم بجانب بوو، ركضت لأمسك بها قبل أن تسقط فقد ظلت ترتجف وتحدق في ذراعها مصدومة لأن قوس الأقزام قد تشقق وهناك عظمة بارزة من جلد ساعدها.
“إيلي!”.
دفعت بيدها على صدري وإبتعدت خطوة متوقفة “أعطني مساحة للتنفس…”.
لفت المانا حول ساعدها قبل شدها مثل الجبيرة مطلقة صرخة مؤلمة، غطت وجهها في حضن بوو مرتجفة من رأسها إلى أخمص قدميها حتى تبعثرت المانا.
“عضي هذا” مزقت قطعة من اللحاء ووضعته بين أسنانها.
إهتز بوو وضغط أنفه على خدها حينها غمرها الضوء الذهبي متجها إلى صدرها حتى خفت الإهتزاز، إستمرت الجبيرة المستحضرة في الشد مما دفع العظم إلى أسفل تحت الجلد وبلف ذراعها عادت العظام المكسورة إلى مكانها، على الرغم من التورم الأرجواني فإن التدفق المستمر للدم تباطأ إلى حدٍ كبير بسبب المانا.
مسحت دموعها بظهر ذراعها الجيد ثم كافحت لتقف منتصبة “شيء ما أظهرته لي أمي فقط في حالة حرجة…” على الرغم من أن وجهها شاحب ومزين بالعرق إلا أنها إستقامت “لا يمكننا أن نضيع المزيد من الوقت”.
أومأت برأسي وإستدرت بعيدًا لأن ذراعي من مفاصلي إلى كتفي يتألمان فتقنية هجوم الإندفاع بدت وكأنها إمتداد طبيعي لخطوة الإندفاع، إن جسدي الأزوراسي يمكنه التعامل مع الإجهاد لكن لدي القليل من الوقت الثمين للتدرب عليها، على عكس خطوة الإندفاع حيث سقطت كل قوة الدفع المنفذة بعناية في الأرض وتم إمتصاصها، إن لكمة تغذيها السرعة والدقة الكبيرة أعطتني تقريبًا نفس التأثير الذي حدث لهدفي مما تسبب في سلسلة من الدموع والكسور في ذراعي، بشد قبضتي تابعت مع شفاء جسدي مدركًا لكل عضلة ممزقة وأوتار متوترة أثناء إندماجهما، أتمنى أن أمد نفس القوة لأختي وشفاء ذراعها لكن لم يكن هناك وقت لأتباطأ بسبب أخطائي.
توقفت إيلي عندما توقفتُ وتسلقت بيد واحدة على ظهر بوو محدقة في الأطراف أعلاه “سمعت الرياح فوق الأجنحة… أستطيع شم رائحة أخرى”.
لم يكن هناك مزيد من النقاش قبل أن نبدأ في التحرك مرة أخرى حيث ركضنا على طول الفرع مع شول في المقدمة، بقيت إيلي مقيدة ذراعها بحبل وسلاحها المدمر على ظهر بوو بينما ذراعها السليمة ممسكة بسيلفي، إندفعت كايرا بين بوو وريجيس ونصف تركيزها على الطائرات التي تنطلق عبر أوراق الشجر من حولنا، على الرغم من أنني لم أستطع الشعور بتوقيعات مانا السكايراي إلا أنني أبقيت نطاق القلب نشطًا مراقب حركة كل من المانا والأثير بحثًا عن أي علامة على المزيد من الخطر، قبل أن ننتقل حتى إلى الفرع التالي مر سكايري مسرعا فوق رؤوسنا في إتجاه الأطراف الساقطة، بفضل تحذير إيلي وكايرا تمكنا من الإختباء في رقعة سميكة من الأوراق بحجم الشراع وتركناه يختفي خلفنا، عندما خرجنا من مخبئنا ظهر آخر مع إثنين من القشريات الزئبقية حيث نقر أحدهم على ظهر رفيقه الذي رمى رمحه ذي الشقين في إتجاهنا.
“تقدموا واصلوا التحرك!” أطلقت شتيمة بإحباط.
رفع شول سلاحه في راحة يده منطلقا إلى الأمام وأسرع بوو لمطابقته لكن يمكنني أن أقول إن كايرا تكافح من أجل تقسيم تركيزها، بدت وكأنها تفكر في الأمر للحظة ثم قفزت على ظهر ريجيس الذي توقف لفترة كافية فقط للسماح لها بتعديل نفسها ثم تبع خلف الآخرين، في لحظة دار السكايراي ونزل من ورائنا لكنه لم يهاجم بدلاً من ذلك أطلق إهتزازًا أقل من سرعة الصوت مثل ناقوس الموت لأول واحد واجهناه، دفعت الأثير في أذني لتخفيف الضوضاء وكما توقعت ظهرت سكايراي أخر من خلف الأول ثم ثالث من خلال مجموعة متشابكة سميكة من الفروع على يميننا.
“هناك إثنان آخران تحتنا” قالت كايرا وهي تلتف من ظهر ريجيس لمواجهتي “لكل منهم حفنة من تلك المخلوقات ذات الحجم الصغير إنهم يتجهون إلينا!”.
بالنظر إلى سرعة السكايراي لم يكن هناك طريقة لنا للتغلب عليهم، نظرًا لكون هذا الهجوم منسقًا بشكل واضح كنت أعرف أن التوقف لمحاربتهم قد يسمح لمزيد من الأعداء بالعثور علينا.
“إستمروا في التحرك” أمرت بعد أن إستغرقت ثانية للتفكير.
‘سيلفي الآن سيكون وقتًا رائعًا للخروج’ فكرت ولم أتوقع ردًا.
فجأة قام أحد هؤلاء السكايراي بالدوران وجلس على الغصن الذي أمامنا على بعد 100 قدم حيث نزل ركابه الثلاثة ثم إنقسموا زاحفين على طول الجوانب وتحت الغصن نفسه، هبط سكايراي أخر خلفنا ونزل راكبان آخران بأسلحتهما المسحوبة نحونا بعشرات الأرجل مثل السكاكين، شعاع أسود من نيران الروح إنتشر في الهواء ضرب إثنان مما تسبب في تحولهم لفقاقيع من اللحم، أطلقت الطائرتان الأخريان يسارًا ويمينًا مستهدفتين القشريات الزئبقية على طول الحافة الرأسية للفرع، في الوقت نفسه خرجت صاعقة بيضاء متوهجة من كف إيلي وإنحنت للأسفل حول الحافة الخارجية للفرع تلاها إنفجار إرتجاج شعرت به من خلال قدمي.
ركزت على سيلفي والدرع والتعويذة المحيطة بجسدها فالحفاظ على تعويذتها اللاواعية قيد الفحص من أولوياتي، مع تركيزي على سيلفي بالكامل في وعيي إستخدمت محيط أفكاري فقط لإستحضار شفرة أثيرية ورائي على بعد 40 قدمًا وقطعت بها بعنف، كان الهجوم أخرقًا حيث قفزت القشريات الزئبقبة لتجنبه رغم أن هذا الجهد الفاشل تسبب في هزة جعلت بوو يفقد توازنه، تعثر وكاد أن يسقط أختي الجريحة ومع ذلك في الثانية التي إشتريتها طار سلاح شول ذي الرأس المستدير، ألقى به مثل الصاروخ حيث إندفعت الشقوق في الرأس باللهب قبل أن يتمزق اللحم والعظام وتقريباً شطر الوحش إلى نصفين، إلى يسارنا إندفع القشري المشتعل إلى جانب الفرع وتشبثت أرجله العديدة بسهولة باللحاء السميك قبل أن ينهي ريجيس أمره بضربة سوطية من ذيله، ركض شول مباشرة فوق جثة السكايري بينما عاد سلاحه إلى يده وظل بوو وريجيس يسيران بخطى ثابتة مواصلين المسيرة في أعقابه.
“في الأسفل!” صرخت إيلي مشيرة إلى قاعدة شجرة مجاورة.
تحركت العشرات من القشريات الزئبقية مثل النمل الأبيض متسلقة بسرعة الهيكل الشاهق، لقد تقدموا بأسرع مما كنا قادرين على الركض على طول السطح الأفقي وبدا كما لو أنهم يعتزمون قطعنا، قمت بمسح الفروع القريبة من خلال وابل من النيران بحثًا عن طريقة لتغيير المسار، بدون ترسانة قدراتي الكاملة لم يكن هناك مكان آخر أذهب إليه إلا بشكل مستقيم وأثناء الجري بحثت في ظلال كل فرع وجذر عن أي علامات لبوابة الخروج، لم تكن هذه المنطقة مساحة محدودة مثل الكهف لكنها أشبه بالمنطقة المغطاة بالثلوج أو الصحراء التي دمرتها أنا وتاسي، في كلا المكانين اللذان بدا أنهما يتوسعان إلى الأبد قادتني المنطقة نفسها إلى الوجهة.
لقد إتبعنا الفروع في الإتجاه الأكثر طبيعية والذي كنت أتمنى أن يعني…
ركزت عيناي على شيء ما في حافة مستقيمة بين الأشكال العضوية الخشنة والمتعرجة وبالكاد لاحظت أنه نصف مخفي داخل مجموعة من الجذور المتشابكة بعيدًا في البحيرة أسفلنا.
أكدت إيلي شكوكي على الفور حيث ركزت عيناها البنيتان اللامعتان عليه “إنها البوابة!”.
–+–
ترجمة : Ozy.