البداية بعد النهاية - 436 - مشوشة
قاطعت صرخة طفل محادثتنا مما أدى إلى توقف ليرا لفترة، توترنا جميعًا أثناء بحثي عن مصدر الضجيج متجهزين للدخول في تشكيل الدفاعي لكن بعد لحظة إسترخيت وتركت أنفاسي.
العديد من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 أعوام وأوائل المراهقة يطاردون بعضهم البعض بين قطع الأراضي الزراعية المرتفعة، ركضت الفتاة في المقدمة بكرة جلدية ثقيلة بين ذراعيها بينما كافح الآخرون لأخذها منها.
أمسك صبي أكبر قليلاً على ذراعها حينما حاولت رمي الكرة إلى فتاة أخرى لكن بسبب ثقلها سقطت على بعد عدة أقدام، تدحرجت لمسار طفل آخر والذي ركلها بعنف عن طريق الصدفة مما جعلها تتجه إلى ناحيتنا.
“لماذا يوجد أطفال هنا؟” سألت إيلي مرتبكة.
شاهدت ليرا الأطفال يلعبون بتعبير معقد “العديد من عائلات ألاكريا أقاموا في أماكن مثل سيروس وإتيستين – معظمهم من الجنود ذوي الرتب العالية – ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه”.
تدحرجت الكرة نحو قدمي ما جعل الأطفال يتوقفون عن ملاحقتها محافظين على مسافة بيننا ومحدقين في بعصبية، رفعت الكرة في الهواء بقدمي قبل أن أركلها فوق رؤوسهم حينها إندلعت جوقة من الضحك بين الأطفال الذين إنطلقوا خلفها مرة أخرى.
عندما إستدرت وجدت ليرا تتفحصني بإهتمام.
“إذا كنت ستذهب إلى ألاكريا فهناك شيء أود أن أطلبه منك” ظهرت كومة من الرسائل الملفوفة من حلقة أبعادها “بعض الناس هنا كتبوا رسائل إلى دمائهم في ألاكريا لكن لم تتح لي فرصة أخرى لإرسالهم”.
“هل سنكون سعاة بريد الآن؟ حاملي الرسائل للعدو؟” سخر شول.
“بالطبع سنأخذهم” قالت كايرا متقدمة لقبول كومة الرسائل من ليرا مع إعطائي نظرة إستجواب.
“لا ينبغي أن يكون توصيلهم إلى ألاكريا مشكلة” هذا ما قلته دون إلتزام بينما أشعر بالإتفاق مع شول أكثر من كايرا.
أطلقت ليرا ضحكة حينها لم يسعني إلا أن أبتسم بطريقة مكتومة أيضًا “أنا لا أطلب منك الذهاب من باب إلى باب لتسليمهم أيها الوصي لكن شكرا على مساعدتك في هذا على الرغم من أنه يبدو عملا وضيعا بالنسبة لك لكنه موضع تقدير كبير”.
أمسكت كايرا الرسائل بعناية لفترة طويلة قبل إرسالها إلى خاتم أبعادها “هل لدينا وجهة في الإعتبار إذن؟”.
“هل هناك مكان في ألاكريا سنكون فيه بأمان؟” سألت إيلي ردا على ذلك متململة بعصبية وأضافت قائلة “لا أصدق أنني ذاهبة إلى قارة أخرى”.
“نعم أعرف من أين أبدأ، ليرا هل يوجد مكان قريب بعيد عن أنظار أهل القرية؟ أفضل ألا أزعج شعبك من خلال تنشيط بوابة إلى ألاكريا أمامهم مباشرة”.
وافقت ليرا قبل أن تقودنا إلى ساحة صغيرة ولكنها مزدهرة بعيدًا قليلاً عن القرية وكثيفة بما يكفي لحمايتنا من أعين المتطفلين.
سحبت إعوجاج تيمبوس ووضعته على الأرض بين العشب الأصفر ثم قمت بتنشيطه بإستخدام الأثير لتشكيل المانا حسب الضرورة، توهج ساطعًا في ظلال أطراف الأشجار المنتشرة قبل أن ظهر بوابة بجانبه.
هذه المرة ذهبت كايرا أولاً – لم أكن متأكدة تمامًا مما ينتظر على الجانب الآخر وأردت وجها مألوفًا ليخرج من البوابة – ثم تبع الباقي بسرعة.
“شكرًا ليرا” قالت ومددت يدي لها.
“أيها الوصي الأمور تقترب من ذروتها لا يسعني إلا أن أشعر أن أغرونا إنتهى من الإنتظار لأنه لا يفعل شيئًا بدون خطة، رغم أن طبيعته الأزوراسية تجعله منعزلًا في بعض الأحيان إلا أني لا أعتقد أن أي شيء حدث خارج عن نواياه حتى هزيمته هنا في ديكاثين” قالت ممسكة بها.
“من أجلنا أتمنى أن تكوني مخطئة” قلت ضاغطا على يدها بقوة مرة أخرى قبل إطلاقها.
عندما إستعدت إعوجاج تيمبوس شعرت بنظري ينجذب إلى المسافة خلف الأشجار أين ما زلت أسمع لعب الأطفال وصراخ العمال يليهم صوت حزين لثور القمر، فكرت في قيام الجنود بتحويل طبيعة تعويذاتهم الهجومية إلى حرث الأراضي الزراعية وسقيها في مجموعات قتالية منظمة تعمل في تناسق لبناء المنازل بدلاً من تدميرها.
إعتقدت أن الأشخاص الأضعف ربما سيجعون هنا حتى يصبح وضعهم رهيباً لدرجة أنهم لن يتركوا بأي خيار سوى الهجوم مرة أخرى لكن الألكريان إزدهروا، من خمن أن المرأة المسؤولة ذات يوم عن نشر أكاذيب أغرونا الشريرة في هذه القارة ستكون نفس الشخص الذي يقف بجانبي الآن مكرسة حياتها لتحسين حياة أولئك الذين ينظر إليهم أغرونا كعلف فقط؟.
بعد أن أدركت إمكانية وجود أيام أفضل في الأفق بعد فترة طويلة من الحرب دخلت البوابة.
تمت إحاطتي بضوء متموج حيث إستغرق الأمر لحظة ليتحول إلى أشكال صلبة قبل أن تظهر وجهتي، تسربت أصوات غير مجسدة إلى وعيي قبل أن أتمكن من فهم الأشكال ومعظمهم يصرخون، عندما إكتسبت الألوان غير الواضحة معنى أدركت أنني أواجه جدارًا من التعويذات الدفاعية، حجبت عدة دروع من الرياح والنار والجليد وألواح شبه شفافة من المانا مبنى من طابقين والذي بدوره محاط بالتلال الخضراء والحقول الذهبية، يبدو أننا فتحنا البوابة في منتصف ساحة تمت صيانتها بدقة حيث داس شول بقدمه على مجموعة من المصابيح بلون اليوسفي.
أخرج سلاحه أيضًا وعبس في وجه السحرة المعارضين بينما يقف ريجيس أمامه مما أدى إلى ثنيه عن مهاجمة الألكريان، أمسكت إيلي بسيلفرلايت الذي يشبه العصا وهي مختبئة خلف بوو بينما تقدمت كايرا للأمام رافعة يديها فوق رأسها ومحاولة بهدوء تهدئة الموقف.
“نحن لا نشكل تهديدا فقط إسترخوا إسمي كايرا من الدماء العليا دينوار من فضلكم…”.
تلاشى أحد الدروع وخرجت شابة عبر الخط الدفاعي بشعر برتقالي مائل للأصفر عند الأطراف مما أدى إلى تأطير وجهها غير المُصدق وعينيها العسليتين اللامعتين “أستاذ غراي؟”.
“من فضلك لا تهاجمي أصدقائي يا بريار” قلت بينما أخطو ببطء أمام الآخرين “هذا من شأنه أن يجعل الأمر محرجًا جدًا”.
تلاشت الدروع الأخرى واحدة تلو الأخرى وكشفت عن العديد من السحرة الشباب جميعهم في سن الدراسة، الشخص الوحيد الذي تعرفت عليه على الفور هو أديم تلميذ دارين بعيونه القاتمة التي إتسعت بشكل كرتوني عند رؤيتي مظهرا إبتسامة عريضة، في كل مكان من حوله بدأ السحرة الصغار الآخرون في الثرثرة بحماس متطلعين إلى أديم لتأكيد ما قالته بريار للتو.
إنفتح الباب الأمامي للعقار حينها إندفع دارين إلى ضوء الشمس والرياح تدور بالفعل حول قبضتيه، على مرأى مني توقف عن الكلام حيث تحول تعبيره إلى صدمة محضة ثم إرتياح وأخيراً إبتسم إبتسامة عريضة مثل إبتسامة أديم.
“غراي أيها اللعين! لقد وسخت نفسي بالكاد عندما رن الإنذار” قال متلقيا جولة من الضحك غير المؤكد من حشد المراهقين “ماذا تفعل هنا بإسم فريترا؟”.
“يمكنني أن أسألك نفس الشيء” أجبته تاركا نظراتي تكتسح المدافعين عن المكان “لقد توسع برنامجك على ما يبدو”.
إختفت الإبتسامة وإلتف لرؤيتهم “لقد حدث الكثير منذ مغادرتك إلى أكاديمية المركز، لماذا لا تدخل أنت وأصدقائك؟ يمكنك إخباري بنوع المشكلة التي جلبتها إلى منزلي وسأفعل نفس الشيء”.
تنحى السحرة الصغار جانبا مما سمح لنا بالإقتراب من القصر، مشت سيلفي على يساري وإيلي إلى يميني أين سمعتها تهمس لبوو للبقاء في الفناء ورغم تذمره إلا أنه فعل كما طلبت، سارت كايرا وريجيس أمامي ثم ألقيت نظرة خاطفة على شول الذي ظل يراقب الألكريان من الخلف.
“شكرًا لك على التحلي بضبط النفس” قلت له.
نظر إلى عيني بالكاد ثم عاد لمشاهدة أطفال ألاكريا “لم يتم نطق إشارة الهجوم”.
أطلت المزيد من الوجوه الشابة من المداخل إلى أسفل الدرابزين حول الطابق الثاني.
“سيد أوردين ماذا – البروفيسور غراي!” أغلقت أفين بشعرها الداكن الذي صار أطول مما رأيته آخر مرة في فيكتورياد أحد الممرات.
ورائها العديد من الأطفال الصغار يكافحون للإختباء خلفها بينما يحاولون في نفس الوقت رؤية ما يحدث بما في ذلك الفتاة الصغيرة بينكا التي إلتقيت بها آخر مرة كنت هنا.
“هل لديك كل الأطفال من صفي هنا؟” سألت مذهولا أكثر من حضور أفين.
تجعدت شفاه دارين بإبتسامة قسرية لم تصل إلى عينيه.
“ماركوس موجود هنا في مكان ما” قالت بريار من المدخل خلف مجموعتي “عائلته أذكياء بما يكفي لإخراجه من الأكاديمية قبل أن تبدأ الأمور حقًا في الإنهيار”.
“بريار إنتبهي لكلامك” قال دارين بنبرة توبيخ خفيف.
كنت أرغب في طرح المزيد من الأسئلة لكنني شعرت أنه من الأفضل القيام بذلك على إنفراد لذا تابعت دارين بشكل أعمق في القصر، لحقنا مجموعة من الأطفال من مسافة بعيدة متسللين خلفنا كما لو أننا لن نلاحظ عشرات الأزواج من الأقدام، سارت بريار معنا بوقاحة وتصرفت كما لو أنها واحدة منا يبدو أنها تنوي الإنضمام إلى المحادثة التي سنجريها بعد وصولنا.
راقبت سيلفي كل سلاح أو قطعة فنية معلقة على الحائط بإهتمام.
‘لا تبدو ألاكريا مختلفة تمامًا عن ديكاثين’ قالت متأملة.
قادنا دارين إلى نفس غرفة الجلوس حيث كشف لي هو وألاريك عن خطة أكاديمية المركز الخاصة بهم، دخلت الغرفة أنا ورفاقي لكن دارين أوقف بريار عند الباب حيث عقدت ذراعيها ورفعت ذقنها بتحد لكنه إحتاج فقط لأن يرفع حاجبها عليها، تنفست بشدة ثم شدت شعرها غاضبة وصرخت في وجه جميع الأطفال الآخرين للعودة إلى واجباتهم مبتعدة عنهم.
رغم أن الغرفة مجهزة بدقة إلا أنها صغيرة ولا تتسع لنا جميعًا لذا مستشعرا ذلك صار ريجيس غير مادي وعاد لنواتي، توجه شول إلى النافذة محدقا في الخارج ومعطيا ظهره لبقيتنا بينما جلست كايرا التي لا تزال تظهر عليها علامات التعذيب من محنتها الطويلة مع فاجراكور على كرسي فخم، فعلت إيلي الشيء نفسه رغم أنها جلست أكثر تيبسًا ويديها على ركبتيها مع سيلفرلايت الذي يلمع بين ساقيها.
بقيت سيلفي بجانبي وعيناها الحادتان تراقبان دارين بعناية.
‘لا بأس يمكننا الوثوق به’.
‘ربما لكن ألا يمكنك الشعور بمدى توتره؟ لم تكن الأمور تسير على ما يرام بالنسبة له’.
عقدت ذراعي متكئا على رقعة عارية من الحائط – واحدة من القلائل التي لا تغطيها أرفف الكتب أو خزانات المشروبات “إذن ما هي الصفقة مع هؤلاء الأطفال؟”.
تنهد دارين وجلس على الكرسي محركا رأسه ببطء عبر الغرفة بينما يشاهد كل رفاقي ولم يرد حتى قابل عيناي “الحرب الأهلية يا غراي بعضهم تيتم مؤخرًا والبعض الآخر مختبئ لتجنب إرسالهم إلى القتال، لا يمكن التقليل من تأثيرك أيضًا قيل لي أن العديد من طلابك أقنعوا دمائهم بعدم المشاركة في الحرب بسببك”.
“وهذا بطريقة ما سبب وجودنا هنا” تدخلت كايرا للفت إنتباه دارين.
“سيدة كايرا إنه لمن دواعي سروري أن أراك مرة أخرى” قال دارين وبصره على قرنيها.
في حركة بدت غير مقصودة إنجرفت يد كايرا إلى قرنيها كما لو أنها نسيت أنهما مرئيين “خاض البعض منا هذه الحرب الأهلية لفترة طويلة مثل المنجل سيريس، نحن نبحث عنها هل هناك أي شيء يمكنك إخبارنا به؟”.
إنقبض فك دارين ثم إسترخى ووقف فجأة متجها إلى رف منخفض يحتوي على زجاجات وأكواب وسكب لنفسه شرابًا “نصف آباء هؤلاء الأطفال محاصرون معها في المقابر الأثرية ضد القوات التي تحت قيادة المنجل دراغوث فريترا الذي يهاجم البوابات إلى المستوى الثاني بدون توقف لأسابيع، ألاريك لديه جاسوسان بين هؤلاء الجنود يغذوننا بالمعلومات على الرغم من أن ذلك ليس ضروريًا، لم تتباطأ صناعة المستوى الأول على الإطلاق رغم منع الصعود وبشكل أساسي كل ما أعرفه هو أن القوات الهجومية تزداد ثقة كل يوم في أنها ستخترق المستوى الثاني قريبًا”.
نظرت كايرا إلي بإلحاح واضح “لا يجب أن ننتظر بعد ذلك غراي – آسفة آرثر – نحن بحاجة للذهاب على الفور”.
إرتفعت حواجب دارين عندما قالت إسمي “إذن هذا صحيح أنت من ديكاثيان كما تقول الشائعات؟”.
“ما الخطأ فى ذلك؟” سألت إيلي بشكل دفاعي ممسكة بسيلفرلايت وهي تنظر بعصبية إلى دارين.
رد دارين على إنزعاج إيلي بإبتسامة دافئة “لا شيء حقًا فقط… أنا آسف غراي – آرثر – لم يعرّفنا أنا دارين صاعد سابق والحارس الحالي لهؤلاء الأطفال المذعورين، لقد ساعدته على الخروج من أكثر من مأزق محفوف بالمخاطر وآمل أن يكون هنا لرد الجميل”.
“أوه” قالت إيلي بينما تنظر بخجل إلى ركبتيها.
وفرت له الكثير من التفاصيل ثم قدمت له كل شخص آخر غير كايرا التي يعرفها بالفعل.
“يبدو أننا بحاجة إلى المغادرة على الفور ولكن هناك مشكلة في الجزء التالي” إعترفت مبتعدا عن الحائط ومقابلا عين شريكتي.
“لا يمكنني الذهاب إلى المقابر الأثرية” قالت بعبوس.
“سأبقى مع سيلفي إذا كان هذا ما تريده” تطوع إيلي فاجأني.
“لا أريد أن أترك أي شخص ورائي لكن ليس لدينا خيار سيكون الأمر أسرع إذا ذهبت مع كايرا وريجيس لوحدنا” سألت دارين “هل يمكن للآخرين البقاء هنا؟ يجب أن تساعد سيلفي وشول كثيرًا في حماية الأطفال”.
“لم أبادل أحد المخابئ بآخر” قال شول مبتعدا عن النافذة.
كنت سأرد إلا أن لفت إنتباهي شيء ما حيث غمر نطاق القلب رؤيتي ببحر من الألوان مما سمح لي برؤية تعويذة خاصية الرياح مع إنحراف الصوت التي تخترق الحماية الموضوعة على الباب، لاحظ دارين نظرتي وسار بسرعة نحو الباب ليفتحه حينها سقط حفنة من الطلاب الأكبر سنًا على الأرض.
من خلفهم أظهرت أفين وبريار الخجل على الأقل للتظاهر بالأسف.
“حقًا الآن” صاح دارين محركا رأسه “من أنتم؟ حفنة من الحيوانات البرية؟”.
“والداي في المقابر الأثرية” قال شاب بركبتين مهتزتين “أريد أن أعرف ما الذي يحدث”.
“سيحتاج البروفيسور غراي إلى المساعدة إذا كان سيساعد المنجل سيريس فريترا” بجرأة كالعادة لم تتوانى بريار تحت النظرة المشتركة لمجموعتي بأكملها “يمكننا القتال…”.
“سبب إرسالكم إلى هنا بالضبط هو لعدم القيام بذلك” قال دارين بهدوء ورأيت حينها مدى إهتمامه بالعديد من الأطفال حيث أن لطفه لم ينمو إلا في مواجهة تحدي بريار “الآن هيا جميعكم”.
بعد إغلاق الباب وحمايته مرة أخرى إستمرت محادثتنا لبعض الوقت، ظل دارين أكثر من راغب في السماح لرفاقي بالبقاء معه على الرغم من أنهم أقل حماسًا للتخلف عن الركب وخاصة شول، في النهاية المقابر الأثرية هي التي حددت مسارنا فعند سحب البوصلة قمت بتنشيط جزء الصعود، كما حدث عدة مرات تفككت البلورة وشكلت بوابة غير شفافة فوق نصف الكرة الأخر حينها عرفت على الفور أن هناك خطأ ما، تشوهت البوابة نفسها وإنحنى الضوء المنبعث منها بشكل غير طبيعي لذا تنحيت جانبًا سريعًا لتجنب لمس الأشعة لكن حينها لاحظت شريكتي.
حدقت سيلفي في البوابة كما لو أنها في نشوة وبدا كما لو أن البوابة نفسها تريد أن تصل إليها.
“هل أنت بخير؟” سألت وأصابعي ترتعش يالرغبة في إلغاء البوابة.
أومأت سيلفي برأسها وإرتفعت يدها ببطء نحو الضوء الذي يتحرك نحوها في نفس الوقت “أنا بخير إنه فقط… هناك صدى بيني وبين البوابة…”.
أدركت أن التصدعات الخافتة تتموج عبر الأثير في الجو حيث ربطت سيلفي وبوابة الصعود.
“سيلفي” ذعر غامض وغير مادي ضيق صدري.
ترددت بينما تنظر إلي وكأنها تطلب الإذن “إنه شعور… مريح”.
شددت قبضتي على جانبي مقاوما الرغبة في كبحها وحاولت التفكير في الموقف بعقلانية لكن لم يكن لدي أي أساس لإتخاذ القرار، يجب أن تدفعها البوابة ببساطة إلى الخلف كما حدث مع تاسي وألدير لكن قد تكون سيلفي مختلفة، بدلاً من ذلك يمكن أن تعمل البوصلة بشكل مختلف لم يكن لدي أي طريقة لمعرفة ما إذا كان ذلك شيئًا جيدًا أم سيئًا، كل ما يمكنني فعله في النهاية هو الوثوق بها لذا أومأت حينها مسحت أطراف أصابعها حواف الشكل البيضاوي المعتم وخطت من خلاله مختفية في المقابر الأثرية.
‘حسنًا اللعنة’ فكر ريجيس وقفز عبر البوابة من بعدها.
“تغيير في الخطط” قلت “شول إذهب معها”.
إبتسم مستحضرا سلاحه ثم قفز إلى الداخل ومن بعده كايرا بينما ظلت إيلي تراقبني بعناية، من الواضح أنها لا تزال غير متأكدة مما إذا كانت ستأتي معي أم لا لكني أومأتُ لها ولوحت بإتجاه البوابة.
بفرقعة خافتة ظهر بوو بجانبها حيث قلب الجزء الأكبر من الطاولة
“آسفة” قالت إيلي قبل أن تخطو نحو البوابة وتبعها بوو عن كثب.
“لن يتمكن أي أحد آخر من دخول البوابة بعد أن أعبرها لكن لا تدع أي شخص يعبث بالقطعة الأثرية” شرحت لدارين.
“سيتم قفلها في هذه الغرفة” أكد لي دارين وهو يصحح الطاولة المقلوبة “هل لديك أي فكرة عما تنوي القيام به؟”.
“لا شيء لطيف أنا متأكد” لم أرغب في ترك رفاقي داخل المقابر الأثرية بدوني لفترة أطول مما كنت أفعل بالفعل لذا مشيت عبر البوابة.
خطوت للداخل… حدث شيء لا يوصف.
ضغط بنفسجي غاضب ثبت جسدي في مكانه، إندلعت عاصفة غير مرئية وبدا أن نبضات قلبي تدق وتتوقف مرارا وتكرار، لم أستطع الرؤية أو السمع أو التفكير بوضوح ولم أكن متأكدًا حتى من وصولي إلى المقابر الأثرية.
‘إنها سيلفي…’ سمعت صوت ريجيس المشوه من خلال الأثير.
إلى جانب صوته رأيت وميض ذكرى: ظهر ريجيس على الجانب الآخر من البوابة أين جسد سيلفي المتصلب كما لو أنها تعاني من نوبة صرع، تحرك نصف خطوة إتجاهها حينها إنفجر الأثير مما أدى إلى ضغط ريجيس إلى ما يزيد قليلاً عن خيوط دخانية صغيرة محصورة داخل الأثير اللزج.
بتفعيل نطاق القلب شعرت بالآخرين هناك غير متحركين ومجمدين لكن بخلاف ذلك لم يبدوا أنهم قد تعرضوا للأذى بأي شكل من الأشكال، جمعت أكبر قدر ممكن من قوتي ودفعتها للخارج محاولًا شق طريقي عبر العائق أثناء المناورة بعناية بين رفاقي، شيئًا فشيئًا إنحسر الأثير المقابل وتمكنت من التقدم ببطء خطوة ثم أخرى أعمق في حتى… إصطدمت قدمي اليمنى بمصدر الفوضى.
إنحنيت ببطء – علي أن أكون حريصًا الآن على دفع ما يكفي من الأثير فقط لأمنعه من تثبيتي في مكاني مرة أخرى – ووصلت إلى سيلفي.
تم تنقية الهواء بيننا ودفع الضباب البنفسجي جانبًا بواسطة قوتي المضادة، وجدت سيلفي على الأرض وعيناها مفتوحتان لدرجة أن البياض فقط من ظهر، جسدها متصلب لذا أمسكت بكتفيها وهززتها بلطف عندما لم ترد هززتها بقوة لكنها لم تتفاعل.
‘سيلفي! سيلفي هل تسمعينني؟’ لم ترد لذا لم أستطع أن أكون متأكدًا مما إذا كان الأثير يتحكم فيها بنوع من التعويذة أو ربما المقابر الأثرية نفسها تولد هذه الظاهرة.
ظلت فاقدة للوعي لكن الأثير بدا لها ما جعل هذا غير منطقي.
‘آلية دفاعية ربما؟’ تسائلت ‘أثارها رد فعل من المقابر الأثرية’.
محاولة إبعاد العاصفة الأثيرية خطير للغاية قد أقوم بتمزيق إيلي أو كايرا إلى أشلاء بين القوى المتعارضة، يمكنني محاولة إلغائها لكن دون فهم ما يحدث أو لماذا جعلني خائفًا من أذية سيلفي بأي شكل من الأشكال ومع ذلك أعلم أنني يجب أن أفعل شيئًا ما، وسعت حواسي – الأمر الذي تطلب مجهودًا قويًا من جانبي حيث قمت بإخراج الأثير الخاص بي للدفع للخارج – من خلال تأثير التعويذة مثل الديدان التي تخترق التربة حاولت العثور على الحواف.
تسارعت نبضات قلبي مما إكتشفته العاصفة تتوسع إلى الخارج مبنية على نفسها مع الأثير الجوي للمنطقة، لم يكن لدى سيلفي نواة من الأثير وبالتالي ليس لديها مجموعة من الأثير المنقى لتستخدمه مثل كل التنانين لذا بإمكانها فقط التأثير على الأثير من حولها، إذا تمكنت من إجبار الأثير على العودة إلى الداخل وإحتوائه بطريقة ما فيمكنني منع تعويذتها من التأثير على بقيتنا دون قطعها عنها.
‘فقط…’ رأيت مشكلة في هذا على الفور تقريبًا.
إذا أنفقت كل طاقتي في إحتواء تعويذة سيلفي اللاواعية فلن أتمكن من مساعدة الآخرين في تطهير المنطقة، لم يكن لدى سيلفي طريقة طبيعية لإحتواء الكثير من الأثير ولا قدرة على سحب الأثير وتخزينه كما أفعل، إلا أنه لدي طريقة للتعامل مع الأثير خارج جسدي دون تدخل واعي مستمر لذا حاولت الوصول إلى درع البقايا الخاص بي مظهرا إياه دون إستحضاره على جسدي، ظهرت الحراشف السوداء على بشرتي حينها قمت بشد أسناني وحاولت إزالتها جسديًا لكن على عكس الدروع العادية لم تكن هناك طريقة للقيام بذلك.
‘ربما يمكنني المساعدة إذا أمكنني التحرك’ قال ريجيس.
‘ربما هذا ممكن إذا إستطعت… نعم قد ينجح ذلك دعني أرى ما يمكنني القيام به’.
راكعا بجانب سيلفي فتحت بوابات نواتي لم أحاول السيطرة على الأثير الذي بدأ يتدفق مني ببساطة تركته يتوسع في الغلاف الجوي، إنتشر عبر السحابة ولم أفعل أي شيء لعرقلة التعويذة بل تركتها تندمج مع الأثير الجوي الذي يشكل المصدر.
إستطعت أن أشعر بالحافة المتوسعة للسحابة وكثافة الأثير الجوي لذا حاولت مطابقة طاقتي مع مدى تأثير التعويذة، إستغرق الأمر دقيقة وحينما إعتقدت أن القوتين كانتا في حالة توازن تقريبًا توليت السيطرة الأن كل جسيم أرجواني من الأثير المنقى الخاص بي يلتصق بجسيم مكون من تعويذة سيلفي، لم أكن أتمنى أن أتحكم بشكل فردي في كل ذرة لكن الأثير إستجاب لنيتي برد فعل مناسب، عندما وجدت ريجيس في العاصفة أزلت الأثير من حوله ثم فتحت نوعًا من النفق بيننا حينها إتحد معي على الفور وطار من السحابة إلى نواتي.
‘ما الذي تفعله حتى؟’ قال متذمرًا بينما يتخلص من آثار التعويذة.
‘ليس هناك وقت’.
أساس فكرتنا هو نفس المفهوم الذي إستخدمته مع ريجيس عندما شربت سيفًا مستحضرًا بالتدمير من خلال توجيه قوتنا المشتركة إلى الأثير، أولاً تدفق ريجيس إلى الدرع نفسه محافظًا على حالته غير المادية وحينما أطلقت الدرع بقي معه وسمح لنفسه بالوقوف بينه وبين الأثير، تلاشى الدرع وأصبح غير مألوف لكنه لم يختف تمامًا – على الرغم من أن الجن قد صاغوا البقايا إلا أنهم لم يتوقعوا أبدًا أنها يمكن أن تأخذ شكلًا أثيريا آخر – وبالتالي تجمد الدرع في حالته تلك.
عندما طار ريجيس نحو سيلفي تم جر الدرع الغامض معه وحينما إختفى فيها سحبت الخيط بيني وبين الدرع وجعلته ماديا مرة أخرى أو بالأحرى حاولت، بدلاً من ذلك تمزق الجوهر الغامض للدرع نصف المستدعى مثل القميص الحريري لكني تواصلت مع الأثير الخاص بي وحاولت إمساك الدرع، على غرار الطريقة التي تلاعبت بها بالمانا بإستخدام الأثير سحبه ريجيس محاولًا تغليف سيلفي بالدرع بينما أحمله.
أغلقت عيني وتركت فكرة واحدة واضحة في ذهني… حمايتها.
تركت كل الأفكار الأخرى تفلت من بين أيدينا مع التركيز كليًا على الدرع وتلك الفكرة البسيطة.
بدا الوقت متجمدا.
بطريقة متوترة ومتسارعة بدأ الدرع في الإندماج وإنكمش ليناسب جسد سيلفي بينما تصلب في حالته المادية من حولها، تركت أنفاسي التي لم أكن أعلم أنني كنت أحبسها وعاد عقلي إلى الأثير الذي أطلقته في الغلاف الجوي كل جسيم مرتبط بتلك الموجودة في تعويذة سيلفي، حاربني الأثير الجوي في محاولة للحفاظ على الشكل الذي كانت إرادة سيلفي تؤثر عليه ولكن كما أوضح إسقاط الجن أعطاني جوهري ميزة التحكم الأكثر إحكامًا ورابطًا أقوى بكثير مع الأثير المنقى، تغلبت على تأثير سيلفي حينها إستطعت أن أشعر بتقلص حواف العاصفة مع تلاشي الضباب الأرجواني الغامق من الهواء.
شيئًا فشيئًا تم إحتوائها جميعًا داخل سيلفي بإستخدام درع البقايا كقوقعة.
إنفجرت صرخة معركة مفعمة بالدماء بجانبي حيث عاد شول إلى الوراء وسلاحه جاهز بينما رأسه يرتجف بحثًا عن عدو، ناضل شخص آخر وحينما إستدرت رأيت أختي على الأرض ليس بعيدًا عني في مثل وضع سيلفي.
لفت كايرا ذراعًا حولها وأبعدت شعر إيلي عن وجهها بينما تتمتم بشيء ناعم ومريح.
‘لقد نجحت لم أكن أتوقع ذلك’ فكر ريجيس متحررا من جسد سيلفي.
تحول إلى شكله المادي وهز بدة النار المشتعلة حول رقبته.
إستخدمت نطاق القلب للبحث عن أي علامات إصابة أو رد فعل عنيف أو ضرر سحري لكنها بدت سليمة جسديًا، الآن بعد أن تم إحتواء التعويذة من الواضح أن هذا التأثير تم إستخدامه من قبل سيلفي نفسها ولم يكن هجومًا من قبل المقابر الأثرية.
“يقوم الدرع بمعظم العمل لكن علي أن أبقى مركزًا عليه لمنع تعويذتها من التحرر مرة أخرى” شرحت للآخرين.
“ما الذي يمكن أن يهددني هنا؟” سأل شول محدقا بثقة.
تبعت نظرتي نظراته وركزت على محيطنا بالكامل لأول مرة.
كنا مستقرين على رقعة ضيقة من أرض قاحلة ومسطحة وسط غابة بإستثناء المكان الذي وقفنا فيه نبتت الأشجار من مياه هادئة وصافية، إرتفعت الجذور العملاقة أحيانًا فوق السطح مثل الطرق السريعة المتعرجة عاكسة الأطراف أعلاه، لم تكن هناك سماء فقط النباتات المتسلقة بإستمرار والأغصان الواسعة مثل الطرق السريعة المنسوجة معًا لخلق الإنطباع بأنه لا توجد بداية أو نهاية لهذه الغابة، على الرغم من قلة الشمس أو السماء الغابة مضاءة بضوء بارد عديم المصدر.
“هل سيلفي بخير” سألت إيلي بضعف بينما تكافح من أجل الوقوف بشكل مستقيم ماسحة فمها.
إشتكى بوو ودفعها بجبهته العريضة.
“لماذا تبدو هكذا؟”.
لا تزال سيلفي جامدة لكن عاد لون عيناها لذا حاولت هزها مرة أخرى ثم رفعتها إلى وضع الجلوس.
عضلاتها مشدودة لدرجة يصعب معها تحريكها “سيلف… سيلفي؟”.
عندما لم يكن هناك رد أغمضت عينيّ وأدخلت صوتي مباشرة في عقلها ‘سيلفي هل تسمعينني؟’.
إتصالي المستمر بعقلها مقطوع لم تصل أفكاري إلى أي شيء.
لم يبقى الآخرون في صمت منتظرين أوامري حيث قامت كايرا بالفعل بتنشيط أداة التثبيت المصنوعة من القطعة الأثرية التي حصلت عليها من كنز منقار الرمح، طار العديد من الرماح الفضية للخارج بعضها صعد إلى الأطراف أعلاه والبعض الآخر إلتف حول الجزء العلوي من الماء، قفز شول من الأرض إلى جذر قريب على إرتفاع 15 قدمًا فوق سطح الماء وبيد واحدة على شجرة بحجم ناطحة سحاب مثل التي على الأرض بحث في محيطنا.
“نحن بحاجة إلى التحرك للوصول إلى بوابة الخروج” قلت رافعا سيلفي ووضعتها بعناية على ظهر بوو العريض “ربما تكون هذه الحالة مؤقتة فقط أو ربما نحتاج إلى إخراجها من المقابر الأثرية لا أعرف وفي كلتا الحالتين لا أريد أن أبقى هنا أكثر من اللازم”.
قفزت إيلي خلف سيلفي لتثبيتها في مكانها وأعطتني نظرة شرسة “أرثر سنهتم بها”.
“غراي” قالت كايرا بهدوء وعيناها تفتحان وتغلقان بسرعة “نحن لسنا وحدنا”.
–+–
ترجمة : Ozy.