البداية بعد النهاية - 435 - حاشية
“كل ما يمكنني قوله على وجه اليقين هو أن سيز كلار سقطت لكن سيريس هربت” قالت كايرا “تم توفير هذه المعلومة من قبل ليرا من الدماء العليا دريد قبل وصول التنانين بأسابيع”.
“ولكن يمكننا إستخدام هذا للوصول إلى أي مكان أليس كذلك؟” سألت إيلي مشيرة إلى الجزء الثقيل من المعدن المطروق الذي بدا مشابهًا بشكل غامض لسندان الحداد.
“إلى أي مكان تقريبًا” أكدت كايرا ونقرت بإصبعها على شفتيها بينما تفكر في إعوجاج تيمبوس الذي حصلتُ عليه من الأطياف “لكن هذا ينفعنا فقط إذا عرفنا إلى أين نحن ذاهبون”.
“لماذا لا تذهب مباشرة إلى قاعدة العدو؟” إنحنى شول إلى الأمام على مرفقيه وعينه البرتقالية تلمع بنار داخلية “يمكننا إستخدام هذا للذهاب إلى أي مكان حسب ما تقولين؟ إذا يمكننا مهاجمة أغرونا مباشرة”.
“إلى أي مكان تقريبًا” كررت كايرا “تايغرين كالوم هي قلعة لا يمكن إختراقها يحرسها سحر وتكنولوجيا فريترا”.
“أرسل جدي قوة كاملة من الأزوراس لإغتيال أغرونا وفشلوا” أضافت سيلفي “لا نعرف كيف ولماذا إلى أن نفعل ذلك من الخطر للغاية مواجهة أغرونا مباشرة خاصة في مقره”.
ساد الصمت حول الطاولة والصوت الوحيد هو لبوو الجالس في إحدى الزوايا ينظف نفسه بصوت عالٍ، مر يوم منذ وصولنا إلى فيلدوريال وفد جلست أنا وكايرا وشول وإيلي وسيلفي وريجيس حول طاولة كبيرة مع إستمرار النقاش بيننا، نحن في أعماق معهد إيرثبورن داخل غرفة محمية ضد كل من الصوت والمانا لذلك حتى فاجراكور سيجد صعوبة للتجسس علينا – إذا كان لديه الدافع للقيام بذلك.
أشرت إلى كايرا مفكرا في ما قالته “قد تعرف ليرا دريد المزيد أنا لا أثق في فاجراكور بما يكفي للذهاب إليه من أجل الحصول على المعلومات لكن من المنطقي أنها ظلت تراقب ألاكريا، إذا كانت جهود سيريس تُبذل بأي شكل من الأشكال تحت أنظار الشعب فقد نتمكن من معرفة من أين نبدأ”.
“أراد فاجراكور في حبسها أيضًا” ردت كايرا مخفضة نبرة صوتها “فكر في الأمر ذات يوم بينما يضغط علي للحصول على معلومات محاولًا إستخدام حريتها المستمرة ضدي، يبدو أنه منعها من السفر وهدد بحرق معسكرات ألاكريا – والألكريان فيها – إذا لم تمتثل، أعلم أنها أعطته بعض المعلومات لأنه إستخدمني للتحقق منها لكن لا يمكنني التأكد من أنه لم يكن يحاول فقط التلاعب بي”.
“المزيد من الألكريان؟” وقف شول عن الطاولة وأدار ظهره لنا “نحن نمزج بين خطوط الحليف والعدو أكثر من اللازم”.
“إحذر هناك أيها الحكيم أنت تبدو سيئا جدًا مثل فاجراكور” قال ريجيس.
حدق شول في ريجيس للحظة طويلة وبدا أنه يفكر في هذه الملاحظة ثم عاد إلى مقعده “نعم أنا كذلك”.
كان هناك طرق على الأبواب الحجرية المزدوجة التي أدت إلى الغرفة مما تسبب في قيام بوو بإخراج هدير منخفض، بتفعيل نطاق القلب تحققت من توقيعات المانا لمن هم في الخارج ثم فتحت الباب وسمحت لجايدن ورين كاين بالدخول، جاءت ميكا خلفهم مباشرةً حينها جلس رين كاين فورا على كرسي صنع من الأرض بينما وجد جايدن مقعدًا على الطاولة.
إستندت ميكا على الحائط الخلفي مع عبوس منحوت على وجهها فقد تخلت عن زي الرمح لصالح درع أقزام بسيط وعباءة ثقيلة من الفرو، أضاف هذا إلى حجمها مخفيا هيكلها الطفولي وقد أضاءت جوهرة سوداء من داخل محجر عينها اليسرى، خرجت من الغرفة وأغلقت الباب خلفي لضمان بقاء الختم سليماً ثم إنتظرت حتى ينضم إلينا الباقون، فاراي هي التالية أين تبادلنا بعض الكلمات المهذبة قبل تركها تدخل غرفة الإجتماع.
بدت والدتي متوترة بشكل لا يصدق عندما وصلت إلى زاوية القاعة لكنها إسترخت عندما رأتني وجذبتني إلى عناق ثم قبلتني على خدي ونظرت بتمعن في عيني.
“أرثر ما كل هذا؟ أنا لست معتادة على التسلل”.
لا يسعني إلا الإبتسام “لقد نجوت رغم كونك مغامرة وطبيبة في الخطوط الأمامية وقت الحرب أمي”.
“هذا صحيح على ما أعتقد” أدارت عينيها وضربتني بشكل هزلي بينما تنتف شيبًا بين خصل شعرها البني “إنه لأمر عجيب ألا يتحول شعري إلى اللون الرمادي ويسقط”.
“قبل أن تدخلي…” سحبت شيئًا من بعدي الروني وأمسكت به “لقد فكرت في هذا كثيرًا وأريدك أن تحصلي على هذا”.
إلتقطت بعناية الحجر الأبيض اللبني من كفي وقلبته للنظر إلى جوانبه العديدة “ما هذا؟”.
“هل تتذكرين ذلك الخاتم الذي أعطاك إياه فينسينت هيلسي عندما بدأت المغامرة؟” سألت “إنه نوع من هذا القبيل بإستثناء أنه… إذا إستطعت إستخدامه فستكونين قادرة على التحقق مني أو إيلي ومعرفة ما نقوم به بالضبط… لا أريدك أن تقلقي ما لم تقومي بتشغيله ووجدت أن الوحوش الأثيرية الغاضبة تقوم بتمزيقي”.
شحب خدي والدتي بسيب مزحتي وضغطت على الحجر مرة أخرى “ربما يكون من الأفضل…”.
“آسف” قلت بينما أفرك مؤخرة رقبتي “بصراحة هذا سيجعلني أشعر بتحسن كبير إذا حافظت عليه فقد تمكنت من إستخدامه لرؤيتكم على أي حال وإذا ذهبت إيلي معي…”.
“حسنًا ماذا أفعل؟” تنهدت وأمسكته بكلتا يديها.
فكرت في هذا بعد أن إستخدمت الأثير لتنشيط، على الرغم من أنه إستغرق وقتًا لإعادة الشحن بعد كل إستخدام إلا أنه سحب الأثير الخاص بها لذا الأمر يتعلق فقط بتشغيله.
“فقط أرسلي دفعة من السحر الشافي عندما يلمس عقلك فكري في إيلي”.
“هل علي أن…؟”.
أومأت برأسي لذا أغمضت أمي عينيها مغذية الأداة، شاهدت سحرها العلاجي يتفاعل مع الكائنات الحية في الغلاف الجوي وينقلها إلى الأداة التي سحبتهم ردا على ذلك.
“أوه” قالت بهدوء قبل أن ينقطع الإتصال وتفتح عيناها “كان بإمكاني رؤيتها تتحدث مع شول” تحركت عيناها إلى الأبواب المغلقة “داخل تلك الغرفة… شكرا لك” جذبتني إلى حضن آخر.
“يستغرق الأمر بضعة أيام حتى يتم إستخدامه مرة أخرى لذلك لن تتمكني من مشاهدتنا طوال الوقت” شرحت لها.
“ربما يكون هذا أمرًا جيدًا” ردت محدقة في الحجر وقلبته بين يديها مرارًا وتكرارًا مع ظهور إبتسامة صغيرة على وجهها “لست متأكدة من أنني قوية بما يكفي لمقاومة رغبة التأكد من أنكم بخير كل خمس ثوان ولدي الكثير لأفعله بدل فقدان نفسي لهذه الأداة”.
من خلفها وصل الضيوف الأخيرون إلى القاعة – فيريون وبايرون – حينها سمحت لها بالدخول إلى غرفة الإجتماع، وضع فيريون يديه على كتفي ونظر إلي من أعلى لأسفل رغم أن الجان العجوز لم يتغير جسديًا من الواضح أن أحداث العامين الماضيين قد إستنزفته.
“هذا غريب في بعض الأحيان عندما يمر وقت طويل منذ أن أراك أتوقع أن أجد ذلك الصبي البالغ من العمر 16 عامًا في إنتظاري” تلاشت إبتسامته وربت على خدي “هذا الشعر وهذه العيون وهذا الوجه… أتساءل عما إذا أمكنك حقًا أن تكون أنت”.
“لا تكن عاطفيًا إتجاهي جدي” سخرت على الرغم من أن قلبي لم يفعل “هناك… الكثير لتلحق به”.
“شقي” تمتم ودخلنا الغرفة معًا.
تتبعت نظراتي الجميع حيث يوجد هنا كل الأشخاص الذين أثق بهم أكثر من غيرهم حتى ضد قوة وسلطة كيزيس إندراث المتلاعبة.
“أشكركم على حضوركم جميعًا لن يستغرق هذا وقتًا طويلاً” إستغرقت دقيقة لتقديم الجميع لبعضهم البعض.
“لدي أخبار وطلب” قلت عند الإنتهاء من ذلك وسحبت سيلفرلايت سيف ألدير من بُعد الرون الخاص بي ثم قمت برفعه “هذا السلاح ملك للأزوراس ألدير”.
كان رد الفعل فوريًا حيث تبادلت فاراي وميكا نظرة حذرة بينما ظل فيريون متيبسًا وصر على فكه.
“ألدير هو الأزوراس المسؤول عن تدمير إيلنوار لكن تمت الآن معاقبة هذه الجريمة لن يؤذي إنسانًا آخر أو جان أو قزمًا لأنني أحمل سلاحه كدليل”.
ركزت عيناي على فيريون ثم قمت بالتحرك حول الطاولة حتى وقفت أمامه مباشرة وبحذر رفعت السيف الفضي بكلتا يدي، إرتجفت أصابعه ومد يده حتى مر لحمه عبر المعدن الصلب كما لو أنه إنعكاس على الماء، عبرت التموجات من خلال الفضة ومع كل تموج ذاب السيف ذو الحدين أكثر حتى لم يبق سوى النور، قبل أن أتمكن من الرد تكثف الضوء في نقطة واحدة مثل نجمة فضية ثم إنطلق في جميع أنحاء الغرفة.
إنحرف متجاوزا وجه رين ثم إندفع إلى فاراي قبل يتجاوز رأس بايرون وميكا وأخيرًا بسرعة كبيرة لدرجة لم يكن لدي وقت للتحرك أصاب إيلي في عظمة قصها، تراجعت أختي إلى الوراء وإصطدم جسدها ببوو – الذي إندفع إلى جانبها في اللحظة التي بدأ فيها النجم في التحرك – مستخدما بطنه لإمساكها.
أطلقت أمي شهيقًا خانقًا ورفع الرماح أسلحتهم بينما تعويذاتهم على أهبة الإستعداد حيث أشار بايرون برمح تاسي الأحمر إتجاه أختي كما لو أنه يخشى أن تهاجمه، بيد واحدة فركت إيلي عظمة القص وبدت في صدمة أكثر من الألم أما من ناحية أخرى ظل الضوء الفضي يتشكل على شكل عصا طويلة منحنية.
“إيلي هل أنت بخير؟” سألت أمي وقد وجهت بالفعل تعويذة شفاء.
“نعم فقط… مذهولة” قالت وما زالت تتفقد نفسها للتأكد من أن كلماتها صحيحة.
“أوه ضع ذلك بعيدًا” وبخ رين بايرون الذي أطلق بدوره على العملاق نظرة غير واثقة “إلا إذا كنت تخطط للتبارز مع طفلة ليوين وسلاحها الجديد”.
نظر إلى رين الذي يظهر تعبيرًا مسليًا ومع ذلك لا يزال غاضبًا “ماذا؟”.
“إختار سيلفرلايت الفتاة لأي سبب من الأسباب إنه سلاح أزوراس مرتبط في بعض الأحيان لن يختار أي سيد آخر، يمكن أن يطلقه الأزوراس المحتضر للعثور على يد جديدة لحمله فالرابطة الضعيفة يمكن التغلب عليها بروح قوية بما فيه الكفاية” عندما قال هذا أشار إلى الرمح الأحمر الذي لا يزال بين قبضات بايرون.
ظل تركيز ميكا على العصا المنحنية “إذن ماذا؟ نحن فقط نسلم أسلحة الأزوراس للأطفال الآن؟”.
عبست أمي على كلام ميكا لكنها لم تقل شيئًا.
“لا يبدو وكأنه سلاح بالنسبة لي” قال شول بينما ينحني عن قرب لتفقد العصا.
“إنه قوس” أجابت إيلي.
شخر بوو وأدركت أن إيلي على حق ما كنت أخطئ في إعتباره عصا منحنية هو شكل قوس منزوع الأوتار.
“ظل سيلفرلايت دائمًا مرنًا بطبيعته لقد إختار الشابة إليانور لإستخدامه وبذلك إتخذ الشكل الذي سيكون مفيدًا للغاية يجب أن تكوني فخورة لأنك جديرة بمثل هذا السلاح” إختتم رين ونظرته تتجه بشدة إلى أختي.
صارت عيون إيلي واسعة مثل القمر المكتمل وبنفس اللون تقريبًا حيث عكسا اللمعان الفضي للقطعة الأثرية الأزوراسية، هذا ليس بالضبط ما كنت أريده لكن لم أستطع التظاهر بأنني لست مسرورًا لإمتلاكها مثل هذا السلاح القوي.
“لكن لا يوجد خيط”.
“قلت أن سيلفرلايت يعتبرك جديرة أما بالنسبة لكونك جاهزة…” هز رين كتفيه بلا مبالاة.
أعطى بوو شخرة كما لو أنه يختلف مع حكم سيلفرلايت قبل العودة إلى ركنه بينما سيلفي تربت على أردافه بهدوء، أعدت إنتباهي إلى فيريون لأنني لم أنتهي من أخباري بعد رغم أن نظرته البعيدة موجهة نحو القوس المتلألئ ولكن لم يركز عليه.
“هل أنت بخير؟”.
“لقد قدمت العدالة يا أرثر وأشكرك على ذلك” أطلق ضحكة لاهثة لكنها أشبه بتنهد “ومع ذلك يبدو الأمر ضحلاً للغاية”.
“أنا آسف لا أفهم” تجعدت حواجبي في إرتباك.
“أعلم أنه لكي يقف شعب ديكاثين متحدين يجب القيام بذلك” أجاب بهدوء “لكن ربما لم أكن أتمنى حقاً أن يموت ألدير الذي كنت أحترمه كثيرًا في يوم من الأيام… هل يمكن للموت الواحد أن يعوض حقًا عن موت الملايين؟”.
تمنيت حينها أن أخبره حقيقة ما حدث لكنني أعلم أنه لن يؤدي إلا إلى تقويض أي شيء يمكن أن تكسبه تضحية ألدير.
“ربما يكون صحيحًا أن العدالة لا يمكن أن تنتهي بالموت أبدًا بل تصبح ثأرًا بدلاً من ذلك، في هذه الحالة ربما تكون هذه هي العدالة الحقيقية التي يحتاجها شعبك – شعبنا”.
إبتلعت لعابي بشدة وأومأت ثم سحبت شيئًا آخر عبارة عن صندوق صغير وضعته على الطاولة ودفعته بإتجاه فيريون، أخذه برفق وفتح الغطاء كما لو أنه يخشى أن يتحطم لدرجة أن المشاعر الثقيلة تحولت إلى فضول بسيط.
“هذه التربة من جبل جيولوس في إفيوتس” شرحت “قيل لي إنها قادرة على إنبات النباتات في أي مكان – حتى في مكان ما دمرته تقنية ملتهم العالم”.
بصوت واحد مرتجف إقترب فيريون من التراب لكنه لم يلمسه وعندما قابلت عينيه مرة أخرى رأيت هناك حاجة واضحة ومُلحّة مكتوبة فيهما.
“حقا؟”.
“من الصعب وصفه لأي شخص لم ير إفيوتس ولكن وفقًا لتاريخ الأزوراس فإن تربة جبل جيولوس تنشر الحياة في العالم بأكمله” أوضحت سيلفي من مقعدها.
ركز وجه فيريون نحو الطاولة وسقطت دمعة من أنفه لتتناثر على التراب، وضع بايرون يده على ظهره لينظر الأخير إلى الأسفل بلا حول ولا قوة.
عندما إلتفت فيريون إلي أخيرًا صارت عيناه حمراء ولكنهما فارغتان من الدموع وقد إحتاج أن ينظف حلقه قبل أن يتحدث “هذه هي الحياة بدلاً من الموت التي قد تجلب الأمل للجان لأنها جلبت الأمل – وهو شيء بعيد المنال – إلى قلبي شكرًا لك”.
“حسنا إذن” توقفت مؤقتًا أبحث عما كنت أحاول قوله.
شق رين طريقه حول الطاولة وهمس في أذن إيلي التي تركز بشدة على القوس في يديها لكن لا يبدو أنها تستجيب.
أطلقت تنهيدة عالية ثم وضعت يدها على فمها بإحراج.
“هناك سبب آخر لطلب حضوركم جميعًا إلى هنا” واصلت “كجزء من إتفاقي مع كيزيس أرسل التنانين إلى ديكاثين لحماية الناس من أغرونا على الرغم من ذلك الأمور ليست بهذه البساطة عند التعامل مع أزوراس”.
فاراي أول من إستجاب “أنت قلق من أن التنانين تتلاعب بالدعم العام لصالح كيزيس بدلاً من قادتنا – مثلك”.
تركت ردي ينضج للحظة لأنني لا أريد أن أخطئ في الكلام مع الأخذ في الإعتبار الظروف الأليمة المحتملة “لم أرغب أبدًا في أن أصبح حاكمًا لديكاثين لا كملك أو وصي أو أي شيء آخر لكن إذا إكتسبت التنانين نفوذاً كافياً على المواطنين فسيستخدمهم كيزيس ضدنا، قد لا يرى الناس ذلك الآن ولكن سيكون هناك إختلاف بسيط جدًا بين الحياة تحت حكم كيزيس مقارنة بأغرونا”.
هز الجميع رؤوسهم بينما أتحدث لم أكن أتوقع أي معارضة لكنني ما زلت سعيدًا لأنني لم أتفاجأ “ديكاثين لا تحتاج فقط إلى الأمل بل إلى القوة لذا نحن بحاجة إلى توحيد البشر والأقزام والجان على حد سواء لكي لا يكون خيارهم الوحيد هو الإنحناء لأي قوة أعلى يرون أنها أهون الشرين وهذا هو السبب في أن رين الرابع…” أشرت إلى رين الذي لا يزال يقف بجانب إيلي ” سوف يكون كممثل عني للتأكد من أننا قادرون على القيام بذلك بالضبط لذا أطلب منكم مساعدته وجايدن بأي طريقة يريدونها”.
“كيف نساعدهم؟” سأل بايرون كأول كلمات نطق بها منذ وصوله.
بتوفير الكثير من التفاصيل الغريبة شرحت بعضًا مما سيحاول جايدن ورين تحقيقه وكذلك كيف توقعت أن يواصل كيزيس هذه المرحلة الجديدة من الحرب، هناك العديد من الأسئلة لكن بعد بضع دقائق بدأت توجيه هذه الأسئلة إلى رين على أمل إنشاء نوع من العلاقة بين المجموعة.
“سنفعل ما في وسعنا” قال فيريون عندما بدأت المحادثة تهدأ “التنانين بالكاد إعترفت بي لكن الجان ما زالوا يرونني زعيمهم الفعلي في الوقت الحالي – أولئك الذين بقوا منا”.
إنحنت ميكا بعيدًا عن الحائط وسارت نحو الطاولة ثم أراحت مرفقيها عليها وإنحنت إلى الأمام ونظرتها الفولاذية تتحرك مني إلى رين “إذا كنا نعمل للتأكد من أن هذه التنانين لا تجعلنا عبيدًا لها جميعًا فأنت تعلم أنني سأشارك”.
لم تقل فاراي شيئًا لكنها لم تكن بحاجة إلى ذلك حيث وقفت وتبعها الجميع.
“سنغادر على الفور إذا جاء فاجراكور أو الآخرون بحثًا عني فلا داعي لإخفاء أين ذهبت أبذلوا قصارى جهدكم للحفاظ على علاقات جيدة مع التنانين، أبقوا تركيزهم علي لا تلفتوا الإنتباه إلى أنفسكم إذا كان بإمكانكم تجنب ذلك”.
فتحت الأبواب وخرج فيريون أولاً ممسكًا الصندوق بإحكام بكلتا يديه لكن قبلها أعطاني إيماءة صغيرة وإبتسامة ضعيفة بتعبير جعله يبدو عجوزا.
تبع بايرون خلفه مباشرة “لا تأخذ سنة هذه المرة؟”.
“شهرين فقط”.
عبس بايرون على محاولتي للمزاح “الوداع يا أرثر”.
من خلفه عدلت ميكا عباءتها ورفعت إبهامها “فقط إذهب وإفعل ما تريد حسنًا؟ سأعتني بالأشياء هنا”.
وضعت فاراي يدها على ذراعي للحظة فقط ثم تبعت الرماح.
“لا تمت يا فتى لأن ذلك سيكون غير مريح بشكل لا يصدق” تذمر جايدن وبالكاد نظر في إتجاهي.
كرسي رين قد إنفصل عن الأرض وطفى خلف جايدن مع رين المتسكع فوقه وبدلاً من مخاطبتي عندما غادر ركز على أختي “لا تفرطي في إستخدام هذا السلاح مجرد إختيارك لا يعني أنه لن يحرقك إذا إستثمرت الكثير من نفسك فيه”.
عضضت لساني متجنبا سماع التحذيرات المتراكمة وإلى جانب أولئك الذين يأتون معي والدتي فقط بقيت وذراعها حول خصر إيلي لأنها بدت متوترة بشكل متزايد، مع العلم أننا سنحتاج إلى التحرك بسرعة جهزت بالفعل جميع الإستعدادات اللازمة لرحلة طويلة والتي تم تخزينها بأمان داخل رون الخاص بي، لم أضيع المزيد من الوقت بل قمت بتنشيط إعوجاج تيمبوس حيث أعطت القطعة الأثرية توهجًا دافئًا، فتحت بوابة غير شفافة بجوار الطاولة معلقة مثل إنسكاب الزيت في الهواء.
“ريجيس إذهب أولاً” قفز ريجيس إلى البوابة دون تردد.
لم ينتظر شول مني إرسال الشخص التالي وبدلاً من ذلك أعلن بصوت عالٍ “مثل رماح الحرب أنا والكلب المشتعل سنفتح الطريق أمام رفاقنا” ثم قفز هو الآخر.
أسرعت كايرا وسيلفي خلفهم وعندما جاء دور إيلي عانقتها أمي بشكل كبير قبل أن تتراجع خطوة إلى الوراء، رفعت إيلي إصبعين لأعلى قبل أن تقفز نحو البوابة وقد إندفع بوو خلفها مباشرة.
وضعت إحدى ذراعي حول والدتي في عناق جانبي سريع “لا أستطيع أن أقول كم من الوقت سنتأخر”.
قالت مبتسمة بطريقة لم أجدها مقنعة تمامًا “حسنًا على الأقل لدي هذا الشيء الحجري”.
“الجرم السماوي للرؤية بعيدة المدى” قلت ورأيت إبتسامة في تعبيراتها “وداعا أمي وتوخي الحذر”.
“أنت أيضًا يا أرثر” أعطتني ضغطة قويًا أخيرًا ثم تراجعت ووقفت بعيدا محافظة على تعبيرها الحازم بينما تراقبني بثقة.
ذلك كاف لدفعي إلى الأمام رغم أنني كرهت تركها ورائي مرة أخرى إلا أنني مررت عبر البوابة.
—
كان الانتقال سلسًا لأنني خرجت من داخل الغرفة تحت الأرض في فيلدوريال إلى أشعة الشمس الساطعة، هب نسيم بارد من الشمال يحمل معه رائحة الرماد وقد ظهر أمامنا طريق ناعم ومرصوف أخيرا وصلنا إلى أول سلسلة من المعسكرات التي تمتد من الحدود بين بقايا إيلنوار وغابة الوخوش.
تلاشت البوابة ورائي.
أقيمت مبانٍ بسيطة مربعة الشكل في صفوف خشنة على طول المسار ذو اللون البني ابمائل للرمادي وإشتبهت في أن الطوب الذي شكلها مصنوع من الرماد، راقبنا عدد كبير من الألكريان بحذر – معظمهم يرتدون سترات ومعاطف بسيطة لكنهم مغطون بالرماد – بسبب العمل الذي يقومون به في هذا الصباح، أدهشني على الفور كيف بدوا طبيعيين دون عرض دروعهم السوداء والحمراء أو وشومهم الرونية بفخر لأنهم يبدون مزارعين أو عمال مناجم من إحدى قرى سابين.
“نحن نبحث عن ليرا من الدماء العليا دريد” أعلنت متفحصا الحشد.
تبادل العديد من سكان ألاكريا النظر مع جيرانهم وتهامسوا فيما بينهم رغم أن كلماتهم هادئة للغاية بالنسبة لي.
علق رجل أصلع بلحية رقيقة غير مكتملة ولطخة داكنة على خده من المجرفة التي يحملها “السيدة ليرا ستكون هنا قريبًا إنها تقوم بجولاتها كل يوم للتأكد من أن الأمور في نصابها وأن كل شخص لديه ما يحتاجه”.
هناك مرارة في صوته لا يبدو أنه يستهدف ليرا.
“هي تزور كل مخيم يوميا؟” سألت متفاجئا.
“على عكس الشخص الذي أرسلنا إلى هنا بالكاد لننجو في هذه الأرض القاحلة” قال الرجل مقابلا عيني وبصق على الأرض.
“ثورين!” وبخت إمرأة في منتصف العمر ونظرت إلي في خوف “إغفر له أيها الوصي نحن نقدر ما فعلته من أجلنا! ولكن ليس كل شخص ينتقل من حياة الجندي إلى كونه صيادًا أو مزارعًا بسهولة”.
نظرت إلى الألكريان الذي يدعى ثورين بتعبير صارم “أتفهم إحباطك لكنني متأكد من أنه يمكنك أن تتفق معي في أن هذا أفضل من البقاء داخل زنزانة سجن – أو قاع دانجون ضحل” إجتاح نظري محيطنا ورأيت علامات الحياة في المجتمع الذي كان مقفرا في يوم من الأيام “حقيقة أنك كنت ناجحًا للغاية في إقتناص فرصة للبقاء هنا – بتوجيه من قائدة ألاكريان التي أظهرت أنها تهتم برفاهيتكم – يخبرني أنني إتخذت القرار الصحيح”.
حدق الرجل في الأرض “نعم أعتقد أنك محق عندما تضعها على هذا النحو” سار مبتعدًا دون أن ينبس ببنت شفة بينما كتفيه منحنيين ومجرفته ممسوكة كالرمح.
“ما الذي يحدث… الوصي ليوين!” سأل صوت معروف.
إستدرت ووجدت الخادمة ذات مرة ليرا دريد تسير بثقة على طول المسار في إتجاهنا، إنسكب شعرها الأحمر الملتهب على كتفيها وبرز في تناقض صارخ مع الملابس البسيطة والريفية التي ترتديها “آه والسيدة كايرا أيضًا سأعترف لقد خفت عليكِ من براثن ذلك الوحش فاجراكور”.
“الخادمة ليرا” قالت كايرا مظهرة إبتسامة صغيرة “نحن هنا للبحث عنك”.
تفرق الحشد من حولنا وعاد الألكريان إلى واجباتهم حينها أشارت ليرا لنا أن نتبعها، مشينا بين صفوف المباني – لدى معظمهم مزارع مليئة بالأعشاب في الأمام ورأيت مكانًا تم فيه تشييد بئرين – كل شيء موجه نحو الهدف ولم يبدو مزخرفًا.
في نهايتها صار كل شيء عديم اللون حتى الأرض فلم ينمو العشب بل أصبح مجرد ظل أغمق من اللون الرمادي بدل المسار المرصوف بالحصى، إلى يميننا أصبح الأفق مظلمًا بالخضرة من غابة الوحوش حيث أغلقت صفوف الأراضي الزراعية المرتفعة المشهد، العشرات من سكان ألاكريا يعملون بجد في نقل التربة والمياه والإهتمام بالمحاصيل وإقامة أسرة جديدة بمزيج من العمل البدني والسحري، وراءهم وقف العديد من السحرة الحراس في مواجهة غابة الوحوش على الجانب الآخر من القرية، إختفى الأفق بإتجاه الشمال ببساطة في ضباب حر فوق التلال الرمادية الممتدة.
“ليس منظرًا رائعًا بالضبط أليس كذلك؟” تأملت ليرا متبعة خط بصري “ومع ذلك فقد أبلينا بلاء حسنا هنا… هناك بعض السلام”.
قاطعت صرخة شديدة فجأة الصمت الريفي وإستغرق الأمر مني بعض الوقت للتعرف على الصوت.
“طفل” قالت سيلفي ووصلت إلى هذا الإستنتاج قبل أن أفعل ذلك بلحظة.
إبتسمت ليرا ومشطت الشعر اللامع عن وجهها “أول طفل ألاكريان ولد على أرض ديكاثيان ما الذي يجعله هذا بالضبط أيها الوصي؟”.
لم أكن أعرف لكن ليرا أنقذتني عناء الكفاح من أجل الحصول على إجابة “يجذب وجودنا إمدادًا ثابتًا لوحوش المانا الصالحة للأكل من غابة الوحوش وقد وجدنا العديد من ثيران القمر التي يجب أن تكون بعيدة بما فيه الكفاية جنوبًا… تمكنا من زرع بعض المحاصيل بالبذور التي أرسلتها هيلين شارد بالطبع أود أن أقول إننا فعلنا أفضل ما يمكن أن نأمله”.
بالإلتفات جنوبًا قادتنا ليرا بعيدًا عن المستوطنة نحو حافة الغابة التي حددت حيث إنتهت بقايا إيلنوار وبدأت غابة الوحوش، نمت مجموعات من العشب الأصفر هنا وهناك ثم نشأت بعض الأشجار الحية المتناثرة بين البقايا السوداء للعديد من القتلى، عندما إقتربنا من الغابات الكثيفة توقفت تحت الأطراف الممدودة لشجرة محتضرة.
“لقد أحضرت حاشية” قالت ويدها على وركيها “إليانور أعتذر عن عدم قول ذلك سابقًا لكنني سعيدة برؤيتك وكذلك وريجيس لكن من هم هؤلاء؟”.
“أنا شول” عقد ذراعيه على صدره ونظر إلى ليرا من فوق أنفه “لا أستطيع أن أقول إنني سعيد بمقابلة إمرأة ألاكريا لكن أرثر يعتبرك حليفًا لذلك يجب أن أفعل الشيء نفسه”.
“وهذه هي شريكتي سيلفي من عشيرة إندراث”.
“إندراث” إتسعت عيون ليرا محدقة في سيلفي “يا إلهي أنا…” نظرت بيننا ربما هي المرة الوحيدة التي رأيتها فيها خاسرة للكلمات “حسنًا هذه أوقات غريبة لكن من دواعي سروري مقابلتك سيدة سيلفي”.
“فقط سيلفي” قالت سيلفي “لدي نفس رأي شول”.
شخر تشول ملتفا للجهة الأخرى.
ضحكت ليرا مسترخية “لماذا أنت هنا؟”.
“الخادم ليرا نحتاج إلى معرفة ما حدث للمنحل سيريس” قالت كايرا في الصمت الذي أعقب ذلك.
عضت ليرا شفتها عابسة “أنا لست متفاجئة أنك لم تسمعي سأخبرك ما بوسعي”.
بتفعيل قطعة أثرية بعدية سحبت لفافة كبيرة من المخطوطات – إمتد الرماد بيننا للأعلى مشكلاً طاولة – ووضعت اللفافة لتكشف عن خريطة ألاكريا، رغم أنها مغطاة بالملاحظات إلى أنها أظهرت قطع أخرى من المخطوطات ووضعتهم بشكل إستراتيجي حول الخريطة.
علمنا أن الإرث قد مزقت الدرع حول سيز كلار وحاصرت سيريس لكن بطريقة نموذجية بالنسبة لها كانت مستعدة فقد بثت المواجهة لتشاهدها القارة بأكملها.
أوضحت ليرا بصوتها الغني بالرهبة “لكن بعد ذلك إستخدمت ضربة حقيقية من العبقرية حيث هاجمت قواتها المقابر الأثرية وإستولت على المستوى الثاني ومنعت بطريقة ما بوابات الصعود أو أي شخص آخر من الدخول”.
“لا” لهثت كايرا ويدها تغطي فمها “لقد توقعت أن مثل هذا الشيء ممكن لكنني لم أفكر أبدًا…”.
حملت ليرا لفافة تعرفت عليها على أنها قطعة أثرية لنقل الرسائل عبر مسافات بعيدة “بالفعل مصادري عمرها أسبوعين لكن لم ترد أخبار من المقابر الأثرية منذ أن أخذتها لأول مرة قبل عدة أسابيع، إذا كنت أعرف أي شيء عن السيادة العليا أعتقد أنه ينتظرها ببساطة، المستوى الثاني ليس له محاصيل أو صناعة بغض النظر عن مدى إستعدادها الجيد لا يمكنها إبقاء تمردها داخل المقابر الأثرية إلى أجل غير مسمى”.
شعرت بإرتباك سيلفي يتصاعد من خلال علاقتنا بينما تحاول فهم كل ما يقال لكن ريجيس أخذ زمام المبادرة لسد الثغرات بالنسبة لها بينما ركزت على ليرا.
“نحتاج إلى الوصول إلى ألاكريا والتحقق من أن شيئًا لم يتغير” أخبرت الأخرين “إذا كانت لا تزال محاصرة في المقابر الأثرية فقد أكون الشخص الوحيد الذي يمكنه الوصول إليها – وهي حقيقة لعبت بلا شك دورًا في خطتها”.
“يبدو الأمر كما لو أن المنجل سيريس خططت لإحتلال المقابر الأثرية حتى وصولك لدعمها أيها الوصي لكن ذلك قبل أشهر” قالت ليرا بحذر “لقد خططت بلا شك للتأخيرات والمشاكل المحتملة لكن حتى هي سيتم دفعها إلى نهاية مواردها”.
–+–
ترجمة : Ozy.