البداية بعد النهاية - 420 - أغلال
– كايرا دينوار :
هبات من ريح الفراغ القمعية ضغطت عليّ من كل إتجاه مما أصابني بالعمى والصم، لم أشعر بأي شيء سوى النيران السريعة في قلبي والضغط المعدني البارد على معصمي… حتى صوت موجات المحيط المنتشرة في كل مكان على الشاطئ غير واضح.
“أنتما الإثنان أحضرا حزمة إعوجاج تيمبوس المخصصة للسفر” صماء بسبب التعويذة صار صوت وولفروم بعيد وبالكاد يُسمع “بقيتكم سوف أخفض التعويذة إنزعوا سلاحها وحركوها خارج الدرع سيصل المنجل دراغوث فريترا إلى هنا قريبًا”.
تغير الظلام كما لو أن الريح تحركه حينها شعرت أن ضغطه على قبضتي ينقص لذا خففت تعبيري غير راغبة في منح وولفروم الرضا من رؤيتي أكافح، تمامًا عندما تلاشت تعويذة موجة ريح الفراغ أمسكتني أيدي قوية من ذراعي وحفر شيء حاد في ظهري.
“يا لها من خيبة أمل” تأمل وولفروم بينما يدرسني “سأعترف لقد كنت أقدرك عندما كنا أصغر سنا الآن ليس لدي أي فكرة عن السبب”.
رفعت ذقني دون أن أبتعد عن نظراته المقلقة أو كلماته.
“رغم ذلك أنت حقًا جائزة دراغوث… مع القليل من الحافز أعتقد أنه سيكون هناك الكثير مما يمكنك إخبارنا به عن عملية سيريس أليس كذلك؟”.
لم أقاوم السحرة الذين إحتجزوني وتركت ذراعي تتدليان في قبضتهم.
“لا شيء من شأنه أن ينقذ أيًا منكم” قلت مبعدة إهتزازي عن صوتي.
شيء صغير ومشرق طفى خلف وولفروم مغطيا الشمس جعلني أتوتر… إرتفعت المانا وإنطلق منه شعاع من الضوء الأسود – وولفروم الذي إستشعر المانا – بدا متفاجئًا وإستدار محاولًا إستحضار درع ضد نيران الروح في اللحظة الأخيرة، مرت نيران الروح فوق درعه مباشرة وضربت إحدى قرنيه الذي مع صوت تصدع مدوي إنكسر وسقط في الرمال.
عوى وولفروم من الألم بينما إتسعت عيناه بغضب.
“التعزيزات!” صاح أحد السحرة وترك ذراعي لكي يستحضر تعويذة.
سحب الجسم الحاد في ظهري بعيدًا ولم يتبق سوى ساحر واحد لا يزال ممسكا بي حينها دفعت مرفقي في أنفه ما جعل رأسه يتراجع للخلف، خرجت عن سيطرته وتقدمت إلى الأمام نحو نصلي الذي سقط من قبضتي سابقا بسبب الأغلال، ضربته في وضع مستقيم بحيث يكون المقبض عالقًا في الرمال مع النصل القرمزي الطويل مشيرا إلى الأعلى بشكل عمودي، دوى إنفجار ثانٍ للمانا لكن رمح نيران الروح طار على بعد أقدام قليلة إلى يسار وولفروم متجاوزا درعه وضرب نصلي حتى إشتعل الفولاذ القرمزي في نيران الروح السوداء، مع كل ما لدي من قوة دفعت السلاسل لأسفل عند نقطة النصل المحترق وحدثت عدة أشياء في وقت واحد.
صرخ السحرة الأربعة من حولي بينما هم عالقون في خيار البحث في محيطنا عن مهاجمهم أو منعي من الهروب، رفع وولفروم كلتا يديه إحداهما ينبثق منها الدرع المشتعل والأخرى – موجهة إلي – تحوم حولها ريح الفراغ، بإستخدام المجموعة المحدودة من المانا التي قمت بشحنها بالفعل أظهرت شظيتين فضيتين إضافيتين من المقبض لتدورا حولي مطلقتين رماح من اللهب الأسود، ظل رد فعل وولفروم سريع مثل البرق حيث أعاد تشكيل تعاويذه ودمجها في دوامة من ريح رمادية ونار ممتصًا وابل الهجمات، مر طرف نصلي عبر حلقة واحدة من سلاسل الأغلال وإرتفعت نبضات قلبي عندما غاص المقبض في الرمل بشكل أعمق مما أدى إلى إضعاف قوة ضربتي، فجأة إشتعل النصل مدعوما بشيء أعمق إلا أن إخترق اللهب الحديد المشبع وحطم السلاسل مع شرارة ساطعة.
شق شيء بارد وحاد عبر فخذي لكني تفاديته بالقفز إلى الأمام بينما أسحب السيف القرمزي من الرمال وأوجه حركة قطع، أوقف الرمح الحديدي هجومي المتسرع ما جعلني ألقي أخيرًا نظرة فاحصة على السحرة الأربعة من ريدواتر المحيطين بي: درع وإثنان من ملقي التعاويذ ومهاجم، كلا ملقي التعاويذ يشعلان النار في أيديهما أما المهاجم فيدير رمحه بالفعل ليبدأ الهجوم كما تشكل الرمل في أقراص معدنية وطفى للدفاع عنهما بينما تراجع الدرع إلى مسافة آمنة، من الواضح أنهم سحرة أقوياء ومع عودة إحساسي بالمانا شعرت أن التوقيعات الخاصة بهم تعود لشارات، شجعت سيريس قواتنا على تغطية الرونات الخاصة بهم لذا لم أستطع التأكد من ذلك.
إنفجر درع الدوامة حول وولفروم نحو الخارج حينها إستحضرت نار الروح على طول نصلي وغرسته في الأرض حتى إنتشر من حولي درع من النار، إنطلقت الشظية الثالثة – تلك التي “فقدتها” أثناء نزولي من المنحدر – متجاوزة “وولفروم” لتنضم إلى الأخريين وتعود إلى مكانها خارج الدرع مباشرة بينما يرددون صدى المانا مع بعضهم، شددت على أسناني لأني أعاني من أجل الحفاظ على التركيز على كل من نيران الروح والقطعة الأثرية.
عندما ضربت موجة الصدمة أرسلت الشظايا – على شكل أجرام – نبضًا من المانا لمواجهتها وصمدوا لمدة ثانية كاملة قبل أن يدفعوا من أماكنهم ويتراجعوا خلفي، تجهزت للتأثير حيث إرتعش درع نيران الروح المنبثق من سيفي وتصدع ثم إشتعل لكن القوة المتبقية من تعويذة وولفروم كافية فقط لجعل شعري يرتفع في النسيم الناتج، تجمع السحرة خلف عدة أقراص معدنية والدرع يتصبب عرقا بغزارة – يبدو أن وولفروم على إستعداد لتدمير رجاله دون تفكير.
“أشك أنه سيكون مرحبًا بك في أي حفلات أخرى لدماء فريترا وأنت بهذا الشكل” قلت بينما أقف رافعة سيفي للإشارة نحو قرنه المكسور.
سحب المقبض المانا وعادت الأجرام الثلاثة إلى مكانها بينما تحوم حولي بشكل دفاعي.
زمجر وولفروم عند لمس قرنه المكسور “إتضح أنني لست الوحيد الذي يخفي قوته الحقيقية؟ وجب علي تخمين ذلك، إذا هل تخفين قرونك أيضًا؟ هل هو واقي المعصم الموجود على ذراعك أو…” ركز على قلادتي التي إنزلقت من قميصي أثناء القتال “تلك القلادة الصغيرة حول رقبتك؟ وهم؟ هذا هو أسلوب سيريس… حسنا هيا أريد أن أرى من أقاتل حقا فلتظهري لي من أجل الزمن القديم”.
“من العار تقريبًا أنك قررت أن تكون كلب مختبر لفريترا” إستحضرت نيران الروح على طول النصل القرمزي مرة أخرى مما تسبب في إختلاطها مع اللهب الأسود.
ظل السحرة الآخرون يتراجعون منتظرين أمر وولفروم – يمكنني الآن رؤية القارب من بعيد يقترب بسرعة على طول الشاطئ.
“إذا كنت قد إستمعت فعلاً إلى ما تحاول سيريس تعليمك إياه فقد تكون أكثر من ذلك بكثير”.
إستحضر وولفروم اللهب الأسود في كلتا يديه وعدل موقفه “أظن أنك ستجدين أنني تعلمت أكثر بكثير مما تعتقدين” صرخ لجنوده “إقبضوا عليها أو أقتلوها إذا لزم الأمر”.
إندفع المهاجم الذي يحمل الرمح إلى الأمام وتبعه كرتين ناريتين مشكلتين قوسًا سلسًا عبر الهواء أثناء مرورهما على جانبيه، من بعيد لمعت لوحة كبيرة وشفافة من المانا إلى الوجود فوق الفتحة الموجودة في درع سيريس ألقاها أحد الرجلين اللذين كانا مسؤولين عن إعوجاج تيمبوس، أما الآخر وهو ملقي تعاويذ فقد إستحضر سحابة من الضباب الأخضر اللاذع لملأ الهواء وجعل الطريق المؤدي إليهم غير سالك.
إلتقى خطان من نيران الروح اللتين إنطلقتا من الأجرام بكرتي اللهب ليحرقا التعويذة إلى لا شيء وإستهدف الخط الثالث المهاجم، عندما تحركت إحدى الأقراص المعدنية من مكانها للدفاع عنه مرت نيران الروح من خلالها إلا أن المهاجم كان سريعًا وتجنبها بالفعل، رغم ذلك توجهت النيران إلى الأرض عند أقدام ملقي التعاويذ مما جعلهم يقفزون للخلف ويوقفون تعاويذهم التالية.
ورائي دفع وولفروم بكلتا يديه إلى الأمام وأطلق العنان لسيل من نيران الروح المدفوعة في عاصفة من ريح الفراغ، إندفعت لمقابلة المهاجم الذي هجم برمحه مرتين وثلاث مرات وأربع مرات بسرعة البرق إلا أني قمت بصد كل ضربة دون أن أغير موقفي، نيران الروح التي تتغذى على سلاحي أحرقت الرمح بحيث عندما إندفع للمرة الخامسة لم يتبق سوى النهاية القصيرة للفولاذ المدمر، أدرك عدم قدرته على الدفاع بعد فوات الأوان حينها فصلت حافة نصلي دون عناء زيه المدرَّع والمانا واللحم والعظام، في أعقاب نصلي إنطلق هلال من نار سوداء نحو كلا ملقي التعاويذ الذين أطلقا رصاصات من اللهب الأصفر الساطع في كل مكان حولي كرد أين أحرق بعضها جسدي، توجهت جميع الأقراص المعدنية إلى موضعها لمنع نيران الروح لكنها لم تكن قوية بما يكفي حيث إلتهم اللهب الأسود الدروع ثم الأجساد تحته ليتوقف وابل الرصاص.
إستدار الدرع ليركض إلا أني ركزت على ظهره وقمت بسحب الأجرام الثلاثة مثل القوس والنشاب موجهة ثلاثة أشعة من اللهب الأسود نحوه، سقط جسده في قطع بعدها قمت بتوجيه المانا إلى إحدى روناتي مستحضرة الرياح لدفع كعبي حتى أسرع خطواتي بينما تقترب نيران روح وولفروم من ظهري، لم يكن لدي خيار سوى الإندفاع مباشرة إلى السحابة الحمضية للمانا ذات السمة المائية التي هسهست وفرقعت على المانا التي تغطي جسدي، في الجانب الآخر من الدرع يقف ملقي تعاويذ على قمة نتوء صخري أمام إعوجاج تيمبوس ملوحا بيديه لتتكثف السحابة في قطرات مطر لزجة – والتي بدأت على الفور في إذابة المانا التي تحميني.
أطلقت نيران الروح التي تتغذى على نصلي حتى أتمكن من التركيز على كل من تعويذة سمة الرياح والأجرام مصوبة على الساحرين وراء الدرع، إخترق الرمحين الناريين المزدوجين الحاجز الذي ألقاه الدرع مما أدى إلى إحداث ثقب كبير في صدر كل ساحر، ألقيت الجرم الأخير بشكل أعمى لأني كنت آمل في تعطيل تركيز وولفروم لكن حينها شعرت أن نيرانه تصطدم بنيراني مع إشتعال المكان مثل الجحيم، بعد أن خاطرت لإلقاء نظرة ورائي رأيت التأثير الكامل لتعويذته للمرة الأولى – جمجمة دخانية ضخمة بفم واسع وعينان فارغتان مثل الموت – من نيران الروح على بعد 20 قدمًا تقترب مني، هجمات الأجرام تتلاشى في الفم المفتوح للجمجمة ولم تصل أبدًا إلى وولفروم، كنت أهدف إلى إعوجاج تيمبوس فمع وضوح الطريق لم يكن هناك سبب للوقوف والقتال – ليس عندما يقترب مني المنجل.
تكثفت كرية من المانا السوداء في الهواء فوق الفتحة حيث بدأت خطوط من ريح الفراغ تخرج منها وتتجه لأسفل ملامسة الأرض لتشكل إعصارًا يسد الطريق، ركضت مباشرة نحوه مستدعية الأجرام والمانا ذات خاصية الرياح لتدفعني للأمام بشكل أسرع مع كل خطوة، إستقرت الأجرام في مكانها كدعامة لذا أطلقت المانا وركزت على تشغيلهم تمامًا حينها إشتعل نصلي بنيران الروح مرة أخرى، حينما قمت بالقطع في الهواء بسيفي شعرت بإثارة النجاح لأن نيران الروح أصابت القطعة الأثرية التي قاموا بتثبيتها لإبقاء حاجز سيريس مفتوحًا، ذاب المعدن كما لو أنه زبدة وإنهار القوس لينثني الدرع من حوله ويدفع إلى الداخل، في محيطي إستطعت أن أرى ظلام التعويذة التي بدأت تحيط بي لذا غطيت نفسي بالرياح وقفزت لأستفيد من ديناميكية الهواء قدر الإمكان منطلقة للأمام مثل السهم.
أغلق الدرع حولي ليرفعني على الفور إعصار ريح الفراغ الذي قطع مانا الريح بلا عناء ورغم ترنح حواسي للحظة إلا أني بقيت ملتفة حتى النهاية حتى تركني الإعصار، بعد ذلك قمت بتعديل جسدي والإنحناء على الأرض بكلتا قدمي مع إحدى يدي على الرمال من أجل الإستقرار، على بعد 50 قدمًا بإتجاه المحيط سقط إعوجاج تيمبوس الذي رفعه الإعصار في الماء ثم إختفى مع تلاشي زخم الريح وكذلك ما في معدتي.
“إذا كان هذا سيجعلك تشعرين بالتحسن فنحن لم نبرمج إعوجاج تيمبوس على أي حال يا سيدة كايرا” قال وولفروم من الجانب الآخر للدرع “لن تغادري هذا المكان أبدًا”.
لم أهتم بكلامه فهو لا يشكل أي تهديدا لي بل السفينة التي تقترب ولكن القارب قريب بما يكفي الآن لدرجة أنني شعرت بتوقيع المانا الوحشي المنبثق منه، رأيت صورة ظلية كبيرة – بطريقة ما لا تزال تظهر في الأفق حتى من هذه المسافة – تطفو من على سطح السفينة وتندفع نحوي بقرون العقيق اليماني المتلألئة.
بالتركيز على التموجات التي لا تزال تندفع بعيدًا عن المكان الذي غرق فيه إعوجاج تيمبوس تحت الماء إنطلقت بسرعة على طول الصخور بإتجاهه مخزنة نصلي أثناء الركض، الصخور تحت قدمي تتدحرج بعيدًا عني مثل سطح السفينة وكادت تغمر وجهي لولا سمة مانا الريح المشبعة بالفعل حولي، سحبت الهواء لأقفز فوق المياه المفتوحة معدلة جسدي إلى وضع غوص مبسط مصطدمة بالمياه، إنطلقت عميقاً تحت الأمواج المندفعة بإستمرار حيث أن البرد القارص على بشرتي والماء الذي يسحب شعري وملابسي هددا بسحبي بعيدًا، فتشت قاع البحر بحثًا عن إعوجاج تيمبوس لكنه إنحدر بشدة بعيدًا عن الشاطئ وأصبح المكان أكثر قتامة كلما تعمقت.
عززت رؤيتي بالمانا ونظرت في الظلام باحثة عن قطعة أثرية على شكل سندان تقريبًا، حجبت سحابة من الوحل المكان ولكن ظهر إنبثاق خفي للمانا داخل السحابة، بالتركيز عليه ضغطت بقوة أكبر وسبحت بأسرع ما يمكن مدركة تمامًا أن توقيع مانا المنجل يزداد إقترابه، بإستخدام خاصية مانا الريح لإحداث تيار دفعت الوحل العائم بعيدًا حينها برز الإعوجاج من التربة الرخوة ونصفه غارق في الأرض، تم تسجيل عشرات الخدوش على السطح بسبب ريح الفراغ مطابقة لعشرات الكدمات الموجودة في جميع أنحاء جسدي.
‘من فضلك إعمل’ فكرت بينما المنجل يتحرك عبر الجزء العلوي من الماء في رؤيتي المحيطية.
أنا على يقين من أن وولفروم يكذب بشأن عدم تفعيل إعوجاج تيمبوس فإذا لم يفعل لما إستمر في الحديث لقد حاول فقط التواصل معي وإبقائي هناك، لم يتمكنوا من نصب فخهم حتى وصل وولفروم وفُتح الدرع كما أن منع السحرة الآخرين من تحضير القطعة الأثرية من شأنه أن يثير الشكوك أو هكذا تمنيت، تحركت الأرض حول إعوجاج تيمبوس فجأة وتجمعت المانا في التربة مشكلة يد عملاقة مصنوعة من الحديد الأسود مع وجود القطعة الأثرية في راحتها، يد ثانية لكمتني وأرسلتني إلى المياه المظلمة حيث إنفجرت الفقاعات من شفتي بينما ألهث لأن كل عظمة في جسدي تؤلمني من قوة الضربة، حينما كنت أترنح أمسكت بيدي وعصرتها لتندفع المزيد من الفقاعات من فمي مفرغة الهواء المتبقي في رئتي.
بدأت كلتا اليدين في التحرك نحو السطح لكنني بالكاد إستطعت رؤيتهما من خلال النجوم المتلألئة خلف عيني، جمعت آخر ما لدي من قوة وضغطت بيدي ضد الحديد الدموي الذي يقيدني لكن عيناي إنجرفتا بعيدا لذا بحثت عن الثقة الفطرية التي أكدت لي دائمًا أنني أستطيع فعل أي شيء، أبقاني اليأس في مأزق لذلك ركزت على غضبي بدلاً من ذلك حتى صار عقلي فارغا بإستثناء المانا – نيران روحي – التي إشتعلت في دمي وقلبي نواتي، إعتنقتها وتمسكت بها بكامل كياني إلى أن جمعت كل أوقية من قوتي وإندفعت حينها غمرت النيران السوداء يدي، بدأ الماء يغلي بشدة وتم تبخيره ثم أكلت نيران الروح الحديد الدموي حتى صارت اليد ترتجف من تحتي وبدأ المعدن في الذوبان ما خفف القبضة حولي.
ضربت ريح مركزة مياه المحيط في حالة جنون مما أدى إلى تحرري من براثن اليد العملاقة وإرسالي مباشرة إلى اليد الأخرى، إندفعت وضربتها جاهدة للوصول إلى إعوجاج تيمبوس المثبت تحت الأصابع المعدنية السميكة، خرجت الرماح من سطح اليد وشعرت بالألم حين رأيت الخطوط الحمراء في الماء لكن لم يكن لدي وقت للتحقق من طبيعة جراحي، وجدت أصابعي عناصر التحكم حينها أحسست – بدلاً من أن أسمع – صوت الغطس من الأعلى لذا إلتفت كما لو بفعل الجاذبية حتى أتمكن من رؤية ما فوقي.
غاص الشكل العضلي الكبير للمنجل دراغوث فريترا إلى أسفل عبر الماء مثل الرصاصة – لمعت عيناه مثل الياقوت مع عرف أبيض يتدلى من قرنيه بسبب سرعته، إحدى يديه ملتفة في قبضة ضيقة بينما تراجعت الأخرى كما لو أنها ستضرب ذبابة ورغم أن الضغط الساحق من هالته كاف لإيقاف قلبي إلا أن الغضب في تعابيره هو الذي إستنزف كل الدفء مني، صارت القبضة الحديدية بجانبي مشدودة بقوة أكبر وصر المعدن على المعدن حيث بدأ سطح إعوجاج تيمبوس في الإنهيار، مرتجفة قمت بتنشيط الأداة لينفصل العالم عني أو ينتزع مني لم يكن هناك هواء في رئتي وإمتلأ جسدي كله بالألم، إعتقدت أن العملية قد فشلت لأن الأمر سيستغرق وقتا طويلا جدا لكن كل شيء صار مظلمًا.
ضرب جسدي المبلل والثقيل على الحجر حيث لم يبق لي ريح لتدفعني بينما ألهث وقد وجدت صعوبة في سحب الهواء، فتحت عيناي غير متأكدة من أنني أغلقتهما ولم أفهم ما كنت أراه لذا قبضت يدي على صدري، يبدو أن جسدي بحاجة ماسة إلى الأكسجين لكن أخيرًا جاء النفس ولو بشكل خافت حينها أدركت أن شيئًا قويًا وحادًا يضغط على خدي.
رمح…. دون أن أتحرك إتبع خط نظري النصف الطويل للرمح نحو الرجل الذي يمسكه بشعره الأشقر وعيونه الخضراء الداكنة في الضوء الخافت.
“تحركي يا فريترا وسأثبتك على الأرض” قال بصوت عال.
إمتزج صوته وشكله ومحيطي بسبب الألم والتعب في حالة من الفوضى ورغم رمشي عدة مرات إلا أن تركيزي لم يتغير، جاء كل نفس مصحوبًا بألم عميق يشير إلى كسور في الضلوع وقد إخترقتني رماح حديدية في ساقي وجانبي وذراعي اليسرى لكن كل هذه الجروح سطحية وستلتئم مع الوقت.
لن أموت… على إفتراض بالطبع أن هذا الديكاثي لن يتابع تهديده.
“أنا لست عدوك” قلت مبقية صوتي بطيئًا وثابتًا عندما قابلت عينا الرجل.
إقترب آخرون كذلك – وقد خمنت أنهم أقزام من خلال جسدهم – آمل أن يعني هذا أنني في المكان المناسب.
“إسمي كايرا من الدماء العليا دينوار لقد جئت أبحث عن…”.
“أنت فريترا” قال الرجل “يمكنني أن أخمن جيدًا سبب وجودك هنا” عبس وركز على جراحي “على الرغم من أنه لا يبدو بأي شكل من الأشكال أنك ستهاجميننا”.
أخذت نفسًا عميقًا وثابتًا غير قادرة على إبعاد الكشر عن وجهي بسبب الألم الناتج من صدري وضلعي “لو سمحت أحضر الرمح آرثر ليوين إنه يعرفني أؤكد لك هذا…”.
“آرثر ليس هنا” قال الرجل الأشقر لكن ما يريحني هو سحبه للرمح وإبقائه موجهًا نحو نواتي على الأقل لم يعد يحفر في بشرتي “هذا سيكون وقتًا مناسبًا لمحاولة الجواسيس التسلل إلى فيلدوريال لا سيما إذا قدم الشخص نفسه على أنه ضعيف جدًا ومصاب بحيث لا يمكن أن يشكل تهديدًا لنا” تابع سخريته مني “ربما ستكون الخطة أكثر حكمة لو أرسلوا شخص بدون قرون شيطانية تنبت من جمجمته”.
في حيرة من أمري بحثت عن القلادة التي عادة ما تكون معلقة حول رقبتي… لقد إختفت.
حاولت الجلوس لكن الرمح ضغط على جانب رقبتي لذا مددت كلتا يدي.
“أنا حقًا لا أقصد إيذائك أنت أو أي شخص آخر هنا آرثر هو صديقي فأنا…” أوقفت كلماتي لأني كدت أن أذكر أنني أعمل مع المنجل سيريس لكنني لم أستطع التأكد من كيفية فهمهم لهذه المعلومات “لقد أمضى وقتًا في ألاكريا يجب أن تعرف عن هذا حينها إلتقينا وسافرنا معًا إذا كنت…”.
“كما قلت” قاطع الرجل مرة أخرى “آرثر ليس هنا وربما كنت صديقة له أو أنت شيطان كاذب حتى نعرف على وجه اليقين ستنتظرينه في الزنزانة” تراجع إلى الوراء وأشار بالرمح.
وقفت ببطء حينها إزدهرت العشرات من مصادر الألم ساخنة وحارقة في جميع أنحاء جسدي رغم ذلك سحبت نفسًا حادًا بين الأسنان المرهقة.
“أغلال قمع المانا!” أمر الرجل.
عندما إقترب قزم مدرع بزوج الأغلال كدت أضحك من السخرية لذا رفعت معصمي اللذين كانا مقيدان بالفعل بالأغلال المكسورة من ألاكريا.
“إنها ترتدي بالفعل زوجًا أيها الجنرال بايرون… من مظهرهم ليسوا من صنع ديكاثين” نظر إليهم القزم بفضول.
علق رأس الرمح بالأصفاد المكسورة بينما الرجل الأشقر يتفقدهم… الجنرال بايرون…
“أنت الرمح بايرون وايكس” قلت له بينما يشير إلى أن القزم يجب أن يقيدني على أي حال.
حين وضع المعدن البارد حول معصمي أضفت “كما قلت أنا صديقة لأرثر”.
“حتى أنا” أجاب وأعاد توجيه رأس الرمح عندما أومأ القزم برأسه ليؤكد أن الأصفاد مثبتة بإحكام في مكانها “لكنني أيضًا حارس لديكاثين وبما أنك تتشاركين في مظهر أعدائنا فأنت سجينة لكن في حالة ثبوت صحة كلامك سأقدم لك إعتذاري”.
أمسك الرمح بايرون بالأغلال وتفقد جراحي للحظة “أرسل في طلب باعث يبدو أنها ستنزف حتى الموت إذا تركناها في الزنزانة”.
قدم أحد الأقزام التحية وذهب مسرعا أما نحن فغادرنا في الإتجاه الآخر مع الرمح الذي يقودني بالسلاسل، إبتعد مجموعة من الأقزام للسماح لنا بالمرور وتبع البعض في طابور خلفنا بينما البعض الآخر يراقبني حيث قادني إلى طريق منحني يمتد حول حافة كهف ضخم حقًا.
“هل يمكنك إرسال رسالة إليه؟” سألت بعد لحظة محاولة إلتزام الهدوء “سبب وجودي هنا هو أمر عاجل و…” توقفت حينما توقف الرمح بايرون عن السير وإستدار لينظر إلي.
“أخبريني لم أنتِ هنا في ديكاثين؟” ترددت لكنه تابع “إعتقدت ذلك… إذا كنت ستتحدثين إلى آرثر فقط فأنا أخشى أنك ستضطرين إلى الإنتظار لا أستطيع أن أرسل له رسالة”.
“لكن لماذا؟” في اللحظة التي غادرت فيها الكلمات فمي عرفت السبب “إنه في المقابر الأثرية”.
تسبب هذا في إرتفاع حواجب الرمح “لن أؤكد أي تفاصيل لكن رغم ذلك لن تجدي هذه المدينة بلا دفاع، في هذه اللحظة أنت على قيد الحياة فقط بسبب نواياي الحسنة لذا جربي أي نوع من الخيانة وستنتهي هذه النية الطيبة”.
هناك شيء ما في هذا الكلام المباشر لهذا الساحر الديكاثيني جعلني أشعر… بالإنتعاش.
“علم”.
إتبعت الرمح بايرون على الطريق الطويل مراقبة سكان فيلدوريال وأثناء تحركي من بين الأقزام رأيت بعض البشر وحتى أشخاص أعتقد أنهم من الجان، على الرغم من كونها تحت الأرض لم يكن هناك شيء مزدحم أو خانق في هذه المدينة في الواقع لقد فوجئت بجمالها، الطريقة التي تم بها نحت المباني والمنازل في جانب الكهف وكيف تنعكس أشعة الضوء المتولدة من بلورات كبيرة مثبتة على أعمدة حجرية أو معلقة من سلاسل طويلة على جدران الكهف لتلمع مثل النجوم في سماء الليل، الطريقة الوعرة والشجاعة التي نظر إلي بها سكان المدينة – معظمهم ليسوا حتى سحرة – منجذبين حتمًا إلى قرني… كل شيء ساحر للغاية بينما لا يزال صلبًا وقويًا بلا شك.
إعتقدت أننا نتجه نحو القصر الحجري الذي يقع في أعلى مستوى من الكهف ولكن قبل أن نصل إلى بواباته أخذني بدلاً من ذلك عبر باب حديدي ثقيل مدمج في الجدار، فجأة فقد المكان سحره صارت القاعة ورائه ضيقة وخانقة حيث قادني من خلال نقطة حراسة أين جذب العديد من الأقزام الإنتباه أثناء مرورنا إلى سلسلة من الممرات غير المزخرفة، تصطف الزنانزين على الجانبين ووجهني الرمح بايرون عبر السجن إلى ما يبدو أنه أعمق وأبعد زنزانة من المدخل ليفتح الباب ويلوح لي بالدخول، ذهبت دون شكوى لم يكن الأمر مثاليًا لكن هذا سيكون بالضبط الوقت الخطأ لإثارة العداء بيننا، مع مرور الوقت حتى لو لم يعد آرثر على الفور أنا متأكدة من أنني أستطيع إقناع هذا الرمح أو ربما أمراء الجان أو الأقزام بأنني لا أنوي لهم أي ضرر.
أغلق الباب الذي من خشب البلوط الثقيل ومدمج بالحديد بهدوء ورغم من أنني لم أستطع الشعور بذلك بسبب أغلال قمع المانا إلا أنني متأكدة من أن الزنزانة محجوبة ومغلفة بطريقة سحرية، الزنزانة نفسها عادية حيث أن السرير محشو بالقش على الأرض مع بطانية صوفية واحدة مطوية فوقه لكني تجهمت من الدلو الذي يستريح في الزاوية المقابلة.
“أتفهم أن أماكن الإقامة هذه قد لا تفي بمعايير الدماء العليا لكنني أخشى أن الزنازين الأكثر راحة – المخصصة عادةً للنبلاء في القصر – تشغلها العائلات الذين أصبحوا بلا مأوى بسبب غزو عشيرة فريترا” قال الرمح بايرون من النافذة ذات القضبان الموجودة في الباب
شدّدت فكّي وقمت بتنعيم ملامحي مظهرة الرزانة قبل أن أستدير لمواجهته “نعم بالضبط هذا غزو عشيرة فريترا الذين عانى شعبي من حكمهم لمئات السنين بينما أنتم لأقل من عام لهذا هم أعدائي مثلما هم أعدائك أقسم بذلك”.
“سوف نرى” تجعدت حواجب الرمح في عبوس مدروس.
–+–
– ترجمة : Ozy.
-هذا الفصل برعاية الداعم Youssef Ahmed