9 - الحفلة (١)
إيرين أسندت رأسها على المقعد الخلفي للعربة وهي مرتاحة و أغلقت عينيها.
صوت اهتزاز العربة تلائم مع نبضات قلب إيرين. قلبها كان ينبض بسرعة.
لقد كنت متوترة من قبل.
إيرين تظاهرت بعدم الإكتراث، لكن تلك كانت أول مرة ترفض فيها طلب راييل.
بينما قامت بذلك، جسدها تصلّب مثل قطعة خشب، وقلبها كان يخفق بشدة، وشعرت كأنه سيخرج من صدرها في أي لحظة.
لكن، إيرين كانت مسرورة لأنها تمكنت من استجماع شجاعتها لتدافع عن نفسها.
شعور الرضى غمرها.
هكذا كان يُفترض بي أن أتصرف منذ البداية.
لو كافحت إيرين لتحصل على حقوقها في اللحظة الأولى التي أحست فيها بالتمييز والظلم ، ألم يكن ذلك ليُغير شيئا؟ إيرين فكرت أنه لربما، سيكون هناك على الأقل شخص واحد يقف بجانبها.
لكن لا جدوى من الندم الآن لأن ذلك سيكون مضيعة لطاقتها.
إيرين أدركت أنه بدلا من أن تندم على شيء قد حدث بالفعل، فسيكون من الأفضل لها أن تضع خطة تضمن مستقبلها، لكي لا تكرِّر نفس الخطأ.
لكن، كيف سأقوم بذلك…
إيرين فكرت مليًّا بينما كانت في طريقها إلى الحفل، لكن مهما فكرت إلاّ أنها لم تعثر على حل مناسب يمكِّنها من مغادرة منزل آل تشاس إلى الأبد.
إيرين فكرت إذا كان بإمكانها بيع رسوماتها لتدخر بعض المال لكن لوحاتها لم تكن كثيرة.
بالإضافة إلى أنها لاتملك الحق في مغادرة المنزل بحرية، لذا حتى ولو أرادت بيعها، فستحتاج مساعدة وكيل لتفعل ذلك.
لكن، من المؤكد بأن الكونت سيعلم إذا قامت إيرين باستئجار وكيل لأنه سيتم نقل كل تحركاتها له.
وأيضا إيرين لم تجد أي موهبة أخرى تبرع فيها إلى جانب الرسم، وهكذا لم تخطر أي فكرة أخرى على بال إيرين سوى تلك الخطة.
حل حقا من المستحيل أن أخلِّص نفسي من عائلتي؟
البارحة، قامت إيرين بإرسال رسالة إلى الفيسكونت جورتين لتلغي الخطوبة. لكنه رفض طلبها.
لأن الخطوبة أقيمت برضى و موافقة كلا الطرفين، لذا فقد كان من الصعب أن يلغي أحد الطرفين الخطوبة.
في بعض الحالات الشديدة، إذا أراد أحدهما إلغاء الخطوبة فعليه أن يتقدم بطلب إلى المحكمة.
لكن، قرار المحاكمة سيكون في صالح الرجل كما يحدث في أغلب الحالات. وإذا سار الأمر على ذاك النحو، فسيتوجب على إيرين الزواج من بوريس.
لايمكنني أن أتخيل نفسي و أنا أتزوجه.
ذلك سيكون أسوأ سيناريو.
مهما حاولت إيرين بجد لكي تغير وضعها، إلاّ أنه لم يسِر أي شيء في صالحها في النهاية.
الأمل الذي شعرت به اختفى، وحلّ محلّه يأس وحزن.
في ذلك الوقت، العربة وصلت إلى قصر الدوقة جاسمين بالفعل، أين ستُقام الحفلة. سائق العربة فتح الباب وساعد إيرين بحذر لتخرج من العربة.
للحظة لم تتمكن من أن تخفي ذهولها من المشهد الفخم الموجود أمامها. عندما نظرت حولها، النبلاء الذين كانوا يدخل القاعة مع أحبائهم أو أقاربهم، كانوا كلهم على شكل ثنائيات.
إيرين نظرت إلى جانبها؛ لكنه كان فارغا. هي لم يكن لديها مرافق مثل الآخرين.
لابأس. أنا بخير.
شعور النقص تملك إيرين، لكنها تمكنت من تهدئة نفسها. هذه هي المرة الأولى. لابأس إن لم تجري كل الأمور على نحوٍ جيد من البداية.
هذه الأفكار التي كانت تدور في رأسها مكنتها من إقناع نفسها.
بعدها استجمعت شجاعتها لتخطو خطوتها الأولى إلى الأمام، إيرين سارت باتجاه مدخل القصر.
“من فضلكِ أريني بطاقة الدعوة.”
حارس قصر الدوقة جاسمين الذي كان يتحقق من الضيوف اعترض طريق إيرين.
لحسن الحظ، هي علمت بالفعل أن هذا حدث تمت دعوتها إليه لذلك أحضرت الدعوة معها.
الحارس أومأ برأسه بعد أن قرأها، وتأكد من أن الشارة غير مزورة، بعدها أبلغ الحارس المسؤول ليعلن وصولها.
“الكونتيسة إيرين تشاس قد وصلت!”
صوت الحارس كان مرتفعا لدرجة أنه يمكن سماعه في جميع أنحاء القاعة. صوته المدوِّي، رنّ في أذني إيرين.
احمرّ وجهها عندما إنصبّ انتباه الجميع اتجاهها بعد إعلان وصولها.
لكنها هدأت واستعادت رباطة جأشها وسارت في القاعة كما لو أن شيئا لم يحدث.
“أوه يا إلهي، الكونتيسة تشاس هنا.”
“لما حضرت إلى هذه الحفلة؟ ألا تستمتع بحبس نفسها في المنزل كما تقول الشائعات؟”
“لكن ظهورها هنا لايتطابق مع ماتقوله الشائعات.”
“أوافقكِ في ذلك. ربما أسأنا فهم الكونت تشاس لأننا كنا نعتقد بأن ابنته الثانية هي أجمل من ابنته البِكر.”
انتشرت الثرثرة عن إيرين و راييل داخل الحفلة.
هي لم تعلم بأن سمعتها لم تكن جيدة، لأنها كانت نادرا ما تحضر إلى مثل هذه الحفلات.
لكن، هذه القصص عنها انتشرت كالنار في الهشيم. فبعد كل شيء، الناس يشعرون بالفضول عن الأشخاص الغامضين.
الشائعات عن كونها لاتحب حضور الأحداث الإجتماعية بسبب أنها قبيحة، أو لأنها فقدت عقلها، أو لكونها مقعدة، شغلت الدوائر الإجتماعية.
لكن، بعد وصولها، تلك الشائعات هدأت. مظهرها يتعارض بشدة مع تلك الإشاعات المجنونة عنها. الشخص الحقيقي، ابنة الكونت البِكر، ليست قبيحة ولا مقعدة و لا مجنونة.
إيرين لم تكن غافلة عن تلك الإفتراءات التي لطخت سمعتها. انتباه النبلاء كان مركّزاً عليها، ما جعلها تحمرّ خجلا.
بينما كانت واقفة بمفردها داخل القاعة، اقتربت منها امرأة.
“آنسة تشاس، يالها من صدفة لطيفة. لابد أن هذا هو لقؤنا الأول، أنا جافان جاسمين، مضيفة هذه الحفلة.”
إمرأة ذات عيون بلون أرجواني خفيف، قامت بتحية إيرين بلباقة.
من خلال حركاتها وتفاعلها مع الضيوف الآخرين وترحيبها، إيرين تمكنت من أن تعرف وبسهولة بأن المرأة الموجودة أمامها هي بالفعل مضيفة الحفلة.
يُقال بأنها مهووسة بالحفلات
قبل أن تحضر إيرين إلى هذه الحفلة، أمرت خادمتها بأن تبحث عن معلومات مهمة و التي يمكن أن تحتاج لمعرفتها عن مضيفة الحفل لكيلا تحرج نفسها. كان من المعروف أن الدوقة مولعة بالحفلات، من خلال التقرير الذي وصل إلى إيرين.
الدوقة نظمت ستة حفلات في الأسبوع الماضي.
لكن، من خلال وقفتها اللبقة و المحترمة، الدوقة لم تكن تبدو كشخص مهووس بالحفلات مطلقا.
“إنه لمن دواعي سروري أن ألتقي بكِ. أنا إيرين تشاس.”
“تشرفت بمعرفتكِ أنا أيضا. لقد وضعت بعض الترتيبات لإرسال الدعوات إليكِ عدة مرات، لكنني لم أتوقع حضوركِ الليلة. أنا متأكدة من أن حضوركِ سيرفع من سمعة حفلتي.”
“المعذرة؟ مالذي تقصدينه بهذا؟”
“أوه، ألم تعلمي؟ هناك العديد من الأشخاص الذين يشعرون بالفضول عنكِ. أنتِ الإبنة الكبرى لعائلة تشاس، والتي نادرا ماتحضر حدثا إجتماعيا. ألن يرفع حضور شخص مثلكِ لحفلتي من قيمتها؟”
الدوقة جاسمين ضحكت بينما كانت تقول ذلك كمالو أن الأمر مضحك. إيرين لم تفهم أين هو الجزء المضحك في شرحها، لكنها ابتسمت لتسايرها.
بعد ذلك الدوقة جاسمين عرضت على إيرين أن تنضم إلى طاولتها.
“يا آنسة، إذا لم تمانعي، هل ترغبين في الإنضمام إلى طاولتي؟ أرغب في التحدث معكِ قليلا بعد.”
اتسعت عينا إيرين أمام اقتراح الدوقة جاسمين. خطتها كانت أن ترى آخر صيحات الموضة و التوجهات في الأحداث الإجتماعية وتعود إلى عربتها لتغادر بعد ذلك.
لكن جاسمين كانت مضيفة الحفل، لذا فمن المؤكد بأنها ستسمع الكثير إذا رافقتها. لذلك وافقت إيرين على طلبها.
بدت الدوقة مسرورة بقرار إيرين، كانت الدوقة تدندن بينما كانت تقوم بإرشاد إيرين التي كانت تتبعها.