إميلي تصطاد الوحوش - 5
──────────────────────────
🌷 الفصل الخامس –
──────────────────────────
فتحتُ عيني ووجدتُ نفسي أجلس في مقعد الدرجة الثالثة في القطار مرة أخرى.
“هاااا…”
أغمضت عينيّ محاولة مقاومة الألم والخوف اللذين اجتاحا جسدي.
هل يجب أن أغلق عيني أو أفتحهما؟
عندما أغلقت عيني رأيت أمامي صورة ظلية لذلك الكائن الضخم الذي دمر العالم كله بإيماءة واحدة من جسده. وتمكنت بطريقة ما من قمع الدموع بينما كان صوت الصراخ على وشك الخروج من فمي.
“فيوو …”
نهاية العالم.
لقد كانت تجربة مثل هذا الشيء فكرة سخيفة للوهلة الأولى. لكنني أشعر الآن أن كل شيء في هذا العالم سريع الزوال.
الرعب الكوني، العبثية.
كل شيء لم يكن مهمًا في النهاية، حتى الأنا التي بنيتها لمدة ثمانية وعشرين عامًا.
(م.م: شرح الرعب الكوني والعبثية والأنا تلقونهم بنهاية الفصل)
لقد كنتُ مثل قلعة رملية جاهزة للدمار بسبب دوامة العاطفة الهائجة…
[وكيلتي، سأحميك.]
مع صوت هذه الهمسات هدأ عقلي.
هوف_ هوف_
أخذت عدة أنفاس عميقة، وعادت نبضات قلبي تدريجيًا إلى طبيعتها.
عندما عدتُ إلى صوابي أخيرًا، شعرت أن نظرات القلق من الناس المحيطين كانت موجهة نحوي.
“ما خطبها؟”
“وجهها يبدو شاحبًا جدًا وكأنها ستفقد وعيها…”
لقد كان الناس مليئون بالفضول والقلق والتوتر. عندها اقترب مني أحد الركاب.
“هل أنتِ بخير؟”
“…أنا بخير. شكرا لاهتمامك.”
أجبتُ بأدب قدر الإمكان.
ثم عاد الرجل إلى كرسيه مرتاحًا. وبفضل ذلك، فَقَد بعض الناس الاهتمام بي.
نظرتُ من النافذة وحاولت أن أهدأ، وحدّقتُ بفراغ في المشهد الهادئ الذي كان يمر بسرعة أمامي.
في النهاية، توصلت إلى استنتاج واحد.
لقد أصبحتُ وكيلته لأنني قرأت مسودة “الملك ذو الرداء الأصفر”.
وإذا لم أنفذ أوامر الملك، فسوف أرى نهاية العالم مرة أخرى. وبغض النظر عن عدد المرات التي أتجنب هذا الأمر فيها، فلا يمكنني الهروب من هذا المصير.
يمكنني فقط… أداء الدور المنوط بي.
وصل القطار إلى وجهته.
هذه المرة، لم أتوجه على الفور إلى الكنيسة المهجورة.
لقد ذهبت إلى متجر معدات الصيد واشتريتُ الكثير من البنادق والرصاص.
كانت القدرة على استخدام البندقية واحدة من الأشياء القليلة التي تركها زوجي لي.
“إميلي، ألا تريدين أن تتعلمي كيفية التصويب؟”
راندولف، على الرغم من مظهره الأكاديمي، إلا أنه كان يمارس الصيد كهواية. لقد كان مدرسًا جيدًا جدًا، وكنت طالبة موهوبة للغاية.
“لديك موهبة في ذلك. بهذا المعدل، ستطلقين النار أفضل مني حتى.”
عندما اشتكيت من وقت لآخر بشأن السبب الذي يجعلني أتعلم الرماية وسألته عن الفائدة التي سأجنيها من موهبتي هذه، هز راندولف رأسه.
“إميلي، يومًا ما ستجدين فائدة لهذا.”
لم أتخيل أبدًا أن “الفائدة” ستكون لفعل هذا.
مكثتُ في فندق بالقرب من وسط المدينة وكتبتُ رسالة إلى السيدة بلافاتسكي، لا، إلى هيلينا.
(م.م: صديقتها إسمها هيلينا بلافاتسكي.. وبما أنهما أصدقاء فهي تناديها باسمها الأول مباشرة دون ألقاب)
[هيلينا، من فضلك أخبريني بكل شيء تعرفينه عن الغيلان.]
بعد مرور أسبوع، وفقط بعد أن تلقيت ردًا من هيلينا، بدأتُ في محاربة الغول.
“سأعيد وقتك إلى الوراء …”
وقتلني الغول مرة أخرى.
ولذلك طلبت يد المساعدة من المفتش ليستراد من دائرة شرطة العاصمة. وبعد وفاتين أخريين، نجحتُ في التخلص منه.
[يا وكيلتي، لقد أكملتِ مهمتك. أود أن أشكرك على خدمتك…]
عندها فقط استطعت أن أواجه يوم الغد دون أن أشهد الموت أو دمار العالم.
[سأخبركِ باسمي الحقيقي.]
الملك ذو الرداء الأصفر.
الكائن الذي لا يوصف.
سيد العوالم الموجود بين النجوم.
لقد تم الاعتراف بي كوكيلة هاستور، الملك ذو الرداء الأصفر.
(م.م: في أسطورة كثولو .. هاستور هو الأخ غير الشقيق لكثولو .. هاستور يمثل قوى الخير وكثولو يمثل قوى الشر)
***
بعد انتهاء انهمار سيل الذكريات المنسية، عدت إلى الواقع وأنا غير قادرة على التحكم في هذه الذكريات التي اندفعت إلى ذهني.
(م.م: انتهى الفلاش باك وعدنا إلى الزمن الحاضر الذي بدأ به الفصل الأول)
لماذا نسيتُ هذه الحقيقة المهمة؟
بعد أن أعدتُ أجزاءً من ذاكرتي المجزأة معًا، فتحت عيني ببطء، ووجدتُ مشهدًا مألوفًا يحيط بي.
كانت النوافذ المفتوحة، الحقول الخضراء، ونسيم الربيع الذي دغدغ خديّ…
لقد كنت في ريتشموند، قرية تقع في ضواحي مدينة لندن، والتي اشتهرت بكونها مكانًا لقضاء العطلات لعائلات الطبقة العليا.
امتلكت عمتي مارلين سوبيرغ فيلا جميلة هنا.
تمكنت عمتي من إقناع ابنة أخيها، إميلي، التي كانت مترددة في الظهور لأول مرة في المجتمع الراقي بزيارتها في هذا القصر الجميل.
“…تلك الأرض مملوكة لعائلة لانچهام، أليس كذلك؟ إميلي؟ هل تستمعين إلي؟”
“آه…”
وصل صوت عمتي المألوف إلى أذني.
عندما استدرتُ إلى الجانب، عبست العمة مارلين.
“لقد غفوتِ مرة أخرى، أليس كذلك؟”
“ما هو تاريخ اليوم؟”
كانت عمتي امرأة في منتصف العمر تتمتع ببنية جسدية ممتلئة إلى حد ما. وبصفتها الأخت الكبرى لوالدي الذي وافته المنية منذ زمن طويل، كانت مغرمة بي وتدلّلني للغاية.
“لماذا تسألين فجأة عن التاريخ؟”
رغم إعراضها عن الإجابة أول الأمر، إلا أنها تذمرت بعد ذلك وقالت أن اليوم هو الرابع عشر من مايو.
“… الرابع عشر؟”
قفزت من مكاني.
“هااي، إميلي! ما خطبك؟”
بتجاهل كلماتها، بحثت عن أقرب ساعة، ووجدت ساعة جدي التي بدا عمرها أكثر من مائة عام. ورأيتُ أنها كانت الساعة الـ10 صباحًا.
هذا جيد… أنا ممتنة.
أنا، إميلي كارتر، لا أموت أبدًا.
بالمعنى الدقيق للكلمة، سوف أعود بالزمن قبل موتي.
وبعد أكثر من عقد من الخبرة، أدركتُ أن هناك ثمنًا يجب دفعه مقابل هذه القدرة.
(م.م: يعني ظلت تموت وترجع بالزمن لأكثر من عشر سنوات .. لهيك حاليا رح تكون البطلة بنهاية العشرينات من عمرها غالبًا 29)
لقد كنتُ دائمًا ما أنسى شيئًا مهمًا من الماضي.
وكذلك كنت أتذكر شيئًا آخر كنت قد نسيته من قبل، وعادة ما يكون ذكرى رهيبة.
ما أتذكره أو أنساه لم يكن عائدًا لي لاتخاذ القرار.
بعد أن اكتشفت هذا، اعتدتُ على الاحتفاظ بمذكرات مفصلة عن أحداثي اليومية.
إذا عدت إلى الماضي، فستختفي تلك السجلات الخاصة بالمستقبل، ولذلك كان تصرفي هذا بلا معنى…
لكن الاحتفاظ بتلك المذكرات بقلق شديد كان الطريقة الوحيدة التي تجعلني أشعر بالراحة.
كما أن الماضي الذي أعود إليه بعد الموت يكون عشوائيًا.
عادة، أعود ليوم واحد على الأقل إلى الماضي وهو ما يتيح لي مجالًا لتغيير المستقبل.
ومع ذلك، هذه المرة عدتُ بضعة ساعات فقط قبل موعد موتي.
هذا يعني أنه يمكنني تغيير المستقبل دون الرجوع بعيدًا جدًا في الماضي.
بعد غرقي في التفكير لبضع لحظات، بدأت في الاستماع إلى عمتي مرة أخرى.
“… على أي حال، إن السيد هنري رجل رائع للغاية.”
“هذا جيد.”
“على الرغم من أنه يتمتع بشعبية كبيرة، إلا أنه قد واعد عددً قليلًا جدًا من النساء. أعتقد أنه لا داعي لتقلقي بشأن الخيانة؟”
“أنا أعتقد ذلك أيضاً.”
بعد مقدّمة طويلة، دخلت العمة مارلين في صلب الموضوع وأخيرًا…
“إنه أول رجل تقابلينه يريد أن يتقدم بالزواج لي؟”
“نعم. لا أعرف حتى لماذا يريد مثل هذا الرجل الرائع أن يتزوجك.”
لقد قال لي أنه يريد ذلك لأنه أحب روايتي.
تذكرتُ ما قاله لي السيد هنري قبل عودتي بالزمن، لكنني لم أخبر عمتي بذلك.
“ماذا ستفعلين؟”
ماذا تقصدين بذلك؟
لقد قامت عمتي بالفعل بتحديد الموعد مسبقًا.
لكن هذه المرة على عكس ما حدث قبل عودتي، قرّرتُ المضي قدمًا في خطتها دون التذمر بشأن الموضوع.
“سوف أقابله.”
“إذا كنتِ … ماذا؟”
حدّقت العمة مارلين في وجهي بعيون متسعة من الدهشة. انطلاقًا من رد الفعل هذا، لقد كانت تظن أنني سأقول لا.
“ألم تكوني تريدينني أن ألتقي به؟”
“هذا صحيح، لكن … هل هناك خطب ما بك اليوم؟ هل سوف تشرق الشمس من مغربها غدًا؟”
وهي متحمسة، قفزت عمتي من مقعدها.
“أوه، يجب أن أخبر السيد هنري على الفور.”
“… لا تتظاهري، أنا أعلم أنك رتبتِ اجتماعنا بالفعل.”
“أوه، كيف من الممكن …”
في المرة الأولى التي قابلتُ فيها السيد هنري، كنتُ غاضبة لأن العمة مارلين حدّدت موعدًا معه ولم تخبرني بذلك مسبقًا.
عندها قالت:
“هذا لمصلحتك. هل تعتقدين أنني أفعل هذا لأنني معجبة به؟ كل هذا بسبب زوجك الراحل اللعين الذي… ”
لقد كان شتم راندولف جزءًا من روتينها اليومي.
على أي حال، كانت عمتي مشغولة لمدة ساعة.
لقد بدأت تسأل الخادمات، كما حدث قبل عودتي بالزمن، عمّا إذا كننا مستعدين للترحيب بالضيف. وبدأت تصرخ عليهن لرمي أوراق الشاي العادية وإخراج أوراق جديدة فاخرة.
كما أن عمتي لم تعجبها ملابسي، لذلك جلبت لي ملابس جديدة وزيّنتني من رأسي إلى أخمص قدمي مرة أخرى، وبعدها فقط بدوت جيدة بما فيه الكفاية في نظرها.
ثم أخيرًا، وصل الشخص المعني بكل هذا.
“لقد وصل السيد هنري جيكل!”
قامت العمة مارلين بإمالة رأسها إلى الجانب عندما سمعت اسم الزائر.
“لقد اعتقدتُ أن هنري لانچهام هو الذي سيأتي اليوم …”
“إن السيد لانچهام هو نفسه السيد جيكل يا عمتي.”
عندها تذكرت ما قاله لي السيد هنري قبل عودتي.
“يمكنكِ مناداتي جيكل يا آنسة إميلي. غالبًا ما يناديني أصدقائي باسمي المستعار، وعلى وجه التحديد اسمي الأوسط.”
“اسمه الكامل هو هنري جيكل لانچهام.”
──────────────────────────
✨فقرة الشروحات:
*الرعب الكوني: هذا الصنف من قصص الرعب بدأ مع كاتب القصص القصيرة الأمريكي هوارد فيليبس لافكرافت ببداية القرن العشرين، وبالذات مع قصة “نداء كثولو” التي تدور حول مخلوق بجسم إنسان ورأس أخطبوط، والمحاولات اليائسة لبطل القصة لفك لغز هذا المخلوق، وتبرز بهذا العمل أهم خصائص الرعب الكوني والتي هي:
-وجود قوة كونية تهدد العالم بأكمله.
(شرحت المصطلح بالتفصيل في الفصل 0)
*العبثية هي فلسفة تتلخص في أن مجهودات الإنسان لإدراك معنى الكون دائماً ما تنتهي بالفشل الحتمي (وهي لذلك عبثية) وذلك لأن هذا المعنى المنشود غير موجود أساساً، على الأقل فيما يتعلق بالفرد.
*الأنا (ego): الأنا كما وصفها فرويد هي شخصية المرء في أكثر حالاتها اعتدالاً بين الهو والأنا العليا، حيث تقبل بعض التصرفات من هذا وذاك، وتربطها بقيم المجتمع وقواعده، حيث من الممكن للأنا ان تقوم باشباع بعض الغرائز التي تطلبها الهو ولكن في صورة متحضرة يتقبلها المجتمع ولا ترفضها الأنا العليا.
──────────────────────────
~(اتركوا أي ملاحظات بقسم التعليقات، سأقرؤهم كلهم 😊)~
──────────────────────────
أو بإمكانكم التواصل معي مباشرة على الانستغرام لأي استفسارات.
🌸الانستغرام: Asli_Khadija7@
──────────────────────────