إميلي تصطاد الوحوش - 46
──────────────────────────
🌷 الفصل السادس والأربعون –
──────────────────────────
“تشرفتُ بلقائكِ يا جين.”
على عكس انطباعها للوهلة الأولى بأنها شخص بارد، كان سلوك جين ودودًا ودافئاً للغاية.
أمسكتُ بيدها الممدودة وصافحتها بسعادة، لكن هيلينا تحدثت بصوت حاد و غير سعيد من الخلف.
“متى أصبحتما قريبتين جدًا إلى هذه الدرجة؟”
عندما كنتُ على وشك الرد على سؤالها، قفزت جين أمام وجهي قائلة:
“لم أركِ منذ وقت طويل يا سيدة بلافاتسكي.”
“… لم أركِ منذ وقت طويل أيضاً يا آنسة آير.”
“لقد قابلتُ إميلي لأول مرة في حفلة السيدة إيفي، وفوجئت بأن لديها مهارات حديث جيد للغاية.”
عندما قالت جين أنها هي و إيميلي كانوا يتجاذبون أطراف الحديث طوال الليل، استمعت هيلينا إلى كلامها بهدوء بينما كانت تعلو محياها نظرة غير راضية.
في اللحظة التي كنت أفكر فيها في كيفية الخروج من هذا الموقف المحرج، شعرت أن يد سالي تشد كانت كمي.
“أنا … سيدتي….”
لقد كانت تصرخ بعينيها قائلة:
“متى سوف تُعقَد بحق خالق الجحيم جلسة تحضير الأرواح هذه؟!”
بينما كنت أحاول كتم ابتسامتي، دخلتُ مباشرة في صلب الموضوع الذي أتيت إلى هنا من أجله.
“جين، فلنتوقف هنا، لقد جئتُ اليوم لأطلب جلسة تحضير للأرواح فقط.”
في ذلك الوقت، ضحكت جين وجعلتنا نجلس حول طاولة خشبية.
“حسنًا، إذن من الشخص الذي تريدين أن تستدعي روحه؟”
“اممم … هذا …”
بعد التفكير في الأمر لفترة من الوقت، التفتتُ إلى سالي، لكنها ترددت قبل أن تفتح فمها.
“هذا … بدلاً من رغبتي في مقابلة شخص ما، لقد كنت أشعر بالفضول بشأن المراسيم بحد ذاتها.”
ابتسمت جين بهدوء، كما لو كانت تعلم أن هذا ما سوف يحصل.
“هناك الكثير من الناس الذين يشبهونك.”
“لقد ذهبتُ إلى جلسة تحضير أرواح منذ وقت ليس ببعيد، وكنت مذهولة تمامًا هناك.”
تذمرت سالي وسردت تجربتها.
لقد دفعَت سالي مؤخرًا خمسة وعشرين بنسًا لحضور طقوس مستحضر أرواح، والذي يُقال أنه الأكثر شعبية بين الوسطاء الروحيين في لندن.
‘حسناً، حتى لو كان الأمر سخيفًا حقًا ولا يستحق تضييع المال، إلا أنه لا يمكنه أن يكون بذلك السخف.’
عندما طلب الذي رافقته سالي استدعاء روح والدته الميتة، وأطلق مستحضر الأرواح تعويذة…
دق_ دق_
قالت سالي أنهم سمعوا صوت طرق في المكان.
“في البداية، اعتقدتُ حقًا أن الروح هي التي أصدرت ذلك الصوت، لكن….”
ببصرها الجيد بشكل استثنائي، لاحظت سالي أن مستحضر الأرواح كان يحرك كاحليه تحت الطاولة كلما كان هناك صوت طرق على الباب.
لذلك لم تستطع الوقوف مكتوفة الأيدي وصرخت بصوت عالٍ وكشفت عن الأمر.
“في النهاية، تبين أنه مجرد محتال. إنه ليس المخادع الوحيد أيضاً، هناك الكثير من المحتالين أمثاله في المدينة.”
حتى لو كان وسيطاً روحياً مشهوراً.
في الاجتماع الذي حضرته سالي، ارتكب الوسيط خطأ عن غير قصد وانتهي به الأمر بأن يُكشف أمام الملأ على أنه مجرد محتال مخادع.
“في بعض الأحيان، كانت هناك حالات تم فيها تعليق جمجمة بشرية من السقف بخيط شفاف.”
“نظرًا لأن استحضار الأرواح يجني المال، فالكل يحاول أن ينتفع منه ويخدع الناس.”
تحققت دون قصد من تعابير وجه جين عند كلمات هيلينا، لكن لحسن الحظ لم تكن هناك أي علامة على عدم الرضا او الانزعاج.
تنهدت سالي بعمق وهي تشعر بالأسف.
“أتمنى لو لم أكن أعرف أي شيء على الإطلاق. أنا أعني، لقد أحببت هذا حقًا. إنها تجربة تقشعر لها الأبدان و تجعل شعرك يقف على نهايته …. ”
عند هذه الكلمات، نقرتُ على لساني بشكل لا إرادي وأجبت.
“سالي، ألا يكفيك أن تتجولي معي وتجربي كل تلك الظواهر الخارقة للطبيعة التي نعيشها؟”
“هيييه، تلك بالطبع تجربة رائعة، لكن أليست مختلفة بعض الشيء عن هذا؟”
يبدو أنها مهووسة بالسحر والرعب الخالص.
عندها قالت هيلينا، التي كانت تنظر إلى سالي التي تتصرف هكذا:
“ألا يمكن أن نعتبر أن جدتك تحميك يا سالي؟ كي لا تقعي في حيل هؤلاء المخادعين.”
“… … لا يهم ذلك إذا تعرضت للخداع بالفعل.”
تذمرت سالي بسخط، لكن هيلينا كانت منطقية.
كانت سالي هي الوحيدة التي لم يصبها أي شيء بعد أن شربت النبيذ الممزوج مع مخاط “غلاكي” في قضية بريتشيستر في وقت سابق.
أعتقد أنها تظن أن عمليات طرد الأرواح رائعة، لكن جين أخرجت شيئًا من تحت الطاولة.
“هل ترغبين في تجربة هذا أثناء التحدث؟”
لم يكن ذلك الشيء سوى “لوحة الحديث”، التي سُميت فيما بعد بلوحة ويجا.
للوهلة الأولى، بدت وكأنها لوح خشبي عادي، ولكن كان هناك مؤشر فوقها للإشارة إلى حرف أبجدي أو رقم معين.
“هذه هي لوحة الحديث، وهي كائن يسمح لك بالتواصل مع روح الميت.”
“هذا رائع …”
ومضت عيون سالي في إعجاب.
توقفت عيني جين وهي تنظر إلى وجوهنا نحن الثلاثة.
“إميلي، هل ترغبين في تجربتها أولاً؟”
“أنا …؟”
“لا أعرف ما إذا كان هذا تخمينًا متسرعًا من طرفي، ولكن يبدو لي أنكِ أكثر شخص يحمل المخاوف من بين هؤلاء الثلاثة.”
عند هذه الكلمات ، نظرتُ إلى جين في صمت.
للحظة، شعرتُ كما لو كانت عيناها الحادتان تحدقان في هاوية عميقة ومظلمة بداخلي.
‘…. كلامها ليس خاطئاً.’
بعد التفكير للحظة، أومأتُ برأسي أثناء النظر مباشرة إلى جين.
عندها قالت جين بابتسامة خافتة.
“إذن … فلنبدأ الطقوس.”
* * *
كانت طقوس استحضار الأرواح باستخدام لوحة الحديث بسيطة.
إذا جلستُ أنا وجين في مواجهة بعضنا البعض مع وجود لوحة الحديث في المنتصف، فسوف يجلس الاثنان الآخران بعيدًا عننا قليلاً.
“سأبدأ بتلاوة الصلاة.”
بدأت جين طقوس استحضار الأرواح بتلاوة صلاة بلغة غير معروفة.
قالت سالي، التي كانت تراقبها، بصوت هامس.
“أوه … إن هذا نوع ما مرعب.”
قامت هيلينا بنكزها، إشارة منها كي تلتزم سالي الهدوء.
“حسنًا، الآن يا إميلي، امسكي هذا معي.”
أشارت جين إلى شيء يشبه السهم، والذي وصفته بأنه “مؤشر” يشير إلى مجموعة محددة من الأحرف الأبجدية على اللوحة.
وضعنا أنا وجين أيدينا على المؤشر معًا.
“الآن أغمضي عينيك.”
بينما بدا صوت جين غامضًا إلى حد ما، أغمضت عيني قليلاً.
عندما اختفى بؤبؤ عيني القاتم وراء جفني المسدلين بهدوء، ملأ الظلام الأسود رؤيتي.
في حين أن المكان المحيط بي كان هادئاً بأكمله، إلا أن الرائحة الغامضة التي كانت تتجول هنا منذ فترة أصبحت محسوسة بشكل أكثر كثافة.
“إميلي، سأدعو الروح التي بجانبك.”
أومأتُ برأسي بهدوء، وبدأت جين تمتم بلغة غير معروفة.
“إرينيف سويم سومينا ….”
شعرتُ بالغرابة من اللغة التي لم أسمع بها من قبل.
بززززز-
بدأ المؤشر الذي كنت ألمسه معها فجأة يهتز.
“يمكنكِ أن تفتحي عينيك الآن يا إميلي.”
فتحتُ عيني بسماع تلك الكلمات، و رأيتُ المؤشر وهو يهتز بقوة.
ثم سرعان ما تحرك ببطء وتوجه إلى المكان الذي كتبت فيه كلمة “مرحبا”.
“الروح … إنها هنا!”
صرخت سالي، التي كانت تراقب كل ما يحدث من الجوار، بشكل لا إرادي وغطت فمها.
كانت جين، أيضًا، في حيرة من أمرها.
“هذا … إنها المرة الأولى التي أستحضر فيها مثل هذه الروح القوية.”
كان هناك شيء واحد مؤكد.
على الأقل لا توجد أداة خدعة مخبأة في لوحة التحدث هذه، لأنه لو كان الأمر كذلك، لكانت سالي قد اكتشفت الأمر وكشفت الخدعة.
ما يعنيه هذا هو…
‘حقًا، لقد استجابت الروح لصلواتها.’
فجأة، سرت القشعريرة على بشرتي.
بغض النظر عن المقدار الذي كنتُ به ملحدة في حياتي السابقة، على الأقل في هذا العالم حيث أعيش الآن….
أنا أعلم جيدًا أنه مكان توجد فيه العديد من الألغاز مثل الشياطين والغيلان وحتى الآلهة من العالم الآخر مثل غلاكي “حقيقة”.
استمر صوت جين بالكلام.
“بالنظر إلى أنه يمكنها التأثير على الواقع بشكل كبير، يبدو وكأنها روح كانت معك لفترة طويلة.”
“هذا مستحيل … هل يمكن أن تكون روح راندولف؟”
عندما فكرتُ في ذلك، خفق قلبي بترقب.
“يجب أن تسألي وتتحققي من ذلك بنفسك.”
تلت جين بهدوء طقوس استحضار الأرواح معي، بينما كانت يدها مثبتة على المؤشر.
“تشرفتُ بلقائك، روح مَن أنت؟”
اهتز المؤشر، ثم أشار بسرعة إلى الحروف الأبجدية وبدأ في الإجابة.
「 أ – نـ – ا – لـ – سـ – ت … 」
تمتمتُ وأنا أشاهده الحروف واحداً تلو الآخر.
“أنا لستُ روحًا ميتة…”
استطعتُ أن أرى جبين جين يتجعد وهي جالسة أمامي.
ثم سألت بسرعة سؤالا آخر.
“إذاً ما أنت؟”
بدأ المؤشر يتحرك مرة أخرى.
كنت أراقب تحركاته، و فتحت فمي على الفور من الدهشة.
「 إرادة كائن عظيم. 」
「 ظلام من الهاوية. 」
「 الكثير من الأشياء، ولكن في نفس الوقت أنا لا شيء. 」
شعرتُ بالإثارة في كل مرة تم فيها تكوين جملة جديدة.
「 لقد كنتُ موجوداً منذ زمن سحيق. 」
「 أنا اضطراب لا يُقاوم. 」
… بالنظر إلى تلك الجمل، كان هناك اسم واحد يتبادر إلى ذهني.
‘بالتأكيد، إذا كان موجودًا دائمًا بجانبي … هل هو الملك ذو الرداء الأصفر؟’
“ما هذا …؟”
هيلينا، التي كانت تراقب من الجانب، سألت بصوت جاد وشديد.
كخبيرة في هذا المجال، بدا أنها أدركت على الفور أن الوضع كان غير طبيعي.
عندها أردفت جين سؤالا آخر.
“وااه … إذن … هل اسمك راندولف؟”
… بغض النظر عن كيف أنظر إلى الأمر، لا أعتقد أنه راندولف.
لكن في اللحظة التي فكرت فيها هكذا…
المؤشر، الذي كان يتحرك مثل المجنون، توقف عن الاهتزاز.
ثم بدأ يتحرك ببطء ويكون جملة جديدة.
「 نـ – عـ – م – و – لـ ….」
نعم و لا.
“ما هذا بحق …”
حينها أخبرتُ جين المحرجة على الفور.
“إذاً اسأليه أين هي روح راندولف.”
حتى قبل أن تسأل جين.
تحرك المؤشر بسرعة مرة أخرى لتشكيل جملة جديدة.
「 اللا مكان. 」
أي نوع من المزاح هذا …؟
في اللحظة التي عبستُ فيها تعبيراً عن غضبي من الإجابة العبثية لأسئلتي المتزايدة.
لم أطرح أي أسئلة، لكن المؤشر تحرك كالمجانين وكون جملًا أخرى.
「 ر – ا – نـ – د – و – لـ – ف – لـ – م – يـ – مـ – ت 」
“……!”
راندولف لم يمت.
عندما فهمت ما تعنيه تلك الجملة، أو ما يمكن أن تعنيه، خفق قلبي بشدة.
بدأت نبضات قلبي تتسابق مثل قاطرة هاربة، وحتى تنفسي بدأ يتسارع.
“إذن ما هو اسمك؟”
عندما طرحت جين سؤالها، تحرك المؤشر كما لو كان سوف يهرب وبدأ في تكوين الجمل.
「ا – سـ – مـ – ـي – هـ – و … .」
الآن، ليس المؤشر فقط، ولكن اللوحة بأكملها كانت تهتز.
في اللحظة التي تركتُ فيها أنا وجين المؤشر نتيجة لحدوث هذه الظاهرة الغريبة.
“تراجعا للخلف … كلاكما-!”
فجأة صرخت سالي وسحبتنا للوراء.
في نفس الوقت تقريباً …
بووم-!
ضرب صوت انفجار حاد طبلة أذني وانفجرت لوحة الحديث أمام عيني.
──────────────────────────
✨فقرة الشروحات:
لوح ويجا (بالإنجليزية: Ouija) والمعروف أيضاً بلوح الروح أو لوح الحديث يتكون من كلمتين (فرنسية) oui و ja (هولندية/ألمانية) وكلاهما تعنيان «نعم».
هو لوح مسطح مرسوم عليه كل الأحرف الأبجدية والأرقام من 0-9 وعبارتي «نعم» و«لا» وكلمتي «مرحباً» و«وداعاً» مع رموز أخرى ويحتوي على مؤشر متحرك على شكل قلب صغير من الخشب مثقوب من المنتصف يستخدم لنقل رسالة إلى الأرواح عبر هجاء الكلمات على اللوح.
حيث يقوم المشاركان بوضع أصبعيهم على المؤشر ويحركوه حسب الإجابات فإذا قمت مثلاً بوضع غمامة على عين الشخصين المحركين للمؤشر ستكون حركة المؤشر غير ذات معنى.
──────────────────────────
~(اتركوا أي ملاحظات بقسم التعليقات، سأقرؤهم كلهم 😊)~
──────────────────────────
أو بإمكانكم التواصل معي مباشرة على الانستغرام لأي استفسارات.
🌸الانستغرام: Asli_Khadija7@
──────────────────────────