إميلي تصطاد الوحوش - 43
──────────────────────────
🌷 الفصل الثالث والأربعون –
──────────────────────────
“…انظري هنا.”
نظر جيمس في عيني مباشرة، وشمّر عن كمه ليكشف عن معصمه.
لقد كانت هناك ندبة غريبة و مشوهة منقوشة على جلده العاري.
للوهلة الأولى، بدا وكأنه وشم متقن، لكن …
“في كل مرة أشعر فيها أنني على وشك الإصابة بالجنون، أؤذي نفسي هنا.”
عندما راقبتُ الآثار عن كثب، وجدتُ أنها كانت جروحًا تم قطعها لمرات لا تحصى بشفرة حادة.
تحدث جيمس بلا مبالاة كما لو كان يتحدث عن قائمة الغداء.
“الألم يساعدني على التفريق بين الواقع والهلوسة. بالطبع، لن تعمل هذه الطريقة مع الجميع.”
نظر إلي وهز كتفيه دون اكثرات.
“كل شخص لديه طرق مختلفة للتعامل مع هذا الأمر.”
عندما انتهى من الكلام، أعاد أكمامه للأسفل مرة أخرى، لكنني لم أستطع رفع عيني عن ذراعه.
لقد شعرتُ أن الندبة الحمراء الغاضبة على معصمه الأبيض قد تركت علامة محترقة على قلبي.
“إذًا…”
بعد لعق شفتي بتوتر، فتحتُ فمي أخيرًا.
“هل يمكنني أن أطرح عليك سؤالاً أخيرًا؟”
في الوقت نفسه، أخبرني حدسي أن الوقت قد حان لفتح صندوق باندورا حيث تكمن كل الذكريات المحرمة.
“بالطبع .. تفضلي.”
“عندما مات والداك …”
انتظر جيمس سؤالي بتعبير غير رسمي، لكن صدري كان ينبض بقوة وشعرت بأن معدتي كانت تتقلب.
“…كم كان عمرك؟”
أكملت كلماتي.
“… هممم، أنا؟ في ذلك الوقت…”
لقد كان قد كشف سابقًا أنه الآن يبلغ من العمر تسعة وعشرين عامًا، أي في نفس عمري.
واصل موريارتي كلامه بابتسامة مشرقة.
“لقد كنتُ في السابعة عشر من عمري.”
اتسعت عيني من الصدمة.
شعرت بالدوار، لكنني حاولت أن أكون غير مبالية مثل جيمس.
“…أنا أرى.”
بعدها أجرينا محادثة قصيرة حول بعض المواضيع التافهة بينما كان رأسي ينبض بالصداع، وعندما رأيتُ الفرصة، هربت من الشرفة على الفور.
توجهت إلى الباب الأمامي بخطوات سريعة، وركضتُ إلى أسفل شجرة الحديقة التي رأيتها بمجرد أن غادرت الباب الأمامي…
وهناك، تقيأت كل ما أكلته على الأرض.
“ها …!”
هاهاها.
كل شيء أصبح واضحاً الآن.
“لقد كنتُ في السابعة عشر من عمري.”
السابعة عشر.
لقد كان هذا هو عمر “إميلي المراهقة” في تلك الذكرى الغريبة التي عادت بعد عودتي إلى الحياة.
مما يعني…
“ما العمل بشأن موريارتي يا سيدتي؟”
“هل من الصعب عليك أن تقوم بتشغيل رأسك وتفكر قليلًا بنفسك؟ سلم المهمة لإينوك …”
لم تكن تلك الذكرى وهمًا أو هلوسة.
لقد كانت صحيحة تمامًا وحقيقية.
* * *
ركضتُ إلى الحمام وشطفت فمي، و بعد رش وجهي بالماء البارد، التقت نظرتي بنظرة إميلي المنعكسة في المرآة.
لقد شعرتُ بأنني لست على دراية بنفسي.
كان وجهي شاحبًا بما يكفي لأبدو وكأنني على وشك الانهيار في أي لحظة.
“لقد كنتُ في السابعة عشر من عمري.”
استمر صوت جيمس في التردد في أذني.
ارتجفت يدي التي كانت تمسك بالحوض، عندها أخذت نفساً عميقاً، وطلبت من نفسي أن تهدأ.
{لا تتذكري، إميلي.}
همس شيء عميق بداخلي.
إذا كانت طريقة جيمس موريارتي للبقاء على قيد الحياة هي نوع من إيذاء النفس، فقد كانت لديً أنا أيضًا طريقتي الخاصة.
{لا تتذكري، إميلي.}
تكرر الصوت من جديد.
عندما مات والداي.
عند مواجهتي الحقيقة المروعة حول وفاتهما.
عندما قابل راندولف، حبيبي العزيز، موتًا غريبًا لم أستطع فهمه.
لطالما طلبت نفسي من نفسي أن أمحو تلك اللحظات من الذاكرة.
لقد كانت هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكنني بها النجاة من الواقع دون أن أصاب بالجنون.
‘لو كنتُ أكثر شجاعة، لكنت قد بحثت في الحقيقة وواجهتها.’
لكنني لم أكن كذلك.
ولذلك لم أستطع فعل ذلك.
لقد كنتُ آمل فقط أن السلام الذي أستمتع به الآن سيستمر لفترة أطول قليلاً.
“… لا تتذكري … يا إميلي ..”
تمتمتُ لنفسي في المرآة.
عندها فقط…
تم دفع الحقيقة، التي كانت قد هربت من الصندوق تقريبًا، إلى هاوية تل النسيان.
* * *
بعد أن هدأت نفسي، عدّلتُ ملابسي وخرجت.
“أوه، قدمي تؤلمني كثيرًا …”
“اجلسي بحذر الآن. هل تعرفن … لقد تحدثتُ إلى السيد ستانتون قبل قليل! لطالما حلمتُ بهذا.”
“هل هذا صحيح!!”
خلف الدرج؛ رأيتُ بضع فتيات مراهقات يختبئن ويخلعن أحذيتهن بينما يفركن أقدامهن المتورمة.
لا بد أنه لم يمض وقت طويل منذ أن ظهرن لأول مرة في العالم الاجتماعي، لكن كان من الجميل والمنعش رؤية خدودهن تحمر وعيونهن ترفرف من الفرحة والحماس.
‘ما هي المدة التي مرت منذ أن كنت مرتاحة مثلهن؟’
بحثتُ في ذكرياتي، لكنني لم أجد مناسبة واحدة حدث فيها هذا.
منذ أن قُتل والداي في مأساة غامضة، كانت حياتي بعيدة كل البعد عن أن تكون عادية.
في تلك اللحظة التي كنت أفكر فيها، اقترب شاب طويل من مجموعة الفتيات وتحدث إليهن.
“جيني، هل من الممكن أن تعيريني لحظة من وقتك …”
“آاه، سيد ستانتون!!”
“يا إلهي!”
شهقت الفتيات من حولها في إعجاب.
اختفى الثنائي الخجول، اللذان كانا في حالة حب، فجأة بينما كانا يتظاهران بالهدوء في الممر المظلم.
لابد من أنهما يستمتعان الآن ببعض المحادثات السرية بينهما.
‘إنه يبدو كمشهد احتفالي نمطي في العصر الفيكتوري.’
حدقتُ في المشهد بهدوء، وشعرتُ بأنني متفرجة غير مناسبة لهذا المكان.
فجأة سمعت صوتًا مألوفًا يأتي من خلفي.
“أوه، إنها إميلي!”
في اللحظة التي استدرت فيها، ابتسمتُ بشكل مشرق دون أن أدرك ذلك.
“العمة إيفي!”
تجاعيد حول العينين ناتجة عن كثرة الابتسامات، وعيون بنية دافئة تشع بالدفء واللطف.
على الرغم من مرور عدة سنوات منذ أن التقينا آخر مرة، إلا أن عمتي إيفي كانت لا تزال كما هي.
“إميلي، لقد مضى وقت طويل لم أركِ فيه.”
“أنا آسفة يا عمتي، لم أتمكن من التواصل معك لفترة من الوقت.”
أمسكت إيفي بيدي بوجه سعيد.
“يجب أن أعتذر عن نفس الشيء، لكنكِ ما تزالين رائعة الجمال يا إميلي.”
عند سماعي ذلك، لم يكن بوسعي سوى الابتسام بشكل مُحرَج.
عندها أمسكت العمة إيفي بيدي ثم ضغطت عليها وتركتها.
“هلّا تبقين معنا الليلة؟ لقد تم تنظيف الغرفة التي اعتدتِ المكوث فيها.”
“حسنًا، شكرًا لك يا عمتي.”
بمجرد أن أجبتها بالإيجاب، أشرق وجه العمة إيفي.
لقد كان من المستحيل رفض طلب الشخص الذي من الممكن تقريبًا أن يُدعى بـ ‘منقذتي في طفولتي’.
وفوق كل ذلك، لقد ساعدني العم جريج كثيرًا في القضية السابقة.
عندها، تذكرتُ محادثة أجريتها أنا و عمي جريج قبل مغادرة قصر بريشيستر.
“هل حقا كان السيد بريدل لوحده وراء هذا؟”
هز جريج ليستراد رأسه ببطء ردًا على السؤال الذي طرحته، ثم أجابني بنبرة حادة إلى حد ما.
“بالطبع لا. لكننا لا نعرف ما إذا كانت قضية بريتشيستر مرتبطة حقًا بالطائفة التي تطلق على نفسها اسم كنيسة حكمة النجوم أم لا.”
كانت المشكلة الأساسية هي أنه لم تكن هناك أي اتهامات واضحة يمكن استخدامها لاعتقال زعيم الكنيسة إينوك بوين.
“لقد كان هناك عدد لا يحصى من الأشياء غير المبررة، لكننا لم نجد أي دليل مادي. هناك اعتقاد شائع بأن بوين هو الشخص وراء السيد بريدل، لكننا لم نجد أي دليل مرة أخرى.”
في النهاية، لم يكن لدى الشرطة أي سبب للقبض على إينوك بوين، لذلك كان لا يزال حراً طليقًا.
بعد أن انتهينا من الحديث عن الحادث، دعاني المفتش إلى حفلة تقيمها زوجته السيدة إيفي.
قبلت الدعوة، ثم مازحته قائلة.:
“هل السيد هولمز قادم إلى هنا أيضًا؟ أنا أقصد مستشارك …”
شارلوك هولمز.
لقد كنتُ أرغب في مقابلته منذ أن تذكرتُ حياتي السابقة، لكنه كان شخصاً غير اجتماعي للغاية ولذلم لم أجد فرصة للقيام بذلك.
“هل تتحدثين عن شارلوك؟ إنه يقول دائمًا أنه سوف يكون من الأسهل رؤية وحش نيسي في بحيرة لوخ نيس على أن تتم رؤيته في حفلة زوجتي.”
لقد أصبتُ بخيبة أمل إلى حد ما، لكنني لم أكشف عن ذلك لعمي.
على أي حال، لقد اهتمت بي العمة إيفي والعم جريج بنفس قدر اهتمام العمة مارلين بي.
“شكرًا جزيلاً لكِ على دعوتي يا عمتي.”
عندما أخبرتها هذه الكلمات بصدق، هزت العمة رأسها.
“لا داعي لأن تكوني رسمية معي يا عزيزتي. اه، صحيح! كريس يفتقدكِ كثيرًا، فهل يمكننا تناول الإفطار معًا غدًا؟”
“بالطبع، بكل تأكيد.”
اشتهر ابنهما الوحيد كريس ليستراد بكونه ذكيًا منذ صغره، و لقد قيل أنه التحق بجامعة وينشستر المرموقة.
“في آخر مرة رأينا فيها بعضنا البعض، كان صبيًا صغيرًا يعاني من نزيف في الأنف.”
جعلني إدراك أن هذا الطفل قد تخرج من الكلية أشعر بالحنين.
“ربما لا تعلمين ذلك، لكن كريس …”
سرعان ما انتقلت العمة إيفي، التي كانت تخبرني بإنجازات ابنها، إلى حياتي العاطفية.
“بالمناسبة يا إميلي، هل تواعدين أي شخص هذه الأيام؟”
“آه ، بخصوص ذلك …”
ترددتُ للحظة.
لقد كان لدى العمة إيفي عيوب قليلة ولكنها قاتلة.
كانت إحداها هي اهتمامها بنميمة الآخرين، وخاصة حياتهم العاطفية.
أومأت العمة إيفي، التي رأتني أتردد في الإجابة، برأسها وقالت:
“حسنًا، لقد كنتِ دائمًا خجولة. لكن إميلي، لا يمكنكِ الاستمرار بهذه الشخصية الخجولة هذه الأيام. عندما كنتُ أصغر منك بسنة … ”
والأخرى، هي أنها عندما تبدأ في سرد ذكرياتها الطويلة لا تسكتُ أبدًا.
أوه، يبدو أنني سوف أفقد عقلي.
“إذا كنتِ لا تمانعين، فَقَدْ فَقَدَ ريتشارد تشيسترتون، الذي يعمل في أحد البنوك في المدينة، زوجته قبل خمس سنوات …”
… كان سجل أكاشيك عبارة عن تجميع لسجلات الكون والبشرية، ولكن حتى هذا السجل فشل مقارنة بالعمة إيفي، التي تستطيع تذكر كل خطوة يخطوها كل شخص في الحي بالاعتماد فقط على ذاكرتها.
“أنتِ لست على دراية بعد، لكن العيش بمفردك كامرأة ليس بالسهولة التي قد تظنينها …”
عندما فاتتني فرصة إيقافها عن الكلام، تدفقت كلمات السيدة إيفي مثل الفيضان.
شعرتُ بصداع قادم يشبه شعور الاستيقاظ في منتصف الموت، لكن لحسن الحظ، ظهر منقذ غير متوقع.
“أوه، سيدة إيفي.”
تحدثت امرأة مجهولة إلى العمة.
لقد بدت وكأنها قريبة من عمري، أو ربما أصغر مني قليلاً، و بدا أن العمة إيفي تعرفها جيدًا.
“آنسة جين! هل تستمتعين بالحفلة؟”
“نعم، شكرا لكِ. لقد أردتُ أن أبلغك أن السيدة إيريس كانت تبحث عنك الآن.”
على الرغم من أنها كانت ترتدي ملابس محتشمة أكثر من السيدات الأخريات، إلا أن وجهها كان قاسياً وجميلًا للغاية.
حسب كلمات السيدة جين، اتسعت عينا العمة إيفي كما لو أنها تذكرت شيئًا ما للتو.
“أوه، كم أنا شخص غير مسؤول! لقد تركتُ السيدة إيريس وحيدة لفترة طويلة.”
“عمتي، لا بأس بالمغادرة.”
عندما ابتسمتُ وقلت لها أنني بخير، تركتني عمتي بتعبير معتذر حقيقي.
“إميلي، أنا آسفة حقًا. لنتحدث صباح الغد!”
“بالطبع، بكل تأكيد.”
… صباح الغد.
علي أن أجد طريقة ما لتجنبها.
تنهدتُ قليلاً عندما رأيت ظهر العمة إيفي يختفي وسط الحشد، ثم تحدثتُ إلى المرأة التي كانت تقف بجانبي.
“شكرا لكِ لإنقاذي من المتاعب.”
──────────────────────────
~(اتركوا أي ملاحظات بقسم التعليقات، سأقرؤهم كلهم 😊)~
──────────────────────────
أو بإمكانكم التواصل معي مباشرة على الانستغرام لأي استفسارات.
🌸الانستغرام: Asli_Khadija7@
──────────────────────────