إميلي تصطاد الوحوش - 42
──────────────────────────
🌷 الفصل الثاني والأربعون –
──────────────────────────
عاش جريج و إيفي ليستراد، وهما زوجان مشهوران بقصة حبهما، في منزل صغير و متواضع خارج وسط ويستمنستر.
للاحتفال بتخرج ابنهما الوحيد كريس، أقام الزوجان “حفلة صغيرة للمعارف فقط” حيث تمت دعوة الأشخاص المقربين منهما فقط.
“سيدتي، هذه الحفلة ليست صغيرة على الإطلاق …. أليس كذلك؟”
كما قالت سالي، كان المنزل المتواضع ممتلئًا بالضيوف. وبصعوبة بالغة، استطعنا الهروب من القاعة المكتومة نحو ممر أقل ازدحامًا.
“السيدة إيفي قريبة من كثير من الناس.”
لقد اشتهرت العمة إيفي بمشاركاتها الدؤوبة في جميع أنواع المناسبات الخيرية، فضلاً عن التجمعات الاجتماعية التي عادة ما تحضرها السيدات من نفس الوضع الاجتماعي.
في كثير من الأحيان، يسيء الناس فهم أن حفلاتها المتكررة كانت لدعم زوجها، لكن على حد علمي، لقد كانت أعمالها الخيرية دائمًا صادقة.
‘علي أيضًا أن أقوم بتحية العمة إيفي.’
بفضل مضيفة الحفل الاجتماعية، كنت سوف أصبح مشغولة للغاية بالحديث معها.
“لكن سيدتي، كنت أتساءل كيف عرفتِ أن السيدة بلونت قد استثمرت في العقارات في وقت سابق؟ هل سمعتِ ذلك حقًا من جدتها الكبرى…”
“سالي، هل تظنين هذا حقًا؟”
تساءلتُ بصوت عال.
“… ألن يكون من الصعب العثور على شخص في هذه الحفلة لم يستثمر في العقارات؟”
عند هذه الكلمات، بدت سالي حزينة إلى حد ما.
“آه … لقد اعتقدت أن سيدتي كانت قادرة على التحدث مع الأرواح.”
“هل أبدو حقًا كوسيطة روحية؟”
(م.م: الوسيط الروحي هو شخص يدّعي أنه قادر على التواصل بأرواح الموتى، وأن لديه القدرة على إقامة اتصال بين الموتى والأحياء.)
أجبتها بتعب, وشعرت بثقل في رأسي.
كوني في حفلة مزدحمة جعلني أشعر بالاختناق.
“سوف أذهب إلى الشرفة لاستنشاق بعض الهواء النقي يا سالي.”
قلت لها، مشيرة إلى الممر المؤدي إلى الشرفة:
“اذهبي للحصول على قسط من الراحة أيضاً.”
“حسنا سيدتي!”
عندما افترقنا أنا وسالي، توجهتُ بمفردي على طول الرواق نحو الشرفة، وعند وصولي، استقبلني هبوب الرياح المنعشة.
تحت السماء المرصعة بالنجوم، كنتُ أسمع نقيقًا خافتًا للطيور من بعيد.
بينما كنتُ أنظر إلى المشهد الليلي الهادئ، تدفقت كلماتي دون وعي.
“…أنا متعبة جدًا.”
لقد كنتُ دائمًا شخصاً غير اجتماعي، لذلك لا عجب في شعوري بعدم الارتياح هنا.
لماذا لا أقوم بتحية ليستراد وأغادر على الفور؟
في اللحظة التي فكرتُ فيها في ذلك، شعرت بوجود شخص ما ورائي.
على الفور، أدرت رأسي لمواجهة صاحب العطر المألوف والحلو الذي سيطر على الهواء فجأة.
“المكان بجانبك شاغر… كما آمل؟”
“…جيمس.”
وقف جيمس موريارتي بشكل عرضي إلى جانبي، عندها حدقتُ في وجهه الذي كان ينظر إلى الأمام.
“هل أنتَ هنا للراحة أيضاً؟”
كان الرجل الأشقر الوسيم يتكئ على درابزين الشرفة بنظرة غامضة في عينيه.
كان وجهه المضاء بضوء القمر أكثر إشراقًا من المعتاد، وشعرتُ أن ملامحه الحادة كانت كما لو أن نحاتًا عظيمًا قد نحتها بدقة.
تحدث معي صاحب الوجه الرائع بكلمات مليئة بالأناقة.
“سأكون كاذباً إذا قلت نعم.”
“ما هو السبب إذن؟”
“… ألن يعجبكِ إذا أخبرتكِ أنني أريد أن أكون معك؟”
هل كان هذا بسبب كلماته الصادقة الخفية؟
عيون جيمس الزرقاء الفاتحة، والتي كانت عادة شديدة البرودة و تشعرك بالبعد عنه وأنك أدنى مرتبة منه، بدت وكأنها تتوهج بدفء خافت.
“لا، لماذا حتى أشعر بهذه الطريقة؟”
بعد تردده للحظة، أجاب جيمس على كلامي.
“همم، لماذا؟ هل سوف تحبين ذلك لو كنا أقرب؟”
“… هل تحاول أن تمزح معي؟”
اعتبر جيمس ردي كما لو كان سخيفًا وانفجر ضاحكًا، وعندما تحدث مرة أخرى كانت هناك ابتسامة مرتاحة تعلو محياه.
“لستُ متأكدًا بعد الآن.”
“إذن أنتَ غير متأكد من السبب الذي يجعلك تقرر أن تتبعني وتكون بجانبي؟”
عند كلماتي، أومأ جيمس برأسه بهدوء، وبعد أن ظل صامتًا لبضع لحظات، تمتم بهدوء.
“إنه أمر غريب … عادةً ما أتوخى أقصى درجات الحذر وأتجنب القيام بأي شيء لست متأكدًا منه.”
نظرتُ إليه دون إدراك عندما قال تلك الكلمات.
عندها التقت نظراتنا، ولاحظتُ أن وجهه بدا أكثر احمرارًا من المعتاد.
“أنا حقًا … لا أفهم ما تقوله.”
“…..”
لم أعرف كيف أرد على كلامه.
ساد الصمت الشرفة للحظة.
كانت المنطقة السكنية في لندن في الليل بعيدة كل البعد عن الرومانسية، ربما تكون أشبه بلوحة قاتمة وقديمة في إطار مغبر.
ومع ذلك، شعرتُ أن هناك شيئًا حميميًا في الجو.
“إنه مشهد لعين في كل مرة أراه فيها … أنا أقصد مدينة المتسولين هذه.”
ضحك جيمس بينما كانت تخرج كلمات بذيئة من شفتيه اللامعة، كما لو كان يتكلم بكلمات صادرة من أعماق قلبه دون عائق واحد.
زممتُ شفتي دون وعي بينما كنتُ أنظر إليه.
“لابد من أنك ولدتَ في أحياء لندن الراقية.”
“إميلي، أنتِ تتفقين معي فيما قلته، أليس كذلك؟”
في اللحظة التي التقت فيها نظراتنا مرة أخرى، انفجرنا معًا في الضحك.
على الرغم من وجودي مع رجل قتلني مرتين دون أن يرف له جفن، إلا أنني شعرتُ بالراحة إلى حد ما.
“لقد اعتاد والداي على العيش في ويست إيند.”
ثم بدأ جيمس في سرد قصته.
كانت ويست إيند هي المكان الذي تعيش فيه الطبقة الراقية في لندن، وكانت واحدة من أفخم مناطق لندن.
تابع جيمس موريارتي قصة والديه، اللذان تزوجا زواجًا مرتبًا، بصوت ناعم.
“لقد وضع أبي دائمًا شرف عائلة موريارتي أولاً. بالنسبة له، السمعة والمكانة تعني كل شيء.”
ومع ذلك، فقد تم تشويه صورة العائلة لفترة من الوقت بعد مقتل والديّ جيمس بطريقة مخزية.
لكم تم ترميمها لاحقًا من قِبَل جيمس الذي أخذ لقب العائلة.
بعبارة ملطفة، “موريارتي” كانت عائلة مرموقة تتمتع بثروة كبيرة وتقاليد عريقة.
“لم أرهم يتجادلون أو يجرون محادثة ودية من قبل. لقد عاملوا بعضهم البعض مثل شركاء العمل.”
بينما واصلتُ الاستماع إليه باهتمام، صُدمت لأنه من بين كل الناس، كان جيمس موريارتي يحكي لي أنا ماضيه ويثق بي لحفظه كـ”سر” بيننا.
لقد تحدث لفترة طويلة، وأخيراً جاء الجزء الذي فَقَد فيه والديه.
“ربما …”
سألته باندفاع.
“… هل يمكنكَ أن تخبرني كيف مات والديك؟”
عند سماع ذلك، أدار جيمس رأسه ليواجهني.
في تلك اللحظة القصيرة أثناء انتظار إجابته، كنت أسمع صوت ضربات قلبي وهو يخفق في أذني.
لكن كان لدي سبب مهم لطرح هذا السؤال.
‘تلك الرؤيا …’
الذكرى الذي رأيتها عندما عدتُ إلى الحياة بعد أن قُتِلتُ على يد غلاكي.
لقد أردتُ أن أتحقق مما إذا كان ذلك مجرد وهم، أم أنه “الماضي” الذي لا يمكنني تذكره.
لقد رفضت تلك الرؤيا أن تترك أفكاري منذ أن رأيتها لأول مرة.
…حدث ذلك لأنه الآن كان أكثر من نصف “صندوق باندورا” للذكريات المحرمة مفتوحًا بالفعل.
“… إذا كان هذا ما تريدينه يا إميلي.”
تحدث جيمس بهدوء عن أشياء لم يكشف عنها أبدًا لأي شخص غيري.
“أنتِ تعرفين بالفعل إينوك بوين، مؤسس كنيسة حكمة النجوم، على ما أفترض.”
عندما أومأتُ برأسي، تابع جيمس كلامه.
“هل تعرفين ما كان أول عمل له بعد أن أسس تلك الطائفة؟”
“…..”
لقد كانت هناك حادثة أصبحت حديث المجتمع وموضوعًا للنميمة لفترة طويلة بسبب تأثيرها الصادم.
… لم تكن تلك سوى قضية “التضحية البشرية”.
“لقد كان والداي من ضحايا تلك الحادثة.”
لم تكن هناك كلمات أستطيع أن أقولها.
‘كان والدا جيمس من بين أولئك الذين اختطفتهم الكنيسة وقاموا بالتضحية بهم على المذبح!؟’
ظهرت قضية “التضحية البشرية” في كل شكل من أشكال وسائط نشر الأخبار التي يمكن تخيلها لأكثر من مدة شهر، مما أثار الخوف والفضول عن الناس في نفس الوقت.
ماذا يمكنني أن أقول لشخص فَقَد والديه في مثل هذه المأساة المروعة؟
“…..”
عندما لم أستطع الإجابة بسبب الاختناق الذي كان يعصر حلقي، انفجر جيمس ضاحكًا.
“لا تنظري إلي هكذا يا إميلي. إذا نظرتِ إلي بتلك العيون المتعاطفة … ”
اقترب وجه جيمس الجميل مني.
لم أستطع دفعه بعيدًا، لكنني لم أستطع دفع نفسي أيضًا إلى الابتعاد.
لقد اعتدتُ على جانبه المخيف الذي لا يمكن الاقتراب منه.
ربما حدث ذلك لأنها كانت المرة الأولى التي رأيته فيها يائسًا جدًا، لكن …
“أنا أعني أنكِ إذا نظرتِ إلي هكذا – سوف أريد حينها الاتكاء عليكِ، و سوف أريد أن أخبركِ بكل شيء عني – الشيء الذي لا يشبهني أبداً.”
كان الصوت المنخفض، الذي بدا حزينًا تقريبًا، على بُعد بضعة بوصات مني.
بعد أن أدركت ذلك، شعرت بالتوتر فجأة، كما تعثرت أنفاسي واضطرب صدري وشعرتُ بالحرارة ترتفع في وجهي.
ببطء، اقترب وجه جيمس موريارتي الرائع مني، وبشكل غير متوقع، شعرتُ بلمسة رقيقة على ظهر يدي.
لقد قام جيمس بتقبيل ظهر يدي ورجع خطوة إلى الوراء.
“……!”
فتحت عيني عند حدوث ما هو غير متوقع ونظرتُ إليه.
عند رؤيته تعبيري، ابتسم جيمس مازحًا.
“ما هذا الوجه؟ هل كنتِ تتوقعين شيئًا آخر؟”
“لا، ما…؟”
“…كم أنتِ ظريفة…”
…لقد كنت عاجزة عن الكلام، لكن صوته استمر.
“إميلي، لأكون صادقًا…”
“ماذا هناك؟”
“إنها المرة الأولى التي أخبر فيها أي شخص عن وفاة والديّ.”
على الرغم من أنني كنتُ لا أزال مصدومة من تصرفاته غير المتوقعة، إلا أنني سرعان ما أصبحتُ جادة واستعدتُ رباطة جأشي.
“أنتَ … كيف استطعتَ تحمل ذلك؟”
لم يكن سؤالي هذا فقط بسبب فضولي حول الرؤيا التي رأيتها بعد الآن، ولكن أيضًا لأنني فهمتُ مشاعره بصدق.
لقد فقدتُ والديّ أيضًا عندما كنت طفلة، لذلك كان عليّ أن أتحمل غيابهما بطريقة ما مثله.
“حسنًا، لقد قال الأطباء أنني كنتُ جامدًا للغاية من الناحية العاطفية.”
“…..”
“لأكون أكثر دقة، لقد كنتُ أشبه المرضي الذين لا يستطيعون التعاطف مع مشاعر الآخرين.”
عند هذه الكلمات، تذكرت فجأة كلمة مألوفة استخدمت في العصر الحديث.
“المعتل الاجتماعي” أو “السوسيوباث”.
وهو الشخص الذي لا يستطيع التعاطف مع الناس.
“لكن لماذا أنتِ فضولية حيال ذلك؟”
“هذا بسبب…”
… دوامة العواطف التي ظهرت فجأة في داخلي أعاقت كلماتي، لذلك تحدثتُ ببعض التردد.
“أنا أيضًا، أحيانًا …”
الموت المفاجئ لراندولف.
مواجهة الكثير من الأشياء الغريبة التي لا يمكن أن يفهمها العقل.
إذا كان هناك إله في هذا العالم، فأنا أريد أن أتذمر له وأشتكي له في نفس الوقت، وأريد أن أطلب منه أن يعيد التفكير في مصيري البائس والملعون.
“هناك أوقات يكون فيها من الصعب تحمل كل هذا دون أن يصاب المرء بالجنون.”
أو ربما، بصراحة…
ربما أنا مجنونة بالفعل.
ومع ذلك، فإن هذه الأشياء المؤلمة تستمر في الجلوس بعناد في أعماق ذهني.
“…..”
تسارعت دقات قلبي بينما نظر جيمس موريارتي إلى وجهي بصمت.
لقد كانت أيضًا المرة الأولى التي أعرض فيها هذا على أي شخص آخر غير راندولف وهيلينا.
… لم أكن لأحلم أبداً أن الشخص الذي أخبرته بعد كل هذه المدة سيكون جيمس موريارتي، الرجل الذي قتلني مرتين، أخطر مجرم بين المجرمين.
──────────────────────────
✨فقرة الشروحات:
السوسيوباثية أو اضطراب الاعتلال الاجتماعي يعني “اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع”، وهي حالة مرضية نفسية تشبه “اضطراب الشخصية النرجسية” و”اضطراب الشخصية الحديّة“.
ويتميز أصحاب اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع بالرفض أو التجاهل المستمر لمفاهيم الصواب والخطأ وكذلك لمشاعر الآخرين، كما يعرف عنهم كونهم أشخاص عنيفين أو متهورين أو قساة. والأسوأ من كل هذا أنهم لا يبدون أي ندم على سلوكهم هذا.
ما الفرق بين السايكوباثي و السوسيوباثي؟
السوسيوباثي يستطيع تكوين روابط قوية مع العائلة و بعض الأفراد، وفي حين أنه يستطيع أن يسبب الأذى لأشخاص عشوائيين أو مختارين من أفراد المجمتع، لكن من غير المحتمل أن يسبب أذى لأفراد العائلة و المقربين، لكن السيكوباتي يستطيع بسهولة أن يبسب الأذى لأفراد العائلة دون الإحساس بأي نوع من الندم.
──────────────────────────
~(اتركوا أي ملاحظات بقسم التعليقات، سأقرؤهم كلهم 😊)~
──────────────────────────
أو بإمكانكم التواصل معي مباشرة على الانستغرام لأي استفسارات.
🌸الانستغرام: Asli_Khadija7@
──────────────────────────