إميلي تصطاد الوحوش - 28
──────────────────────────
🌷 الفصل الثامن والعشرون –
──────────────────────────
داخل غرفة المعيشة في الفيلا المملوكة لعائلة موريارتي، كان الأثاث الفاخر الملون، الذي اشتهر خلال العصر الجورجي، لافتًا للنظر.
أشرقت أشعة الشمس على الرجل الجميل الجالس بجوار النافذة، عندها فتح فمه وخرج صوت خافت.
“…كان محكوماً على السيد تيلمان بأن يعيش حياة قصيرة.”
لقد كان يتحدث عن أحد معارفه، لكن هذا لم يكن بيت القصيد.
ما هي نيته الحقيقية من ذكر هذا الموضوع؟
“كم هذا مروع.”
حدقتُ في الرجل الوسيم الجالس أمامي.
شعر أشقر جميل مثل الأثاث في هذه الغرفة، و وجه جميل المظهر بالنسبة لرجل.
“أوافقكِ الرأي يا سيدتي … كم هي جميلة و عابرة حياة الشخص عندما يعلم أن وقته سريع الزوال.”
العدو اللدود لشرلوك هولمز وملك عالم الجريمة، البارون جيمس موريارتي.
لقد كانت ابتسامته حلوة للغاية، وبدا أن عينيه كانتا تغريان كل من ينظر إليهما؛ قد تخجل معظم الفتيات إذا رأين مثل هذه التعابير على وجهه.
لكن بالنسبة لي، لم يكن شكله مختلفًا عن الزينة الجميلة، ولم يكن إعجابي به أكبر من إعجابي بالأثاث.
“لأكون صريحة، إنها ليست جميلة كما تعتقد.”
“أوه؟”
“يجب على الإنسان الذي يعرف أن حياته قصيرة أن يعيش كل لحظة، أنا أعني أنه يحاول عيشها بشدة ويتشبتُ بكل ثانية منها. ويجب عليه قضاء ذلك الوقت المتبقي له في محاولة يائسة لعيش الحياة على أكمل وجه.”
حدق جيمس موريارتي في وجهي بصمت قبل أن يقول بهدوء:
“إميلي، يبدو أنكِ على دراية جيدة بالموضوع، أليس كذلك؟”
“هذا …”
بيننا كنت أتذكر كلام الملك ذو الرداء الأصفر بأنه كان ما يزال هناك 72 يومًا متبقيًا قبل نهاية العالم، تابعتُ كلامي بهدوء:
“ربما يكون ذلك لأنني لدي أيضًا وقت محدود لأعيشه.”
“أنتِ؟ أنتِ بالتأكيد تمزحين.”
“أنا أعرف متى ستأتي النهاية.”
“أنا مفتون بكلامك. إذن متى نهايتك؟”
لقد كنتُ أتساءل لفترة طويلة عن السبب الذي جعله يرسل لي تلك الدعوة، وعن سبب تلك النظرة الحادة التي نظر بها إليّ في متجر ماكمرين؛ والتي بدت وكأنها سوف تخترق ظهري …
و وجدتُ أنه كان هناك سبب واحد فقط.
“في الحال، و في هذه اللحظة بالذات.”
أجبته وأنا أنظر في عينيه مباشرة.
ضحك جيمس بخفة كما لو أنه سمع شيئًا سخيفًا، ثم تغيرت تعابيره فجأة، بعدها قال بابتسامة مؤذية أكثر:
“… أنا أتساءل حقًا، متى اكتشفتَ ذلك؟”
أخرج موريارتي مسدسًا من جيب معطفه الداخلي ووجهه نحوي.
لقد كانت لديه ابتسامة راضية على وجهه، لكنني لن أظهر رد الفعل الذي يريده.
“أوه، هل دخلتَ وأخيرًا في صلب الموضوع يا موريارتي؟”
لقد بدا متفاجئًا بعض الشيء من عدم مبالاتي أمام مسدسه.
“لم أتوقع رد الفعل هذا.”
عندما رأيته يضحك بلا حول ولا قوة، قلتُ له على الفور:
“لم أتخيل أبدًا أنك ستدعو شخصًا ما وتوجه مسدسًا نحوه.”
“… هيه.”
“ماذا تريد؟”
حدّق جيمس موريارتي في وجهي كما لو كان يوازن بين خياراته، ثم عض شفته قبل أن يقول:
“… ما هي علاقتك مع إينوك بوين؟”
لم أصدق أن هذا الاسم ظهر على مسامعي مرة أخرى، لذلك جعدتُ جبيني دون أن أدرك.
إينوك بوين، مؤسس كنيسة حكمة النجوم.
بالنسبة لي، لقد كان عدوًا، و بناءً على ذاكرتي وشهادة هيلينا، فقد التقيت به منذ أكثر من عقد من الزمان.
في اللحظة التي كنتُ فيها غارقة في أفكاري، سمعتُ صوت تلقيم المسدس الذي كان مصوبًا تجاه رأسي..
“هل تبدو لكِ كلماتي مثل الهراء؟ … حتى لو أردتِ التحدث فيما بعد، فلن تكوني قادرة على ذلك عندما يكون هناك ثقب في رأسك.”
بالنظر إليه، كان وجه جيمس الجميل عابساً.
لقد كان من السهل رؤية الكراهية والعداء في تعبيراته، و كنتُ أدرك جيدًا أن البارون موريارتي لم يكن رجلاً يتأثر بالعواطف بسهولة.
“إنها قصة طويلة، لكن دعني أقول لكَ شيئًا واحدًا أولاً.”
“…”
“عدو عدوي هو صديقي.”
عندها ناديت الرجل الذي لن يضغط على الزناد أبدًا.
“جيمس موريارتي، هلاّ نصبح حلفاء؟”
اتسعت عيناه من الدهشة، واهتز المسدس الذي كان موجهًا نحوي قليلاً.
قليلًا و للحظة صغيرة فقط.
لكن ذلك كان كافيًا، هو لن يقتلني الآن.
جيمس موريارتي.
على غرار “جيمس موريارتي” الذي التقيتُ به عندما قتلني في حياتي الثانية عشرة والثالثة عشرة، كان من النوع الذي لا يمكنه أن يعيش بهناء وهو يشعر بالفضول.
لم أكن متأكدة مما إذا كان ذلك يشبهني بطريقة ما.
لقد كانت هناك سمة خاصة بهذا النوع من الناس، وهي أننا لم نكن قادرين على تحمل الأشياء التي تُترك دون إجابة.
على أقل تقدير، هو لن يقتلني حتى يجد إجابات للأسئلة التي خلَقتُها في عقله.
“بالمناسبة…”
وبفضل هذا، تمكنتُ من التحدث بهدوء بينما كان السلاح موجهًا نحوي.
“هل أصبحتُ هدفاً لك بسبب إينوك بوين؟”
“…نعم.”
بدأ جيمس موريارتي يبتسم وكأنه يشعر بالتسلية.
“يظهر اسمك غالبًا عندما يتعلق الأمر بتعقب مكانه.”
يظهر اسمي كثيرًا…
لقد كان الأمر مفاجئًا بعض الشيء، لكنه لم يكن منطقيًا.
أنا شخصياً كنتُ أطارد كنيسة حكمة النجوم وأحاول أسر بعض رجال الدين التابعين لها.
“أليس سبب ذلك هو أنني أطاردهم أيضًا؟”
“… هل تعتبرينني ساذجًا؟ ما هو هدفكِ الحقيقي؟”
أجبتُ على سؤاله بسؤال آخر.
“لماذا تطارد إينوك بوين؟”
نظر في عيني وابتسم ابتسامة صغيرة.
“أنا شخص فضولي.”
“أنا شخص فضولي أيضًا.”
“حسنًا، بما أنكِ سوف تموتين قريبًا، فإن الحديث عن هذا ليس مشكلة. ومع ذلك …”
رفع إحدى زوايا فمه بابتسامة خبيثة.
“أُفضّل ألا أفعل ذلك بما أن شخصًا ما يجلس معي هنا يتصرف بشكل غير مبال.”
جعلتني هذه الكلمات أضحك.
موريارتي، قبل وفاتي للمرة الثانية عشرة، قال شيئًا مشابهًا لهذا.
“ألن تستجدي الرحمة؟ ربما بعد ذلك سوف أخبركِ بما تريدين معرفته … لكن للأسف، لن أهتم بما سيحدث بعد ذلك.”
لقد بدا مختلفًا تمامًا في ذلك الوقت، بينما كان مبتسمًا بوجهه المحترق؛ لقد كان دائمًا إنسانًا غريب الأطوار.
“إنه دافع مبتذل، ألا تعتقد ذلك؟ محاولة الانتقام لوالديك.”
“….!”
المسدس، الذي لم يهتز مطلقًا، نزل لأول مرة بلا حول ولا قوة.
“كيف تعرفين ذلك؟”
“كيف أعرف ماذا؟”
ابتسم موريارتي، وكأنه يقول لي أنه ليس شخصًا يتأثر باستفزاز خفيف كهذا.
“أرمورييت مشتقة من اسم موريارتي، إنها ليست إعادة ترتيب سيئة للحروف … أنتَ تحب الجناس الناقص، أليس كذلك؟”
ضحكتُ في اللحظة التي ركّز فيها جيمس نظرته علي.
“أنا أحبه أيضًا. ألا يُظهر إمكانية أن يكون كل شيء مختلفًا عبر اختلاف ترتيب الأحرف فقط؟”
“…!”
دعونا نستخدم عبارته من حياتي السابقة ضده.
ارتجفت عيون جيمس موريارتي عند كلماتي.
“كيف يمكنكِ…”
“لا بد من أنكَ تعتقد أنني مشعوذة تمارس السحر الأسود مثل هؤلاء الطائفيين.”
“… هل تنكرين ذلك؟”
“حسنًا، بدلاً من الإنكار …”
مددتُ يدي، وقمتُ بإنزال مسدس موريارتي بشكل أكبر.
وقبل أن أعرف ذلك، شعرتُ بالارتياح لرؤية فوهة الإطلاق موجهة إلى الأرض و ليس على وجهي.
“دعنا نأخذ مقاربة مختلفة لفكرة المشعوذة، والتي ترتبط بالطوائف … كما دعنا نعيد ترتيب بعض الحروف معًا.”
“…”
الآن نظر إليّ جيمس بـنظرة أكثر جدية، وأنا لم أخجل من تلك النظرة، بل طرحت حججًا أخرى لإقناعه.
“هل تعلم أن الكلتيين القدماء كانوا يطلقون على كهنتهم اسم الدرويديون؟”
(م.م: الشرح نهاية الفصل)
الدرويد.
إنه اسم كهنة الكلتيك الذين عاشوا ذات يوم على هذه الأرض الإنجليزية، و هم أولئك الذين فهموا أسرار الطبيعة.
“لا تخبريني أن قوى كهنة الكلتيين تشبه السحر الأسود للطائفيين في كنيسة حكمة النجوم.”
“…لا، على الإطلاق.”
بطريقة ما، وافق جيمس على كلامي.
بناءً على تعابير وجهه، كان من الواضح أنه مهتم بما أقوله؛ كما أنني كنتُ واثقة إلى حد ما من أنه سوف يقتنع، لذلك دفعته أكثر قليلاً بكلماتي.
“دم أولئك الدرويديون يتدفق عبر عروقي.”
“…”
“هل يكفي هذا كتفسير؟”
لقي والدي موريارتي حتفهما المؤسف على يد كنيسة حكمة النجوم، وكذلك حبه للجناس الناقص…
لقد عرفتُ كل هذا بفضل عودتي الى الحياة لمرات لا تحصى، ولكن …
الإدعاء بأنني أعرف هذا بفضل قوى الكهنة التي تسري في عروقي كان مجرد مقامرة.
لقد قلتُ ذلك لأنني ظننتُ أن موريارتي قد يكون مدركًا بشكل غامض لتعاويذهم التي يمكن أن تكسر اللعنات.
“… سليلة لـلدرويديون ذات قوى غامضة. هل ما تدعينه صحيح؟”
جيمس، الذي تردد في تصديقي حتى النهاية، أكل نصف الطُعم بالفعل ووقع تقريبًا في الفخ.
“أجل، لذا فـمن الذكاء أن تجعلني حليفتك.”
“…”
“لإعطائك تلميحًا آخر … هل تعرف جريفرايرز كيركيارد، المقبرة الموجودة في إدنبرة؟”
لقد حان الوقت لأستمتع بوقتي أيضًا.
“… حارس الأمن الذي يعمل هناك هو جزء من كنيسة حكمة النجوم. إذا كنتُ مخطئة، فأنتَ حر في المضي قدمًا وقتلي.”
لا يهم إذا قتلتني الآن بالطبع.
لقد كان هناك سبب لمحاولاتي الجاهدة لإقناع موريارتي؛ هذا لأنه كان علي تنفيذ أوامر الملك ذو الرداء الأصفر.
حدق جيمس موريارتي في وجهي.
“… هاااا.”
ثم زفر كما لو كان مذهولًا، وسرعان ما انفجر في نوبة من الضحك.
“هاهاهاها!”
لقد كان يبدو كما لو أنه قد سمع نكتة جيدة حقًا، وكان جسده كله يرتجف من القهقهة.
في هذه الأثناء، شعرتُ بكل شيء إلا بالارتياح.
ثم نظر جيمس إليّ بعد أن هدأ قليلًا.
“لقد مر وقت طويل منذ أن ضحكتُ كثيرًا هكذا.”
ثم أضاق بعيناه.
لقد كان بؤبؤ عينيه يشبه الشق بشكل استثنائي، مما ذكرتني رؤيتهما بعيون الأفعى.
“حسنًا، أنا أصدقكِ.”
ثم أعاد المسدس إلى جيب معطفه الداخلي وسار نحوي.
لقد كان قلبي ينبض من الخوف، لكنني تظاهرتُ بالهدوء.
عندها رفع موريارتي يده ومدّها نحوي.
نظرتُ إليه وهو يبتسم بشكل مشرق كما لو أنه لم يوجه مسدسه نحوي أبدًا، ثم صافحتُ يده التي كانت باردة وناعمة بشكل غريب.
لقد كانت مختلفة عن يد هنري وذكرتني بجلد الزواحف.
“أتطلع إلى العمل معكِ يا صديقتي.”
في اللحظة التي لعق فيها جيمس موريارتي شفتيه بابتسامة شريرة تعلو محياه، شعرت بالقشعريرة تسري في عمودي الفقري.
لقد كان عليّ الحفاظ على علاقة ودية معه؛ وهذا من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات منه حول كنيسة حكمة النجوم.
لكن للقيام بذلك، كان عليّ قمع خوفي منه.
──────────────────────────
✨فقرة الشروحات:
*القِلْطُ (الكلت أو الكلتيك) هم مجموعة من الشعوب الهندية الأوربية التي عاشت في مناطق واسعة من أوروبا والأناضول، وتمتاز باستعمالها للغات القلطية وبعناصر ثقافية أخرى متشابهة.
*الدرويد (بالإنجليزية: Druid) هم كهنة الشعوب الكلتية ورجال الطب فيها وبخاصة في بلاد الغال وبريطانيا. قديما كانوا يمارسون التطبيب بالاعشاب وسيطروا على العقول بفضل شعائرهم الدينية التي تقوم علي عبادة الشمس والاعتقاد بخلود الروح. أطلق عليهم جماعة السحرة الأشرار بعد ظهور المسيحية لمعارضتهم لها. كانوا رفيعي الثقافة وأصبحوا معلمي الطبقة الراقية. نقلوا معارفهم من جيل إلى آخر من غير أن يدونوها (مشافهة). كونوا اتحادا فيدراليا قويا في ميادين السياسة، وعملوا على إثارة الشعوب ضد روما، وأخيرًا استسلم النظام الدرويدي للمسيحية.
*العصر الجورجي هو فترة في تاريخ بريطانيا تمتد منذ عام 1714 إلى 1830–37 تقريباً، ودُعيت بذلك تيمناً بملوك آل هانوفر: جورج الأول والثاني والثالث والرابع. يتميز الطراز الجورجي بأنه متغير بشكل كبير، ولكنه يتميز بالتناظر والنسبة على أساس العمارة الكلاسيكية لليونان وروما ، كما تم إحياءه في فن العمارة في عصر النهضة.
──────────────────────────
──────────────────────────
~(اتركوا أي ملاحظات بقسم التعليقات، سأقرؤهم كلهم 😊)~
──────────────────────────
أو بإمكانكم التواصل معي مباشرة على الانستغرام لأي استفسارات.
🌸الانستغرام: Asli_Khadija7@
──────────────────────────