9
عندما اغمضت عينيها شعرت أن عواطفها تنتشر و تغلف كل شيء حولها . نشأت بينهما رابطة غير ملموسة و لحن خارج نطاق الأذنين .
تغريد !
غردت الطيور رداً على قوة السايرين .
شوو–
كان النحل يدور حول مجموعة من الزهور النابضة بالحياة حيث تمتزج أصوات الطبيعة في أجواء ممتعة . مدت آريا يدها نحو السماء ، مرت الرياح بأطراف أصابعها . تمايلت الأوراق مع النسيم ومع غناء الأرض الصامت .
‘هذا لطيف جداً .’
كانت دائماً تغني بتناغم مع الأوركيسترا . ناهيك عن أنها كانت هذه المرة الأولى التي تغني فيها في الخارج . كان الكونت كورتيز يراقبها عن كثب دائماً ، خوفاً من إحتمال هروبها ؛ لهذا لم تستطع الخروج بحرية كما تتمنى .
لم يتردد لقتل الحيوانات التي كانت تقترب من آريا بقسوة . في ظل قيود الكونت ، لم يُسمح بالغناء إلا في الداخل و الطابق السفلي حيث أقيمت الحفلات وداخل قفص الإمبراطور .
“الأوراق الناعمة و الجميلة لشجرتي الحبيبة .”
لكن الآن ، غنت آريا وفقاً لرغبتها الخاصة . كانت تسمع ترنيمة العصافير ، والحشرات تتسلق العشب بكل سهولة ، و النسيم العليل يداعبها .
“دعي القدر يبتسم لكِ .”
لقد كان الفجر تقريباً .
“قد لا يزعج الرعد و البرق و العواصف سلامكِ العزيز .”
كان المطر المتساقط رائعاً .
“ولايجوز تدنيسكِ بهبوب الرياح .”
انحنت آريا على الجذع . انتشرت إبتسامة ناعمة على شفتيها وهي تسمع دقات قلبها المنتظمة . نزلت أشعة الشمس الذهبية على شكب خيوط منسوجة ، تسقط على الأشجار حيث كانت تستعرض شكل الفسيفساء من كل ورقة وفرع مما جعب المنظر جميلاً للغاية .
“لن يصبح أى نبات عزيز وجميل محطبطاً .”
فجأة اخترقت الشمس العظيمة الأفق و انفجرت السماء بأضواء رائعة . تلاسى الضوء المحيط بأشجار الكرز تدريجياً و خرجت أشعة ذهبية من البراعم أثناء تفتحها لتتحول إلى أزهار .
“آه !”
كادت آريا أن تسقط . شعرت بالدوار لفترة لذا تمسكت بجذع الشجرة . انخفضت درجة حرارة جسدها لأنها كانت لا تزال ترتدي الملابس المبللة بمياه الأمطار و ارتجفت .
‘هل أفرطت في ذلك ؟’
تركت آريا جرحها دون علاج طوال الليل عمداً . تصبح قوة أغانيها أقوى عندما تكون مريضة و قريبة من فقدان الوعي .
يُخرج الناس قوة تفوق أجسادهم عندما يكونون في حالة خطرة . كانت آريا نفس الشيء .
‘على الرغم من أنني لا أستطيع التحمل أكثر من ذلك …’
بقدر ما يبدوا أن آريا سوف تفقد وعيها فهي تلاحظ حالتها دائماً و الآن كادت أن تفقد وعيها .
خطوة ، خطوة –
كان هناك شخص يمشي على العشب . أدارت رأسها فجأة بإتجاه الصوت . وقف رجل ما عند مرمى بصرها فجأة ، مصدوم وكان في حيرة من أمره .
“أنتِ ، لقد كنتِ تتحدثين ، لا ….” “……….” “تلكَ الأغنية الملائكية! لا … لقد كنتِ تغنين و الشجرة …”
‘هل هو خادم ؟’
راقيت آريا ملابس الرجل . ثم ابتسم و كأنه قد عاد إلى رشده .
“كما هو متوقع ، أنا مبارك .” “……….” “هاي ، قولي شيئاً ، هل يُمكنكِ ؟ لن تكوني قادرة على خداع أحد حتى لو أبقيتِ فمكِ مغلقاً .”
‘هل كان يعتقد أن هذا كان نقطة ضعفي ؟ ياله من أحمق .’
بدأ الرجل الذي كان يصرخ عدة مرات في الإستسلام بعد أن حدقت آريا في وجهه بذهول . ثم بدأ يتحدث مع نفسه .
“لقد كنت أعلم أن هذا غريب ، ليس من المنطقي أن يكون أصلها سرياً بما أنها سوف تكون الدوقة الكبرى في المستقبل .”
كان أصل آريا في غاية السرية . فقط كبير الخدم و الخادمة هم من يعرفون . طلبت منهم آريا إبقاء الأمر سراً .
‘لا حرج في إتخاذ الإحتياطات .’
ولكن بسبب ذلك بدا الجميع مقتنعاً أن آريا ليست من أصل نبيل .
‘يُمكنني إبلاغ كبير الخدم لكن ….’
نظر إلى آريا من رأسها حتى أخمض القدمين و همس “لماذا لا تغنين لي أكثير ، هاه ؟”
“غني تلكَ الأغنية من قبل وسوف أتظاهر أنني لا أعرف شيئاً .”
حدقت به آريا بلا مبالاة ، لقد كانت على دراية بالفعل بمثل هذه النظرات المتغطرسة .
“مائة مليون شارو .” “ماذا ؟” “ثمن الأغنية .”
لقد كان ثمناً سخيفاً . نظرَ إليها متراخي الفك و قال ‘أى نوع من الأغاني يكلف مائة مليون ؟’ لو غنت آريا ثلاث أغنيات سوف تتمكن من شراء منزل في العاصمة .
“هاي ، يبدوا أنكِ لا تفهمين الوضع ….”
بدأ الخادم في التباهي بأفعاله الشريرة ، وهدد آريا يأنه قد تسبب في طرد خادمة بريئة لأنه خيل لهم أنها سارقة . كان إسم العبد توبي . كان أسلوبه في البقاء كان العثور على نقاط ضعف الآخرين للحصول على المكافآت . ومع ذلك لم تستمع له آريا .
“هل ستكون قادراً على تحمل ثقل الأغنية في حين أنكَ غير قادر على تحمل ثمنها ؟”
في تلكَ اللحظة ومضت السماء خلف ظهر آريا وجاء البرق في السماء . اشتعلت النيران في السماء بصدمة بيضاء مدهشة ، متجهة نحو الأرض المطمئنة تبعها دوي مدوي مع تحذير مع فوات الأوان .
ضرب–!
ارتجف توبي و أسنانه ترتجف .
‘ماهذا لقد كان مجرد رعد و برق .’
ومع ذلك انعكس الوضع بسرعة . تقدمت آريا نحوه و تراجع عن غير قصد . ثم تعثر على حجر وسقط على مؤخرته .
“آه ! إنتظري لحظة .”
لم يستطع توبي أن يفهم لماذا شعر بالتهديد من طفلة أصغر منه .
مدت آريا يدها له و تحدثت قبل أن تغني الأغنية التي كان يريدها .
“عليكَ أن تعوض عن أخطائكَ .”
شعر توبي بالذهول في هذه اللحظة وبشكل غير واع أصبح عاجزاً عن الكلام و حبس أنفاسه .
‘آه …’
يجب أن يكون هذا هو الشعور الذي شعر به البدو عندما وجدوا واحة . أو المتعصبين الدينيين الذين شهدوا الإله بعيونهم أخيراً . همست آريا ووضعت شفتيها بجوار أذنه وتركته منبهراً باللحن .
“لن تخبر أحد بما قد رأيته اليوم ، ويجب أن تكفر عن خطاياك .”
في الوقت نفسه أخرج توبي نفسه من الغيبوبة .
“دفع الثمن ؟”
ها كم هذا مضحك ! كان من السخيف رؤية فتاة صغيرة ترتدي قناع أرنب لطيف توبخه .
حاول الضحك بصوت عال . لكن من الغريب أنه لم يصدر أى صوت ، كان الأمر كما لو أن حلقه كان مسدوداً .
‘ها…ماهذا ؟’
حاول تحريك يده ، لكنه لم يستطع تحريك إصبع واحد . مرت آريا بجسده القاسي وتصرفت و كأنه شخص غريب على جانب الطريق .
ثم تحركت قدميه من تلقاء نفسها و لم يستطع التوقف .
‘لا ! توقفي عن ذلك !’
كان وجه توبي أبيض مثل الطباشير . تحرك جسده مثل دمية متحركة . كان مجنوناً من الداخل يحاول يائساً الصراخ و طلب المساعدة ، لكن لم يخرج شيء . ظل تعبيره هادئاً من الخارج مثل سلوكه .
سار رغماً عنه حتى توقف . كان أمامه مقر فرقة الفرسان الثالثة ، كانوا مسؤولين عن حماية أمن الإقليم . طرق الباب و أمره صوت في الداخل أن يدخل .
“ماذا يجري ؟”
لم يكن أمامه سوى قائد الفرسان . ترددت الشائعات أنه كان شديد القسوة عند استجواب المشتبه بهم .
‘اوه ، لا ….’
كان لدى توبي سراً آخر لا يمكنه إخباره لأى شخص . لقد سرب المعلومات الداخلية لدوقية ڤالنتين عدة مرات . كان الدوق ڤالنتين سيء السمعة لذا تم بيع معلوماته بسعر مرتفع للغاية .
‘كنت واثقاً من أنه لن يتم الإمساك بي أبداً !’
كان هذا سيئاً للغاية . كان الوقت الذي تكافح فيه الدوقة الكبرى بين الحياة و الموت كان الدوق الأكبر و وريثه يسافران كثيراً . سوف يلقى بالخائن في قفص الوحوش دون إعادة نظر .
‘يا إلهي ! من فضلكِ يا دوقة المستقبل ! لقد كنت مخطئاً !’
بغض النظر عن مقدار صلواته لقد فات الأوان بالفعل . فتح توبي فمه و تحدث .
“جئت لأعترف بجميع خطاياي .’
***
‘وجهي حار و أذني تؤلمني .’
كان بإمكانها سماع صوت مكتوم لشخص يصرخ من مسافة ‘آنستي الصغيرة ، آنستي الصغيرة ….!’
‘مزعج جداً .’
ببطء وعلى مضض كشفت آريا وجهها . تراجعت آريا و فركا عينيها وفحصت محيطها .
‘أين أنا ؟’
كانت عيناها مشوشتين ولم تستطع معرفة مكانها . كانت تتكئ على الحائط .
تمتمت : “هذا مؤلم .”
شعرت أن رأسها سوف ينفجر .
“اختفت فجأة ….؟”
في تلك اللحظة عادت رؤية آريا لها . لقد كان صوت لويد .
“لم تختف فجأة ، لم تكن في غرفتها في المقام الأول ….”
ثم سمعت أصواتاً توضح سؤالها .
‘هل هذه … الخادمة بيتي ؟’
سمعت آريا بيتي و هي تحرك قدميها .
“كنت آخر من رآها .” “نعم ؟” “لقد هددتها . ولقد قلت أنني سوف أقتلها .” “نعم ؟!”
مع مثل هذا الإعتراف الجريء بدت بيتي في حيرة من أمرها وكانت صامتة لفترة ولم تستطع الإجابة .
“بعد ذلك لن يكون غريباً إن إختبئت لأنها كانت خائفة …”
تلعثمت بيتي .
“إنه خطير للغاية أن تتجول الآنسة الشابة بمفردها في القصر . وخاصة لأنها كانت من خارج الحدود .”
بعد لحظة من التفكير في صمت قال :”سوف أتحمل مسؤولية العثور على الأرنب .”
ابتعدت خطى لويد .
‘غبي . أنتَ تسير في الإتجاه الخاطئ .’
قالت آريا و هي تستمع إلى خطى الفتى الذي الءي بتجه في الطريق المعاكس . حاولت آريا رفع نفسها ، لكنها لم يكن لديها القوة .
فجأة سمعت صوت زفزقة العصافير أدارت رأسها لتجد حمامة بيضاء جالسة على حافة النافذة .
‘حمام زاجل .’
تم تدريب الحمام الزاجل لإرسال الرسائل عن بعد .
“أيها الطائر الصغير .” “كاكك .” “لدىّ معروف أطلبه منك ، الغرفة الأبعد في الطابق العلوي الرئيسي .” “كوييكك .” “أرسل لهم هذه الرسالة .”
كانت تأمل أن ينقل الطائر كلماتها بشكل صحيح . على الرغم من أنه كان غير محتمل ، فقد وضعت إيمانها في المعجزات . نشر الطائر جناحيه وخرج من النافذة كما لو كات قد فهم كلمات آريا .
‘هل فهم الطائر طلبي ؟’
لم يكن ذلك ممكناً . تتبعت موقع الطائر بحواسها الشديدة . ومع ذلك ، بدأت ركبتها في الاستسلام . بخطوة واحدة إلى الوراء انهارت مثل دمية قد قطعت أوطارها .
“آنستي !”
سمعت أحد يصرخ من بعيد و يقول :”إتصلوا بالطبيب بسرعة !”
أصبح كل شيء بارداً ومشوشاً في النهاية .
–ترجمة إسراء .