278 - إيفاتار جهاف (4)
الفصل 278: إيفاتار جهاف (4)
“إذن، هل وقعتِ حقًا عقدًا مع إفريت؟” سأل يوجين.
“نادِهِ بإسمه الكامل، ملك أرواح اللهب، إفريت.” طلبت ميلكيث.
كرر يوجين سؤاله، “لقد سألتُك، هل تمكنتِ حقًا من توقيع عقدٍ معه؟”
رفضت ميلكيث الإجابة، “إنه سر.”
“لكن، حسب ما أرى، يبدو وكأنكِ قد فشلتِ في توقيع العقد، لا؟” قال يوجين مستفزًا إياها. “لو تمكنتِ حقًا من توقيع عقدٍ معه، سيدة ميلكيث، مع شخصيتك، يستحيل أن تبقي صامتةً حول هذا الموضوع، هل أنا مخطئ؟”
أظلمت عيون ميلكيث بشكل كئيب عند سماع هذه المضايقة.
ومع ذلك، لم يتوقف يوجين عند هذا الحد وإستمر في الحديث، “على الرغم من أنكِ قُلتِ إن لديك شعورًا بأنك ستتمكنين بالتأكيد من توقيع العقد، إلا أنكِ في النهاية، لم تتمكني من توقيع عقد مع إفريت، هل فعلت؟”
ردت ميلكيث ببرود، “قلت أن تناديه بإسمه — ملك أرواح اللهب، إفريت.”
“لماذا يجب أن أقول إسمه هكذا؟” سأل يوجين.
أخيرًا فقدت صبرها، أطلقت ميلكيث هديرا عاليًا، “لأنه ربما يكون يستمع إلى محادثتنا الآن!”
أخرجت حجر النار، الذي كانت قد دسته بعناية بين ثدييها، ووضعته فوق الطاولة.
“إسمح لي أن أكون واضحة، أنا لم أفشل في التعاقد معه.” أصرَّت ميلكيث. “الفشل لا وجود له بالنسبة لشخص مثلي، ميلكيث الحياة. الأمر فقط هو أنه يبدو أن آرائنا عن بعضنا البعض ليست منسقة تمامًا. لكن، هكذا هي العقود. نحتاج إلى الإستمرار في ضبط الشروط والتكيف مع بعضنا البعض حتى نصل أخيرًا إلى النقطة المطلوبة حيث نقرر بعد ذلك، حسنا، دعنا نبرم عقدًا!“
قال يوجين بإستخفاف: “حسنًا، هذا يعني أنكِ قد فشلتِ حقًا.”
“كما قلت، لم يحدث شيء كهذا! أنا أقول لك، نحن فقط نحاول التوفيق بين الإختلافات في آرائنا حاليًا. وهكذا، يوجين، كُن حذرًا مع أسلوب حديثك. الآن، يتم سماع هذه المحادثة من قبل ملك اللهب العظيم واللطيف، اللورد إفريت. اللورد إفريت، أُنظر كم أعشقك.” قالت ميلكيث وهي ترفع حجر النار بكلتا يديها وتفركه على خدها.
برؤية هذا المشهد، سمع يوجين صوت طحن أسنان تيمبست ببعضها داخل رأسه.
“فقط إلى متى تخطط للإستمرار في إجهاد عينيك هكذا؟” سأل يوجين، إستدار للخلف ونظر إلى الجانب.
من هذه الزاوية، إستطاع أن يرى سيان، الذي بدا وكأنه يجعد جبينه.
“أنا لا أفعل أي شيء.” سخر سيان.
أشار يوجين، “حتى الآن، ما زلت تطلق خناجِرًا من عينيك.”
“هؤلاء الأوغاد ظلوا ينظرون إلينا منذ وقت سابق.” قال سيان أخيرًا وهو يفك أزرار أصفاده فجأة وبدأ يشمر عن سواعده.
عندما شد سيان قبضتيه، إرتعدت العضلات المشدودة على ساعديه بشكل خطير. وكما لو أن هذا غير كاف، قام سيان بفك السيف من خصره ووضعه على الطاولة حتى يتمكن من إلتقاط عيون الآخرين بسهولة.
تنهد يوجين: “أنت تبالغ في ذلك حقًا.”
“من المعروف أن سكان سمر الأصليين يختطفون الأجانب إما لأكلهم أو لبيعهم. لقد سمعت أن المدن التجارية مثل هذه، على وجه الخصوص، بمثابة مناطق صيد بالنسبة للسكان الأصليين.” تمتم سيان بحذر.
لقد مر يومان منذ مغادرتهم قصر لايونهارت. نظرًا لعدم وجود بوابات إنتقال في سمر، فقد وصلوا إلى الحدود الجنوبية لكيهل قبل الإنتقال مباشرة عبر الحدود إلى المدينة التجارية الواقعة عند مدخل غابة سمر مباشرة.
كلمات سيان ليست خاطئةً تمامًا.
سمر هي منطقة خارجة عن القانون حيث لا يُطبَّقُ أي من قوانين القارة فيها، لذلك هناك العديد من المجرمين الهاربين إلى هنا من ممالك أخرى. غالبًا ما يرتكب هؤلاء المجرمون جرائم بالتواطؤ مع السكان الأصليين العدوانيين والعنيفين، والسياح الأثرياء الأغبياء الذين يغامرون بتهور إلى هذا المكان الخطير هم فرائسهم المفضلة.
سخر يوجين، “لن يستهدفونا إلا إذا فقدوا عقولهم.”
يوجين ورفاقه الآن يجلسون على طاولة خارجية في حانة في الشارع. على الرغم من أنه أجرى إتصالًا بالعين مع عدد قليل من أولئك الذين يمرون في الشارع، إلا أن معظمهم حولوا نظراتهم على الفور بعيدًا عنه وسرعان ما سارعوا للمغادرة. الشيء نفسه ينطبق على الرجال الذين يراقبون مجموعتهم من الظل.
يطلق الناس دائمًا دون وعي نوعًا معينًا من الهالة. على الرغم من أنه لا يرتدي الملابس الرسمية لعشيرة لايونهارت، إلا أن الهالة المنبعثة من يوجين بدت عدوانية بدرجة كافية بحيث لم يجرؤ أي شخص آخر على التواصل معه بالعين.
في المقابل، ظل الجو حول طاولتهم مريحًا للغاية.
قالت رايميرا بإبتسامة كبيرة وهي تنغمس في البطاطس المقلية الغريبة التي تم وضعها على أطباق وتقديمها لها: “هذا لذيذ جدًا.”
“هناك بعض الفتات على خدك.” كريستينا، الجالسة على الجانب الآخر من رايميرا، وبختها بلطف وهي تمسح خد رايميرا بمنديل.
“الأم….” تمتمت رايميرا دون وعي.
لقد تلقت بالفعل هذا النوع من الرعاية لعدة أيام حتى الآن. في إجتماعهم الأول، كادت رايميرا أن تُقتَلَ عندما أرجحت انيسيه فركلها نحوها بلا رحمة، ولكن منذ ذلك الحين، تصرفت هذه الكاهنة الشقراء بلطف ومراعاة معها. تمنت رايميرا بصدق أن تكون كريستينا والدتها الفعلية.
‘عندما أتحدث إلى اللورد الأب، التنين الأسود، يمكنني أن أطلب منه أن يسمح لي بأخذ هذا الإنسانة كَـمربية.’ فكرت رايميرا بجدية مع نفسها.
مما سمعته، يوجين لايونهارت هو الوحيد الذي سيواجه التحدي المتمثل في ذبح التنين الأسود. على الرغم من أن رايميرا لم تستطِع فعل أي شيء لمنعه من قتل نفسه بهذه الطريقة، إلا أنها على الأقل سَـتكون قادرة على إنقاذ الكاهنة.
“أنا أيضًا، سيدي يوجين، هناك شيء ما على خدي أيضًا.” مير، التي تأكل في المقعد المجاور لريميرا، أصدرت أنينًا وطلبًا للمساعدة.
دون أي علامة على الإنزعاج، مسح يوجين وجه مير.
“هل هذا حقًا تنين؟” سأل سيان متشككًا.
أمرت رايميرا، “نادِني بِـدوقة التنين، أنت أيها الإنسان غير المهم.”
“هل هي حقًا تنين، واحدة من عرق أسياد السحر….؟” تمتمت ميلكيث بتعبير مصدوم.
الآن بعد أن رافقوه إلى سمر، إضطر يوجين إلى مشاركة بعض تفاصيل مهمتهم الأخرى مع سيان وميلكيث.
لم يخبرهم عن كيفية تورطه في سقوط قلعة التنين الشيطاني والقضاء على كارابلوم. بدلًا من ذلك، أخبرهم يوجين فقط أنه إقتحم قلعة التنين الشيطاني خلال حرب إقليمية وإختطف دوقة التنين. هذا كل ما توجب عليه قوله.
تمتم سيان وهو يهز رأسه: “لقد تحطمت كل أوهامي حول التنانين.”
السبب في إرتباك سيان بإستمرار ومداومته على مراقبة محيطهم ليس فقط بسبب المكان الذي ينعدم فيه القانون والمتمثل بِـسمر.
إعتقد سيان أن كل ما هم هنا من أجله هو التحقيق في الحقيقة وراء السحر الأسود الذي تم إعداده في غابة سمر، لكنه اكتشف الآن أنهم هنا لأمور أكثر أهمية.
إنهم هنا لإنقاذ سيينا الحكيمة، ويبدو أن سيان يشعر بأنه مثقل بثقل هدفهم.
“ألا يمكننا التدخل في السحر من هنا؟” سأل سيان.
هز يوجين رأسه، “أشعر أننا سَـنحتاج إلى التعمق أكثر.”
بمجرد وصولهم إلى المدينة التجارية، حاول يوجين إستخدام تعويذة دراكونية على رايميرا. ومع ذلك، بدا أنهم لم يتمكنوا بعد من الوصول إلى صدع الأبعاد حيث يقع رايزاكيا.
حتى بعد الوقوع في صدع الأبعاد، تمكن رايزاكيا بطريقة ما من ربط وجوده بأرض غابة سمر. على ما يبدو متخليًا عن كرامة التنين، سقطت منزلته إلى شيء لا يختلف عن روح أرض. بفضل ذلك، لم يختفِ رايزاكيا على مدار المائتي عام الماضية وتمكن من البقاء على قيد الحياة أثناء وجوده في صدع الأبعاد.
من أجل الوصول إلى المساحة التي يقع فيها رايزاكيا، إحتاجوا إلى فتح المدخل بإستخدام ريميرا كمفتاح، وهذا المدخل متجذرٌ في مكان ما داخل سمر.
‘إذا لم ينجح هذا، فَسَـنحتاج إلى محو سمر بأكملها.’ فكر يوجين بعناية.
هذا، بالطبع، مستحيل. إن محو غابة سمر بأكملها يعني محو شجرة العالم التي يتم فيها ختم سيينا إضافة إلى ملاذ الجان بأكمله أيضًا.
هم بحاجة لقتل رايزاكيا، ثم إنقاذ سيينا. من أجل إنجاز هاتين المهمتين، ليس لديهم خيار سوى فتح مدخل الأبعاد المخفي في أعماق سمر.
‘لولا حدوث مثل هذه الفوضى، ما كان ليكون من الصعب التسلل إلى عمق الغابة.’ فكر يوجين بعبوس وهو يفحص الجزء الخارجي من الحانة.
هناك تغيير كبير في جو المدينة التجارية منذ آخر مرة جاءوا فيها إلى هنا. يعرف يوجين جيدًا أجواء كهذه. لم يستطع إلا أن يعتاد عليها بعد أن أمضى وقتا طويلًا فيها.
هذه المدينة التجارية إما متورطة في حرب أو تستعد لحرب. البضائع التي يتم تداولها في الغالب مواد حربية مثل الأسلحة، والسياح نادرون كذلك. يمكن أيضًا رؤية عدد قليل من تجار الموت والضباع الأخرى الذين إنجذبوا إلى رائحة الحرب. حتى السكان الأصليين يمكن رؤيتهم في كثير من الأحيان وهم يستأجرون المرتزقة.
‘لكنني سمعت أن جيش إستقلال الغاضب قد إنسحب.’ تذكر يوجين. ‘يبدو أن إيريس لا تريد التورط في هذه الحرب.’
جيش إستقلال الغضب هم مجموعة من الجان ظلام بقيادة إيريس. في المرة الأخيرة التي مر فيها يوجين، كان ذوو آذان السكين أولئك في منتصف ترسيخ جذورهم داخل هذه المدينة التجارية.
لكن الآن زعيمتهم، إيريس، قد هُزِمَت في حرب إقليمية ضد نوير جيابيلا وإضطرَّت لِـلَعِبِ دور القرصانة. ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن هدفهم النهائي قد تغير. لا تزال إيريس تأمل في رفع عرقها وتحقيق الإعتراف في النهاية بكونها ملك الشياطين التالي.
يبدو أنه بدلًا من البحث عن بعض المرح في هذه الحرب، قررت إيريس التراجع مبكرًا لتجنب أي خسائر لأرقام قواتها التافهة بالفعل والتركيز على نهب البحار.
قالت ميلكيث بإبتسامة: “إنهُ هنا.”
لقد رصدت رجلًا يرتدي أرديةً حمراء داكنة، وشعره الأشقر مربوط للخلف، قادمًا.
إنه سيد البرج الأحمر، لوفليان صوفيز. نظرًا لأنه غادر على الفور من آروث عندما تلقى رسالتهم، فقد ظلوا ينتظرون مقابلته هنا اليوم.
قال لوفليان المُقتَرِب بإبتسامة باهتة: “لقد مر وقت طويل.”
قرر إيفاتار البقاء خارج بوابات المدينة، والآن بعد أن وصل لوفليان، آخر شخص كانوا ينتظرونه، لا حاجة للإستمرار في الجلوس هنا بعد الآن.
بعد تبادل بعض التحيات غير الرسمية، بدأ يوجين والآخرون بالسير في الشارع.
حذر يوجين لوفليان، “هذا كله سر لا يعرفه البطريرك.”
“نعم، أنا أعلم.” أجاب لوفليان بإيماءة طفيفة قبل إلقاء نظرة خاطفة على سيان.
عند رؤيتهما معًا هكذا، بدا التناقض بين الأشقاء واضحًا. كلاهما في الحادية والعشرين من العمر، قد يكونان في نفس العمر، لكن يوجين لديه ما يكفي من رباطة الجأش حتى يتمكن من البقاء هادئًا رغم كل شيء. ومع ذلك، إضطر سيان إلى تهدئة أنفاسه المتسابقة عدة مرات منذ أن بدأوا المشي.
‘…على الرغم من أن هذا هو رد الفعل الطبيعي الذي من المفترض أن يظهر.’ فكر لوفليان، دون علم مع نفسه، وإبتسم بسخرية.
لقد راقب سيان، سيل ويوجين منذ طفولتهم. التوائم من العائلة الرئيسية غير عاديَّين بما يكفي لِـيُطلَقَ عليهما بحق عباقرة، لكنهما لا يزالان لا شيء مقارنة بِـيوجين.
ألم يكن هذا هو الحال حتى الآن؟ في أعماق سمر، تختمر مؤامرة غير معروفة. هناك عدد لا يحصى من السكان الأصليين يتجمعون لشن الحرب. وهم هنا على وشك محاولة إنقاذ سيينا الحكيمة، التي إختفت لأكثر من مائتي عام.
حتى لوفليان، الذي شهد سنوات عديدة، لم يستطِع إلا أن يشعر بالضغط. إنه أمر منطقي أن ميلكيث، الذي رافقتهم فقط لمجرد نزوة، لا تزال تبدو هادئة. ومع ذلك، لم يستطِع لوفليان فعل الشيء نفسه.
عليهم أولًا التعامل مع السحر الأسود المكروه، ولو كان هذا هو كل ما يجب التعامل معه، لَـتمكن لوفليان من الإعتماد على تعطشه للدماء للحفاظ على هدوئه؛ ولكن كلما فكر في سيينا الحكيمة، التي يحترمها بصفتها معلمه الأكبر، ملأ الثقل قلب لوفليان وجف فمه.
كيف يمكن لسيان، شاب يبلغ من العمر واحد وعشرين عامًا فقط، أن يواجه الأمر بصورة أفضل؟ علاوة على ذلك، هناك أيضًا حقيقة أن سيان قد جاء بسبب إحساسه بالواجب بإعتباره البطريرك التالي لعشيرة لايونهارت.
الشخص الوحيد الذي يمكن أن يشعر بعبء أكبر من سيان سَـيكون يوجين.
بصفته البطل الذي إعترف به السيف المقدس وخليفة سيينا الحكيمة، يوجين أيضًا هو الشخص الذي سيضطر لمحاربة رايزاكيا داخل الصدع البعدي وحده. لن يكون لوفليان قادرًا حتى على فعل أي شيء للتدخل في قتالهم.
حتى مع كل ذلك، وجه يوجين لا يزال هادئًا وكأنه في نزهة.
على الرغم من أن هذا الشعور بالتناقض هو شعور واجهه لوفليان عدة مرات حتى الآن، إلا أن الإحساس هذه المرة بدا شديدًا بشكل خاص.
سأل لوفليان بحذر، “هل أنت بخير، السير يوجين؟”
رد يوجين، “هاه؟ لماذا هذا السؤال؟”
“كل ما في الأمر أنك لا تبدو قلقًا على الإطلاق….” سكت لوفليان ولم يتمكن من إنهاء حديثه بسبب إرتباكه.
“قد يبدو هذا عليَّ ظاهريًا فقط. أنا في الواقع عصبي للغاية الآن.” إعترف يوجين.
لكنه حقًا لا يبدو قلقًا، ولا حتى قليلًا.
راود لوفليان شك مفاجئ، ‘….ماذا لو….؟’
على الرغم من أنها فكرة سخيفة، إلا أن لوفليان ساحر. لطالما إعتقد أنه لا يوجد أي شيء سخيف وغير ممكن حقًا في هذا العالم.
منذ اللحظة التي أنشأ فيها يوجين توقيعه، صار مساويًا لِـلوفليان كَـساحر.
لا يهم أن هناك إختلافات في أنواع السحر التي يستطيعان إلقاءها. في معركة سحرية، طالما يستخدم كلاهما توقيعهما، لن يكون لوفليان قادرًا على إكتساب ميزة على يوجين. هذا وحده مثيرٌ للإعجاب بالفعل، ولكن ماذا لو إستخدم يوجين كل ما في وسعه للقتال؟ لو حدث شيء كهذا، فَـلوفليان لا يمتلك الثقة للتغلب على يوجين.
ومع ذلك، هذا لا يزال مجرد شاب يبلغ من العمر واحد وعشرين عامًا الذي يتحدثون عنه هنا.
‘….ولكن ماذا لو كان….؟’
فكر لوفليان في شكوكه السابقة مرة أخرى وهو يحدق في ظهر يوجين. بدا الجزء الخلفي من الشاب الذي يسير أمامه موثوقًا به وذو خبرة لدرجة أنه من الصعب تصديق أنه في الحادية والعشرين فقط.
‘ربما السير يوجين هو في الواقع—’
“آاغ!”
إنقطعت أفكار لوفليان فجأة بسبب صراخ سيان الحاد. ضرب يوجين فجأة سيان، الذي يسير بجواره مباشرة، بركلة منخفضة.
حاضر يوجين سيان، “أرخِ وجهك المتجعد، أيها الوغد. ثم، بينما تقوم بفك هذا التعبير، قم بتمديد كتفيك أيضًا. لماذا تتصرف بصلابة شديدة عندما تكون الشخص الذي أصر بعناد على مرافقتي؟”
إحتجَّ سيان، “لماذا تضربني بحق كل ما هو حي…؟!”
“لكي تسترخي.” أجاب يوجين بتعبير لا مبالي.
‘….ربما أنا أتخيل الأشياء فقط؟’ ظهر تعبير مُحتار على وجه لوفليان وهو يحاول التداخل مع الشك الذي إرتفع في رأسه مع مظهر يوجين الحالي.
في أعماقه، إشتبه لوفليان في أن يوجين لايونهارت يجب أن يكون تناسخًا لفيرموث العظيم. ومع ذلك، عندما رأى يوجين هكذا….شعر أن هذا لا يمكن أن يكون هو الحال.
لا يبدو أن فيرموث العظيم، الذي تم نقل حكاياته كَـأساطير، يتداخل مع هذه الهيئة، يوجين لايونهارت. بدلًا من ذلك، مظهره غير الرسمي والمبتسم يشبه إلى حد كبير مظهر هامل الغبي.
‘لكن هذا سَـيكون مستحيلًا حقًا.’ فكر لوفليان بإستخفاف.
من الصعب تصديق أن فيرموث العظيم قد يتناسخ من جديد بإعتباره سليل سلالته، لكنه لا يزال يبدو معقولًا إلى حد ما.
ومع ذلك، كيف يمكن أن يتجسد هامل الغبي كَـلايونهارت بالضبط، عائلة لم يكن له أي صلة بها على الإطلاق؟ من المفترض أن تتدفق أرواح الموتى إلى الحياة الأخرى وفقًا للقوانين الطبيعية في العالم.
‘ما لم يتعارض مجنون ما مع النظام الطبيعي ويستعيد روح هامل الغبي بالقوة….’ فكر لوفليان في الأمر أكثر، لكنه لا يزال يبدو سخيفًا تمامًا.
حاول لوفليان جاهدًا تجاهل الرعشات المخيفة التي تنهمر على ظهره.
إستدار يوجين وسأل، “هل كانت هناك أي أخبار أخرى بخصوص بلزاك لودبيث؟”
رد لوفليان متأخرً، “آه….لا، لا توجد أخبار. لقد إتبع القوانين ببساطة وقدم إجازة غياب قبل خمسة عشر يومًا قبل مغادرة برج السحر الأسود.”
“وأنت لا تعرف أين ذهب، صحيح؟” أكد يوجين.
“يمكنني التأكيد أنه ترك آروث. لكن بصراحة، لا أعتقد أن بلزاك هو من إبتكر هذا المخطط. بينما أتفق معك في أن بلزاك شخص مشبوه، إذا توصل إلى مخطط مثل هذا….فلن يتصرف بشكل واضح جدًا كما فعل.” إعتَقَدَ لوفليان.
“هذا منطقي. لسبب ما، تخيلت شكل بلزاك وهو يجري تجارب بشرية في مختبره السري غير المعلن في مكان ما.” قالت ميلكيث بضحكة مكتومة.
[كم هذا محبط. كريستينا، إذهبي وأعطي هامل ضربة على مؤخرته.] أصدرت انيسيه تعليماتها فجأة.
‘هاه؟’
[عندما كنا نحن الإثنين فقط نسافر مع هامل، تمكنت من الخروج كما يحلو لي، ولكن منذ أن كَبُرت مجموعتنا، لم أعد قادرة على الخروج بحرية.] أوضحت انيسيه.
‘منذ متى كُنتِ تهتمين بشيء كهذا؟’ سألت كريستينا. ‘لا بأس في أن تخرجي لو أردتِ أيتها الأُخت. طالما تكونين حريصة على عدم مناداة السير يوجين، بهامل، هذا كل ما يهم.’
رفضت انيسيه، [لا، لن أخرج. لو حدث موقف يجب أن أتدخل فيه، فلن يكون لدي خيار سوى الخروج….ولكن إذا أمكن، فأنا أخطط لترك الأمر لك هذه المرة.]
انيسيه صادقة في كلماتها. تمامًا مثل كيف إلتقط يوجين رائحة الحرب، إكتشفت انيسيه أيضًا رائحة ساحة المعركة. تعرف انيسيه الحروب جيدًا. ومع ذلك، كريستينا لا تزال غريبة عنها.
[….سَـتضطرين لرؤية الكثير من الجثث في هذه الغابة. سَـتتعلمين مدى وحشية الحرب، ما تستطيعين، كَـكاهنة، فعله في ساحة المعركة، وكم سَـيبدو وجودكِ صغيرًا عندما تواجهين قسوة الحرب.] حذَّرتها انيسيه.
بقيت كريستينا صامتة.
[آمل ألا تنكسري بسبب الحرب الأولى التي ترينها. بدلًا من ذلك، آمل أن تصبح تجربة من شأنها أن تساعدك على النمو. كريستينا، نصيحتي الحالية لك هي….تخلصي من رغبتك المتغطرسة في إنقاذ الجميع.]
‘نعم أيتها الأُخت.’ ردت كريستينا داخل رأسها وهي تحدق في ظهر يوجين.
لقد تعهدت كريستينا بأنها ستتبعه. لقد قررت أنها سترى دائمًا نفس الأشياء التي يراها يوجين. هذا ليس نابعًا من حسها بالمسؤولية كَـقديسة حيث يجب أن تتبع البطل. إنها كريستينا روجرس التي قررت إتباع يوجين لايونهارت.
عندما تذكرت هذه الذكريات، بدا أن وجه كريستينا يسخن قليلًا. وضعت يدها لتهدئة خجلها، وسارعت كريستينا خطواتها.
* * *
تمتم هيكتور بتعبير ملتوي: “لو أمكن، أتمنى أن أبدو أكثر إنسانية.”
إنها شكوى منطقية. حتى في أكثر المصطلحات تهذيبًا، لا يمكن وصف مظهر هيكتور الحالي بأنه أي شيء قريب من الإنسان.
تم زيادة عدد أذرع هيكتور التي يجب أن تكون إثنين إلى ستة، ومن بين تلك الأسلحة المضافة، بدا أن اثنين كانا ينتميان ذات مرة إلى نوع من الوحش الشرير. وللنصف السفلي من جسده أيضًا أرجل وحش بدلًا من أرجل الإنسان. من أجل موازنة عدد أذرعه المتزايدة، توجب أن يصبح جذع هيكتور أكبر وأكثر سمكا، وفوق كل ذلك، بدا الوجه قبيحًا أيضًا.
سأله صوت، “ألا تستطيع السيطرة على جسمك بشكل صحيح؟”
“لقد إعتدت عليه إلى حد ما. أنا فقط لا أحب شكلي هذا.” إشتكى هيكتور.
“لا تكن غير راضٍ للغاية. بعد كل شيء، أنا كوَّنته لِـيُناسِبَ شكل روحك، لذلك هذا هو الجسم المثالي بالنسبة لك.” كشف صوت.
مات جسد هيكتور لايونهارت وتفكك.
في تلك اللحظة، تم إستدعاء روح هيكتور من قبل الساحر الأسود الذي تعاقد معه، إدموند كودريث.
لقد مر عام منذ أن حدث ذلك.
‘شكل روحي، هاه؟’ نقر هيكتور على لسانه بخيبة أمل وهو يحدق في جسده. لقد حصل على هذا الجسد مؤخرًا فقط بعد إجباره على الوجود كروح فقط.
ربما يكون هذا الجسد البشع قد تخلى عن كل التشابه مع الإنسانية، لكنه أقوى حقًا، ويمكنه أيضًا التحرك فيه بسهولة. في البداية، كان من المحرج والغريب تعلم كيفية التعامل مع إمتلاك ستة أذرع، لكنه الآن إعتاد عليها تمامًا. هز هيكتور أذرعه الستة برفق وهو يستدير للنظر إلى محيطهم.
إنهم حاليًا داخل ساحة واسعة، لكن، لا يوجد خصوم يمكن رؤيتهم. وإدموند هو الوحيد الذي يجلس في مدرجات المتفرجين. عادة، هذا هو المكان الذي أُجبر فيه عبيد قبيلة كوتشيلا على قتل بعضهم البعض من أجل البقاء. ربما لأن هذه هي قبيلة ثقافتها قائمة على تسلسل هرمي قاسي، هناك آثار لتلك القسوة في كل مكان.
كل حبة من التربة تنبعث منها رائحة الدم. تم نصب سياج مكون من عظام بشرية أمام جدران الساحة. إنها جثث الذين ماتوا هنا بالأمس معلقة بِـأسياخ طويلة أقيمت مثل الزخارف.
لم يشعر هيكتور حقًا بأي إشمئزاز من هذا. رد فعله الهادئ على كل شيء فاجأ نفسه حتى.
“اغغ….” صوت خشن كسر فجأة الصمت. رجلٌ دخل للتو بعبوس ونظر إلى هيكتور وقال، “أنت تبدو حقًا فظيعًا. يجعلني مظهرك هذا أرغب في قتلك.”
تدخل إدموند، “إعتقدت أنني أخبرتك بالوقت مسبقًا، لذلك فقط أين ذهبت؟”
قال الرجل بإقتضاب: “خرجتُ في نزهة.”
على الرغم من أن يديه نظيفتان تمامًا، هناك رائحة دم قوية تفوح من الرجل.
أعطى إدموند إبتسامة ساخرة وهز كتفيه. “إذا كنت تريد المشي، فليس باليد حيلة. شكرًا لقدومك بغض النظر.”
“ماذا الآن؟ هل هو بخير إذا قتلت هذا الشيء؟” سأل الرجل، ورفع إصبعًا واحدًا وأشار إلى هيكتور.
“لا، لا يمكنك قتله.” نفى إدموند. “سأظل بحاجة إلى إختبار حدود الأداء والإجهاد لهذا الجسم.”
“لكنك لن تذهب إلى حد الإتصال بي من أجل شيء كهذا، صحيح؟ لا تختلق مثل هذا العذر الواضح.” قال الرجل بسخرية: “أنت فقط تريد إلقاء نظرة على مهاراتي.”
“بالطبع، هذا هو أحد أسباب الإتصال بك.” إعترف إدموند بسهولة.
“لا أريد حقًا اللعب. لو لم يكن الأمر بسبب طلب سيدتي، فَسَـأقتلك أيضًا.” بصق الرجل، وشفتاه تلتفان مظهرًا إنزعاجه، لكن إدموند إبتسم إبتسامة عريضة ردًا على ذلك.
“يُرجى تفهم مشاعري.” طلب إدموند بأدب. “أليس من الطبيعي أن أرغب في رؤية المهارات الشهيرة للغبي هامـ—”
قبل أن ينتهي إدموند من التحدث، قلَّص الرجل—لا، هامل المسافة في لحظة ودفع سيفه نحو حلق إدموند.
“لا تدعوني بذلك.” هسهس الرجل، وعيناه تلمعان.
لمس النصل تفاحة آدم، لكن بشرة إدموند ظلت هادئة كما كانت دائمًا.
“أعلم أنك قدمت الكثير من المساعدة في إبتكاري. ومع ذلك، هذا لا يعني أنك سيدي. هل تفهم ما أقوله؟ وإن كنت لا تفهم بعد، فَـإسمح لي بتهجئة ذلك من أجلك. راقِب فمك.” هدر الرجل.
هز إدموند كتفيه قليلًا وأومأ برأسه، “فهمت، سأكون أكثر حذرًا.”
شخر الرجل وخفض سيفه. ثم قفز أمام هيكتور، الذي لا يزال واقفًا في الساحة وألقى بالسيف الذي كان يحمله خلفه.
“سيفك؟” قال هيكتور بتساؤل.
“هل تعتقد أنني سَـأحتاج إلى إستخدام السيف للتعامل مع نذل مثلك؟” سخر الرجل.
دون تقديم أي رد آخر، إتخذ هيكتور موقفه القتالي.
ضحك الرجل وهو يفحص هيكتور، الذي يحمل الآن سيفًا في كل من أيديه الست، من الرأس إلى أخمص القدمين، وقال: “هذا يذكرني بالأيام الخوالي.”